يسود مستوى من التشوش حول قضية السوريين في اللحظة الراهنة، ومصدر التشوش ضعف في تحليل الوقائع الحالية على الأرض من جهة، وتفسير مجريات الحراك السياسي الإقليمي والدولي الحالي حول سوريا وقضيتها من جهة أخرى. وفي الحالتين، فإن قلة من المعلومات والمعطيات، يتم تداولها في المستويين السياسي والإعلامي لدى الأوساط المهتمة بالقضية السورية والمتصلة بها، مما يضفي على التشوش أبعادًا أخرى، ناجمة عن عدم المعرفة من جهة، وعدم القدرة على تفسير الوقائع من جهة ثانية.
إن الأبرز في التطورات الحالية في محيط القضية السورية وعلى أرضها، هو الدخول التركي الكثيف على الموضوع السوري الذي يمكن ملاحظته في ثلاث نقاط أساسية؛ أولاها، إعلان تركيا الحرب على التطرف والإرهاب في سوريا وامتداداته في تركيا، وهي حرب تشمل «داعش» وحزب العمال الكردستاني (pkk) وفرعه السوري حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) اللذين تصفهما تركيا بمنظمات إرهابية، وقد لجأت تركيا للذهاب إلى مواجهة سياسية وعسكرية معهم مباشرة عبر عمليات عسكرية ضد «داعش» في سوريا وضد (pkk) في العراق، وهو ما ترافق مع حملات أمنية واسعة ضد تنظيمات التطرف والإرهاب في تركيا، وتلك التي لها امتدادات في سوريا.
والنقطة الثانية، سعي تركيا إلى إقامة منطقة آمنة في الأراضي السورية تحت ثلاث فرضيات؛ أولاها طرد ميليشيات «داعش» من المنطقة والقضاء على وجودها هناك، وتأمين منطقة عازلة بين وجود قوات الحماية الشعبية الكردية وعمادها أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) في عين العرب – كوباني، وهدفها المرتقب مدينة عفرين لمنع سيطرة كردية ممتدة، تعتقد تركيا، أنها تجسد مشروعًا لكيان كردي معادٍ، مجاور لحدودها في سوريا، كما ستوفر المنطقة الآمنة من وجهة النظر التركية مكانًا يمكن نقل جزء أساسي، يصل إلى أكثر من مليون ونصف لاجئ سوري من المقيمين فيها، وهي بهذا تعيدهم إلى بلدهم من جهة، وتكون في حل من أعباء وجودهم في تركيا.
والنقطة الثالثة، يجسدها سعي تركي إلى إعادة ترتيب أوضاع التشكيلات العسكرية الإسلامية في منطقة شمال سوريا، وجعلها أقرب إلى القبول الدولي، خصوصًا أن بين هذه التشكيلات جبهة النصرة المصنفة في عداد المنظمات الإرهابية المتطرفة، ولأن الأخيرة عجزت عن القيام بتحولات تخرجها من القائمة، فإن تشكيلات أخرى بينها حركة أحرار الشام، قامت بخطوات سياسية وتنظيمية لإبعاد أي صفة تطرف وإرهاب عن نفسها، وهو ما يمكن أن تذهب إليه جماعات أخرى، وسوف يوفر هذا المسعى لتغييرات مهمة في توازنات القوى العسكرية في الشمال من الناحية السياسية بجعلها تشكيلات «معتدلة»؛ مما يعطيها دورًا مختلفًا في الصراع السوري ومستقبله.
ولا يمكن رؤية التطور التركي بصورة منعزلة عن الحراك السياسي الإقليمي والدولي، لأن لتركيا شركاء، لا يمكن لأنقرة التصرف بعيدًا عنهم، وهو ما يمكن رؤية تعبيراته في الاتفاق الأخير بين تركيا وواشنطن حول الحرب التركية على الإرهاب، وللنسق نفسه ينتمي اجتماع حلف الناتو في بروكسل الذي جمع تركيا مع حلفائها الغربيين، وقد أكد في ختام اجتماعه دعم الموقف التركي بقوة في الحرب على الإرهاب.
والخط الموازي للتطورات العملية الحالية في الشمال السوري وحوله، يبدو في حركة دبلوماسية إقليمية ودولية نشطة، بعضها يجري في الظاهر، وآخر في الخفاء، حيث زيارات ولقاءات واجتماعات، متواصلة للبحث في القضية السورية وفي القضايا المتصلة بها والقريبة منها، وكان في عداد تلك التحركات جولات المبعوث الدولي دي ميستورا الذي قدم تقريره للأمم المتحدة وفيه خلاصات رأيه حول القضية السورية وافق حلها، وزيارة وزير الخارجية الإيراني إلى بعض بلدان الخليج، ليشرح مواقف وسياسات طهران، وكذلك زيارات وزير الخارجية السعودي إلى بعض العواصم ومثله وزير الخارجية المصري.
وإذا كان من الصحيح، أن موضوعات مختلفة أغلبها يتعلق بشؤون المنطقة، يتم بحثها في المحادثات والاتصالات، فلا شك أن الموضوع السوري أبرزها، وتفاصيله ومسار علاجه هو الأهم، مع تركيز خاص على فكرة الحل السياسي، التي شغلت أوساطًا واسعة في المعارضة السورية في الأشهر القليلة الماضية، على نحو ما ظهر في مؤتمر القاهرة للحل السياسي وفي لقاء الائتلاف الوطني مع هيئة التنسيق في بروكسل، وكلاهما وجد اهتمامًا وتأييدًا واسعين في المجالين الإقليمي والدولي.
ومما لا شك فيه، أن ربط التطورات الميدانية الحالية في سوريا وحولها مع الحركة الدبلوماسية والسياسية الإقليمية والدولية، إنما تؤكد وجود إحساس واسع لدى القوى الفاعلة والمؤثرة والمهتمة، بأن القضية السورية آن أوانها، أو على الأقل، أنه بات من الضروري وضعها على سكة حل، تضع حدًا للكارثة السورية في كل أبعادها الداخلية والخارجية، لأن السوريين لم يتعبوا وحدهم، إنما كل من في جوارهم والأبعد منهم، وكلهم صاروا في وضع ينذر بعواقب خطيرة ناتجة عن تصاعد الإرهاب وتدهور متزايد للأوضاع الأمنية، وتوسع في مدى وأعماق الكارثة الإنسانية على كل المستويات.
المصدر الشرق الاوسط
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية