لاشك ان الحديث عن العيد في مناسبة أليمة شيء يستهجنه الكثيرون… و الأغرب من ذلك هو التصور ان تتحول نكبة بمعناها الانكسار و الخسارة إلى عيد و الذي يعني في معناه العام ايضا الفرح و السرور…!!…
لكننا لو أمعنا إلى تفكيك المصطلحين اي النكبة و العيد إلى عناصرهما المختلفة و ربطنا ذلك مع التطور السياسي و الاجتماعي في فلسطين و العالم العربية لربما توصلنا إلى ما يجعلنا نستدرك استهجاننا و تعجبنا…
قبل كل شيء لابد ان نتذكر المعادلة في الرياضيات و هي … التفكير بشكل مختلف يوصل إلى نتائج مختلفة…. اي يوصل إلى نتائج و ربما قناعات تختلف عن تلك النتائج و القناعات التقليدية… اي ان البحث عن البدائل يستوجب كسر القيود الفكرية قبل هدم البناءات المادية…. هناك قول … أو حكمة قديمة … تردد في احد الأفلام الأمريكية… مفاده… ان التاريخ يصنعه المجانين ….و المجنون هو ذلك الذي يكسر كل البناءات الفكرية و المادية حتى يحقق نتائج مختلفة قد تكون خرابا أو دمارا و قد تكون ازدهارا و تطورا…. و لكن في واقع الحال هي هذا و ذاك…. لان الدمار و البناء هما في النهاية وجهان لعملة واحدة اسمها التغيير…
الآن لنعود إلى فكرتنا الأولى … النكبة و العيد…مفهوم النكبة كمصطلح سياسي أطلقت على نتائج حرب 1948 التي كانت من المفروض تحرير الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها الجماعات اليهودية القادمة من أوروبا و الغرب عموما… و توحيد الأراضي الفلسطينية بعد قرار الامم المتحدة بتقسيمها مما كان يعني ضمنيا القضاء على الدولة الإسرائيلية التي أعلنت عن إنشائها قبل اشهر…
النتائج الأولى و المباشرة لهذه الحرب…. و هنا نحاول ان نفكر عناصر مصطلح النكبة…. هي خسارة الجيوش العربية مجتمعة و تحولها إلى مهزلة أمام مجموعات ميليشياوية صغيرة من اليهود….القيام بمذابح كبيرة في الكثير من المدن و البلدات الفلسطينية بموازاة خطط واضحة لتهجير واسع لمئات الآلاف من الفلسطينيين و دفعهم خارجا إلى الدول العربية المجاورة… ثم عنصر مهم اخر و هو تحول جوهري في فكر التغيير العربي من تحرير الأرض المغتصبة إلى تحرير الوطن من الأنظمة السياسية القائمة…. أو إلى الداخل در… حيث تحولت وجهة الجيوش العربية من حراسة امن الوطن إلى مؤسسة طامحة في الحكم…. و هكذا جرت انقلابات في سوريا و مصر العراق مرتبطة بشكل مباشر بالانكسار في حرب 1948 ….
نجاح هذه الانقلابات يربطنا بشكل مباشر بالمصطلح الثاني و المعاكس تماماً للمصطلح الأول … المصطلح الثاني هو العيد حيث تم ادخال فكرة جديدة في الوعي الجمعي العربي العام و هو ان هذه الانقلابات هي مدعاة لانتصار عظيم ردا على نكبة فلسطين و بالتالي النتيجة التي تحققت بالانقلابات هي نتيجة مختلفة كليا…. اي أنها مناسبة للاحتفال و المسرة … اي عيد… و فعلا تحولت المناسبة السنوية لهذه الانقلابات إلى أعظم الأعياد الوطنية و اكثرها زهوا و تمجيدا في التاريخ الحديث للعرب في هذه البلدان…. و طبعا في بلدان اخرى… لان سحر الانقلابات تمكن من دحر كل أنواع السحر الأخرى في التفكير العربي..
لكن الأمور لم تتوقف هنا أبدا …. بل استمر اختلاط عناصر المفهومين … النكبة و العيد… في الواقع العربي…. حتى وصل إلى حدود لم يعد بالإمكان فصل بعضها عن البعض… بكلام آخر… ان العرب اصبحوا يفكرون بشكل مختلف و لذلك حققوا نتائج مختلفة …. من أعظم هذه النتائج و التي تؤطر ارتباطا وثيقا بين العناصر المكونة للمصطلحين المتناقضين… النكبة و العيد…إرسال الجيش المصري إلى اليمن لتحريرها من حكم الإمام التقليدي و ترك الجبهة المصرية ليحتفل فيها الإسرائيليون بإقامة أكبر مهرجان لإصابة أهداف ثابتة… طائرات… و أهداف متنقلة…. دبابات و جنود… بالضبط كما يحتفل الأطفال بلعبة الرماية في مهرجانات الأعياد…. ايضا حروب المخابرات و القتل و لاغتيالات السياسية…. أما أعظم مهرجان لاطلاق الدخان الملون في الكويت و التي سماء الخليج و مناطق شاسعة في العالم… و اعظم مهرجان للألعاب النارية في التاريخ و التي شهدتها سماء العراق سنة 1991 في حرب تحرير الكويت و ادت الى تدمير العراق كليا و تشريد شعبه يمينا و شمالا … هذا المهرجان ما يزال مستمرا باًليات و أهداف مختلفة و متجددة…. حيث انتقل ايضا إلى سوريا… حيث سجلت تجربتا العراق و سوريا تطورا هائلا للمذابح الجماعية قياسا بما جرى في فلسطين أيام النكبة… كما تطورت أساليب تهجير الفلسطينيين من الدفع إلى الخارج … إلى التقبير الذاتي عن طريق بناء الجدار العنصري…الأمر الأخير جرى ايضا في العراق من خلال الفرز الطائفي و عزل المناطق الجغرافية داخل المدن….
هناك أمر آخر…. في الأعياد….تتخلى الناس عن رتابة الأنظمة الاجتماعية حيث يعم نوع من الفوضى …..الثورات العربية التي كانت تعبيرا …. ربما جنونيا… للبحث عن بدائل للنظم التقليدية… حققت أعظم نتائج جنونية للفوضى…. هل هناك من يستطيع ان يخمن اي قانون يحكم الآن في مصر و تونس و اليمن…. و هل هناك من يستطيع ان يفرز الفتاوى الشرعية بين الجد و اللعب…. لنتذكر كتاب طه حسين…و هل هناك من يستطيع ان يعرف ان شيخا جليلا مثل القرضاوي …. هو مع الغرب ام مع العرب…. و هل هناك من يستطيع ان مناضلين فلسطينيين كبار…. من ابو نضال … إلى……… هل هم مع تحرير فلسطين ام مع تثبيت إسرائيل….؟؟؟؟؟….
في الأعياد و النكبات ايضا يزداد الإنفاق المالي… أحيانا غير العقلاني و غير المبرر…. هل هناك من يستطيع ان يعد المبالغ التي ينفقها الخليجيون الآن في جنون شراء ما لا يستطيعون استخدامه من أسلحة و اكسوارات جميلة و قبيحة و من نساء عاريات و سبايا…. و كم “يستثمرون” في دعم الاقتصاد الغربي المتصدع و كم يدفعون مرتبات و حوافز للرجال الاشداء الذين ينشرون القتل و الدمار في العراق و سوريا و غيرهما…؟؟؟؟؟…..
يقال ان جولدا مائير… قالت بعد النكبة…. ان الكبار سيموتون و الصغار سينسون…. هل نعرف من هم الكبار و من هم الصغار…. بل هل نعرف من هو الميت و من هو الحي…؟؟؟…
اخيرا……هل نستطيع ان نحدد ان كنا في نكبة ام في عيد…؟؟؟..