خلال استضافتها من قبل برلمان بلادها لمحت وزيرة خارجية السويد السيدة ماركوت فالستروم الى تايدها اقامة دولة كوردستان. ونحن نقول ان الكورد كاي شعب اخر على وجه هذه المعمورة يستحقون دولتهم الخاصة، وخصوصا انهم اثبتوا شعورا عاليا بالمسؤولية، من خلال مشاركتهم في تحالفات دولية سواء بشكل مباشر كما هو قائم الان لمحاربة القوى الارهابية، او بشكل غير مباشر حين تم اسقاط احدى أعتى قلاع الدكتاتورية في المنطقة والمتمثلة بنظام صدام حسين، او من خلال تمكنهم السباحة بنجاح في بحر السياسة المتلاطم في المنطقة.
ولكن تاييدنا لهذا الحق الطبيعي والمقر من قبل الامم المتحدة من خلال اقرارها بحق الشعوب في تقرير مصيرها، يجب ان لا ينسينا ان اقامة مثل هذه الدولة سيكون عاملا سلبيا في نظر شعوب اخرى تشارك الكورد العيش في المنطقة ومنها شعوب تسبق الكورد في الاقامة وتاسيس وجود حضاري فاعل وكبير مثل الاشوريين والارمن، لو لم يتم اتخاذ اجرات سريعة وحقيقية لطمانتهم وضمان مشاركتهم في القرار السياسي، ليس من خلال دمى سياسية بل من خلال ممثلين حقيقين لهذه الاطراف ليتم التاكد من اقرار الضمانات المطلوبة قانونيا وسياسيا واجتماعيا واداريا. ولكن وفي خضم التعدد السياسي للاشوريين خصوصا، والصراعات التي بينهم لاسباب اغلبها واهي، فان ظهور مثل هؤلاء الممثلين قد يكون صعبا ويمكن التشكيك في مصداقيتهم، ان لم يعملوا من اجل ترسيخ وحدة قرارهم السياسي وتحديد سقف معقول وملبي لطموحات الناس العاديين للمطالب القومية الموحدة.
والخوف ليس من نصيب الاشورييون والارمن فقط، بل بمكن ان يكون كورديا وخصوصا ما عانته الاقليات الكوردية من الازيدية والعلوية وعلى يد السنة من الكورد وبالاخص ابان عهد الامبراطورية العثمانية، وما عاناه الشيعة الكورد كبقية الشيعة من تهميش ابان تحكم السنة المباشر او غير المباشر، صحيح ان الحكم هنا سيكون كورديا، في حالة اقامة دولة كوردستان، ولكن تجارب التاريخ وعمق الانتماء الطائفي لكل الاطراف، سيكون عاملا مهما لدفعهم للمطالبة بامور تحفظ مصالحهم وتحمي وجودهم وخصوصيتهم الدينية او المذهبية، من هنا فان اقامة الدولة ليس شعارا يطلق، بل ان تاييد هذا الشعار. ولذا من المفترض ان يتم دفع كل المكونات لكي تلتف حول المطلب وتدعمه وتسوقه في المنظمات الدولية والدول الكبرى. ومن هنا يجب العمل من اجل ان لا يكون اعلان دولة كوردستان خاضعا لموازين القوى على الارض، اي الامر الواقع، كما حدث في ارتيريا او الجنوب السوداني. ولذا فالمفترض من مختلف المكونات الاشوريون والارمن والعلويون والازيدية العمل من خلال تحالف واسع، ليس لايقاف عجلة اقامة الدولة، بل لاجل الحفاظ على المصالح العليا لهم من خلال دفع المجتمع الدولي لكي يتمكن من استحصال على تعهدات ذات مصداقية عالية و قابلة الوثوق وملزمة قانونيا من الدولة المنوي اقامتها، لمنح المكونات كامل الحقوق للمشاركة الفعالة في القرار والتمتع بالحريات التامة للحفاظ على خصوصايتهم وتطويرها، لكي نتمكن ان قطار الدولة الجديدة سيسير نحو التقدم والاستقرار.
ولكن قبل الوصول الى هذ المرحلة على القوى السياسية لهذه المكونات وبالاخص الاشوريين العمل من اجل، ان يكون خطها وخطابها السياسي من الوضح بمكان، لكي يدرك الكل انهم عازمون على ان يكونوا اسيادا في ارضهم ولن يقبلوا باقل من المساواة التامة في الدولة المنوي اقامتها. وهذا الخطاب ليس عنصريا وليس استسلاميا كما قد ينظر اليه بعض الاطراف من الكورد او الاشوريون، بل هو واضح ويحقق الغاية التي نصبو اليها في الحفاظ على الذات ودولة ذات مصداقية لا تحتسب بين الدول الفاشلة. فرغم قولنا ان الكورد استحقوا احترام المجتمع الدولي، الا ان المجتمع الدولي في الحقيقة لم يتفحص الواقع الداخلي والعلاقات ما بين مكونات ابناء اقليم كوردستان كمثال مستقبلي. ولو تفحص هذا المجتمع هذه العلاقات لشاهد الخلل الكبير ولصالح احزاب متنفذة من ناحية ومن ناحية اخرى لصالح الاسلام السني والذي يكاد ان يسيطر على المجتمع وتوجهاته وفرض رؤياه عليه، ليس من خلال الاقناع العقلي بل من خلال الفرض والارهاب المعنوي وغيرها من الاساليب المرفوضة في المجتمعات ذات الصبغة التعددية، متكأنا على تحافه القوي مع القوى المحافظة المتمثلة برؤساء العشائر (الاغوات).
ان من اسهل الامور بالطبع سطر اماني ومطالب على الورق ولكن تحقيقها في الواقع هو الامر الاكثر صعوبة لانه يتطلب وقبل اي شئء الانتصار على الذات، وهذه موجه لقيادات التنظيمات الاشورية (الكلدانية السريانية الاشورية) في العراق وسوريا وتركيا بالاخص، بقدر توجهه الى القيادات الفاعلة في المجتمع الكوردي. واعني الانتصار على الذات الادارك التام ان كل قائد ليس هو وحده في الساحة، وان التعنت والتمترس لن يحققا لاي منهم اي شئ، بل التقدم خطوات وليس خطوة واحدة نحو تفعيل العمل المشترك وبناء قيادة فاعلة وموحدة لطرح الخطاب المشار اليه اعلاه. اما كورديا فيجب ان يتم الادراك ان مستقبل الشعب وسلامته منوطان بالسلام الداخلي، المبني على انتشار واسع للتعليم المدني المنفتح على العلوم العصرية والثقافات المختلفة، واقلمة اظافر وقدرات رؤوساء العشائر ومحاولتهم جعل القيم العشائرية بديلا للقانون المدني الي يجب ان يظلل الجميع.
خلال سنوات طويلة امتدت من عام 1991 ولحد عام 2003 كان القول الفصل في الاشوريين منوطا بطرف واحد، وهو الحركة الديمقراطية الاشورية، التي تمكنت من تسويق خطاب ديماغوجي، يلعب على العواطف اكثر مما هو انجاز حقيقي وواقعي يمكن تلمسه والبناء عليه. وبقدر ما كان سقوط النظام بابا لتوسيع الامكانات والمصالح الحزبية للحركة الديمقراطية الاشورية، الا انه من جانب اخر كان للاطراف التي تم الحجب عنها او تحجيمها والتي كانت ابتدات العمل العلني مع بداية التسعينيات من القرن الماضي ايضا، مثل الحزب الوطني الاشوري وحزب بيت نهرين، ومن ثم اتحاد بيت نهرين الوطني، القيام بخطوات واسعة نحو الظهور ونشر خطاب سياسي مغاير لما كانت تروجه الحركة.
ان تجارب الاشوريين مع وحدانية القرار السياسي بيد طرف معين اظهر كم يمكن ان يكون هذا القرار ضعيفا وقابلا لتقديم تنازلات كبيرة وخصوصا لو ارتبط بعمق وسعة المصالح التي يتم التعامل معها، حيث ولاجل عيون المصالح الشخصية والانية يتم التضحية بمصالح قومية قد تتعلق بوحدة الشعب ومستقبله. كما اظهرت ان التعددية الحزبية المتعادية وذات الاجندات المختلفة ليس بالضروري ان تكون قومية، لم تساعد الا في تقليم اظافر الحركة الديمقراطية الاشورية وخصوصا بعد ظهور المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري المدعوم ماليا وبقوة والذي حقق انجازات مهمة لصالح الناس ومنها بناء الاف البيوت في القرى المدمرة لعودة اهلها اليها.
اذا الاشوريون امام مفترق طريق حقيقي، وهو احتمال التوجه نحو دعم مطلب الكورد في اقامة دولتهم المستقلة والتي قد تضم في مراحلها الاولية كوردستان العراق وكوردستان سورية ومن ثم كوردستان تركيا دوليا، انه تغيير جيوسياسي كبير، على الاشوريين ان يكونوا بمستوى المسؤولية التي تلقيها عليهم اللحظة الراهنة، والمسؤولية تقول انه بقدر احتياجهم للاخر فان الاخر ايضا محتاج اليهم، وانهم يمكن ان يلعبوا ورقتهم السياسية بذكاء لو تمكنوا من حشد قوانهم السياسية الداخلية والخارجية خلف هذه الورقة. فداخليا على الاقل يجب تفعيل تجمع احزاب شعبنا ووضع اليه لاتخاذ القرار والمشاركة فيه وتخصيص سكرتارية له تتابع الشؤون الخاصة به وقراراته. كما انه من الضروري ان يكون في البداية هناك تنسيق بين القوى العسكرية المختلفة للاشوريين، وتبادل المعلومات العسكرية والسياسية والاستخباراتية، وامكانية القيام بعمل مشترك ومدروس يمكن ان يسجل في بدء خانة تحرير مناطق شعبنا التي تم الاستيلاء عليها من قبل داعش.
لقد تلاعبت في السنوات الاخيرة بعض الاطراف التي يمكن ان نحسبها على المغامرين اكثر مما نحسبهم على النشطاء السياسين بعواطف الاشوريون من خلال استحاضرهم الماضي وشحن الناس بالكراهية للاخر لاسباب قومية او دينية او بسبب ما وقع فيه، ولكن هذه الاطراف لم تقدم اي شئ لهم، الا هذا وكمية هائلة من الصراخ والكلمات البذيئة بحق الاخر والتي لا تكون الا مجرد افراغ الشحنات المحتبسة في غير موقعها. على الاشوريون ان يعيدوا ضبط ايقاع مجتمعهم في الداخل والخارج، في الوطن والمهجر، والوقت الحالي مهئ لهذا وخصوصا ان كل التنظيمات الاشورية في العراق وسوريا وتركيا تتشارك مع اطراف كوردية في مواقف مشتركة كثيرة، وبالتالي زوال الكثير من الشكوك التي كانت تنتاب بعض الاطراف من هذه المواقف. فعلى مستوى سوريا ايضا تقيم المنظمة الاثورية الديمقراطية والحزب الاشوري الديمقراطي والتنظيم السرياني علاقات جيدة وتحالفية مع الاطراف الكوردية. وفي المهجر يكاد التوجه العام ينحصر بما يقرره الاتحاد الاشوري العالمي الذي بداء دوره ونشاطه يعود الى الواجه وبقوة اكبر من السابق.
المصدر ايلاف