المثقف والسلطة

مرة اخرى يثار موضوع علاقة المثقف بالسلطة، وهذه المرة جاء من قبل كاتبة قديرة هي الدكتورة شيرين أبو النجا، ناقدة وروائية مصرية تعمل أستاذة للأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، ولها مساهمات بارزة في مجال النقد والكتابة النسوية، كما أن آراءها الخاصة كثيرا ما تثير الجدل في المحافل الثقافية.
تقول” ان المثقف ينتج المعرفة وليس قيادة الجماهير”.
ليس المطلوب من المثقف ان يقود الجماهير فذلك من شان السياسي ولكن السؤال الملح هو هل يستطيع ان ينتج المعرفة في ظل هذا التخبط السياسي،لابد له إذن ان يعرف طريقة نشر الوعي والمعرفة بين الجماهير بطريقة تبعده عن طريق السياسي وهذا يقع في خانة المستحيلات اذ لايمكن للمثقف ان ينشط بعيدا عن احتياجات الناس المعرفية وإلا اصبح كاتبا متقوقعا لاجدوى مما يكتب.
قد يكون صحيحا ان الكاتب او المثقف يجب ان يكون بعيدا عن الأيدلوجية مهما كانت صالحة وسليمة ولكنه بالمقابل يجب ان يعرف نبض الناس وكيف يفكرون وماهي الطريقة الأسلم لجذب اهتمامهم الى القضايا التي تهمهم.
هل يمكن ذلك دون أن يتحزب المثقف لجهة حزبية ما؟ نعم يمكن ذلك،فهو يستطيع ان يكشف العيوب دون ان يورط نفسه في الانضمام الى حزب معين،وهناك عشرات الكتاب في العالم كتبوا ومازالوا عن مشاكل مجتمعاتهم بآراء شخصية بعيدة عن التحزب.
هذا الرايء قد يغضب البعض ويتساءلون كيف يمكن للمثقف او الكاتب ان يشحذ أدواته المعرفية لتكون فعالة دون سند قوي من فكر معين؟.
الجواب سيكون بسيطا فهو حين يكتب بسند سياسي او حزبي فانه سيظل أسير هذا الإسناد ويفقد اهم ما عنده وهو الإبداع.
تقول الدكتورة شيرين:
– الوضع شديد التعقيد، سواء فيما يتعلق بعلاقة المثقف بذاته (الشك، التردد، الغضب، الانعزال الفكري)، أو علاقته بجماعةً الًمثقفين الواسعة (الاتهام، الشجب، الرفض، الانقسام، التعاطف)، أو علاقته بالسلطة (الانسحاب، الهجوم، التقوقع، المقاومة، المعارضة، المساندة، التواطؤ). يبدو الأمر منطقيا أن تكون العلاقات متشابكة، ومتضمنة تواصلا وانقطاعا بهذا القدر. فاللحظة المعرفية والسياسية التي يمر بها العالم بأكمله، والانقلابات المهولة في مجال التكنولوجيا والمعلومات، بالإضافة إلى التطور الذي يحصل الآن فقد تغير خطاب «الاحتكار» أو الاضطهاد”.
يبدو ان الكثيرين يتفقون مع ما تقوله دكتورة شيرين،ولكنهم وانا واحد منهم يعرفون ان الادوات المعرفية تغيرت بفعل ثورة المعلومات وعلى المثقفين ان يغيروا انفسهم ولا يظلوا”سلفيين”.
ويبدو ان الدكتورة شيرين تتراجع بخفة وتؤيد ذلك حين تقول:
“دور المثقف هو إنتاج المعرفة فقط. هذا هو المعيار الذي ينبغي الأخذ به عند التقييم. بمراجعة تقارير المعرفة التي تصدر عن الأمم المتحدة بالتعاون مع مؤسسة آل مكتوم، ندرك أن العالم العربي بشكل عام متراجع في إنتاج المعرفة، وهذا هو ما يجب أن نوليه أهمية. على المثقف أن يذكر نفسه دائما بأن مهمته ليست الوصاية الأبوية (من دون وعي كأن يعيد إنتاج فكرة الأب – الرئيس) بوصفه مالكا للحقيقة، وليس مفروضا أن يقود الجماهير، بل أن يكون منها. فكلما كانت فكرته مرتبطة بالحركة الجماهيرية وتطلعاتها، كانت الفكرة عملية وقابلة للتحقق رغم كل القيود التي كانت تفرضها السلطة، وقادرة على خلخلة الخطاب السائد وإرباك مفرداته أملا في إنتاج لغة جديدة”.
اذن علينا انتاج لغة جديدة بعيدا عن الاحزاب اليسارية والمينية والوسطية فانك ذلك من شان السياسيين.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.