هذا ليس أنا

sadamكم تكرر هذا المشهد في حياتك كأب: تضبط طفلك وهو يأتي شيئا يجب ألاّ يأتيه، فتسأله مؤنبا: من فعل هذا؟ ويجيبك فورا وهو في قلب الفعل: «ليس أنا!». هو لا يريد أن يبرئ نفسه فقط، بل يريد أن يريحك أيضا، لكي تبقى العلاقة بينكما غير مشوشة. تعلِّمه غريزته استخدام سلاح الإنكار، فإذا كبر على جهله ولم تساعده على تهذيب غريزة الارتكاب والاعتداء، تحوَّل الإنكار عنده إلى مفاخرة. سوف يعمل ذلك أمام الملأ، ويدعو إلى الاحتفال المصورين. كمثل الفارس الذي يذبح ابنته أو شقيقته، أو البطل الذي يقطع رأس رهينته.

لكي نريح أنفسنا من مسؤولية ظاهرة الفظاعة التي لا حد لها ولا حدود، نكرر القول إن هذا ليس أنا. هذا هو أميركا وإسرائيل والإنجليز. هم قتلوا مليون بشري في العراق، وشردوا عشرة ملايين في سوريا، وذبحوا 250 ألفا في الجزائر، وقنصوا الآلاف في حرب لبنان، وفتتوا الصومال. ليس أنا. وعندما كبر هذا، اختار أن يفعل العكس، أن تُلتقط له الصور فوق عنق رهينته بالألوان الفاقعة. وفي الماضي كان يطلب من الضحية أن يشكر خاطفيه على حسن المعاملة. لم تعد هناك ضرورة لذلك. أمر مفهوم.
هل سمعت مرة أننا مسؤولون عن شيء ما، عن ظاهرة ما، عن ضياع ما؟ الذي أضاع فلسطين عام 1948 هو «الأسلحة الفاسدة» و«الأنظمة الرجعية»، لكن في 1967 كانت جميع الأسلحة ذهبية مثل الأنظمة، وضاع الباقي. ومليون ضحية عراقية في إيران عمل بطولي ونشامى، أما مليون آخر في مواجهة عقيمة، فالحق على الرجعية العربية التي زينت للعراق احتلال الكويت. ولا تنس، رجاء لا تنس، أن جيش صدام دخل الكويت بموجب دعوة خاصة من الأميركيين. فقد قالت السفيرة الأميركية: نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين. فاستدعت القيادة العراقية محلليها الاستراتيجيين وطلبت تفسيرا للكلام، فكان هذا شرحه: عليكم بالكويت غدا، ولن يحرك أحد ساكنا. وظلت جميع الأمم تقول ذلك حتى بعد ضرب بغداد.
هذا ليس أنا. في البداية نقول إنها «أبريل غلاسبي»، ومن ثم نفاخر بأنهم النشامى والماجدات. ومن أسس «داعش»؟ ليس أنا. الأميركيون والإنجليز. ولا تنس تركيا وإيران وروسيا. جميعهم إلا نحن. وفي النهاية نلتقط – نحن – الصور التذكارية مع كل من جاء بدعوة خاصة منا: القوى القديمة والقوى الحديثة والقوى الطالعة والقوى التي ترغب بالطلوع في وقت قريب، أو بعيد، لا فرق. أهلا وسهلا بكم، من إيداهو وكاليفورنيا والشيشان وسيبيريا وكازاخستان.
هذا ليس أنا. كل هذا الحشر ليس أنا. هذه لعبة دولية من ألعاب الأمم. واللعنة على مايلز كوبلاند الذي وضع بين أيدينا هذه اللعبة التافهة، وتركنا نتسلى بها بين الجثث والخرائب وغاز السارين.
نقلا عن الشرق الاوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.