هكذا قرأتُ القرآن 5 سورة الفاتحة
بقلم: رياض الحبيب
ويسألونك: لماذا تنتقد ديناً دون آخر؟ ولماذا تعتمد على مبادئ دينك في نقدك الدين الاخر وليس على العلم الحديث؟
قـُلْ لا إله فوق النقد ولا إنسان فوق النقد ولا كتاب فوق النقد ولا عصمة للخاطئ ولا حصانة للمُجرم سواءٌ أكان إلاهاً أم إنساناً أم كتاباً. وقلْ أنّ من مبادئ دينك المحبّة حتى للآخر- المختلف- والعدالة والسلام والنقد بالوسائل السلميّة ما لم يضطرّك أحد إلى خلافها- دفاعاً عن النفس. وقلْ شكراً لكلّ من أسْهَمَ- وأسهمتْ- في العلم الحديث وخصوصاً الذين اخترعوا وسائل الإتصال بين الشعوب ومنها الهاتف والإنترنت والفضائيّات لكشف المخفي وفضح المستور وتالياً تقديم الجاني- لا المَجنيّ عليه- إلى القضاء. واٌستطرِدْ: فليَحْكُمْ على ما تقدّم العُقلاء وليردّ عليكَ منهم مَن استطاع بحجّة عقلانيّة ودليل واضح لا بالوعيد والافتراء.
هي ذي سورة الفاتحة مع البسملة؛ الأولى في مصحف عثمان والخامسة في ترتيب”التنزيل” وقد رُويَ عنها في تفسير ابن كثير- وفي سواه من كتب الأئمّة المفسّرين: {قد ثبَت في الصّحيح عِنْد التِّرْمِذِيّ وصَحَّحَهُ عن أبي هُرَيْرَة قال- قال رَسُول الله ص “الحَمْد لله رَبّ العالمِين أُمّ القرآن وأمّ الكتاب والسّبْع المَثاني والقرآن العظيم” ويُقال لها “الحَمْد” [أي سورة الحمد] ويُقال لها “الصّلَاة”} انتهى؛ يقرأها المسلم العادي سبع عشرة مرّة يوميّاً وطوال حياته حين يُصلّي ويقرأها، بالإضافة إلى ما هو مفروض عليه في صَلاته، في سائر المناسبات الإجتماعية كالزواج والوفاة: (بسم الله الرحمن الرحيم١ الحمد لله رب العالمين٢ الرحمن الرحيم٣ مالك يوم الدين٤ إياك نعبد وإياك نستعين٥ اهدنا الصراط المستقيم٦ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين٧) انتهتْ. ولقد تعلّم المُسلم منذ نعومة أظفاره أنّ اليهود (مغضوب عليهم) وأنّ النصارى (ضالّون) – الفاتحة: ٧ وهذا اعتداء سافر من لدن مؤلّف القرآن على أهل الكتاب بدون وجهٍ حقّ! وقد بات تعليماً إسلاميّاً لا حوار فيه وغير قابل للنقض والاستئناف من جهة اليهودي والمسيحي أمام المُسلم المغسول دماغه والمُلوّثة نظرته تجاه شعوب الأرض غير المُسْلِمة.
والسؤال الأوّل: مَن الذي غضِب على اليهود وما دليلُ إدانتهم؟ وكيف أصبح النصارى ضالّين؟ إنّ من يقرأ سورة الفاتحة- بدون العودة إلى التفاسير- لا يمكنه أن يعرف ما هو وجه الغضب وما هو طريق الضلال ولا يمكنه أن يعرف على من حكم مؤلّف القرآن بالغضب والضلال! لكنّ غالبيّة التفاسير أجمعت على أنّ المقصودين هم اليهود والنصارى، وفق الأحاديث المحمّديّة- راجع تفسير الطبري للجملة السابعة- ذلك لأنّ اليهود طالبوا “الرسول” بحجّة مُقنِعة أو طالبوا “النبيّ” بدليل على نبوّته. فكيف أصْبح اليهودي {الذي لم يحصل على جواب} مغضوباً عليه ولم يُصبح الرسولُ {الذي لمْ يأتِ بالجواب} دجّالاً ومضِلّاً؟ ولماذا لم يأتِ “رسول الرحمة” بحجّة عقلانيّة واحدة لكي يحقن الدماء ويُجَنّب نفسه وأتباعه النقد والإزدراء؟ إذاً لم تبق في جعبته سوى وسيلة واحدة- وهي الإرهاب والعنف والاغتيال- ما اضطرّ إليها لفرض ما جال في خاطره على الغير وتأسيس دين ودولة. ومن جهة أخرى كان النصارى طائفة منشقّة عن الكنيسة الأمّ، إنْ كان لمؤلّف القرآن موقف مُعيّن ضدّهم في مكة والمدينة فمن الظلم تعميم الموقف على المسيحيّين في دول العالم.
أمّا السؤال الثاني: لماذا تعدّى مؤلّف القرآن على أهل الكتاب وهم موحّدون دون غيرهم من أصحاب الديانات في مشارق الأرض ومغاربها؟ علماً أنّ الديانات غير التوحيدية تعَدّ بالمئات.
ولقد كانت شوكة الإسلام هزيلة في مَكّة وكان في الجُمَل المَكيّة رياء واضح، تبدو في ظاهرها دعوة مسالمة إلى عبادة الإله الواحد وحريّة المعتقد والتسامح. فكيف تجرّأ مؤلّف القرآن على نعت أهل الكتاب بالمغضوب عليهم والضالّين؟ إلّا ما كانت سورة الفاتحة من السّور المدنيّة التي غلب عليها طابع السيطرة السياسية والشرّ- بمختلف معانيه وأساليبه- ضدّ الآخر. فلنذهب إلى أصحاب التأويل والتفسير ومنهم الإمام ابن كثير، قال في معرض تفسير البسملة- أي الجملة الأولى:
{وَهِيَ مَكِّيَّة قالهُ ابن عَبَّاس وقتادَة وأبو العالِيَة وقِيلَ مَدَنِيّة قالهُ أبو هُرَيْرَة ومُجَاهِد وعَطاء بْن يَسَار والزُّهْرِيّ ويُقال نَزَلتْ مَرّتيْن مرّة بمَكّة ومرّة بالمدينة. وحكى أبو اللَّيْث السَّمَرْقنْدِيّ أنّ نِصْفهَا نزل بمكّة ونِصْفها الآخر نزل بالمدينة وهو غرِيب جدًّا نقلهُ القرْطبيّ عنهُ} انتهى
تعليقي: هو ذا اختلاف من جهة النزول على مجرّد ستّ جُمَل أو سبع تمّت لملمتها من مكّة والمدينة وسمّوها “آيات” وقد لاحظنا المشكلة عينها في سورة المدّثّر (56 جملة) فكم يبلغ الإختلاف- بأنواعه- على سورة مؤلّفة من 286 جملة؟
أمّا الإختلاف على عدد الجُمَل فقد أردف ابن كثير:
{وَهِيَ سَبْع آيَات بلا خِلَاف وقالَ عَمْرو بْن عُبَيْد ثمَان وقالَ حُسَيْن الجُعْفِيّ سِتَّة وهذان القولان شاذّان وإنّما اِختلفوا في البَسْمَلة هَلْ هِيَ آيَة مُسْتقِلّة مِن أوّلها كمَا هُوَ عند جُمْهُور قرّاء الكوفة وقوْل جَمَاعَة مِن الصّحابة والتّابعين وخلْق مِن الخلف أو بعض آية أو لا تُعَدّ مِنْ أوّلها بالكُلّـيّة كمَا هو قول أهْل المدينة مِن القرّاء والفقهاء} انتهى
وبغضّ النظر عمّا نقل ابن كثير عن القرطبي، وجدتُ عند القرطبي تفسيراً لقوله (بسم الله الرحمن الرحيم) قائلاً أنه {القول في الاستعاذة وفيها اثنتا عشرة مسألة…} وسأذكر منها اثنتين: أولاهما {الثالثة: أجمع العلماء على أنّ التعوّذ ليس من القرآن ولا آية منه، وهو قول القارئ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوّذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى. ورُويَ عن ابن مسعود أنه قال: قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ فقال لي النبيّ ص: يا ابن أمّ عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريلُ عن اللوح المحفوظ عن القلم} انتهى
تعليقي: إنْ صحّ قوله (أجمع العلماء على أنّ التعوّذ ليس من القرآن ولا آية منه) فما محلّ المُعوذتين- أي سورتـَي الفلق والناس- من الإعراب؟
وأمّا الثانية: {الثانية عشرة: روى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال عليّ بن أبي طالب ع: رأيت النبيّ ص عند الصّفا وهو مُقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه، قلت: ومن هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال هذا الشيطان الرجيم فقلت: يا عدوّ الله، والله لأقتلنّك والله لأقتلنّك ولأريحنّ الأمّة منك؛ قال: ما هذا جزائي منك؛ قلت: وما جزاؤك مني يا عدوّ الله؟ قال: والله ما أبغضك أحد قط إلّا شركت أباه في رحم أمّه. بسم الله الرحمن الرحيم} انتهى
وتعليقي: ما ذنب الرّجل الذي رآه “النبيّ” في صورة الفيل حتى ذاق اللعنة من “النبيّ” والوعيد بالقتل من عليّ؟
ووجدتُ القرطبي جامِعاً ثماني وعشرين مسألة حول معنى قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) أذكر منها اثنتين: الأولى {الثانية- قال سعيد بن أبي سكينة: بلغني أن علي بن أبي طالب (رض) نظر إلى رجل يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم فقال له: جَوّدْها فإنْ رجُلٌ جوّدها فغُفِر له. قال سعيد: وبلغني أن رجلاً نظر إلى قرطاس فيه بسم الله الرحمن الرحيم فقبّله ووضعه على عينيه فغُفِر له. ومن هذا المعنى قصّة بشر الحافي، فإنه لمّا رفع الرقعة التي فيها اسم الله وطيّبَها طُيِّب اسمُه، ذكره القشيري. وروى النسائي عن أبي المليح عن ردف رسول الله ص قال إن رسول الله ص قال إذا عثرتْ بك الدابة فلا تقلْ تعس الشيطان فإنه يتعاظم حتى يصير مثل البيت ويقول بقوته صنعته ولكنْ قلْ بسم الله الرحمن الرحيم فإنه يتصاغر حتى يصير مثل الذباب… إلخ} انتهى
تعليقي: أفهَمُ ممّا تقدّم أنّ هذه الحسنة “كتابة البسملة أو تجويدها أو تقبيلها” تمحو جميع السّيّئات، بل يتصاغر بها حجم الشيطان إلى حجم ذبابة. ولا أدري إلى أيّ حجم يتصاغر حجم الشيطان إذا ما كتب الأخ المُسْلِم البسملة عشر مرّات أو جوّدها عشر مرّات أو قبّل قرطاساً يحتويها عشر مرّات- هل يكفي القول: الله أعلم؟!
والثانية {الخامسة: الصحيح من هذه الأقوال قول مالك؛ لأنّ القرآن لا يثبت بأخبار الآحاد وإنما طريقه التواتر القطعي الذي لا يُختـَلـَفُ فيه. قال ابن العربي: ويكفيك أنها ليست من القرآن اختلاف الناس فيها، والقرآن لا يختلف فيه. والأخبار الصّحاح التي لا مطعن فيها دالّة على أنّ البسملة ليست بآية من الفاتحة ولا غيرها إلّا في النمل وحدها} انتهى
تعليقي: 1 أفبعد اختلافات العلماء والفقهاء من أصحاب التأويل والتفسير يُقال ما قال ابن العربي (والقرآن لا يختلف فيه) إنه لأمر عجيب وغريب 2 إنّ البسملة مزيدة على سُور القرآن وفي تقديري لا مانع من استهلال القراءة بها ولكنْ تعليماً لا فرضاً بكتابتها في مقدّمة سورة من السّوَر 3 أمّا في سورة النمل فقد وردت ضمن سياق النّص وتحديداً في الجملة المرقمة ٣٠ ولم يفتتح بها مؤلّف القرآن السورة- وقد روى عنها ابن كثير في معرض تفسيره سورة النمل: ٣٠ (إنّهُ مِنْ سُليمَان وإنه بسْمِ اللَّهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ) ما يأتي: {قال العلماء لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان (ع) وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي… عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله ص فقال (إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود) قلت يا نبيّ الله أي آية ؟ قال (سَأُعَلِّمُكهَا قبل أن أخرج من المسجد) قال فانتهى إلى الباب فأخرَجَ إحدى قدميه فقلت نسِيَ ثم التفت إليّ وقال (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) هذا حديث غريب وإسناده ضعيف وقال ميمون بن مهران كان رسول الله ص يكتب باسمك اللهم حتى نزلت هذه الآية فكتب “بسم الله الرحمن الرحيم”} انتهى. وتعليقي بالمناسبة: قول العلماء “لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان (ع)” افتراء واضح على ما في كتب اليهود لا دليل عليه. فكيف بَسْمَلَ سليمان وبأيّة لغة والعربيّة ليست لغته؟!
أمّا عن قوله (مالك يوم الدين) فقد جمع القرطبي اختلافاً كثيراً: {قرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقع بنصْب مَالِك؛ وفيه أرْبَع لغات: مَالِك ومَلِك ومَلْك- مُخفَّفة مِنْ مَلِك- وَمَلِيك. قالَ الشّاعِر:
وأيَّامٍ لنا غُرٍّ طِوَالٍ *** عَصَيْنا المَلْك فيها أنْ ندِينا [بحر الوافر- والشاعر هو عمرو بن كلثوم ممّا في معلّقته]
وقال آخر: فاٌقنعْ بما قسَمَ المَلِيك فإنّما *** قسَمَ الخلَائِق بَيْننا عَلّامُهَا [بحر الكامل- والشاعر هو لبيد بن ربيعة ممّا في معلّقته أيضاً]
ورُويَ عَن نافِع إشباع الكسْرَة فِي “مَلِك” فيَقرَأ “مَلِكِي” على لغة مَن يُشْبع الحَرَكات، وهي لغة للعَرَب ذكرَها المَهْدَوِيّ وغيْره.
اِختلفَ العُلمَاء أيّمَا أبْلغُ: مَلِك أو مَالِك؟ والقراءتان مَرويّتانِ عن النّبيّ ص وأبي بَكْر وعُمَر. ذكرَهُمَا التِّرْمِذِيّ؛ فقِيل: “مَلِك” أعَمّ وأبْلغ مِن “مَالِك” إذ كُلّ مَلِك مَالِك، وليْسَ كُلّ مالِك مَلِكاً؛ ولِأنّ المِلْك نافِذ على المالِك في مُلْكه، حَتَّى لَا يَتصَرّف إلّا عَنْ تدْبير المَلِك، قال أبو عُبَيْدَة والمُبَرِّد. وقِيل: “مَالِك” أبْلغ؛ لِأنّهُ يَكون مَالِكاً للنّاس وغيرهمْ؛ فالمَالِك أبْلغ تصَرّفاً وأعْظم؛ إذ إليْهِ إجْرَاء قوانين الشّرْع، ثُمَّ عِنْده زيادة التّمَلُّـك} انتهى
تعليقي: مهما اختلف العلماء فلا يجب الإختلاف على مفردة واحدة في النصّ الأصلي إلّا ما كان القول في سورة الحجْر: ٩ (إنّا نحْن نزَّلْنا الذِّكْرَ وإنَّا له لحافِظُون) محض تمويه وإنذار المعترض بوجوب غضّ النظر عن كلّ ما يُمكن أن يسوء القرآن.
وأمّا قوله (اهْدِنا الصِّرَاط المستقيمَ) فقد جمع القرطبي ما يأتي: {وقـُرِئَ: السِّرَاط (بالسِّينِ) مِن الِاستِرَاط بمعنى الِابتِلاع؛ كأنّ الطّريق يَسترِط مَنْ يَسْلُكهُ. وقـُرِئَ بَيْن الزّاي والصّاد. وقرِئَ بزاي خالِصَة والسِّين الأصْل. وحَكَى سَلَمَة عَن الفرَّاء قال: الزِّرَاط بإِخلاصِ الزّاي لغة لِعُذرَة وكَلْب وبَنِي القيْن، قال: وهؤلاءِ يقولون في أَصْدَق: أَزْدَق. وقد قالوا الأَزْد والْأَسْد ولسِق بهِ ولصِق به} انتهى.
تعليقي: يا ليت شعري ما المكتوب في “اللوح المحفوظ” هل الصّراط أم السّراط أم الزّراط؟ علماً أنّ القرطبي جمع اختلافاً على معنى قوله: (اهدِنا الصّراط المستقيم) ما يمكن العودة إليه على صفحات الإنترنت بسهولة.
وهنا مقتطفات من تفسير ابن كثير حول الجملة الأخيرة:
* روى أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب “فضائل القرآن” عن أبي معاوية… عن عمر بن الخطاب (رض) أنه كان يقرأ “غير المغضوب عليهم وغير الضالين” وهذا إسناد صحيح وكذلك حُكيَ عن أبَيّ بن كعب أنه قرأ كذلك وهو محمول على أنه صدر منهما على وجه التفسير
وقوله تعالى: “غير المغضوب عليهم ولا الضالين” قرأ الجمهور غير بالجر على النعت. قال الزمخشري وقرئ بالنصب على الحال وهي قراءة رسول الله ص وعمر بن الخطاب.
* عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله ص عن قوله تعالى “غير المغضوب عليهم” قال “هم اليهود” “ولا الضالين” قال: “النصارى هم الضالون” [وقد روى كثيرون قول محمد هذا- أنظر أيضاً روايات الطبري]
ومن اللافت أخيراً ما قد يظن أحبّاؤنا من المسلمين والمسلمات أنها كانت مكرمة محمديّة ممّن (جاء ليتمّم مكارم الأخلاق) فخصّ اليهود بصفة المغضوب عليهم كأنهم غير ضالّين وخصّ النصارى بالضلال كأنهم غير مغضوب عليهم، لكنّ الجواب في تفسير ابن كثير- مثله في تفسير الطبري:
{*وكلّ من اليهود والنصارى ضالّ مغضوبٌ عليه لكنّ أخصّ أوصاف اليهود الغضب كما قال تعالى عنهم “من لعنه الله وغضب عليه” [أي المائدة: ٦٠ والتي نصّها- قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شرّ مكاناً وأضل عن سواء السبيل] وأخصّ أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى عنهم “قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل” [أي المائدة: ٧٧ وهنا النصّ- قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل] وبهذا جاءت الأحاديث والآثار} انتهى.
————–
قلتُ من الأسى ممّا قال أبو الطّيّب المتنبّي- بحر البسيط:
وَاحَرّ قلباهُ ممّنْ قلبُهُ شَبـِمُ *** ومَنْ بجسْمي وحالي عِندَهُ سَقـَمُ [شبم: بارد]
ما لي أُكَتـِّمُ حُبّاً قدْ بَرَى جَسَدي *** وتدّعي…
واٌستوقفني في هذه اللحظات الملاك حَقـّائِيل. قال: سمِعْتُك وأنت تتحرّق أسى على أحِبّائك الذين يقرأون ولا يستوعبون ويسمعون ولا يُصدّقون ويحفظون عن ظهر قلب ولا يُدقـّقون، بلّغهم سورة {التقديس} فقد قيل لهم “ما على الرسول إلّا البلاغ” عسى يقتنعون:
إقرأ باٌسم ربّك الحيّ القدّوس* المكتوب في الناموس* عن متواضع القلب الوديع والأنيس* أتى لتطهير القلوب وتحرير النفوس* حَذّر مراراً من أعمال إبليس* ربّ التضليل والتنكيل والتدليس* مدّ بالشرّ من أصقاع مانيلا إلى ضواحي باريس* وعبر الأطلسي إلى البلاد الجديدة من اكتشاف كولمبوس* أسّس ديناً ودولة لم يترك أهل الكتاب وشأنهم ولا عدل أتباعه عن ملاحقة سواهم كالبوذيّين والهندوس* وما دخـْله بمقدّسات الوثنيّين والمجوس؟* حرّض على إلغاء ما لا يناسبه من تقاليد وطقوس* خرّبَ من الحضارات القديمة ولا زال بعد مضي أربعة عشر قرناً على ذاك الكابوس* لم يتعظ بشيء من حرب البسوس* دمّر من الجديدة بُرجَين للتجارة لم تسلم سكة حديد من بطشه ولا شارع ولا سوق ولا ملهىً إنْ هِيَ إلّا من تعاليم الكتاب الممسوس* لم يتشرّف بثقافته شريفٌ ولا حَبْرٌ ولا قسّيس* مَن ذا يرضى باستباحة ما للآخر وإلّا فالجزية والتقطيع باتجاه معكوس* وما أدراك بأيّ قلب تُضرَبُ الأعناق وتُقطع الرؤوس* لا جدوى من التعامُل بلغة السكاكين والفؤوس* شكراً يا صاحب الجلالة وعذراً يا سيادة الرئيس* لقد سمحتما بثقافة التفجير ودعمتما حروفها في مُعْجَم الظلم والقاموس* كلّ كتاب ما عداه خيرُ جليس* فابحثا لدستورَيكما عن كتاب نفيس* لا يجوز تصميم الدستور على كتاب مؤلّف خسيس* لا يستحِقّ أيّ تقديس* يومَ يُسألُ العاقلُ على أيّ مقياس كنتَ تقيس* فبشرّ الأحرار بالخلاص قريباً ولتبدأ مرحلة جديدة من بناء الفكر والتأسيس*
تحليل نقدى رائع
فقد استمتعت كثيرا وانا ارى المعوزتين تتساقط من القرآن …. عقبال باقى القرآن
تحياتى
سلام المسيح معكم أخي الصديق يوسف المصري
شكرًا جزيلًـا لك على مرورك الكريم واهتمامك وتعليقك اللطيف
ولا يفوتني بالمناسبة تقديم الشكر الجزيل لإدارة موقع مجلة المفكر العربي الحر على تفضلها بإعادة نشر سلسلة هذه المقالة
وسوف أرسل إلى هذا الموقع بشكل خاص القسم الحادي عشر من المقالة
بعد الإنتهاء من نشر أقسامها العشرة
الرب يسوع يبارك حياتك ومصر الحبيبة
مع أطيب المنى