فايز سارة: الشرق الاوسط
فتحت تطورات الوضع السوري الأبواب على مصراعيها لتدخلات لم يكن يحسب حسابها في تحديد مستقبل سوريا والسوريين، ورسم ملامح النظام السياسي المقبل بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولعل آخر هذه التدخلات ما قاله زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في طبيعة النظام المقبل في سوريا والذي يراه – في جملة ما يراه – نظاما يستند إلى قدرة «الجماعات الجهادية» وفكر «القاعدة»، وهدفه «إقامة خلافة إسلامية مجاهدة».
ويستدعي قول الظواهري أقوالا أخرى، صدرت من دول وجهات مختلفة، حاولت بدورها رسم ملامح سوريا المستقبل، وتحديد الإطار الذي ينبغي للسوريين العيش فيه بعد انتهاء الأوضاع الحالية، ولعل الأبرز في ذلك، ميل معظم القوى والجماعات الإسلامية إلى إعلان أن هدفها إقامة دولة إسلامية، وهو هدف عام تحيط به بعض التفاصيل، فالمطلوب دولة خلافة كما يقول حزب التحرير الإسلامي، أو دولة إسلامية جهادية على نحو ما تسعى إليه «جبهة النصرة». ويجد دعاة الدولة الإسلامية في سوريا على تنوعهم دعما متفاوتا في مسعاهم من أطراف إقليمية ودولية، تتراوح مواقفها ما بين تأييد إقامة نظام إسلامي وعدم ممانعة هذا الهدف.
والخط الثاني من اتجاهات رسم مستقبل سوريا، يمثله موقف النظام الحاكم في دمشق من خلال تأكيد مضيه في حل عسكري أمني، هدفه تكريس نظام استبدادي فاشي، يقوم على سلطة أقلوية – عائلية، وهو في نهاية الأوضاع الحالية، يمكن أن يقوم بإجراءات تجميلية في إطار النظام الحالي، وتتوفر قوى دعم إقليمية ودولية لخيار النظام في رسم مستقبل سوريا والسوريين باعتباره امتدادا للمرحلة الماضية من حكم البلاد.
ومن الواضح أن مستقبل سوريا لدى الظواهري وأشقائه وصولا إلى النظام، يجسد رؤية متطرفة سواء في أفقها المفتوح على «خلافة إسلامية مجاهدة» حسب الظواهري، أو على استمرار نظام الاستبداد الفاشي بكل ما جسده، وهي سياق طبيعي لموجة القتل والتدمير التي انتهجها النظام، ثم جلب إليها عبر العسكرة وفتح الحدود جماعات التشدد الإسلامي، ولا سيما «النصرة» وأخواتها بحيث تكثفت عمليات قتل وجرح وتهجير السوريين ودمار ممتلكاتهم وبلدهم على مذبح مصالح النظام ونزعاته المتطرفة، ونزعات التطرف الديني وأهدافه.
كما استندت الرؤية المتطرفة لمستقبل سوريا إلى ديمومة الصراع واستمراره ودخوله بوابة التوحش غير المحدود، وأخذه منحى الصراع الطائفي، وفتحه الأبواب لكل أنواع ومستويات التدخل الإقليمي والدولي من الأفراد والجماعات إلى الدول والهيئات، مما جعل الجميع بغض النظر عن ماهيتهم وقيمتهم وقدرتهم متدخلين في تحديد ملامح النظام السياسي المقبل في سوريا.
ورغم الفوات السياسي والأخلاقي المحيط بالنظام، والإشكالات المحيطة بجماعات التطرف الإسلامي، فإن المخاوف حاضرة من أخذ سوريا إلى نظام يتوافق أو يتقارب مع رؤية المتطرفين من النظام والجماعات الجهادية في ظل استمرار وتصاعد الصراع العنيف عسكريا وسياسيا في البلاد. إن ثمة مستقبلا آخر للنظام رسمته ثورة السوريين منذ انطلاقتها في مارس (آذار) 2011، أساسه قيام نظام ديمقراطي، تعددي، محكوم بروح التوافق من أجل توفير الحرية والعدالة والمساواة للسوريين، وهو النظام الذي عبرت عنه هتافات المتظاهرين السلميين الأولى من أجل الحرية ووحدة السوريين وتضامنهم في مواجهة النظام ومن أجل المستقبل، وقد أكدت المعارضة السورية بجماعاتها وتكويناتها السياسية وتنظيماتها العسكرية وخاصة الجيش الحر، تبني نظام ديمقراطي تعددي متناسب مع المطالب الشعبية.
والتأكيد على رؤية ثورة السوريين والمعارضة على خيار النظام الديمقراطي، لا يندرج في باب الآمال والطموحات فحسب، بل هو في باب الضرورات والممكنات؛ إذ هو في الأولى يمثل تلبية لرغبة السوريين في الخروج من تجربة ديكتاتورية دموية، أوصلتهم إلى عمق الكارثة، ويمثل تجنبا في الوقت نفسه للمصائر التي صارت إليها بلدان طفحت فيها الجماعات الجهادية من أفغانستان إلى العراق والجزائر وغيرها، والأمر من ناحية الممكنات منسجم مع طبيعة السوريين الذين إذا تراجعت التدخلات الخارجية في شؤونهم، فإنهم يملكون قدرة كبيرة على معالجات وتحقيق توافقات سياسية، وهو يتيح لفئات واسعة من السوريين المشاركة في نظام سياسي يمثلهم ويعبر عنهم، ويعيد إدماجهم كأبناء وطن واحد يتطلعون إلى مستقبل مشترك.