نووي ولاية الفقيه يتحول من ورقة ضغط الى عبء

عبد الواحد الجصانيhh5

وأخيرا خسرت إيران ورقة قدراتها النووية ووافقت على أن تخضع برنامجها النووي الى قيود وإجراءات صارمة مقابل أن تخفف عنها بعض العقوبات التي فرضت عليها بسبب هذا البرنامج.

إتفاق مجموعة 5+1 وإيران في جنيف فجر يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 هو بداية النهاية للعبة إيرانية أرادت من خلالها إبتزاز دول المنطقة والعالم لتحقيق أحلامها الإمبراطورية الفارسية، لكن هذه الورقة، كبقية عناصر سياسة إيران الخارجية المبنية على انتهاز الفرص والخداع والتآمر، تحولت الى عبء سياسي وإقتصادي كبير على إيران، ولا بد أن تفكر الشعوب الإيرانية مليا في الخراب الذي أوصلته اليه ولاية الفقيه. أما الضجيج الذي يعلو في طهران متحدثا عن انتصارات مزعومة حققها جواد ظريف في جنيف بالحفاظ على حق إيران في التخصيب، فهي فارغة كالحملة الاعلامية للحكومة السورية عن إنتصارات حققتها وفدها في نيويورك بإعتماد مجلس الأمن القرار2118 في 27/9/2013 الخاص بنزع الأسلحة الكيميائية في سوريا.

السطور ادناه ستحاول كشف مواضع الهزيمة الإيرانية، وبعض احتمالات المستقبل.

أولا: بنود اتفاق جنيف:

تضمن اتفاق جنيف ثلاث فقرات

الفقرة الاولى ديباجة تذكر ان هذا الاتفاق هو خطوة نحو حل شامل ودائم يضمن الطبيعة السلمية الحصرية للبرنامج النووي الإيراني، ويرد في الديباجة تعهد إيران بإنها لن تسعى، تحت أي ظرف، لحيازة الأسلحة النووية مقابل تعهد من مجموعة الستة بأن الحل الشامل سوف يضمن لإيران التمتع بحقوقها في الطاقة النووية للأغراض السلمية وفق التزاماتها بموجب معاهدة عدم الإنتشار. وتؤكد الديباجة اخيرا على ان الحل الشامل ذو طبيعة مترابطة وفق قاعدة لا شيء متفق عليه إذا لم يتفق على كل شيء، أي أن أي نكوص عن تنفيذ أي بند من الاتفاق سيجعل الاتفاق كله لاغيا.

الفقرة الثانية أوردت الالتزامات التي على إيران تنفيذها خلال الأشهر الستة القادمة، وهي:

1- ايقاف تخصيب اليورانيوم بنسبة اكثر من 5%، وتحويل نصف خزين إيران الحالي من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% الى اوكسيد اليورانيوم لإستخدامه في مفاعل طهران البحثي (ولضمان عدم استخدامه في الاغراض العسكرية)، وتخفيف تركيز النصف الآخر الى أقل من 5%.

2- عدم بناء أية طاردات مركزية جديدة وتوقف تجميع الطاردات التي يجري تجميعها ولم تدخل حيز التشغيل بعد.

3- تعلن إيران إيقاف الأنشطة في مرفقي التخصيب في ناتانز وفوردو وفي مفاعل آراك. (وهو المفاعل الذي يعمل بالماء الثقيل والذي في حالة تشغيله سينتج البلوتونيوم الضروري لصنع القنبلة الذرية).

4- تتعهد إيران بتحويل الكميات التي ستخصبها بنسبة أقل من 5% الى اوكسيد اليورانيوم.

5- تتعهد إيران بعدم بناء أية مرافق جديدة للتخصيب ولا مرافق إعادة معالجة الوقود.

6- تسمح إيران بزيارات يومية من مفتشي الوكالة لمنشأتي (ناتانز) و(فوردو) لتخصيب اليورانيوم والسماح للمفتشين بالتحقق من الأفلام التي تلتقطها كاميرات المراقبة الموضوعة في المنشأتين.

7- تقديم المخططات التصميمية لمفاعل الماء الثقيل في اراك والسماح للمفتشين بزيارته.

8- السماح بوصول مفتشي الوكالة الى ورش تجميع الطاردات المركزية ومناجم ومطاحن اليورانيوم.

الفقرة الثالثة تضمنت ما ستنفذه مجموعة الستة من اجراءات مقابلة وهي:

1- وقف جهود تخفيض صادرات النفط الإيرانية وبقاء كمية النفط الإيراني المصدَّر على مستوياته الحالية والسماح بوصول ايرادات هذه الكمية الى إيران.

2 – تعليق العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على تصدير البتروكيمياويات والذهب والمعادن الثمينة والسيارات الى إيران.

3 – التعهد بعدم إصدار مجلس الأمن عقوبات جديدة ضد إيران.

4 – تعهد الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة بعدم اصدار عقوبات فردية جديدة ضد إيران على خلفية ملفها النووي.

5 – تسهيل تجارة المواد الإنسانية (الغذاء والمنتجات الزراعية) الى إيران باستخدام الاموال الإيرانية المجمدة. (الارقام التي تحدثت عنها صحيفة نيويورك تايمز تقول إطلاق من ستة الى سبعة مليار دولار من الأموال الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات، بضمنها 4،2 مليار دولار مبيعات نفط إيراني محتجزة في البنوك الأجنبية).

ثانيا: كيف خسرت إيران:

1 – كانت إيران تصر على أن يناقش ملفها النووي ضمن إطار أوسع يشمل الأمن الإقليمي والدولي، وأرسلت الكثير من الرسائل والبمعوثين الى امريكا وفرنسا والمانيا وبريطانيا تطالب فيها أن يناقش ملفها النووي ضمن صفقة تشمل الأمن الإقليمي ومناطق النفوذ لكي تضمن الحصول على امتيازات إقليمية مقابل التخلي عن طموحاتها النووية غير المشروعة أو التخلي عن بعض طموحاتها الإقليمية مقابل إعتراف الغرب بها كقوة نووية، ومذكرات محمد البرادعي (سنوات الخداع) حفلت بإشارات الى العديد من الوساطات التي تطوَّع بها بين إيران وامريكا جوهرها الربط بين الملف النووي والدور الاقليمي لإيران، نذكر منها على سبيل المثال ما ذكره في الصفحة 230 (قبل توجهي الى الولايات المتحدة كنت قد التقيت بعلي لاريجاني كبير المفاوضين الإيرانيين وطلب مني ان انقل الى الولايات المتحدة أن الإيرانيين مهتمون بالحوار المباشر مع الولايات المتحدة ليس فقط فيما يخص الملف النووي الإيراني ولكن ايضا فيما يتعلق بالعراق وأفغانستان وحزب الله وحماس، وعبّر لاريجاني عن قناعته بأن إيران يمكن ان تلعب دورا هاما إزاء القضايا التي ستؤثر على التجديد النصفي للكونغرس الامريكي لإنها قادرة على دعم الأمن في بغداد والمساعدة على تشكيل حكومة وطنية في لبنان).

وكذلك ما أشار اليه المفكر الألماني تودنهوفر في مقال له في الصحف الالمانية يوم 6/10/2013 من أن حكومة ألمانيا نقلت للولايات المتحدة رسالة من الحكومية الإيرانية تعرض عليها التعهد بنبذ الخيار النووي ومساعدة امريكا في حربها على الارهاب مقابل تقاسم مناطق النفوذ في الشرق الاوسط (انظر مقال بدر الدين كاشف الغطاء بعنوان (الامبريالية الفارسية: ولاية الفقيه تعرض على امريكا تقاسم مناطق النفوذ) المنشور هنا).

لكن الدول الغربية تجاهلت عروض إيران، وكانت تنظر إلى تضخيم إيران لإنجازاتها النووية على أنه سلاح سيرتد عليها. ولما بدأت خسائر إيران السياسية تتوالى، حيث يتهرأ نظام الحكم الموالي لها في بغداد، وفي سوريا تزداد نقمة الشعب السوري عليها لتورطها في الصراع الداخلي السوري، وفي لبنان حيث يغوص حزب الله اكثر فاكثر في الحرب الاهلية السورية، وفي الخليج العربي حيث تتصاعد النقمة الشعبية ضدها، وعندما بدأت العقوبات تؤذي النظام وتجفف موارده المالية وتزيد من نقمة شعوب إيران على سياساته، إضطرت ولاية الفقيه الى الرضوخ وذهبت الى جنيف والى فيينا تستجدي الحلول، وبادلت إزالة ما انتجته من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% ووقف تشييد مفاعل الماء الثقيل ومصنع الماء الثقيل بعدة مليارات من اموالها التي جمِّدت أصلا بسبب هذا البرنامج، وهناك المزيد من التبعات التي ستلاحق إيران ولاية الفقيه عندما تبحث الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تاريخ هذا البرنامج وتكتشف حلقات من أبعاده العسكرية.

2: إتفاق جنيف ركَّز على العناصر القائمة البرنامج النووي الإيراني الحالي ولم يتطرق الى القضايا المعلقة بضمنها الأبعاد العسكرية المحتملة لبرنامج إيران النووي كون الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخذت على عاتقها التعامل مع هذه المسائل ووقعت مع إيران يوم 11/11/2013 اتفاقا للعمل خلال الاشهر الثلاثة القادمة على البدء بحل المسائل المعلقة ومنها تفتيش منجم غشين قرب بندر عباس ومنشأة الماء الثقيل وطلب معلومات عن مفاعلات البحوث الجديدة والمواقع المقترحة لإنشاء (16) محطة للقوى النووية وإيضاحات عما اعلنته إيران من مرافق تخصيب اضافية ومعلومات عن تكنولوجيا الاثراء بالليزر.

وحسب ما اعلنته الوكالة فإن موضوع زيارة موقع (بارشين) سيكون ضمن البرامج القادمة، وبارشين هو الموقع الذي لدى الوكالة معلومات ذات مصداقية تقول انه إضطلع بأنشطة تتعلق بتطوير جهاز متفجر نووي، وقالت عنه الوكالة في الفقرة 54 من تقريرها في 21/8/2013 الآتي (إيران شيدت وعاء كبيرا لإحتواء المتفجرات لكي تجري فيه تجارب هايدروديناميكية ومن شأن هذه التجارب ان تكون مؤشرا قويا على احتمال تطوير سلاح نووي، وتشير المعلومات الى أن وعاء الاحتواء ركب في بارشين عام 2000). ويمضي تقرير الوكالة قائلا: إن الوكالة طلبت تفتيش موقع بارشين وشرحت للجانب الإيراني اسباب ذلك لكن الجانب الإيراني منع الزيارة واجرى تغييرات كبيرة في الموقع وازال أبنية وشق طرقا لتغيير معالم الموقع.

3 – خلافا لما يشاع عن دهاء ولاية الفقيه، فإن الممارسة اثبتت سذاجة المعممين المفرطة. فطيلة السنوات العشر التي استغرقها التفاوض حول برنامج إيران النووي كانت ولاية الفقيه تتمسك بما اسمتها (فتوى الخميني) بتحريم أسلحة الدمار الشامل وفي مقدمتها الأسلحة النووية ظنا منها أن العالم سيصدقها وتمضي هي في برنامجها النووي العسكري، وتناسى أصحاب العمائم أن الوقائع الثابتة تقول ان إيران منخرطة منذ اواخر الثمانينات في برنامج نووي يهدف الى انتاج الأسلحة النووية، وإن اعترافات عبدالقدير خان جاء فيها أنه زود إيران عام 1987 بتصاميم الطاردات وتصميم متفجر نووي بمباركة من الخميني نفسه، وان صور الاقمار الصناعية أكدت أن إيران اجرت التجارب على المتفجر النووي في موقع بارشين، وأن إيران ولاية الفقيه لم تحرّم على نفسها يوما أسلحة الدمار الشامل، إذ انها سبق أن أنتجت واستخدمت الأسلحة الكيمياوية خلال الحرب العراقية الإيرانية واعترف رفسنجاني بامتلاك إيران مصانع للأسلحة الكيمياوية اكثر تطورا من مصانع العراق إذ قال موجها كلامه للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة خافير بيريز ديكويلار في لقاء جمعهما في طهران في آذار 1985 (منشآتنا لإنتاج الأسلحة الكيميائية أكثر تطورا من منشآت العراق لكننا لا نريد استخدام هذه الأسلحة) [أنظر الصفحة 67 من مذكرات السيد جيادوينيكو بيكو مساعد الأمين العام للأمم المتحدة في كتابه (رجل بلا سلاح)]. وآخر تقرير صدر عن خدمات بحوث الكونغرس الأمريكي بتاريخ 4/11/2013 وعنوانه (إيران: مصادر القلق الامريكية والرد السياسي) يقول في الصفحة 35 منه (التقارير والشهادات الرسمية الأمريكية تقول إن إيران لا زالت تحتفظ بقدرات لإنتاج الأسلحة الكيمياوية وإحتمال ان تملك أيضا قدرات لإنتاج بعض الأسلحة البايولوجية لإغراض هجومية).

ثالثا: بعض احتمالات المستقبل

1 – التجربة اثبتت أن إيران ولاية الفقيه لا تلتزم بعهود أو مواثيق ولديها القدرة الفائقة على إختلاق الأعذار لنقض ما تعهدت به إن وجدت ذلك في مصلحتها، ولذا فمن غير المتوقع أن تلتزم إيران باتفاق 24/11 مع الستة ولا باتفاق 11/11 مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خاصة عندما تقترب التفتيشات من كشف الأبعاد العسكرية لبرنامج إيران النووي.

2 – ومن أجل التعويض عن خسارتها في الملف النووي، ولنقل اهتمام الشعوب الإيرانية من هذا الملف الى أزمات خارجية، ستحاول إيران إثارة المشاكل على المستوى الإقليمي، خاصة وأنها ضمنت بعد الإتفاق أن أمريكا أو الكيان الصهيوني لن يستهدفاها باعمال عسكرية، وسوف تسعى لابتزاز دول الخليج العربي وبالذات المملكة العربية السعودية، وقد بدأت بوادر هذا التحرش بقصف مواقع حدودية سعودية من ميليشياتها المتواجدة في العراق وبحملة اعلامية ظالمة، ولذا وجب التهيؤ لإفشال هذا المخطط مع التركيز على مراقبة الخلايا الإيرانية النائمة في بعض الدول العربية، ولعل هذا التحدي الفارسي الجديد يدعونا، نحن العرب، أن نعطي الأولوية للتحديات الخارجية المهددة لأمننا القومي ونضع جانبا خلافاتنا الداخلية ونخطو خطوات حقيقة نحو الوحدة العربية التي لا مستقبل لنا بدونها.

رابعا: سأختم هذه السطور بسخرية عراقية مريرة عن اشباه الرجال الذين يحكمون العراق، فما ان اعلن اتفاق جنيف حتى إنبرى عضو إئتلاف دولة القانون محمد الصيهود قائلا (إن الدور الذي اداه العراق عبر تغيير صورة إيران لدى الولايات المتحدة الامريكية والغرب بشأن البرنامج النووي الإيراني هو الذي قاد الى الاتفاق الاخير)، وأضاف (إن امريكا كانت تعتقد أن إيران ماضية نحو تصنيع الأسلحة النووية، لكن قدرة العراق على اقناع الغرب بأن غاية إيران هو الإستخدامات السلمية لبرنامجها النووي قاد الى اتفاق أمس).

والله المستعان

 

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.