كغيره من الطروحات والإكتشافات المذهلة ، من إرضاع الكبير ، إلى نكاح الوداع ، إلى الإسلام القرآني ، إلى آخر هذه المتوالية الحسابية ، يخرج علينا اليوم نبأ إكتشاف ( كنز ) ظلّ طي النسيان لعقود أوربما لقرون ؟ وُجد فجأة على رفّ من رفوف مكتبة بيرمنغهام البريطانية ، ودون أن يعلم أحد عمره الحقيقي ؟ إلى أن قامت إحدى الباحثات بإجراء فحص دقيق على هذا الكنز ، وقد تبيّن بعد هذا الفحص بأن هذا الكنز ماهو إلّا عبارة عن ( نسخة ) أو عدّة صفحات ( لم يتم تقرير ذلك بعد ) من القرآن الكريم ، والتي كتبت في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ويعود الفضل في اكتشاف وتحديد ذلك إلى ( الكربون المشع ) ؟!.
ولا بد قبل ذلك من تسليط الضوء على الطروحات التي مهّدت ورافقت ودشّنت وهلّلت لهذا الإكتشاف العظيم ، والذي يشير نبأ اكتشافه بوضوح إلى الهدف الذي يرنو إليه من هذا الإكتشاف ، ويوضّح ذلك قول المعلّق على ذلك الخبر في قوله ( ويبدو أنها لا تختلف كثيراً عن النسخة الحالية ) والغرابة في ذلك كيف عرف المعلّق ذلك ؟!. وماذا ….. لو ظهر الاختلاف ؟؟؟
وبشكل مفاجئ تخرج السيدة عفراء جلبي بمقال لها في موقع كلنا شركاء بعنوان : هنا صوتك لتبشر بإسلام جديد في قولها ( … يكون اسلاماً لا يشبه الاسلام الذي نراه اليوم ) وتقول ( وستكون هذه الأرضية قد بنيت حول منهجية علمية تحتكم للواقع وعواقب الأشياء بدل عبادة النصوص ) – والنصوص هنا هي آيات القرآن الكريم – وتقول بعد ذلك ( كيف نغيب عن أدوات عصرنا ، بينما نتشدّق بتقاليدنا ، وأعرافنا ، وشريعتنا التي عتقت ) – عتقت كلمة عامّية تعني الاهتراء والإستهلاك وعدم صلاحيتها لشيء – وتقول ( اننا سكارى بخمور الماضي المتعفّنة في دين حرّم شرب المتعفن والقديم ) وتتابع بعد ذلك بقولها ( هذه ليست أحلام يقظة ، هذه وقائع ستحدث ……عندي طمأنينة بأن هذا اليوم قادم ) ؟ ! .
ويقول الدكتور محمد حبش معلّقاً على ذلك الحدث ( ربما تقلب هذه الوثيقة كثيراً من المفاهيم المتصلة بتدوين القرآن وكتابته ) ؟!. ويتابع في قوله عبر برنامجه المال الصالح ( الاسلام الجديد …..يحول وصايا الأنبياء إلى نظم اجتماعية حقيقية ) ؟!. – الأنبياء غير مكلفين بتبليغ الشريعة ، الرسل هم المكلّفون بذلك – كلّ رسول نبي ، وليس كلّ نبي رسول –
ولكن المضحك المبكي في الأمر ، أن يقول محمد أفضال ( رئيس ) – هكذا جاء وصفه في التقرير – المسجد المركزي ، في بيرمنغهام ( عندما رأيت صفحات نسخة القرآن شعرت ببهجة منقطعة النظير ودمعت عيني لأنه لم يكن يدور في خلدنا أنه يوجد لدينا هذه النسخة القديمة من القرآن الكريم )
ويقول المعلّق على الخبر ( استبشر المسلمون ببيرمنغهام خيراً باكتشاف هذا الكنز في مكتبة الجامعة ؟ كنّا نعلم بأن هذه النسخة من القرآن قديمة ولكن لم نتوقع انها من أقدم النسخ ، وأنها تزامنت مع عهد الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – أو ممن عاصره ) ثم يناقض نفسه في نفس التعليق إذ يقول ( هذه النسخة ظلّت طي النسيان هنا في جامعة بيرمنغها دون أن يعلم أحد عمرها الحقيقي ا ؟؟!.
ومن المعروف بأن الصحابي الجليل عثمان بن عفّان رضي الله عنه حرق كل النسخ بعد أن أمر بنسخ القرآن الكريم ووزعه على الأمصار وأحتفظ بنسخة منه في المدينة .
ثم تتابعت تعليقات المعلقين على صفحات التواصل الإجتماعي ، وتنوّعت وتلوّنت وتباعدت وتدانت وكان أكثرها ردّات فعل لاشعوري ، تجاه دخان مسيل لدموع ، أو عبارة عن تواقيع على دفاتر دوام مهترئة ؟ .
ومن الملاحظ بأن البعض نصّب من نفسه مفتياً وقاضياً ومحققاً وحاكماً وأدلى برأيه ، وكان جلّ ماقاله هو ( توصيف باهت لحدث جسيم ) وغاب عنهم قوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) وأهل الذكر هنا ليس المشايخ ، ولا حفّاظ القرآن الكريم ، ولا متقني أحكام التجويد ، ولا الدعاة ، مع الاحتفاظ والتقدير لمكانتهم وعلمهم ، ولكن أهل الذكر هنا هم المتخصّصون في هذا المجال ، مجال الخط العربي ومراحل تطوره وتنقيطه وشكله وتشكيله وتنوّعه عبر العصور .
ولا حظ لغيرهم في هذا المجال ، إلّا من النواحي التاريخية والعقلانية والبحثية والمنهجية ،
لقد فات ( الكربون المشع ) كما بيّن عمر الوثيقة ، أن يبيّن نوع وعمر خط هذه الوثيقة والذي يمكن أن يصنّف بخانة ( الهجين المعاق ) لأنه هجّن وطعّم من عدة خطوط لم تكن معروفة في ذلك الوقت ؟
فالصفحة المصورة من النسخة مكتوبة بخط مزيج من : الكوفي والنسخي والديواني ، وهذه انواع من الخطوط لم تكن معروفة في ذلك الوقت ؟ والزخارف المرافقة بين السطور وكذلك بين الآيات ؟ وتنسيق الأسطر بشكل دقيق ومتوازن ؟ وظهور بعض النقط وربما بعض الأحرف المهموزة ؟ ومن الملاحظ أن الصفحة مكتوبة بأكثر من لون ؟ ولقد بالغ كاتب تلك الصفحة بتداخل الحروف مع بعضها ، وبتراكب الكلمات فوق بعضها ؟ وهل من الممكن أن يبقى جلد الماعز على هذا الشكل وبهذا القياس ؟ طوال تلك السنين ؟ إن أي مقارنة لخط هذه الصفحة مع وثائق تعود لذلك العصر سيشير بوضوح إلى الفروقات الكبيرة والمتباينة بينهما ؟ لنلاحظ الفروق في الصور :
– احرف الكلمة غير منسجمة ولاتنتمي لخط معين .
– تنسيق السطور بشكل هندسي مدروس لم يكن معروفاً يومها .
– تراكب الكلمات فوق بعضها بشكل غير طبيعي ولكنه على مايبدو كان مقصوداً ؟ .
– الفاصل الزخرفي بين الأسطر لن تجد في أي مخطوط قديم مثل هذا الشكل ؟
– لم يكن معهوداً أن تكتب الصفحة بأكثر من لون .
.
– وعند نشر الصفحة وترجمة مضمونها …. حديث آخر .
مواضيع ذات صلة: إكتشاف نصوص قرآنية من عهد الرسول كيف سيفسر الققهاء تباينها مع الحالية