مقدمة :
أغلبُ الأشياءِ التي نقومُ بها في حياتنا اليوميّة مُمكن أنْ نجدَ لها تفسيراً علميّاً منطقيّاً .ينطبقُ ذلك حتى على سلوكياتنا المُفاجئة أو الخارجة عن المألوف (الإندفاع في أكل الحلويات فجأةً في فترة حِميّة شديدة مثلاً ) !
سنجدُ تفسيراً منطقيّاً لكل شيء ,عندما نراجع أحداث حياتنا ونقرأ البحوث العلميّة ذات العلاقة ونفهم كيمياء حياتنا !
قادني موضوع نَشرهُ الصحفي العِلمي في ال
BBC
(ديفيد روبسون) حول (لماذا يزيد الشعور بالذنب من المُتعة ؟) في حالة رغباتنا مع الأكل والشرب والتدخين وما شابه (الرابط أدناه) ,الى التفكير بما يشغل بال العالم أجمع هذه الأيام (خصوصاً بعد جريمةِ باريس في 7 يناير 2015) ,ألا وهو تصرفات الإسلامويين الإرهابيّة ,وكيفيّة كبحِ جماح رغباتهم الشريرة في القتل (أو إطلاق العنان لها) كلّما أمكن لهم ذلك .
في شطر من الموضوع يقول روبسون مايلي:
[في النهاية قد يكون إشباع رغباتك عن قصدٍ بين الفينةِ والأخرى أمراً أساسياً للحفاظ على قوّة إرادتكَ تجاه أهداف أكبر.
وكما أوضح لنا “ليونارد راينيك” من جامعة ماينز بألمانيا ,فإنّهُ كلّما توجّب علينا ضبط أنفسنا مثل أن نقاوم إغراءً أو أن نواصل أمراً بغيضاً ,فإنّ قوّة الإرداة لدينا سوف تُستنفد !
ومن تبعات ذلك مستقبلاً صعوبة مقاومة رغباتنا في مواقف أكثر أهمية] .
ماذا يعني ذلك لو طبّقنا هذا الكلام العلمي على الإسلاميين ؟
معناها عندما يكبتون رغباتهم الدفينة بقتل كلّ مخالف لهم ,سيأتي اليوم الذي يصعب عليهم ذلك ,وبمساعدة تعاليم الأشياخ القذرين ,سينفجرون في وجوه الناس كقنابل موقوته تأخرّ إنفجارها ,وتريد التعويض عن ذلك بقتل عدد مُضاعف من الناس !
الآن كي أربط هذا الكلام مع بحوث العلماء حول سلوكيّات الإنسان وطرق تفكيره ,سوف اُستمرفي تلخيص كتاب الخرافة لمؤلفه عالم الفيزياء الأمريكي (روبرت لي پارك) .
متحدثاً في هذا الجزء عن نظرية داروين وإسطورة الخلق والخداع المُقدّس و أنماط تفكيرنا البشري !
***
أنجح نظرية علمية / ص 34
يُعتبراليوم ,التطوّر بالإنتخاب الطبيعي المبدأ المُنظّم الذي يُشكّل أساس علم الأحياء بكاملهِ .آلاف المقالات العلميّة بناءً على التطوّر الدارويني قد نُشِرَت في مجلات علمية يُراجعها نُظراء .والمؤلفون يضمّون عديداً من العلماء القياديين في العالم .
كعيّنة واحدة / ثمانية وثلاثون من آخر خمسين جائزة نوبل في الفسلجة والطب إرتبطت مباشرةً بالتطوّر !
لقد حرّرت نظرية داروين العقلَ البشري من أغلالِ التقليد .
فبالنسبة لقِطَعْ المعلومات التي بدت غير مترابطة وقامت هي بربطها فالتطوّر بالإنتخاب الطبيعي هو أنجح نظرية فُكّرَ بها على الإطلاق !
كذلك فإنّها فتحت باباً للتفكير في الكون يذهب بعيداً وراء البايولوجيا .
لقد كانت هذه النظرية العظيمة بداية الطبيعيّة
Naturalism !
***
إسطورة الخَلق /ص 35
إشتاقَ البشرُ دوماً لمعرفة لماذا يوجد العالَم ,ولماذا العالَم كما هو عليه ؟
لكن لمعظم التأريخ كانت هذه المعرفة بعيدة جداً عن متناول الإنسان !
جلسَ القصّاصون
Storytellers
حولَ النارِ ينسجونَ قِصصاً خيالية تتحدّثُ عن العالمِ والقوى الخفيّة التي تتحكّم بحياتنا .
سعت أساطيرُ الخَلق لتشرح : مِنْ أينَ أتى الإنسان ؟
وأكثر تلكَ القصص تاثيراً كانت تُمرّر للإجيال اللاحقة .
مع كلّ حكاية وكلّ تحسين ,لابدّ أنّ تلك الأساطير بدت أكثر طبيعية ووضوحاً .ل 160 ألف عام كانت الخُرافة تعتقل الهوموسابينس .
(الهوموسابينس :هو الإنسان العاقل الأوّل المُنقرض والشبيه بالإنسان الحالي ,عاش في إفريقيا قبل 160 ألف عام) .
أمّا اليوم فكل ثقافة لها (إسطورة خلق) مركزية !
تُسيطر على الثقافة الغربية ثلاث أديان كبيرة (اليهودية,المسيحيّة,الإسلام) التي تشترك في إسطورة خلق عامة هي قصة التكوين عن آدم و حوّاء !
تُرجِمَ سفر التكوين عن نصوص عبريّة قديمة كُتِبَت قبل أكثر من 3 آلاف عام .أجزاء منها (كقصّة الطوفان العظيم) اُستعيرت من ملحمة كلكامش وهي ملحمة سومريّة تُعّد أقدم قصة مكتوبة نعرفها اُلّفَتْ قبل 5 آلاف سنة .
رغم ذلك يعتقد الإصوليّون الدينيّون أنّ النصوص الكتابيّة (بضمنها رواية التكوين عن الخلق) ,هي كلمة الربّ الموحاة المعصومة .لهذا يجب تفسيرها حرفيّاً !
وبما أنّها تُمثّل الحقيقة حرفيّاً (كما يجادلون) ,فيجب تعليمها لأطفالهم في صفوف البايولوجيا !
نظريةُ التصميم الذكي التي نادى الرئيس الأمريكي (جورج والتر بوش) عام 2005 بتدريسها الى جانب التطوّر في صفوف العلوم ,هي ليست سِفر التكوين .ففي محاولة للإلتفاف حولَ قيد التأسيس في التعديل الأوّل ,يتجنّب التصميم الذكي أيّ ذكر للخَلق ( أو الله) .مُركزاً بدلاً من ذلك على التعقيد الشديد للفسلجة البشرية التي يقول أنّها لا يُمكن ان تحصل بالصدفة. والداعون لهذا يأملون أنّهُ قد يُرى كبرهان على أنّ ذكاءً غير معروف كان مُتدّخلاً في تصميم الأحياء .لا يتضمّن التصميم الذكي أيّ نتائج علمية جديدة ,ولم يُستخدّم في أيّ ورقة بحث في مجلة علميّة يُراجعها نُظراء .
التصميم الذكي مُجرّد تخطيط أو تكتيك في حربٍ مقدّسة هدفها إعادة الله الى الصفّ ..وإخراج داروين !
***
الخِداعُ المُقدّس !
المفارقةُ الكبرى هي أنّ الحربَ حول نظرية لايَعتقد بها كلا الطرفين ,
بالتأكيد ليس العلماء الذين يتقبّلون التطوّر الدارويني بشكل هائل ,
ولا الاُصوليّون المسيحيّون الذين يفضلون قصة آدم وحوّاء .
وكما في كلّ الحروب ,فالتخطيط هدفه الفوز فحسب !
وكما سنرى فإنّ بعض المسيحيين المُخلصين تطوّعوا حتى للخدمة خلفَ خطوط العدو كعُملاءَ مزدوجين ,حاصلينَ على دكتوراه في الأحياء . ليُصبحوا أكثرَ تأثيراً في الحربِ ضدّ الداروينيّة .وهذا مثال مُتطرّف على ما يُسمى “الخِداع المُقدّس” !
***
الأنماط / ص 36
قابليتنا على فهم العالَم تبدأ بالقدرة الباهرة للدماغ البشري على إلتقاط الأنماط في المعلومات التي تجمعها حواسنا .فالتعرّف على أنماطٍ مألوفة في أحوال غير مألوفة هو بداية التفكير بالمماثلة ,ومن ثمّ التفكير المُجرّد .
فأسلافنا المتوحشون الذين عاشوا كصائدين لاقطينَ في برية الپليستوسين لابُدّ أنّهم كانوا جيّدين في تصوّر أنماط سلوك الحيوانات التي إصطادوها كغذاء ,إضافةً بالطبع لتلك التي إصطادتهم كغذاء .
لكي تعثر على يرقات عليك أن تعرف كيف تقلب الجذعَ عنها !
ممّا يلفت النظر أنّ الدماغ الذي كان جيّداً في العثورِ على اليرقات وتجنّب النمور سيفيّة الأسنان ,إستطاعَ أيضاً التعرّف على أنماطٍ مجردة في اللغة والرياضيات .أكثر من ذلك هو حجم المتعة التي تمدّنا بها الأنماط .
إن كان في الشعر ,الموسيقى ,الفيزياء ,فالتعرّف على الأنماط يقع في قلبِ كلّ إستمتاع جمالي !
بعد أن أصبحنا أكثرَ تعقيداً فيما نفعلهُ ,تعلّمنا أن نتعرّف على أنماط أكثر خفيّة .لكن يبقى هناك خيط رفيع بين التعرّف على الأنماط الخفيّة والأپوفينيا (وهي رؤية الأنماط حيثُ لاتوجد) .
كشكلٍ من الفصام تُربَط الأپوفينيا أحياناً بالعَبقرية ,كما في حالة (جون ناش) .الذي قام الممثل العالمي (راسل كرو) بدوره في فيلم عقل جميل
abeautiful mind
,حيث يُكرّم ناش في النهاية بجائزة نوبل للإقتصاد ,لعملهِ الرائع في نظرية الألعاب .
لكن كما يُرينا الفيلم فإنّ ميله (للأپوفينيا) يقوده أحياناً لخطر الضياع !
يبدو جميع البشر على حافة الأپوفينيا .فالدماغ القادر على ربطِ المَدّ والجَزر بأدوارِ القمر ,قد يرى في مرور مُذنّب نذيرَ نصرٍ في معركة ,
أو ربّما يربطُ إنفجاراً نجميّاً
Supernova
بعيداً ,بمولدِ إله !
نحتاجُ خطّة لنعرف أيّ الأنماط مهم ,وأيّها محض صدفة .
لقد إستغرق الأمر 160 ألف عام قبل أن توجد خطّة كهذهِ نُسميها العِلم !
(إنتهى تلخيص الجزء الثالث من هذا الكتاب العلمي)
***
الخلاصة :
هل لاحظتم علاقة الشعور بالذنب ..والمتعة ؟
أن يكون البدين مُتبعاً نظام حِميّة معيّن ,ثم يطّلع على مجلات اللياقة البدنية ,التي ستزيد بالطبع من شعوره بالذنب تجاه وزنهِ .
لكنّ لو حدثَ فجأةً أن ضَعُفَ وقرّر كسرَ حميتهِ الغذائية ,فسوف تزداد متعتهِ في ذلك الى درجة يتناول حلويات أكثر حتى ممّا كان يرغب بها في حالته الطبيعية .
الخطورة لا تنتهي عند هذا الحدّ ,إنّما قد يصل الإنسان الى حالة الشعور باللامبالاة (ربّما يتصرّف كالخنزير الذي يأكل أيّ شيء أمامه) .
هذه الظاهرة النفسيّة قد دُرسَت بعناية ,وهي تُقدّم تفسيراً لما اُسميه إنهياراً مُفاجئاً يحصل لذي الحميّة الشديدة !
أظنّ بالضبط هذا مايحدث مع المتديّن المُتطرّف .حيث يحاول طيلة الوقت ضبط نفسهِ والسيطرة على مشاعر الكراهيّة التي يزرعها في دماغه تُجّار الدين السفلة ,مقابل وعود حالمة بالجنة والحوريات والغلمان وأنهار الخمر
لكن ما أن يجد الفرصة المناسبة لتفريغ تلك الشحنات الهائلة من الكراهيّة (من جهة) والرغبة والتوق الى الجنة الموعودة (من جهة أخرى) ,إلاّ وينفجر كقنبلة موقوتة عيل صبرها ,أو نفذ وقتها !
من ناحية اُخرى فإنّ أنماط تفكير البشر وسلوكهم العام يخضع لتأثيرات عديدة (إيجابيّة وسلبيّة) ,من بينها الربط المنطقي بين الأشياء والأحداث ومحاولة كشف أسرار الكون لمعرفة موقعنا منهُ وعلاقتنا به .
لكن أيضاً وللأسف الشديد ربّما ستخضع الغالبية من عامة الناس لأنماط تفكير رجال الدين وتُجّارهِ ,الذين أصنّفهم الى نوعين رئيسين :
إمّا أنّهم يعرفون أنّهم يكذبون ,فأؤلئك غالباً قد ماتت ضمائرهم .
أو أنّهم جهلة إختاروا الطريق الأسهل (الخرافات) ,وتجنّبوا طريق العلم والعمل ,فعمَتْ بصيرتهم وأعموا الناس الذين يتبعونهم !
***
رابط الموضوع / لماذا يزيد الشعور بالذنب من المتعة ؟
http://www.bbc.co.uk/arabic/scienceandtech/2015/01/150107_vert_fut_why_guilt_increases_pleasure
تحيّاتي لكم
رعد الحافظ
14 يناير 2015