طبعا لم يكن من قبيل صيانة أو خلل فني عندما عُطلت شبكة الهاتف والإنترنت، ثم أوقفت حركة المطار وأغلقت الطرق المؤدية له، فكلها جزء من الحرب في دمشق. لقد دخلنا الأيام الصعبة والخطرة جدا في حرب إسقاط بشار الأسد، فمنذ أمس بدأت حملة توعية موجهة للشعب السوري في حال استخدمت قوات الأسد الأسلحة الفتاكة، كيماوية وبيولوجية. نحن هنا نتحدث عن احتمالات ارتكاب مذابح مروعة بعد أن بلغ الثوار مراحل متقدمة في هجومهم، وهم الآن يدقون أبواب دمشق. هذه ليست حربا نفسية، ولا مجرد خواطر قلقة، نحن نعرف أن النظام مجرم وأحمق معا، لكن عسى ألا يرتكب أعظم حماقة في نهاياته.
الأسلحة الفتاكة من دلالات النهاية مع تقهقر قوات النظام، حيث صار انهياره وشيكا. إنها سلاحه الأخير الذي يريد به الانتقام وإلحاق أكبر أذى ممكن بخصومه، ويعتقد أنه قد يوقفهم ويضطر العالم إلى التدخل وعقد صفقة سياسية تنقذه! سيمارس الادعاءات والأكاذيب نفسها التي ادعاها مع المجازر التي ارتكبتها قواته خلال الأشهر الماضية، محملا المسؤولية للمعارضة.
سبق أن فعلها صدام حسين في الثمانينات وقتل آلافا من المدنيين في حلبجة الكردية العراقية، وكانت صور الموتى بشعة.. الآباء مع أطفالهم على أبواب بيوتهم وفي الشوارع، في لحظات الهرب والرعب، حيث كانت قوات صدام المحصنة بالأقنعة ترش الأهالي بالمبيدات الكيماوية وتفنيهم كالذباب.
في سوريا، وخلال عام ونصف العام، لم ينكر النظام امتلاكه مخزونا هائلا من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، بل اعترف بها عندما هُدد بأن التدخل الدولي أكيد في حال كان ينوي استخدامها أو تسليمها لأطراف أخرى، مثل حزب الله. ظهر نائب وزير الخارجية السوري وقتها، وأعلن تعهد حكومته بأنها لن تستخدم هذه الأسلحة أو تنقلها. وحدثت نشاطات عديدة لاحقة من بينها رصد قوافل تنقلها، وتوزيع أقنعة واقية على عدد من مراكز القوات السورية، وأنباء عن استخدامات غاز محدودة.
ولإدراكنا خطورة الاحتمالات التي تواجه آلافا من الأبرياء حال التعرض لمذابح كيماوية وبيولوجية مهم تحميل المجتمع الدولي مسؤولية التدخل السريع وردع النظام قبل أن يفعلها وتصبح القضية مجرد قضية أخرى يحقق فيها مفتشو الأمم المتحدة، وفصل آخر من التاريخ البشع.
هذه مسؤولية دولية لا يمكن التهرب منها، خاصة بعد ما عاناه الشعب السوري من استبداد النظام به قتلا وتنكيلا، ولم يحظ بأدنى حد من الاهتمام حتى اللفظي في الأمم المتحدة، مستندا إلى الحماية الروسية والصينية له، والتخاذل العربي والغربي.
* نقلا عن “الشرق الأوسط” اللندنية