هل شارفت الرأسمالية على نهايتها؟ مناقشة سعيد رهنما مع روبرت آلبريتون*

ropertalberton

روبرت آلبريتون

3 – 10
سعيد رهنما: على الرغم من التكاليف والتضحيات الجمة، فقد أصاب الفشل كل من الستراتيجيات الثورية والستراتيجيات الاصلاحية التي اتبعها الاشتراكيون في مختلف بقاع العالم. وغالباً ما اضطر هؤلاء إلى تغيير مسارهم صوب السير على طريق الرأسمالية. من وجهة نظركم إلى أي حد يتحمل الاشتراكيون انفسهم وزر هذا الفشل، وما هي الدروس التي استخلصناها من هذه التجارب؟
روبرت آلبريتون: جرت الثورات الاشتراكية في البلدان الأقل نمواً والتي كانت تواجه مشاكل حادة للغاية. وبالرغم من التضحيات والمساعي الخيّرة للأفراد المحبين للخير، فلقد لحق بنضالهم الفشل، ومازالت هذه البلدان التي جرت فيها هذه الثورات وإلى حد كبير تحت نير البلدان الرأسمالية. وهذا دليل على أن هذه العملية بالغة التعقيد. لنأخذ مثال كوبا التي مازالت متمسكة بأهدافها بشكل أكثر من غيرها في عالم الاشتراكية، فهي بلد فقير للغاية وبقيت تحت رعاية الاتحاد السوفييتي. وما زالت كوبا حتى الآن تطبق هذا النوع من البرامج وبقيت بلداً ضعيف النمو. كما بقيت كوبا المجاورة لأمريكا وفي عالم تسيطر عليه الرأسمالية، تواجه مشاكل لا حد لها في تطبيق سياساتها الاشتراكية، رغم أنها أحرزت نتائج مهمة في مسعاها. إننا لو استعرضنا التاريخ لوجدنا أن الاشتراكية تركت تأثيراً كبيراً رغم أنها لم تستطع أن توطّد أقدامها في البلدان التي كان يؤمل أن تنتصر الاشتراكية فيها. إذا كنا نريد أن نتصور العالم بدون اشتراكية فيمكننا أن نرجع إلى عصر بسمارك ومصدر دولة الرفاه. فبدون تهديد الاشتراكيين، ما كان لدولة الرفاه أن ترى النور. إنني أعتقد إن العالم أصبح مكاناً أفضل ببركة الاشتراكية والتجارب الاشتراكية. فالدول الاسكندنافية اتخذت خطوات صوب الاشتراكية، وهذا ما يعطي لنا درساً مفيداً. ولكن هذه البلدان تعيش في عالم تهيمن عليه الرأسمالية، وإن عالم الرأسمالية يقع للأسف تحت قبضة الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تحتل موقع أكثر الدول الرأسمالية تطوراً فحسب، بل الأقل في خصالها الاشتراكية. وعندما توجد مثل هذه الهيمنة في العالم، فإن أية دولة تسعى إلى الاشتراكية ستواجه مقاومة.
إنني أتصور أن فشل التجارب الاشتراكية يقدم لنا دروس عديدة. أول هذه الدروس هو أن تحقيق أي درجة من الاشتراكية يحتاج إلى وقت طويل، ومن المحتمل أن نتقدم ببطئ ونناضل من أجل الإصلاحات فحسب. وهذه الحركة السياسية من شأنها أن تدفع الناس لحد كبير إلى الأمام. إنك لو بدأت بخطوات صغيرة، فإن ذلك يوفر الإمكانية للقيام بخطوات أكبر، وعلى هذا النحو يمكننا أن نحقق الاشتراكية. ويجب أن نستعد لفرص غير متوقعة يمكنها أن توفر المجال للقيام بخطوات أكبر نحو الأمام. ومع ذلك، وعلى الرغم من الفشل الذي لحق بالنضالات من أجل تحقيق الاشتراكية، فإنني أتصور بأن هذا الفشل قد قدم لنا دروساً قيّمة كي نتعلم منها، وإن الاشتراكية تركت آثاراً ايجابية على الرأسمالية نفسها. ولا ينبغي أن نصاب كلياً باليأس من احتمالات المستقبل. واعتقد أنه مازال هناك الملايين من البشر في عالمنا ينظرون الى المستقبل، وهم بهذا القدر أو ذاك اشتراكيون. المهم أن يجري حوار جدي وواسع حول افضل الطرق كي تخطو الحركة خطوات نحو الأمام في هذه المرحلة التاريخية.
سعيد رهنما: ليس هناك أي شك في التأثير الايجابي للأهداف الاشتراكية على الرأسمالية أو على مجموع التطور البشري. لقد اشرتم إلى أن الدول التي سعت إلى الثورات الاشتراكية لم تكن في عداد المجتمعات الأكثر تطوراً. وهو صحيح، ولكن لدينا تجربة الثورة في ألمانيا، أي في البلد الذي كان الاشتراكيون الديمقراطيون في أوج قوتهم، ويقوده خيرة الماركسيين والاشتراكيين. كما كانت ألمانيا في عداد الدول الأكثر تطوراً من الناحية الصناعية…. والخ. ولكن الثورة الاشتراكية هي الأخرى فشلت في ألمانيا. اعتقد بأن القضية تتعلق بما طرحتموه حول موضوع الثورة والاصلاح. أود أن أسمع وجهة نظركم حول مفهوم الثورة أيضاً. إن المفهوم الماركسي عن الثورة مبني على الحركة الواعية للأكثرية العظمى، مقارنة بالموقف البلانكي من الثورة القائم على ثورة الأقلية التي تقود الجماهير غير الواعية. إن الموقف الماركسي يحتاج إلى عملية طويلة جدة. من وجه نظركم كيف يمكن الوصول إلى هذا الهدف؟
آلبريتون: في البداية أود الإشارة إلى نقطة تتعلق بالسؤال الأول. يجب علينا أن نستخلص الدروس من التجارب الفاشلة الماضية، ولكن من الممكن أن نصل إلى أجوبة بالغة البساطة عند البحث عن الأجوبة. فعلى سبيل المثال، أن نظن بأننا لو اتبعنا تروتسكي وماو أو أي شخص آخر، فسنتمكن من السير على الطريق الصحيح المؤدي إلى الاشتراكية. هذا التفكير ضرب من التفكيرالأصولي المذهبي الذي لا يؤدي إلى الاشتراكية. إن وجهات النظر الانعزالية والنزاع بين المجاميع اليسارية تشكل حجر عثرة أمام نمو اليسار. ويوجّه البشر كل أنواع الاتهامات بعضهم لبعض ويتخلون عن المناقشات المنضبطة حول أيسر الطرق للتغيير. أقول إن استخلاص الدروس من الماضي شيء، ولكن البحث المفرط والنقد الجامح، والسعي للعثور على حلول مبسطة هو أمر بالغ الخطورة بالنسبة لليسار.
سعيد رهنما: نقطة بالغة الأهمية.
آلبريتون: لننتقل إلى موضوع الثورة. ولنتصور حدوث ثورة بلانكية في بلد كالولايات المتحدة. بالطبع من الصعب أن يتحقق مثل هذا التصور. علماً إن الدول الصناعية الحديثة تمتلك جيشاً عسكرياً ضخماً ولديها ترسانات كبيرة من الأسلحة، وتتمتع بطبقة رأسمالية مقتدرة ومن تيار يميني متمرس. فلا يمكن أن تزيح ثورة خاطفة هذه الحكومات عن كرسي الحكم. والأمر قد يبدو ضعيفاً حتى في بلدان العالم الثالث، بحيث بدت إمكانية تحقيق الثورة ضعيفة حتى في بلد مثل سورية، بحيث تعرض البلد للكارثة دون أن تتقدم الثورة مليمتراً واحداً صوب هدف التقدم الاجتماعي. ومن المرجح اتباع الطريق السلمي في المجتمعات الصناعية الراهنة إن كان ممكناً، ولكن هذا الطريق لا يعني التخلي عن المظاهرات العدائية والاضرابات والنضالات السياسية ضد الرأسمالية، وخوض الانتخابات حسب الظروف. فإذا كنا نهدف إلى رفع راية ” ضد الهيمنة”، فيجب الاستفادة من كل الطرق المحتملة لطرح أفكارنا. فالنضال الأيديولوجي يكتسب أهمية كبرى ولفترة طويلة. والآن، واذا ما أعلنت أنك شيوعي، فإن 99% من الشعب سيعتبرونك إرهابياً سوفييتياً في الولايات المتحدة. لذا يجب أن نشرع بالإصلاح كي نعالج هذا الداء بشكل يتقبله الناس. إن الكثير من أفراد الشعب يعاني من الرأسمالية، وهناك حركات كثيرة تعمل في الميدان كرد فعل على الرأسمالية. إلاَ أن هذه الحركات لا تدرك بالضرورة إن الرأسمالية تمثل في الحقيقة حجر عثرة على طريق نجاحها. ولذا ينبغي علينا العمل مع هذه الحركات ونقوم بدعم الحركات التقدمية والراديكالية، ولا نسعى إلى تبصيرها كي تدرك حجم الأضرار التي تلحقها الرأسمالية بهم فحسب، بل وأن يدركوا ضرورة الاتحاد مع سائر الحركات التي تعاني من الأضرار نفسها، وبالتالي توسيع النضال ضد الرأسمالية. إن الحق معك. فهذه العملية الطويلة تحتاج إلى شن نضال أيديولوجي وممارسة مختلف أنواع النضال السياسي والنشاط التربوي. وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، واستناداً إلى تسلسل الأحداث التاريخية، فمن المحتمل أن تستغرق العملية ما لا يقل عن عدة أجيال، إن لم يكن أكثر. إذن، إن نقطة البدء في حالة تعرّض الناس لأكثر الأضرار، عندها من المحتمل أن تنجح العملية في أقصر مدة، وبذلك يصبح من الممكن تعبئة نسبة كبيرة من أفراد الشعب لتبني أفكاراً أكثر سياسية وراديكالية. فأية خطوة نخطوها، تصبح مع مرور الوقت أطول وأكثر طموحاً. إننا اليوم نواجه وضعاً بالغ الصعوبة. ففي أمريكا وفي الكثير من البلدان، نشهد ظاهرة مقلقة هي تولي الشعبويين والمتطرفين مهمة تعبئة الناس. ونرى وللمؤسف كيف يجري استغلال قضايا مثل الهجرة لبث النزعات القومية والرجعية والأفكار العنصرية والفاشية بين الجماهير في مختلف بقاع العالم.
سعيد رهنما: ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل تحكي نتائج الانتخابات في أوربا في فرنسا وألمانيا وبريطانيا عن معضلة مشابهة. هذا الموضوع يجرنا إلى سؤال ذي ربط آخر. فمن وجهة نظر ماركس، على الرغم من إشارته إلى استخدام القوة في الثورة “العنفية”، فهو يستثني دولاً مثل أمريكا وهولنده أو بريطانيا يتمتع مواطنوها بحق الاقتراع. فقد اعتقد ماركس أن بإمكان العمال تحقيق أهدافهم بطريق سلمي. ويتمتع اليوم أوساط واسعة من شعوب العالم بحق التصويت والاقتراع، فإلى أي حد وفي ظل أية ظروف يمكن الانتقال إلى الاشتراكية بالطرق السلمية؟
آلبريتون: أعتقد أن الانتقال سلمياً هو أمر ضروري، لأن الثورة “العنفية” أما ستتعرض للقمع أو أن تؤدي بالبلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد، ومن المحتمل أن تؤدي إلى فشل الثورة. بالطبع، مادامت الطبقة الرأسمالية تتمتع بالقوة والجاه اللذين يثيران لعاب السياسيين، كما يجري الآن في أمريكا وبدرجة أقل في الكثير من بلدان العالم، فليس من السهولة بمكان إحراز النصر في الانتخابات حتى ولو تم صرف وقتاُ وجهداً كبيرين على رفع شعار وراية “ضد الهيمنة”. إن أحد منطق الإصلاحات هو الضغط من أجل الفصل بين السلطة المطلقة للمال عن دائرة السياسة. ولكن من المثير أن الأمور تجري بشكل معكوس، وخاصة في الولايات المتحدة، حيث جرى سن القوانين المتعلقة بالحد من الرشاوي التي تقدر بالملايين إلى السياسيين، ولكنها وضعت على الرف. ويمكن القول أن هذه المظاهر تشكل هزيمة كاملة العيار للديمقراطية في الولايات المتحدة، البلد الذي يسعى على الدوام أن يبين للعالم دوره كرائد للقوى الديمقراطية، و لكنه الآن لا يؤدي مثل هذا الدور. اعتقد أنه على الرغم من أن الأمساك بزمام الحكم عن طريق صناديق الاقتراع ليس سهلاً، إلاَ إننا مجبرين على سلوك هذا الطريق حتى ولو كانت الانتخابات غير عادلة جراء دور المال السياسي. إذن، لا أريد أن أقول بأن الطريق السلمي جيد بشكل مطلق، ولا الطريق العنفي سيء بشكل مطلق، لأنه من الممكن أن تكون مسالماً ولكن انتقامياً بشكل كامل.
سعيد رهنما: اتفق مع حديثكم مائة بالمائة. فمن الممكن الاستفادة من مظاهرات الشوارع والاضرابات الشاملة والكثير من أساليب المواجهة.
آلبريتون: نعم، الاضرابات وخاصة الاضرابات الشاملة، التي قد لا تؤدي إلى الثورة، إلاّ أنها ترسّخ أقدام الشعب، وإن نوعا من الاضراب الشامل الذي يتمتع بدعم واسع، قد يتحوّل إلى حدث ذي أهمية.
سعيد رهنما: كما أشرتم بحق، فإن تركيب العالم اليوم أصبح أكثر تعقيداً، وهذا ما يرتبط بالسؤال اللاحق. في حالة استلام القوى التقدمية زمام السلطة وسيطرتها على الحكم، فإن هذه الحكومة الفتية سوف لا تستطيع تنفيذ برنامجها التقدمي في ظل العولمة الشديدة وتدويل جميع مفاصل الرأسمال المالي والتجاري والانتاجي، ووجود المؤسسات الاقتصادية العالمية مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تسعى إلى فرض سياساتها الليبرالية الجديدة. فما أن تستلم هذه الحكومة زمام الأمور حتى يبدأ تهريب رؤوس الأموال وهجرة الأدمغة وتتعرض البلاد إلى العقوبات الاقتصادية وغيرها. ولا تستطيع أية دولة اليوم تأمين الاكتفاء الذاتي، وأن تبقى في حالة عزلة عن العالم، ولا تستطيع أن تتجاهل هذا الواقع. ويرتبط بهذا سؤال منطقي هو هل من الممكن بناء الاشتراكية في بلد على انفراد؟
آلبریتون: لا أعتقد أن بالإمكان بناء الاشتراكية في بلد واحد ولكن، قد تقود الأقدار تحرك الولايات المتحدة الأمريكية صوب هذا الاتجاه، رغم أنها ستكون آخر بلد في عالمنا يسير على هذا الطريق. القضية لا تطرح على هذا النحو، أما اشتراكية في كل مكان، أو اشتراكية بدون اشتراكية. هذه الفكرة تعني أن بعض الدول لديها استعداد أكثر للتحرك صوب الاشتراكية، إلى جانب دول لديها استعداد أقل، وإن دولة أو دولتين في مرحلة معينة قد تستطيع بشكل من الأشكال إحراز النصر وتعلن وتدّعي أنها منذ الآن أصبحت دولة اشتراكية. وبصرف النظر عن حالة انتقال كل الدول الأوربية إلى الاشتراكية، أو كل الدول الاسكندنافية تتحول إلى دول اشتراكية، إلاّ أن هذه العملية تتحقق خطوة فخطوة، وقد تسبق بعض الدول دولاً أخرى في مجرى هذه العملية. إنني أعتقد أنه في الوقت الذي نواجه نوعاً من الرأسمالية التي تتمتع بالقوة على النطاق العالمي وبدون وجود حركة اشتراكية بالغة القدرة، فلا يمكن إطلاقاً اجراء سياسة اشتراكية في بلد واحد فقط، ولا يكتب لها الاستمرار. وهو أمر لا يمكن تحقيقه.
سعيد رهنما: انتم على حق، فبالنظر إلى العوائق الذاتية والموضوعية محلياً وعالمياً، فلا يوجد أي حل سوى التحرك التدريجي والتقدم بدرجات متفاوتة صوب تنفيذ سياسات تتسم بخصال الاشتراكية. وقد نطلق عليها تسمية الاشتراكية الديمقراطية الراديكالية، التي تختلف عن الاشتراكية الديمقراطية الراهنة، في كونها تسعى بدون توقف وبجرأة صوب الاشتراكية، وعن طريق رفع وعي أكثرية الكادحين وتعبئتها باستمرار. لقد أشرتم إلى نقطة صحيحة تتعلق بالطريق السلمي أو التوسل بالعنف، فلا يوجد لذلك جواباً قاطعاً ايجابياً أم سلبياً. وستجري مواجهات حادة في سير العملية، وسوف لا يكون الهدف اسقاط النظام. وعلى بالرغم من استخلاصنا الدروس من تجارب الثورات الماضية، فإننا نسعى إلى الترويج لفكرة إجراء تغييرات والسير تدريجياً صوب تحقيق هدفنا، أي الخلاص من الرأسمالية.
آلبریتون: نعم، علينا أن لا نتمسك بقول معروف لماو تسي تونغ:”إن السلطة تنبثق من فوهة البندقية”. فهناك طرق أخرى للضغط، وعلى اليسار في كل بلد أن يستفيد من كل وسيلة كي تتشكل حركة أممية تتمتع بالقدرة. وتجري الآن مساع متنوعة مثل ” المنبر الاجتماعي العالمي” والحركات الفلاحية والحركات القومية والحركات العمالية والحركات النسائية وحركات الدفاع عن حقوق الانسان وغيرها. ولكن ينبغي بذل مساع أكثر صوب تأسيس وتقوية وتجذير النقابات العمالية، وتشكيل نوع من الحركة الأممية الواقعية التي باستطاعتها العمل المشترك على المستوى العالمي. لا أدري هل هناك إمكانية لإصلاح منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أو منظمة التجارة العالمية. ولكن ينبغي إصلاحها جذرياً كي تحل محلها مؤسسات مختلفة تماماً.
سعيد رهنما: أنتم على علم بأني كتبتُ متعمداً مقالة استفزازية أشرتُ فيها إلى أنه حينما تكون لدينا اشتراكية، وتحولت هذه المؤسسات الدولية إلى مؤسسات اشتراكية، بمعنى أن تتحول بالضرورة جميع الدول الرأسمالية التي تسيطر على هذه المؤسسات الدولية إلى الاشتراكية، فسيتغير مجرى عمل هذه المؤسسات. فالعالم الاشتراكي يحتاج أيضاً إلى هذا النوع من المؤسسات. بالطبع إلى نوع مختلف عن المؤسسات الحالية.
آلبریتون: أعتقد إن أكثر القضايا جدية، من بين المشاكل التي تواجهنا، هي القضايا الدولية وتحديداً انعدام المساواة والفقر والبطالة والمشاكل البيئية وغيرها. وقد جرى التركيز في الآونة الأخيرة على المشاكل المحلية، وجرى تشجيع الناس على التعبئة محلياً والمشاركة في معالجة المشاكل المحلية. وهذا ما لا يجب تجاهله، ولكنني أفضل التركيز على الجانب العالمي.
سعيد رهنما: صحيح، ولكن من البديهي أن التغيير عالمياً يستند إلى التغيير المحلي في نهاية المطاف، وهما على علاقة وثيقة.
آلبریتون: نعم، في النهاية يجب أن تقترن النضالات المحلية بالنضالات الأممية. ونرى الآن أن هناك دولاً تقدمية، ولها اتحادات عمالية محلية قوية وتتمتع بأحزاب اشتراكية، رغم كونها ليست أحزاب اشتراكية راديكالية، ولكن عوضاً عن ذلك لديها مؤسسات محلية تستطيع أن تؤثر على دفع عجلة الاصلاح على النطاق العالمي. ومن بينها إصلاح منظمة الأمم المتحدة، التي تقف أمامها معوقات جدية. فمجلس الأمن له سلطة سياسية، حيث تستطيع دولة كبرى أن تعرقل أية سياسة، وهي حالة غير ديمقراطية وتثير النفور. يجب إصلاح كل نظام مالي دولي، وينبغي الاستفادة مما يسمى بالفائض الاقتصادي من أجل الازدهار البشري وتحسين البيئة، وهذا يستلزم وجود نظام مالي مختلف.
رهنما: هناك حاجة لفرض القيود على قدرات البنوك والشركات المتعددة الجنسيات. الآن هناك هيمنة للرأسمال المالي، المستقل عن الرأسمال الصناعي والتجاري، على الاقتصاد العالمي. لكم الحق في المطالبة بضرورة الإصلاحات على المستوى الدولي، بالطبع في حالة توفر الأمكانية بانتخاب حكومات تقدمية قوية في الدول الرأسمالية.
آلبریتون: صحيح.
سعيد رهنما: نأتي الآن إلى طرح السؤال اللاحق حول مفهوم الاشتراكية نفسها. ما هي وجهة نظركم حول ملامح وخصائص ما يسمى بالمرحلة الأولى للمجتمع الذي يلي الرأسمالية؟ وما هو اختلافات هذا المجتمع عن التجربة الروسية والصينية من حيث التأميم والاشتراكية الصارمة للاقتصاد والإلغاء المطلق للقطاع الخاص وسيطرة الدولة على جميع مرافق الحياة وغيره؟
آلبریتون: قبل كل شيء يجب عليّ أن أشير إلى أنه كلما يجري استخدام تعبير المرحلة الأولى والثانية، فإنني أصاب بشعور من التعذيب، لأن الانتقال هو عبارة عن تيار جاري. هذا السؤال يدخل ضمن ما أقوم الآن بالبحث فيه، ولهذا فإن وجهات نظري مازالت في حالة التبلور. أتصور أن بعض الماركسيين يظنون بأن السوق هو بالضرورة رأسمالي، وإنني لا اشاركهم في هذا الرأي. من البديهي أن الأسواق لا تعمل من أجل جني الحد الأكثر من الأرباح فقط، بل من أجل تنظيم تطور الازدهار الانساني والبيئة المحيطة. إن الأسواق الرأسمالية تتحول إلى أسواق اشتراكية عندما يجري تنظيمها والرقابة عليها بالاقتران مع تطور ازدهار كل المجتمع. إن جزء من التحول في كل النظام الاقتصادي والمالي يكمن في اتساع أساليب اتخاذ القرارات ديمقراطياً. وفي هذه الحالة، يجري اتخاذ القرار حول سبل الاستفادة من الوفرة الاجتماعية بشكل ديمقراطي. بالطبع إنها قضايا كبرى ومهمة لا يمكن حلها إلاّ عن تجربة توضح الخطأ من الصواب.
سعيد رهنما : إذن من وجهة نظركم ستبرز قضية التفاوت في الاجور والمنافسة والتعويض عن المنجزات.
آلبریتون: نعم، ولكن هذا التفاوت سيكون في حدوده الدنيا. فعلى سبيل المثال، إنني أتحدث عن مجتمع لا يكون الفارق فيه كبيراً جداً بين الحد الأعلى من المداخيل والحد الأدنى كبيراً جداً، مثلاً ثلاثة أضعاف أو أربعة أضعاف. كما يجب السعي إلى تقليص الفارق بين العمل الفكري والعمل اليدوي الملازم للرأسمالية.
سعيد رهنما: هنا أطرح سؤالاً جوهرياً يرتبط بذلك، هو أن على الاشتراكية أن تضع نهاية لعدم المساواة والتمييز وإنعدام العدالة، بل يجري كل ذلك عبر الإرادة المجتمعية أو عبر التخطيط الدولتي وليس عبر فعل قانون العرض والطلب في السوق.
آلبریتون: من ناحية، اعتقد إننا بحاجة إلى مزيج ملموس من التخطيط والسوق، ومن الطبيعي أن نتحرر من الكثير من خصائص الأسواق الرأسمالية. ومن ناحية أخرى، يمكن للأسواق التي أتخذت أبعاداً واسعة في ظل الرأسمالية أن تكون مفيدة ضمن النسيج الاشتراكي، ولكنها سوف لا تكون أسواقاً رأسمالية. إنني لا أدافع عن ” اشتراكية السوق”. وإن جهة نظري هي أن نغيّر الأسواق تغييراً كلياً كي تتحول إلى أسواق اشتراكية.
سعيد رهنما: السؤال اللاحق يتعلق بدور الطبقات الاجتماعية. انتم على علم بإننا عندما ننظر إلى مرآة التاريخ، فسيجلب انتباهنا مصطلح الطبقة العاملة، ونقصد بالطبقة العاملة بالأساس من قوى العمل اليدوي من ذوي الياقات الزرق. والسؤال هو ما هي القوى الدافعة لهذا النوع من الثورات التي جرى الحديث عنها. ومم تتكون الطبقة العاملة الراهنة، هل هي الطبقة العاملة التي تشمل “الطبقة المتوسطة الجديدة”؟ إذا كان الجواب سلبياً، فالطبقة العاملة لا تشكل اليوم الأكثرية. وإذا كان الجواب ايجابياً، فهذه الطبقة بالغة التنوع وميعثرة، وعلى الاشتراكيين البحث عن طرق جديدة لتنظيمها وتعبئتها.
آلبریتون: في الحقيقة إنني أتبنى رأياً غير أرثودوكسي قائماً على أننا، أي الماركسيون، ننظر في بعض الأحيان إلى الطبقة العاملة باعتبارها العامل الوحيد في التغيير. كما كنا على اعتقاد أنه في حالة وصول الطبقة العاملة إلى السلطة فسوف تحل جميع المشاكل. وهذا ما لا أتفق معه. أعتقد أن الرأسمالية تلحق الضرر بالجميع، مع التأكيد على أن هناك من يتحمل أضراراً أكثر من الآخرين، علماً أن أكثرية أفراد الشعب الذين يتعرضون إلى أضرار أكثر من غيرهم من الرأسمالية لديهم استعداد أكثر للتعبئة ضدها. وهناك حتى بعض من الرأسماليين تطالهم هذه الأضرار، ولكنهم يتسترون على هذه الأضرار جراء قدرتهم على الشراء وكسب الجاه. إنني لست إلى جانب تعبئة هذه الفئة، لأن أحد أهدافنا هي إعادة توزيع الثروة، وهذا ما لا يُرضي هذه الفئة. إنني لا أبحث عن تعبئة هؤلاء الناس لأن أحد أهدافنا هو ليس شكلاً من أشكال إعادة توزيع الثروة حسب النسب فقط، وهناك احتمال أنهم لا يدعمون مثل هذه الخطوة. إنني لا أستثني أية مجموعة معينة من الفئات العليا، وأرحب بكل من يدعم الحركة الاشتراكية حتى لو كان من فئة الأغنياء. وكما تعرف فهناك أفراد أثرياء يصرفون مبالغ طائلة من أجل النمو الاقتصادي. أما فيما يتعلق بالطبقة المتوسطة، فهي بأجمعها تتعرض لأضرار من الرأسمالية. وتحتل الطبقة العاملة مكانة ستراتيجية، لأن العمال بإمكانهم إعلان الإضراب والإقدام على فعاليات أخرى. إلاّ أن المشكلة تكمن في أنهم أقل وأقل تنظيماً، وفي بعض البلدان مثل أمريكا اللاتينية فإن 80% من العاملين في العقد الأخير هم غير عاملين رسميين ومن الصعب تنظيمهم. ولا يتمتع العمال في الكثير من البلدان بحق التنظيم. كما بتعرض الفلاحون إلى الأضرار من الرأسمالية ويمكن أن يتخذوا مساراً راديكالياً. خلاصة القول، ينبغي علينا أن نفكر بشيء يتجاوز الطبقة العاملة. فعلى سبيل المثال، من المستبعد أن يتبنى الأصوليون المذهبيون الاشتراكية حتى ولو كانوا ضمن الطبقة العاملة،رغم أن أنصار لاهوت التحرير في الكنيسة الكاثوليكية كانوا في عداد الحماة الداعين إلى الاشتراكية خلال مرحلة من تاريخ أمريكا اللاتينية.
سعيد رهنما: إنني أود بشكل خاص معرفة وجهة نظركم حول الطبقة المتوسطة الجديدة، وأقصد الأجَراء. فبالرغم من أن هناك أجراء وفئات من المأجورين، وخاصة في المراتب العليا، هم من حماة الرأسمالية ولهم موقف ضد الاشتراكية، ولكن أكثرية الساحقة من الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين وأنصار الدفاع عن حقوق المرأة والنشطاء في حركات السلم والمدافعين عن العمال ينحدرون من هذه الطبقة.
آلبریتون: بدون شك من الواجب ندقق في معارفنا من أجل أن نفهم ونحلل بشكل أفضل الطبيعة العالمية للقضايا الاجتماعية. من الممكن أن لا يرضى العمال والفلاحون عن أوضاع عملهم وعن أشياء أخرى، ولكن ليس لديهم بالضرورة أدراك واضح عن سير الأمور في العالم في إطار صورة أكبر ولا عن الاسلوب القاسي لسحقهم بسبب موقعهم الاجتماعي في داخل هذا النظام.
سعيد رهنما: ولهذا السبب اعتقد أنه من الضروري مد الجسور بين الطبقة العاملة والطبقة المتوسطة الجديدة وتعبئتها من أجل التغيير في المواجهة مع الرأسمالية.
آلبریتون: بالتأكيد. إن العامل الحسم، كما أعتقد، هو تعبئة أكثرية الكادحين وحتى أؤلئك الذين لا يشكلون جزءاً من الطبقة العاملة والمتوسطة مثل الشباب الذين لم ينغمروا في العمل ولم يستطيعوا العثور عليه في جميع الدول الصناعية من أجل إحداث تغيير ملموس. وبعبارة أخرى، تعبئة جميع المتضررين من الرأسمالية من الذين لديهم استعداد للانخراط في الحركة الاشتراكية. وأود التأكيد على أنه في البداية يجب العمل على تشكيل ائتلاف واسع وجبهة واسعة والعمل على إحداث تغييرات ممكنة التحقيق، فبواسطة هذا الطريق يمكن التقدم إلى الأمام. بالطبع، من غير الممكن تعميم الصعوبات، كما إن أشكال التعبئة والقضايا الأخرى تختلف من بلد إلى آخر.
رهنما: شكراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*روبرت آلبريتون منظر ومفكر ماركسي، وصاحب الكثير من المؤلفات المتعلقة بالماركسية والاقتصاد السياسي والفلسفة والاشتراكية والبيئة. وقد ترجمت آثاره إلى مختلف اللغات ومن ضمنها اللغة الصينية واليابانية والفارسية والكورية والتركية. ويعمل آلبريتون الآن على انجاز كتاب حول موضوعة الانتقال من الرأسمالية.

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.