علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
نشر العالم الفرنسي جبرائيل سيايل كتاباً أسماه (التربية والثورة) ومما جاء فيه ” علينا أن لا نقعد ونحن نتوقع أن تتغير الأمور من تلقاء نفسها علَى نحو السداد، لن يحدث إلا ما نحسن فعله ونهدف إليه، فمصيرنا بيدنا، وسعادتنا مناطة بهمتنا فقط. وعلى كل فرد منا أن تكون له إرادة ثابتة، وأن يعرف حقوقه، وما يتوجب عليه القيام به”.
عندما نحكم على شعب ما بالعظمة، فلابد ان تكون هناك مؤشرات عامة ودولية يمكن بواسطتها ان نحكم على عظمة هذا الشعب من عدمها، وليس مؤشرات خاصة نضعها لخدمتنا أو نختارها لأنفسنا لتتوائم مع رغبتنا، أو نبرر بها حالنا المأساوي.
فما هي مؤشرات العظمة عند الشعوب؟ ولندع التأريخ القديم جانبا فهو مشكلتنا الكبرى لإننا أهمالنا إيجابياته وصفحاته البيضاء، وتمسكنا بسلبياته وصفحاته السوداء. إن مؤشرات حضارتنا القديمة قبل الإسلام وبعده واضحة من خلال الإختراعات والاكتشافات والفتوحات ومستوى العلوم والمعارف بشتى صنوفها، وهي لا تحتاج إلى فلسفة المتفلسفين ووعاظ السلاطين ليعرفونا بها. نحن نتحدث عن حقائق ملموسة لتقييم الوضع الحالي وليس عفاريت نتحدث عنها ولا نراها. نتحدث عن فترة ما بعد الغزو، لأن الفترة التي سبقتها لا تصلح أصلا للمقارنة رغم النهوض النسبي الذي حصل، بسبب الحروب المدمرة، والحصار الإقتصادي الظالم من قبل الشرعية الدولية العاهرة، وهي عوامل لم تسمح للعراق بأن يخطو بوتائر متصاعدة في طريق التنمية والتقدم، لأسباب لم تَعد مخفية على أحد، فالغزو الأمريكي الإيراني للعراق كشف معظم أوراق اللعبة الدولية.
من المؤسف ان هناك الكثير من المؤسسات الدولية والأقليمية التي تعني بقياس مظاهر حضارية محدودة للدول، كمستوى الشفافية والتنمية والتعليم والجريمة والفساد الحكومي والنظافة وامور اخرى ربما تبدو غير مهمة للبعض، ولكن لا توجد مؤسسة تقيس المستوى العام لتخلف الشعوب حضاريا، كي تعرف الشعوب مكانتها الحضارية، ومرتبتها بين الشعوب الأخرى، لعلها تنهض من كبوتها وتوخز انظمتها الفاسدة، لتفز من غفوتها وتحاول الوصول الى الهدف مقتدية بإسلوب(ركض البريد) فتستلم وتسلم بأقصى سرعة ممكنة ولا تفوت فرصة مهما كانت ضئيلة. صحيح هناك مؤشر التنمية البشرية والذي يعتمد على مستوى التعليم والأمية ومستويات العيشة والرفاه الاقتصادي والرعاية الإجتماعية، لكنه يفتقر الى الشمولية. المؤلم إنه في هذا المؤشر، إحتل العراق المرتبة(131) من مجموع (187) دولة.
ومثلما وضعنا التأريخ جانبا سنضع الدين جانبا أيضا! لأننا لو التزمنا حقا بالدين الإسلامي الحنيف ومبادئه السامية، لما وصل بنا الحال الى هذا المستوى المنحط؟ كان الدين علامة قوة فجعلناه عامل ضعف، وكان الدين موضع ترغيب فجعلناه موضع ترهيب، وكان مصدر توحد فجعلناه مصدر تشتيت وانقسام، كان يعني السلام فحولناه الى الحرب، كان محبة فجعلناه كراهية، كان دينا واحدا فصار مذاهب. كان مشكاة تسطع نورا، فجعلناه دهليزا من العتمة والظلام. كان سلاح الرحمن في معركة الإيمان، فسلمناه طوعا لأحفاد الشيطان ليقاتلونا به. الإسلام دين عظيم ولكن للأسف لم نرتقِ كمسلمين لمستوى عظمته.
إن الشعب الذي لا يعرف موقعه من بقية الشعوب لا يمكن ان يتحفز للتقدم والتطور، والشعب الذي يعيش بعقلية الماضي لا يمكن أن يستوعب نهضة العصر، والشعب الذي يقبع بين أربعة جدران بلا نوافذ تطل على العالم الخارجي لا يمكن أن يواكب تطورات الألفية الثالثة، والشعب الذي يعيش ثورة الحسين لا يمكن ان يستوعب ثورة المعلومات. والشعب الذي ينتظر المخلص ليملأ الأرض عدلا، لا يمكن ان ينتفض على الطغاة. والشعب الذي يعيش في مستنقع الذل، لا يمكنه الوصول إلى مرفأ الكرامة.
عود على بدء، ما هي مؤشرات الشعب العظيم؟ وهل تنطبق على الشعب العراقي؟ وان كان الشعب العراقي عظيم حاليا! فأي تسمية يمكن أن تطلق على الشعب النرويجي والياباني والسويسري والسويدي والنمساوي وغيرهم من الشعوب المتحضرة جدا؟
قال سقراط قوله المشهور “اعرف نفسك”. وآن لنا ان نعرف أنفسنا ونواجه الحقيقة بلا خوف أو تردد أو حياء. مهما كانت الحقيقة جارحة ومؤلمة، قلا بد من قبولها وإلا سنبقى نلف وندور كحجر الرحى في مدار الزيف والخديعة.
ربما يتحجج البعض بأن الاستعمار هو السبب الرئيس لتخلفنا، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكن هل العراق فقط قد استعمر من قبل الدول الكبرى؟ اليست هناك دولا اوربية واسيوية استعمرت أيضا، ولكنها بعد الإستقلال تجاوت مشاكلها، واندفعت في طريق التنمية والتقدم؟ ثم لماذا استعمرتنا القوى الكبرى؟
لا تتعب نفسك في البحث! فقد أجاب على السؤال عبد الرحمن الكواكبي في كتاب طبائع الإستبداد” إذا لم تحسن الأمة سياسة نفسها، أذلها الله لأمة أخرى تحكمها، كما تفعل الشرائع بإقامة القيم على القاصر”.
إن أهم المؤشرات التي يمكن بواسطتها تحديد المستوى الحضاري للشعوب هي.
1. المؤشر الإقتصادي: ويضم مستوى العمل والبطالة والأجور، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج والدخل القومي، ومستوى الرفاهية الاقتصادية، الإكتفاء الذاتي، تعدد مصادر الدخل، خط الفقر مستوى المجاعة، الإحتياطات من الذهب والعملة الأجنبية، مستوى الأسعار والتضخم، مستوى التصدير والإستيراد، الإستقرار الإقتصادي، وبقية العوامل المعروفة.
2. المؤشر الثقافي: أي مستوى التعليم ونسبة الأمية، عدد المدارس والجامعات، المرتبة العالمية للجامعات الوطنية، الإلتزام بالقوانين والأنظمة والتعليمات، نسبة القراء للكتب والصحف والمجلات، وعدد المكتبات العامة والدور الثقافية ومراكز الداسات والبحوث، وقوة وفاعلية وتنوع وسائل الإعلام وإستقلاليتها.
3. المؤشر الإجتماعي: ونعني به مستوى الرفاهية الاجتماعية، مستوى الجريمة، مستوى الصحة ومعدل العمر، نسبة الزواج والطلاق، نسبة الأرامل والأيتام، نسبة التعاطي بالمخدرات والكحول ومؤشرات أخرى.
4. المؤشر السياسي: أي مستوى الشفافية، مستوى الفساد الحكومي، مستوى الرشاوى والتزوير، التطور الديمقراطي ووعي الناخب، الاستقرار السياسي والأمني، إحترام الحريات الأساسية، صيانة حقوق الإنسان، مستوى العدالة واستقلالية القضاء.
5. المؤشر العلمي: ويتمثل ببنوك المعلومات والثورة التقنية، عدد الإختراعات في المجالات العلمية، عدد العلماء في محتلف المجالات ونسبتهم للسكان، عدد ومستوى المؤسسات العلمية ومرتبتها الدولية.
بالطبع هناك مؤشرات أخرى كالبيئة والتلوث والأمن والإستقرار وغيرها، لكننا سنكتفِ بما أشرنا إليه في أعلاه كي لا نحبط عزائم البعض ممن يخشون مواجهة الحقيقة أكثر. والآن لنطبق هذه المؤشرات على واقعنا الحالي، لكي نحدد موقعنا بالضبط على الخارطة الحضارية للعالم، وسنترك الحكم للعراقيين أنفسهم!
سوف نتجاوز المؤشرات السابقة ونركز على المؤشر السياسي، ومن جانب واحد فقط، وهو الإنتخابات القادمة المقررة في نهاية هذا الشهر، هذا إذا سمح المالكي بإجرائها دون إعلان حالة الطواريء، ولا أظن أن المالكي بحاجة إلى إعلان الطواريء لتأجيلها لعدة أسباب. منها ان الولايات المتحدة الأمريكية ونظام الملالي يرغبان بإجرائها كما تبين من تصريحات المسؤولين فيهما. كما إنه يصعب إقناع الأمم المتحدة بسبب تأجيلها، مهما تفاقم الوضع الأمني، فقد مرت على العراق حالات أشد خطرا من الوضح الحالي، وأصبح عدم الإستقرار الأمني هو الوضع الطبيعي والإستقرار الأمني هو الوضع الشاذ. كما إن المفوضية العليا للإنتخابات إستكملت إجراءتها وكذلك الوزارات الأمنية وتم إستنفار ما يزيد عن المليون من عناصر الجيش والشرطة لتأمين سير العملية الإنتخابية.
وطالما إن المفضوية العليا للإنتخابات والمحكمة الدستورية بقبضة المالكي، فما الذي يخشاه من إجراء الإنتخابات؟ والدورة السابقة أفضل شاهد على التلاعب بالنتائج، وحسم الموقف لصالح المالكي. كما أن الوجوه هي نفسها لم تتغير سواء في السلطة القضائية أو المفوضية العليا للإنتخابات، وهذا يعني الكثير لمن يعرف بواطن الأمور. بالإضافة الى ان المالكي نجح في إقصاء ابرز مناوئيه من الشيعة والسنة، بمساعدة القضاء المسيس لخدمته. وهو كما يبدو ضمن بأن هرواة الخامنئي ستحسم موقفي منافسيه مقتدى الصدر وعمار الحكيم في الوقت المناسب.
من جهة أخرى أعلنت المفوضية العامة للإنتخابات عبر متحدثها صفاء الموسوي” إن “عدد الناخبين المشمولين بالتصويت الخاص من القوات الأمنية بلغ (1.023.829) عنصر! وهذا يعني أن هذه الأصوات مجيرة أصلا للمالكي، فقد بدأت حملة مكثفة يقودها إبنه أحمد نوري المالكي مع كبار القادة في الجيش بالتهديد والترغيب لهذه القوة المليونية. التهديد بالفصل لمن يصوت ضد المالكي وإعلامهم بوجود أجهزة وكاميرات خفية تكشف تصويت الناخب! والترغيب من خلال الإغراءات والإمتيازات القادمة للمصوتين للمالكي، منها زيادة الرواتب والمخصصات، ترقية الضباط والمراتب بعد فوز المالكي، منح العناصر سندات تمليك أرض، مع الوعد بقروض وتسهيلات لبنائها، ومنح القادة وكبار الضباط درجات وظيفية يوزعونها على معارفهم، غيرها من الهبات المالكية.
مع هذا فإن نتيجة الإنتخابات لا تخلو من عنصر المفاجأة!
الذي يهمنا، إن الإنتخابات ستكون المحك النهائي لنحكم على أنفسنا إن كنا حقا شعبا عظيما أم لا! وفي الختام نذكر الناخبين بحكاية جحا عندما رأى يوما سربا من البط قريبا من شاطئ نهر، فحاول أن يلتقط من هذه الطيور شيئا، فلم يستطع لأنها أسرعت بالفرار، وكان معه قطعة من الخبز فراح يغمسها بالماء ويأكلها، فمر به أحدهم وقال له: هنيئاً لك ما تأكله! لكن ما هذا؟ قال جحا: إنه حساء البط! فإذا فاتك البط فاستفد من مرقه! مرتان كان حالنا حال جحا، فهل سيكون نفس الحال للمرة الثالثة؟ كل المؤشرات تقول نعم! ولم يبقَ لمعرفة المصير سوى أيام قلائل، وإن غدا لناظره لقريب.
علي الكاش