عبد القادر أنيس
أواصل في هذه المقالة قراءة كتاب محمد الغزالي (حقوق الإنسان بين تعاليم الإسلام وإعلان الأمم المتحدة).
تتناول هذه الحلقة الحادية عشر حول هذا الكتاب موقف الفكر الإسلامي من المرأة والطفل. وقد سبق لي أن تناولت الموضوع من جوانب أخرى، في مقالتين سابقتين:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=206434
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205932
التهمة التي وجهتها للغزالي طوال المقالات السابقة وهي الانتقائية والتحايل والسذاجة لا زالت قائمة، وهي في هذا المقال تبلغ أوجها.
فما يكتبه عن تكوين الأسرة في الإسلام (ص 101) يتحول في الحقيقة إلى الحديث عن المرأة وحقوق الرجل عليها وخاصة الطلاق الذي أخذ حصة الأسد من حديث الشيخ حول الأسرة المثالية في الإسلام. المرأة في هذه المعادلة طرفا ضعيفا إن لم يكون غائبا رغم الجهد الذي بذله الشيخ لتحسين صورة الإسلام في هذه المسألة عبر آلية الانتقاء والطمس بوصفها من سمات الفكر الإسلامي المعاصر.
لنستعرض قبل كل شي وجهة نظر الشيخ في هذه المسألة (ص ص 101-116).
الشيء الملاحظ هنا أن المخاطب الوحيد هو الرجل تقريبا سواء تعلق الأمر بما ورد في القرآن أم السنة أم اجتهادات الفقهاء، الضمير يعود دائما إلى المذكر، أو بالأحرى، الفاعل هو الرجل والمفعول به هي المرأة: “فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم”. “إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف دينه، فليتق الله في النصف الآخر”. “من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر”. “ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله”.
أدعو القارئ إلى التأمل في هذه الألفاظ المهينة مثل: (باشروهن، الحرائر، أمرها، أطاعته، أقسم عليها أبرته، ماله…)
ثم يقول الغزالي: “وقد وضع الإسلام التعاليم الآتية في المعاملات العامة بين الرجال النساء:
– غض البصر: وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم … وقل للمؤمنات يغضضن.. الآية”
– إخفاء الزينة ومنع التبرج “ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها”.
– سد الذرائع: لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم” ويقول الشيخ بهذا الصدد “والإسلام الذي يباعد الجنسين عن الانحراف ويأمر بالغض والعفاف ويضع سدا بعد سد أمام جريمة الزنا يرفض بداهة الأحفال التي يلتقي فيها الجنسان في عصرنا هذا، راقصة أو غير راقصة”. طبعا المرأة هي المقصودة بالعفاف كما سنرى، ويقول: “إن الغرب قليل الاكتراث بالحلال والحرام في علاقة الذكر بالأنثى – لكن الإسلام على العكس من هذا التحلل- شديد الاكتراث بهذه العلاقة شديد الحساسية بكل عوج تتهدده الأسرة قبل تكوينها وبعده”.
ويقول: “ولقد فحشت نسبة اللقطاء في عواصم الغرب واهتمت الحكومات هناك ببناء الملاجئ لاستقبالهم وارتفعت الأصوات تطلب التسوية بينهم وبين الأبناء لشرعيين!! (علامتا التعجب من عند الشيخ) ومستقبل الأسرة تتهدده أمواج من الآثام الطاغية حتى ليوشك أن يغرق فيها..”
ويقول: “ونحن مصابون بالقردة التي تقلد الشر ، وتزوّق صوره للأمة الإسلامية، فهي تطلب بقاء التبرج الذي تسرب إلى مجتمعنا… وهي تستدر الشفقة على اللقطاء وتريد أن يعترف القانون بهم اعترافه بالأبناء الشرعيين”.
قبل أن أواصل مع الشيخ أحب أن أتوقف لأقول إن كلام الشيخ جملة وتفصيلا انتقائي ومتحايل ومغرض ومخادع وساذج فوق كل ذلك. ولكن قبل ذلك لا بد من إدانة الشيخ ومن ورائه كل الفكر الإسلامي على موقفه من اللقطاء خاصة دعوة الغزالي الصريحة لعدم الاعراف بهم وممارسة التمييز العنصري ضدهم، وهو مصطلح تدينه مواثيق حقوق الإنسان الحديثة التي تنظر إليهم كأطفال عاديين ويجب أن يعامَلوا كذلك. لنقرأ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان:
المادة 1: يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وُهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء.
المادة 2: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء…
المادة 3: لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.
المادة 4 : لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما.
المادة 5 : لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
المادة 6: لكل إنسان أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية.
وفي المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الطفل نقرأ: ” تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الاثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم أو أي وضع آخر”.
وبناء على هذه المواد فإن أغلب المفكرين الإسلاميين ومن ورائهم المؤسسات الدينية والحكومات الإسلامية، يقعون تحت طائلة بنود هذه المواثيق كمجرمين يجب محاسبتهم أمام المحاكم الدولية ووقف شرهم.
ونعود لمجاراة الشيخ في مزاعمه حول مثالية الأسرة بفضل ما شرعه لها الإسلام من شرائع اعتبرها الشيخ سامية وأراها أنا هابطة إلى الدرك الأسفل من وجهة النظر الإنسانية. وحتى لا نغمط الشيخ حقه نتساءل ثم نجيب:
هل كان الإسلام في عهده الذهبي، مثلا، بعيد عن هذه (الآثام والشرور والانحرافات ومظاهر الزنا) التي يراها الشيخ في الغرب وفينا نحن مقلدي الغرب أو الداعين إلى الأخذ بحضارته وأنظمته السياسية والاجتماعية والقانونية؟
لنلق نظرة على ذلك المجتمع الإسلامي الذي يصوره الشيخ مثاليا.
نبدأ بالزنا لأنه يطغى على الخطاب الإسلامي إلى حد المرض بسبب ما يعانيه الفرد من عقد جنسية ونفسية حتى جعلت الشيخ يخلط أو يتعمد الخلط بين الزنا وبين الدعارة وبين العلاقات الحرة بين الجنسين التي لم تعد البلدان المتحضرة ولا قوانينها ولا تجرمها إذا كانت تتم بناء على قناعة حرة وتراض وخالية من الاستغلال وبعيدة عن انتهاك حقوق الأطفال عكس الممارسة الإسلامية التي أباحت انتهاك الطفولة بإباحة تزويج القصر. يعرف ابن رشد وهو فقيه مالكي الزنا بأنه “كل وطء وقع على غير نكاح صحيح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين”. وهو تعريف يلخص موقف أغلب المذاهب الإسلامية. هذه المذاهب لا تعتبر وطء ملك اليمين أو الجواري ممن ملكهن الرجل المسلم عن طريق الشراء والسبي والهبة وغير ذلك مما كان شائعا ومباحا طوال عهود الإسلام حتى مطلع القرن العشرين، لا تعتبر هذه الممارسة زنا، رغم أنها ليست زواجا شرعيا ورغم أن الأبناء المولودين نتيجة هذه الممارسة ليسوا أبناء شرعيين أحرارا للوالد بل يقعون في عداد العبيد إذا لم يشأ الاعتراف بهم. يقول الإمام أبو حامد الغزالي بهذا الصدد: “وقال ابن عباس (خير هذه الأمة أكثرها نساء) ولما كانت الشهوة أغلب على مزاج العرب كان استكثار الصالحين منهم للنكاح أشد ولأجل فراغ القلب أبيح نكاح الأمة عند خوف العنت مع أن فيه إرقاق الولد وهو نوع إهلاك وهو محرم على كل من قدر على حرة ولكن إرقاق الولد أهون من إهلاك الدين وليس فيه إلا تنغيص الحياة على الولد مدة ( !!!) وفي اقتحام الفاحشة تفويت الحياة الأخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها”.
أرجو من السادة القراء أن يتمعنوا جيدا في هذا الكلام الصادر عن (عالم) ينعته رجال الدين الإسلامي بحجة الإسلام وبالتالي فإن ما يقوله هنا لا يعد مساسا بصحيح الدين أو جهلا به. فبالإضافة إلى إهدار حقوق المرأة وكرامتها في قول ابن عباس (خير هذه الأمة أكثرها نساء) وهو يقصد النبي محمد كقدوة يجب أن يقتدي به المسلمون على حساب المرأة ورغبتها وحريتها وإنسانيتها، فإن أبا حامد الغزالي لا يرى في المسلم إلا الرجل الذي أعطيت له كل الحقوق إلى حد العبث. فحسب رأيه فإن الإسلام أباح نكاح الأمة رغم أنه يحط من قيمة الرجل اجتماعيا من جهة ومن جهة يؤدي إلى إرقاق الولد، أي عبوديته، لا لشيء إلا لكي لا يهلك دين الرجل عندما ينشغل عن العبادات بالتفكير في الجنس وما قد يشوش عليه تركيزه أثناء الصلاة، أما إرقاق الولد فهو أمر بسيط (تنغيص الحياة على الولد فقط !!!) الذي يتوجب عليه أن يقضي حياته عبدا محتقرا، وحتى لا يزني الرجل المسلم بحرة وما يؤدي ذلك من “تفويت الحياة الأخروية التي تستحقر الأعمار الطويلة بالإضافة إلى يوم من أيامها”.
بالنسبة للغزالي حجة الإسلام فإن مهمة المرأة: “تفريغ القلب (قلب الرجل) عن تدبير المنزل والتكفل بشغل الطبخ والكنس والفرش وتنظيف الأواني وتهيئة أسباب المعيشة فإن الإنسان (أي الرجل) لو لم يكن له شهوة الوقاع لتعذر عليه العيش في منزله وحده إذ لو تكفل بجميع أشغال المنزل لضاع أكثر أوقاته ولم يتفرغ للعلم والعمل فالمرأة الصالحة للمنزل عون على الدين بهذه الطريق واختلال هذه الأسباب شواغل ومشوشات للقلب ومنغصات للعيش ولذلك قال أبو سليمان الداراني رحمه الله (الزوجة الصالحة ليست من الدنيا فإنها تفرغك للآخرة وإنما تفريغها بتدبير المنزل وبقضاء الشهوة جميعا).
هكذا هي المرأة في الإسلام لا حق لها لا في الدنيا وهي في الآخرة من أهل جهنم لأنها لا تطيع العشير حسب نبي الإسلام أو بالأحرى تتمرد أحيانا على وضعها العبودي.
هل هناك ما هو أبشع من هذه المواقف في عرف حقوق الإنسان الحديثة التي يشوهها غزالينا المعاصر ويتستر على مواقف مخزية في الإسلام.
ولا بأس أن نقدم أمثلة أخرى من عصر الغزالي المثالي مثل: ” أن عمر بن الخطاب كان يضرب الأمة للبسها الحجاب لأنها بذلك تتشبّه بالحرائر وفي ذلك ورد عن أنس بن مالك: {رأى عمر أَمَةً لنا متقنِّعَة فضربها وقال لا تَشَبَّهِي بالحرائر} وذكر كذلك: {دَخَلَتْ على عمر بن الخطاب أَمَة قد كان يعرفها ببعض المهاجرين أو الأنصار وعليها جلباب متقنِّعة به فسألها: عَتِقْتِ؟ (أي هل تحررت؟).. قالت: لا .. قال: فما بالُ الجلباب؟ ضعيهِ عن رأسكِ إنما الجلبابُ على الحرائر من نساء المؤمنين.. فتَلَكَّأتْ (تباطأت) فقامَ إليها بالدُرَّة فضربها بها برأسِها حتى ألْقَتْهُ عن رأسِها} . نقلا عن هشام آدم:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=205557
فلماذا تشدد عمر مع الأمة حتى ضربها بدرته لأنها لبست الحجاب رغم أنها كانت تسعى لتحقيق شيء من العفة والأمان لو صدقنا أكذوبة الحجاب؟ الجواب شرحته الآية: ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً (الأحزاب59)، وهو ما يعني تشدد الإسلام في زنا نسائهم الحرائر وتساهله إلى حد التواطؤ في الزنا بالإماء كطائفة من الناس المهدوري الكرامة بنص الإسلام وتغاضي عمر بن الخطاب الخليفة (العادل) عما يلحقهن من أذى وتحرش جنسي وانتهاك على أيدي شباب المسلمين وأوباشهم لا لشيء إلا لأن الغزوات الإسلامية قد جعلت منهن سبايا وجواري وإماء.
ويذكر أنس بن مالك كذلك: {كُنَّ إِمَاءُ عمر يَخْدُمْنَنَا كَاشِفَاتٍ عَنْ شُعُورِهِنَّ تَضْطرِبُ ثُدِيَّهُنَّ} (نفس المصدر السابق). أليست هذه الممارسات إباحية مبكرة يتستر عليها الغزالي ويتهم الغرب بأنه السباق إلهيا رغم كل القوانين التي شرعها الغرب لحماية المرأة والطفل؟
وفي شرح ابن كثير نقرأ: “عن أبي سعيد الخدري قال : أصبنا سبيا من سبي أوطاس ولهن أزواج فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج فسألنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت هذه الآية ” والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ” فاستحللنا فزوجهن (وهو ما يعني أن الناس ما زالت فيهم نخوة وكرامة جاهلية قضى عليها الإسلام)… وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن بيع الأمة يكون طلاقا لها من زوجها أخذا بعموم هذه الآية… و عن شعبة عن مغيرة عن إبراهيم أنه سئل عن الأمة تباع ولها زوج ؟ قال : كان عبد الله يقول : بيعها طلاقها ويتلو هذه الآية ” والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ” وعن ابن عباس قال : طلاق الأمة ست حالات: بيعها طلاقها وعتقها طلاقها وهبتها طلاقها وبراءتها طلاقها وطلاق زوجها طلاقها”.
ويعني هذا الكلام أن من حق السيد المسلم أن يبيع أمة مملوكة له ولو كانت متزوجة، وهي إذا اعتقت وبقي زوجها عبدا تعتبر طالق منه، وهي طالق في الحالات الأخرى.
لكن الغزالي يحرص شديد الحرص على تغييب هذه الوقائع التاريخية. ويتناول بسذاجة مضحكة ما كان سائدا من علاقات بين الرجال والنساء هي أقرب إلى الطبيعة البشرية في تلك الأزمنة الغابرة، كأن يقول: “وربما التقى الجنسان في ساحات ممهدة لاستقبال عباد الله كلهم كالمساجد، فيجب أن يطهر كل إنسان قلبه وأن يغض بصره وألا يحاول تعكير جو العبادة بمسلك ناب”.. “خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها”. والغزالي لا يشرح لقارئه هذا الحديث ولا مناسبته ولا حتى الإشارة إلى أنه (حديث نبوي شريف)، فهل نفهم من هذا أن الغزالي يريد أن ينفي عن صحابة الرسول ما كان يتنازعهم من نزوات وشهوات لا يكاد يخفيها. ولهذا سأتكفل أنا به: كان الصحابة من الرجال والنساء يصلون في المسجد المكون من قاعة واحدة لا حائل بين الجنسين، الرجال في المقدمة ووراءهم النساء لا كما هو الحال اليوم. بعض الرجال يتأخر في الصف الأخير لينظر إلى النساء بطريقة طريفة: فهو عندما يسجد يسدد نظره بين إبطيه أو فخذيه نحو الخلف حيث تقف النساء. ولعل بعض النساء كن راغبات في ذلك. ولهذا قيل هذا الحديث. الطريف بل الساذج في الأمر أنه، منطقيا، لا بد من وجود رجال في الصف الأخير ولا بد من وجود نساء في الصف الأول وإلا استحال وقوف المصلين والمصليات في صفوف. ومن الظلم تعميم وصف جميع الواقفين والواقفات في الصفين المعنيين بالشر.
يمارس الشيخ انتقائيته حتى على المذهب الشيعي الذي يكفره رجال السنة. فهو يغفل مثلا إباحة أغلب أئمة الشيعة لزواج المتعة الذي لا يختلف كثيرا عن الزنا المقنن، أو بالمعني العصري بيوت الدعارة المشروعة في الغرب. الغزالي ترك رجال السنة وراح يغرف من أحاديث رجال الشيعة لكي يدعم مواقفه حول الطلاق ولعله لم يجد مبتغاه من الانتقائية والخداع في مذهب السنة فلجأ إلى خصومهم. الطلاق في السنة يتم بمجرد التلفظ بكلمة، وهو ما تفاداه الشيخ هاربا بجلده إلى بعض أئمة الشيع الذي يشترطون في الطلاق شروطا خالفت ما سنه عمر بن الخطاب.
يقول قولا مغرضا في حق المرأة: “ومهما كان الرجل محبا لزوجته فإن رفضها البقاء معه يجب أن يقدر ويجاب وقد أعطاها الشارع- والحالة هذه- حق الخلع وهو أن ترد على زوجها المهر الذي دفعه ويحكم القضاء بالفرقة”.
طبعا بالإضافة إلى خرافة حق الخلع في الواقع الإسلامي إلا لنساء الطبقات الميسورة، فإن الطلاق في الإسلام وحتى من وجهة نظر الغزالي حكر على الرجل والمرأة فيه شبه لعبة أو بضاعة لا غير.
يقول الغزالي: “والإسلام الذي جعل للمرأة أن تخلع، وأباح للقضاء أن يقدر رغبتها، جعل الطلاق من حق الرجل مباشرة. ذلك أنه من الناحية المالية، هو الغارم، دفع المهر وتحمل النفقة فليس من السهل عليه أن يرمي ماله في البحر ثم هو أضبط لعواطفه وأملك لزمام نفسه فلا يفكر في الفرقة إلا مكرها ولو تصورنا الطلاق حقا للمرأة لتصورنا رجلا يدفع مهره اليوم ويؤثث البيت ثم تضع المرأة يدها على ذلك كله… وتطلق”.
المرأة هنا في دين الغزالي غبية محتالة لا هم لها سوى الاحتيال على مال الرجل. أما أن تتمرد المرأة على ظلم الرجل وعلى الحق الذي أعطاه إياه الإسلام في تعدد الزوجات وفي الولاية والقوامة والهجر والضرب وفي حق الرجل التطليق بلا سبب فهو احتيال. المرأة التي تخدم زوجها مثل العبدة وتنجب الأطفال وترضع وتربي ثم يقال لها أنت مجرد أجيرة عنده لأن الأولاد ملكه إلى درجة أنه من حقك أن تطلبي أجرا مقابل إرضاع ولدك، هذه المرأة عليها بعد سنين الشقاء أن ترد المهر إلى شاريها وإلا هي محتالة. ومن وجهة نظر عصرية، وبافتراض زوال ظاهرة المهر البشعة بحكم أن المرأة صارت متعلمة وذات دخل، فلماذا لا يدعو الشيخ وصحبه إلى فهم جديد للإسلام يسوي بين المرأة والرجل في هذا الحالة بعد أن زالت الأسباب المادية، وأصبحت المرأة تشارك في ميزانية البيت مثل زوجها؟ طبعا لتفادي هذا الحال فإن شيخنا لم يتوقف طوال هذا الفصل في معارضة عمل المرأة حتى يستقيم منطقه الديني المتهافت.
ثم يستغرق الغزالي في حديث مقرف حول تفاصيل الطلاق فيه تظهر المرأة بمظهر البضاعة التي يتصرف فيها الرجل كما يشاء (ص 109). والرجل حسب قول الغزالي، وبعد أن يطلق زوجته نهائيا، يبقى “أحق برجعتها ما لم تنقض ثلاثة قروء..” ولسنا ندري ما رأي المرأة هنا؟ هل يحق لها أن ترفض الرجعة أم تقبلها وهي صاغرة؟
طبعا هذا موقف الفكر الأصولي الإسلامي، ولا بد أن نشير هنا إلى ابتعاد التشريعات في البلاد العربية عنه نوعا ما وهو ما أعاد لنسائنا في الكثير من البيئات شيئا من الكرامة والإنسانية خاصة في العمل وحقوق الحضانة والنفقة، بالإضافة إلى تجاهل الفئات المتعلمة والميسورة واللبرالية والتقدمية للإسلام كطريقة للتعامل مع النساء. وهو ما يهاجمه الإسلاميون متهمين الجميع بالعلمنة والغريب وحتى الجاهلية.