هذا سؤال غير أخلاقي.. سؤال ينطوي على إدانة لوظيفة الخادمة.
قبل سنوات طالب دعاة الجهاد الحكومة بالتدخل لإنقاذ أبنائنا المعتقلين في العراق بتهمة الإرهاب، كانت أغرب مطالبة فكتبت ما يدين هذه المطالب.
جاءت عشرات الردود تنتقد كلامي وكان أهم ما فيها أن بعضهم قال هل ستكتب هذا لو كان بينهم واحد من أبنائك.
سؤال شبيه بسؤال الخادمة مع فارق احترامي للخادمة وإدانتي الكاملة للإرهاب.
سؤال فيه خلط عجيب لاستثارة العاطفة وليس العقل والمنطق والعدالة، بالطبع إذا كان ابني هو (العاني!) في العراق فأغلب الظن سوف تغلبني عاطفة الأبوة فأركض من وزارة إلى أخرى لأجد من يساعدني على إخراجه بصرف النظر عن جريمته، عاطفة الأبوة تغلب في كثير من الأحيان، القضاة آباء أيضاً. ما الذي سيكون عليه الأمر لو أن كل من جلس أمام قاضٍ يحكم على أحدهم بعقوبة قاسية سأل القاضي لو كان هذا ابنك يا حضرة القاضي هل ستحكم عليه هكذا؟ ما الذي سيحدث للقضاء والعدالة؟ سؤال ينم عن جهل، يخلط بين الشخصي والموضوعي.
يتوزع البشر على الوظائف وفقاً لحالهم مع الموهبة والعلم والحاجة والظروف الاقتصادية.. إلخ. الوظائف تقسم إلى قسمين وظائف شريفة تخدم المجتمع ووظائف غير شريفة يعاقب عليها القانون. عندما نتحدث عن الوظيفة فنحن نتحدث عن الوظائف الشريفة فقط.
ثمة وظائف معينة تنكرها العادات والتقاليد البالية وتستصغرها، وفي بعض الأحيان تحتقرها رغم شرفها وأهميتها، في التقاليد القديمة كان الأب يريد لابنه أن يكون فارساً لا راعي غنم، أسباب كثيرة تفرض هذا الطموح ولكن عدد وظائف الفرسان قليلة وبلوغها مكلف فيتوزع البقية على الوظائف الأخرى، كل إنسان يريد أن يكون سيد قومه ولكن المراكز السيادية محدودة. تطورت هذه المفاهيم حتى أصبح للوظائف سلم اجتماعي تراتبي، استمر هذا مئات السنين حتى ترسخ واندمج في القيم الأساسية ومس البعد الأخلاقي.
جاء الرسل والمبشرون وطالبوا على مر التاريخ بنزع العادات البالية عن المثل العليا، قيمة الإنسان في مجتمعه بما يسهم به ويقدمه من خدمة، لكل إنسان وظيفة تتفق مع إمكاناته، وإمكاناته لا علاقة لها بالأخلاق، ثم جاءت الحضارة لتوقظنا على حقيقة أن عصر الفرسان قد ولَّى وأن الأعمال التي دأبنا نحتقرها تبين أنها من أعظم وأجل الوظائف.
وظيفة عامل النظافة لا تقل أهمية عن وظيفة الطبيب، لكن يبقى خطاب التفرقة قائماً في نفوس بعض الناس، هذا الخطاب هو الذي يقرر مدى تحضر الإنسان شكلاً أم شكلاً وموضوعاً.
* نقلا عن “الرياض”