كارثة سافار ومحمد يونس

الشرق الاوسط

قضى نحو ألف شخص تحت أنقاض مصنع الملابس في سافار، بنغلاديش. لكن الشقوق الأكثر خطرا لم تكن في المبنى المنهار، كما يقول المفكر الإنساني محمد يونس، وإنما هي في النظام القائم في البلاد: الفساد وانعدام الرقابة وعدم وجود مقياس أو سقف لما هو مقبول من المعاناة البشرية.

تقوم اليد العاملة في الدول الفقيرة بخدمة المستهلك في الدول الغنية. واحتجاجا على كارثة سافار قررت شركة «وول ديزني» وقف الاستيراد من بنغلاديش. لكنّ في هذا عقابا لفقرائها، يقول محمد يونس. الحل الأفضل هو في اتفاق دولي على رفع أجرة العامل حول العالم من 25 سنتا إلى 50 سنتا في الساعة. هل تتخيل إنسانا يعمل أربع ساعات لكي يحصل على دولار واحد؟

هذا إن وجد عملا في بعض الأحيان. على أن نظرية «السوق» والمنافسة تقضي بأجر ضئيل في بنغلاديش من أجل أن يدفع المستهلك، بدوره، سعرا رخيصا في البلدان الصناعية. الحل الأفضل أن يشارك البائع والتاجر والوسيط وصاحب المصنع في دفع الثمن. لقد تحولت بلدان العالم في العصر الحالي إلى مصانع إنتاج وتصنيع وتركيب السلع المستهلكة في الغرب. يصمم القميص في باريس ويحاك في تونس أو مصر أو الصين أو نيكاراغوا. ولم يعد الإنتاج محصورا بالصناعات البسيطة بل توسع إلى المنتجات التكنولوجية الدقيقة والأدوية الزراعية وغيرها.

ويحتاج تحسين أحوال العامل المستفيد إلى قليل من التفكير العملي والقليل من البعد الإنساني. يقول محمد يونس إن كل ما على بنغلاديش أن تفعله هو رفع سعر الثوب المباع 50 سنتا لكي تضيف ما يكفي لتحسين أحوال 3.5 مليون عامل ينتجون ما يدر كل عام نحو 18 مليار دولار.

من خلال 50 سنتا يمكن إقامة مؤسسة تخفف عن عمال الحياكة أعباء العناية الصحية ومشاكل السكن والتعليم والعناية بالأطفال، لأن المجموع سوف يكون 1.8 مليار دولار في العام. على أن أول ما يحتاجه العالم الثالث هو رجال مثل محمد يونس، أستاذ الاقتصاد، الذي حمل بنغلاديش إلى جائزة نوبل بابتكاره سياسة القروض الصغيرة للعائلات الفقيرة.

يميل الإنسان في كل مكان إلى الاهتمام بالأشياء الموجهة إلى عالم الأغنياء والمتوسطين: كيف يمكن الإفادة منهم ومن مداخيلهم؟ لكن أحدا لا يفكر في سبل تحسين أوضاع الفقراء، ويفضل الجميع أن يتركوا إلى حالهم. المأساة البشرية ليست وقفا على سافار ولا على بنغلاديش. لقد أصبح الفارق بين أوضاع العامل في البلاد الصناعية وبينه في البلاد الكادحة، لا يطاق. والمسؤولية أولا مسؤولية الحكومات والأنظمة في الدول النامية. هؤلاء هم شعبها وأهلها، وعليها أن تبحث عن محمد يونس حيثما تجده وليس عن سياسيين يعلكون الكلام والفشل.

 

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.