يوسف الكويليت
حسب ما نشرته الزميلة جريدة عكاظ عن تصريح لوكيل وزارة التعليم العالي، أن المملكة تنوي استقطاب العلماء المتميزين للجامعات بالتجنيس وبالعديد من المزايا التي تجعل هذه العناصر تقبل بهذه الدعوات، ومشروع كهذا يعد استثماراً هائلاً للعقول المهاجرة سواء كانت عربية أو إسلامية، أو حتى أجنبية، ولعل الإحصاءات التي أشارت إلى الأعداد الهائلة من المؤهلين والعلماء التي تفقدهم الأقطار العربية كل عام، أرقام مذهلة، وكلها ذهبت لأمريكا وأوروبا وكندا بواقع هجرة عشرة آلاف كل عام من العلماء والأطباء والمهندسين والفنيين وفقاً لدراسة قامت بها «مؤسسة فلسطين الدولية للأبحاث» وهي خسارة فادحة، لأن أسبابها مادية وسياسية واجتماعية لعدم توطين هذه الكفاءات بدولها الأصلية المتعذر بحيث صارت طاردة لها..
الهند اشتهر علماؤها في البرمجيات في وادي «السلكون» الأمريكي بأنهم كانوا كغيرهم من علماء العالم قيمة علمية أضافت للاقتصاد الأمريكي مبالغ تزيد على ميزانيات دول غنية، لكن الهند عندما وفرت الإمكانات والبيئة الناجحة، استطاعت جلب علمائها، والمملكة إذا كانت تريد بالفعل الإقدام على هذه الخطوة الهامة والناجحة بكل المقاييس أن تنظر للموضوع وفقاً لما يحصل عليه أي عالم من تسهيلات وامتيازات، وعقد التوظيف والسكن، والرواتب وغيرها، إلى جانب تهيئة المكان الذي تنمو فيه عملية الاستفادة من هذه العقول، لأن مثل هذه العناصر المؤهلة قد لا تغريها الجوانب المادية أو حتى الجنسية ما لم تكن تحصل على بيئة جاذبة تسهل عليها العمل وفق خطط واضحة، لأن البديل في الدول المتقدمة موجود، ولا يمكن أن يتخلى عن هذه العناصر بسهولة أو طواعية..
لقد حاولت أكثر من دولة عربية لاستعادة كفاءاتها المهاجرة ولكنها فشلت لأن المناخ الموجود غير جاذب، وحتى الدعوات التي وجهت لهم بالزيارات والحديث عن الوطنية وخدمة الوطن، تبقى مجرد عواطف لا تغير من النتائج، حتى أن إحدى الدول الآسيوية المتقدمة حالياً، وعلى قائمة الدول في البحوث والصناعات المتقدمة، بدأت بمشروع كهذا، واستطاعت جلب أصحاب الكفاءات والخبرات من المتقاعدين العلماء من كل أنحاء العالم وهي فكرة جديرة بالاستنساخ، لكن هل يمكن حصر الدافع بالمادي فقط، ونحن نعلم أن تلك العقول يغريها المركز والمعمل أكثر من الدخل المادي، ومشكلة الأمة العربية أن السياسة خربت كل شيء بما في ذلك حيادية العالم الذي يريد أن يتفرغ لاختصاصه دون أي دخل له بالاتجاهات السياسية والحزبية..
إن التفكير بمشروع كهذا يحتاج إلى دراسات معمقة، والمنطق يجبرنا أن نفهم سياسات تلك البلدان، وكيف عملت على تهجير الكفاءات إليها، والاستفادة من الوسائل التي جعلت إمكانات بقائهم عملية ناجحة، وعلينا أن نضع هذه الكفاءات كقيمة مضافة، وأن لا يزعجنا وجودها وحصولها على تلك الامتيازات مقابل العائد الطويل بالمنجزات العلمية، أو تدريب وإشراك الكوادر الوطنية لتكون ملازمة لها..
جامعاتنا ومراكز بحوثنا البسيطة تفتقد للكفاءة النادرة لكن إذا ما وصل المشروع إلى التنفيذ، فإننا سنكون القدوة الناجحة في كسب عقول كل العالم يبحث عنها ويركض بطلبها..
نقلا لـ صحيفة “الرياض”