كان هناك في قديم الزمان أميرة ذو جمال اسطوري أخاذ, إسمها شام, وكان لديها ذكاء ثاقب وعبقرية خلاقة, حيث كانت تمتلك مهارات لامثيل لها في شتى المجالات من براعة هندسية, فنية, علمية, تقنية, وإقتصادية, بالإضافة الى مهارة ابداعية في تصميم الأدوات التي يحتاجها مجتمعها في حياتهم اليومية, وكانت تزود شعبها بالافكار الخلاقة بالتبادل التجاري مع المجتمعات المحيطة, وأيضاً مع المجتمعات النائية التي تفصلها عنها البحار والمحيطات, فقامت لذلك باختراع وتطوير السفن الضخمة, التي تستطيع شق عباب البحار وركوب المحيطات الهوجاء. وقامت أيضاً باختراع حروف الالف باء, لتسهيل التدوين والتوثيق والابداع الأدبي, بعد ان كان شعبها يكتب بلغات قديمة تعتمد على الرموز.
كانت شام تمضي جل وقتها مع الناس في المعامل والورشات, والمزارع, تشرف على كل صغيرة وكبيرة, وبفضل عبقرية هذه الفتاة تم تطوير االبناء والزراعة والصناعة والتجارة والفن والادب, وعاش ابناء شعبها برخاء وازدهار لا مثيل له, تحسدها عليه كل المجتمعات المحيطة والنائية والتي وصلتها اخبار ثراء هذه المملكة وتطورها وازدهارها.
كان الملك الكهل ابو شام انسان وديع ودود وطيب القلب جداُ, وكان يحب شعبه كثيرا وكان شعبه يبادله نفس الحب, وكان الملك يحب ابنته شام كثيراُ, وكان يحضرها ويعدها لكي تصبح الملكة وترث مملكته من بعده لان الشعب كان يحبها ويحترمها لما قدمت له من انجازات.
كان الملك ابو شام يحب الملكة ام شام حبا جماً, وقد حزن كثيراُ عند وفاتها بمرض خبيث نادر لم يعرف الاطباء تشخيصاُ له, ولم يعرفوه من قبل فأطلقوا عليه اسم:” مرض الريح الأسود الصحراوي “, لأنه بالعادة كانت الأوبئة تأتي اليهم من الشعوب المتجولة الاتية من الصحراء, والتي كانت تحمل معها الامراض, لذلك اصدر الملك أمراُ ملكياً بحجر كل من يأتي من الصحراء في مكان صحي معزول لمدة يحددها النطاسي للتأكد من خلوه من الاوبئة قبل السماح له بالدخول للمملكة.
توفيت الملكة ام شام بعد سنة من وضعها لمولودتها شام, لذلك اصبحت شام بمثابة الرئة التي يتنفس منها والدها الملك.
بعد وفاة ام شام تعرف الملك على زوجته الثانية حميدة, وقد انجبت له ابنته الثانية علياء. وكانت زوجته الثانية وابنتها تكنان كل الحقد على شام, ولديهما غيرة مفرطة منها لما تملكه من جمال ومواهب ومنزلة عند والدها وعند الشعب. لهذا السبب بدأت حميدة وابنتها علياء بالتخطيط للكيد والوقيعة بالملك وابنته شام, والإستيلاء على السلطة, وتوريثها لابنتها علياء بدل من ابنة الملك شام.
لقد اتت الزوجة الثانية حميدة من صحراء بعيدة على رأس قافلة تجارية, حيث كانت القوافل التجارية القادمة من الصحراء تجلب معها فراء الابل وصوف الغنم والتمور والسمن وتبادلها بالطحين والأواني, والثياب والأدوات والسلاح.
كانت حميدة ثمرة لزواج جماعي متعارف عليه بمجتمعها الصحراوي, حيث يجتمع على نكاح امرأة واحدة مجموعة من الرجال, وعندما تحمل المرأة وتضع الجنين, يجتمع الرجال عند المرأة لكي تختار أحدهم لينسب اليه أبوة الجنين.
كان مجتمع حميدة الصحراوي الذي اتت منه مجتمعاُ بدائياُ وله عادات غريبة, ولذلك كانوا يختارون لأبنائهم الاسماء الرفيعة مثل حميدة, علياء, صادق, رافع, شريف, عفيفة …. الخ, وذلك لكي يخفوا وضاعتهم ويعوضوا عن النقص بسلوكهم الاجتماعي.
استطاعت حميدة بدهائها ان تتقرب من الملك والد شام وتوقعه بحبائلها, وتقنعه بأن الجنين الذي تحمله بأحشائها هو بالفعل ثمرة حبها النقي والسرمدي للملك, واخلاصها الأبدي له, بدليل انها وهبت نفسها للملك من دون اي وعد او مقابل غير الحب الطاهر والإخلاص والوفاء, مع العلم انها كانت تعرف بأن جنينها هو عبارة عن ثمرة نكاح جماعي مارسته أثناء رحلتها التجارية الأخيرة مع مجموعة كبيرة من سائسي الجمال, حيث كانت تسير مثل هذه القوافل التجارية لشهور في الفيافي ولكثير من عتم الليالي الموحشة.
تقدم لشام الكثير من الشبان من اصحاب الذوات, من ابناء مجتمعها والمجتمعات المجاورة وايضاً من المجتمعات النائية, ولكن كانت تردهم خائبين وكانت تقول لهم: ” انا متزوجة من رفاه شعبي وتقدمه وتطوره ورخائه, وانا اخشى من ان الزواج من الاغراب سيلهيني عن حبي لشعبي الذي اعشق حتى الموت, ولن اخون حبي لشعبي مع اي غريب مهما كان اصله وعزوته ومركزه.
مرض الأب الملك الكهل بمرض عضال, فحبست حميدة وعلياء هذا الخبر عن ابنته شام التي كانت مشغولة طوال الوقت بمشاريعها التنموية للبلاد, واستغلتا ضعف الملك, وقامتا بحجره بغرفة معزولة في اعلى برج بالقلعة والتي لا يصل اليها احد, وقامت بأستدعاء بعض من اقاربها من الصحراء لكي يساعدوها بمخططاتها الشريرة.
وبعد ان خلا لحميدة الجو, استطاعت بفضل دهائها وبمشاركة ابنتها ان تغري كل اعضاء مجلس الحكماء بالمملكة وتجرهم الى الفساد, وتشعل الفتن فيما بينهم, والتي كان ينتج عنها قتال دموي فيما بينهم, وبعد اضعافهم والسيطرة عليهم, كانت تقضي عليهم الواحد بعد الأخر, واحتفظت فقط بالاعضاء من الشخصيات الضعيفة والفاسدة وقامت بترقيتهم بعد ان ضمنت ولائهم لها حيث كانت تملك ضدهم وثائق تدينهم بالفساد, فخضعوا لها وقاموا بتنفيذ جميع رغباتها.
وفي النهاية استطاعت حميدة وعلياء بإحكام السيطرة على مراكز القوى بالمملكة, بعد ما قتلت من قتلت وسجنت من سجنت وشردت من شردت واستمالت الى صفها من استمالت من وجهاء وحكماء المملكة, وبذلك اصبحت حميدة و ابنتها علياء تتحكمان بالمملكة ومن فيها, واقامتا علاقات غير شرعية وقذرة مع الحرس والخدم بالقصر ودنستا شرف الملك وجعلتاه مادة للسخرية والتندر عند الشعب.
لقد سلطت الزوجة الحراس على الشعب وفرضت عليه ضرائب لا قدرة له على دفعها, فملأت السجون بالمواطنين , وصادرت الأراضي, وأغلقت المدارس لكي يعم الجهل ولكي يسهل عليها التحكم بالشعب وقيادته كالقطيع, ثم فرضت على الشعب العمل بالسخرة في مزارعها وحقولها, وفي بناء قصورها, بالاضافة الى خدمتها في مقر اقامتها.
لقد قسمت الزوجة حميدة الشعب الى قسمين لا ثالث لهم, القسم الاول كان يعمل كالعبيد لديها, اما القسم الثاني فكان يعمل لديها كالعبيد ايضاً ولكن بصفة حراس وجنود وعسس, حيث منحتهم من السلطة ما يكفي لكي يساعدوها بتركيع الشعب واذلاله, ولقد سلطتهم على رقاب الشعب ترهبهم بأسلحته الفتاكة وسجونها الرهيبة, وكان مصير اي انسان يريد ان يعيش بكرامة, ويرفض ان ينتمي الى هاتين الفئتين إما القتل او النفي او الزج به في غياهب السجون.
كانت حميدة من المرض النفسي بحيث انها كانت تستمتع برؤية شعب الاميرة شام يتصرف كالحيوانات في قصرها, فكانت تفرض عليهم في المساء الرقص والغناء لها, وان يقوموا بحركات السيرك البهلوانية, وتقليد اصوات الحيوانات لكي ترفه عن نفسها وتتسلى وتشبع نزواتها المرضية.
وبهذه الطريقة حولت الزوجة حميدة المملكة الى سيرك كبير يعمل بها الناس من اجل ان تزيد ثروتها, وفي المساء يرقصون كالبهلوانات ويغنون من اجل تسليتها, وكانت اغنيتها المفضلة عندما يردد الشعب بصوت واحد: بالروح بالدم نفيديك يابنت الأجاويد يا حميدة, ……. ابنتك علياء هي املنا لتتابع مسيرتك الظافرة بحكمنا الرشيد.
كان شعب الاميرة شام متعدد الاديان وكانوا يحترمون اديان بعضهم البعض وكانت غالبية الناس تؤمن بإله المحبة والسلام وكانوا يسمونه نور الحق, وقد بنوا له الكثيرمن المعابد, وكان اكبر هذه المعابد هو المعبد المركزي في وسط المدينة, وكان هذا المعبد تحفة فنية في الهندسة البنائية وفيه الكثير من التماثيل الفنية البديعة المصنوعة من الذهب الخالص والاحجار الكريمة النادرة والتي ترمز لآلهة المحبة والسلام.
لقد كان شعب شام يؤمن ويجل تعاليم نور الحق السامية, وكانت توصيهم تعاليم نور الحق بالتسامح والبر وكانوا يقيمون له الكثير من الاحتفالات ويحيون له الاعياد المقدسة البهيجة.
أما حميدة وابنتها علياء فكانتا تتعبدان بإله القمر وهو الاله الذي يتعبد به قوم حميدة الذين كانوا يقطنون المناطق النائية من ما وراء الفيافي البعيدة, ومن اهم تعاليم إله القمر هو النكاح الجماعي المقدس والتي كانت حميدة وابنتها من ثمار هكذا زواج, وكان اهم موسم للتعبد بإله القمر هو الحج, حيث يجتمع كل اتباع إله القمر في المعبد المقام بأعلى قمة الجبل ويمارسون مع بعضهم البعض الجنس الجماعي, وذلك تقربا وإرضاءاً لإله القمر ولمغفرة الخطايا. ومن تعاليم إله القمر أنه يغسل من الخطايا لكل من يحج الى معبده بمقدار عشرة اضعاف عدد مرات المجامعة التي يقوم بها المؤمن أثناء الحج, لذلك كان يسعى كل حاج وكل حاجة على مجامعة اكبر عدد ممكن من الحجاج والحاجات, ولا يهم اذا كانت الممارسة بين رجل مع امرأة او رجل مع رجل او امرأة مع امرأة, وكل نكاح كان يحتسب من حسنات المؤمن عند اله القمر غافر الذنوب والكلي الرحمة.
كانت الداهية حميدة وابنتها علياء يعرفان اهمية الدين في حياة الناس, ولكي تكمل السيطرة على شعب الاميرة شام, ارادت ان تتحكم بالكهنة بحيث تصبح الالهة التي يعبدها شعب الاميرة شام ينطق بلسان حميدة, ويلبي كل اهوائها ويضفي عليها القداسة, لذلك قامت بإغراء بعض الحكماء, من الذين قد اشترت ذممهم, ودعتهم لاعتناق ديانة اله القمر ووعدتهم بالكثير من المال والجاه فيما اذا دخلوا دين اله القمر الغفور الرحيم جمعاُ مع اسرهم.
طالبت حميدة من المحكمة الدستورية بأن يتم الحكم لمتعبدي اله القمر بأن يحصلوا على نصف المعبد المركزي الكبير من اجل ان يمارس الداخلون في الدين الجديد عبادتهم. وقامت بصرف الكثير من الاموال لجلب كهنة محترفين من مجتمعها الاصلي من اجل نشر دين اله القمر بين ابناء شعب الاميرة شام, وكانوا يستخدمون الاغراءات المالية والجنسية لتوليف القلوب.
وبعد عام تضاعفت اعداد الذين تم اغرائهم بالدخول بديانة اله القمر, فقامت حميدة بشراء ذمم قضاة مغمورين ثم عينتهم على رأس المحكمة الدستورية ثم طالبتهم بالحكم بدستورية أن يستولي اصحاب الدين الجديد, والذين يعبدون اله القمر, على كامل المعبد المركزي الكبير.
وبسبب الفقر المدقع الذي كان متفشيا بين أبناء شعب الاميرة شام, وبسبب الأغراءات المادية, بدأ الناس يدخلون في ديانة اله القمر افواجاُ وأفواجا, وكان كهنة اله القمر يفصلون لحميدة وابنتها علياء الفتاوي على مقاسهم, واصبحت كل ما تقوم به حميدة وابنتها علياء من اعمال شنيعة وافعال إجرامية, وسرقة لمقدرات الشعب, وزنى وفاحشة انما هي وحي موحى, انزل به اله القمر بشهادة جميع الكهنة.
عندما لم تجد شام والدها بمقره حاولت ان تبحث عنه لشهور, ولكن من دون اي فائدة او نجاح, فأرسلت لها حميدة من يهددها بالقتل اذا لم تتوقف عن السؤال والبحث عن والدها, فأضطرت شام ان تتظاهر بأنها توقفت عن البحث عنه ريثما تجد مخرجا لمشكلتها.
عاد ثائر رفيق طفولة شام من رحلة طويلة لمدة تجاوزت العشر سنوات, حيث كان ثائر يحب المغامرة, وقد قرر السفر لكي يجوب العالم كله ويتعلم الحكمة من اساطين الحكمة في الممالك البعيدة في ذلك الزمان, وبعد ان قابل والده والذي كان الوزير الاول للملك, والذي احالته حميدة الى التقاعد لكي تتخلص من استقامته ووفائه للملك والشعب, حكى له والده وبالتفصيل كل ما حل بالمملكة من شرور الزوجة حميدة.
قام ثائر وبمساعدة بعض الشباب من اصدقاء طفولته بالتعرف على مكان الملك وذلك عن طريق بعض اباء اصدقائه المغلوب على امرهم والذين حافظوا على مناصبهم وتحولوا لخدمة حميدة من اجل كسب قوت اسرهم ولكن ما زالوا يكنون بالوفاء للوطن الاصيل.
اتصل ثائر بشام وواعدها بأن يصحبها لرؤية والدها لكي تطلعه عما حل بالمملكة والشعب. استطاع ثائر وشام ان يصلا الى مكان حجر الملك بمساعدة الجنود الاوفياء من اباء اصدقاءهم المخلصين. اصيبت شام بالصدمة عندما وجدت والدها بحالة مزرية لا تليق باوضع الناس, وعندما ارادت ان تكلمه اشار الملك بأصبعه الى عينية المقلوعتين ثم فتح فمه واشار بأصبعه بأن لسانه قد تم قطعه, وكل هذا قد تم بأوامر مباشرة من زوجته حميدة.
فهمت شام بان زوجة ابيها قد امرت بقطع لسان وقلع عيني الملك, لكي لا يتمكن ان يتكلم أو ان يرى, وعندما رأت والدها بهذه الحالة المزرية, وقعت مغميا عليها من شدة الصدمة.
وعندما افاقت من الصدمة بعد يومين, حاولت ان تكلم والدها ولكنها لم تستطع, ولم يخرج من فمها اي كلمة, وعندها ايقنت بانها قد فقدت النطق من هول ما رأت, لأنها كانت فتاة رقيقة وشديدة الحساسية, واصبحت شام خرساء منذ ذلك الحين.
علم العسس السري الخاص بحميدة بقدوم ثائر, فقاموا باخبارها, فأمرت بأن يتم سجن شام وثائر باعلى برج بالقصر, حيث لا يستطيع ان يصلهم احد, ومنعت عنهم الطعام والشراب لكي يموتوا من الجوع وتتخلص من خطرهم لانها كانت تعرف بان الشعب يتوق اليهم, وان باستطاعتهم ان يقلبوا الشعب عليها, ويهزوا اركان حكمها التي استولت عليه بالحيلة والمكر.
كان هناك اثنان من العسس يقومون كل يوم بتفتيش الزنزانات بالبرج التي كانت تكتظ بالسجناء, ومهمتهم الوحيدة هي حمل السجناء الذين قد فارقوا الحياة, لكي يتم دفنهم بمقبرة جماعية خارج المملكة, وهي عبارة عن حفرة كبيرة في الجهة الشمالية للملكة.
اخذت شام دبوس شعرها وكتبت على ارض الزنزانة التي كانت تجمعهما بأعلى البرج :سنموت هنا فلماذا تبتسم يا ثائر؟
فأجابها ثائر: انا لدي خطة للخروج من هنا سوية.
فكتبت شام : مستحيل, والطريقة الوحيدة للخروج من هنا هو الموت.
فقال ثائر: حسناُ يمكننا ان نموت لمدة يوم كامل فيقومون باخراجنا من هنا, ثم نعود للحياة ونتدبر امرنا.
فكتبت شام: هل اصبحت تهذي من شدة الصدمة واصبحت حالك اصعب من حالي, فأنا فقدت النطق ولكن ما زلت احتفظ برجاحة عقلي, فالعسس يعرفون بخبرتهم الميت الفعلي من الحي الذي يتظاهر بالموت, ولم ينجح قط انسان بخداعهم من قبل, ولا نستطيع نحن ايضاُ خداعهم, فهذه خطة مكتوب لها الفشل من البداية.
فقال ثائر: لا ايتها الاميرة فانا ما زلت احتفظ بقواي العقلية ايضاُ, ولكن الحقيقة يا مولاتي أني قابلت اثناء ترحالي امهر كميائي على وجه الارض, وكان ذلك في بلاد بعيدة, وقد اعطاني هذا الكيميائي قارورة فيها اكسير عجيب, اذا تناولها اي شخص يتوقف نبض قلبه لمدة يوم كامل ويصبح كالميت ثم يعاود القلب للعمل من بعدها كالمعتاد ويعود الشخص للحياة كالمعتاد.
تكتب شام على الارض: هل هذا معقول ؟
فاجاب ثائر: نعم, لقد اهداني الكيميائي هذا الاكسير وقال لي بان هذا الاكسير سينقذ حياتك وحياة من تحب, وستتذكرني عندما ينقذك هذا الاكسير وستبتسم, ولهذا السبب أنا ابتسم.
تكتب شام:اين هو الاكسير؟
فأخرج ثائر قارورة صغيرة كانت مخبأة بزناره, وقال لها: هذا هو الاكسير وهناك ما يكفي لكلانا, اذا شربناه سوية قبل قدوم عسس التفتيش, فسيظنون بأننا فارقنا الحياة لأن قلبينا يكونان قد توقفا عن النبض, فيحمولونا ويرمونا مع بقية الجثث في المقبرة الجماعية خارج المدينة من الجهة الشمالية, وبعد يوم كامل سيعود قلبانا الى النبض ثانية كالمعتاد وعندها نكون قد اصبحنا احرار.
عندما استفاقا في اليوم التالي وهما بالحفرة كانت الرائحة النتنة للموتى بجوارهم تزكم انوفهم, فامسك ثائر بيد شام وسارا نحو السلالم التي تخرجهما من الحفرة, وذهبا باتجاه البحيرة واغتسلا فيها, وكان سعيدين لولادتهما الجديدة.
قال ثائر: يجب ان نضع خطة لانقاذ شعبنا؟
فكتبت شام على الارض: لكي نجد الحل الناجع فيجب ان نعرف اولاُ ما هي المشكلة التي يعاني منها شعبنا , وبدون ان نشخص المشكلة فلن تكون خطتنا ناجحة؟
قال ثائر: حسناُ اين هي المشكلة وكيف نشخصها؟
فكتبت شام: شعبنا يعاني من ثلاث مشاكل هي الجهل والعزلة والخوف, ونريد ان نجد خطة تخلصه من هذه الامراض الثلاثة, الجهل, العزلة والخوف, وهذا لن يكون سهلا على الاطلاق, وربما يكون مستحيلاُ.
قال ثائر: ربما علينا ان نستشير حكيم الحكماء والذي يقولون بأن لديه لكل مشكلة حل, وهو يعيش على مسافة سفر سنة من هنا, حيث علينا ان نقطع ثلاثة جبال وثلاثة سهول وثلاثة بحار لكي نصل اليه؟
يقطع ثائر وشام الجبال والوديان والبحار ويصلون الى حكيم الحكماء, بعد عام من الترحال, وبعد ان قصوا عليه ما حدث لمملكتهم, وشرحوا له الاعراض المرضية المزمنة لشعبهم وهي العزلة والجهل والخوف, تأثر الحكيم بمأساة شعبهم وقال لهم: لحسن الحظ, لدي الحل لمشاكل شعبكم, ولكن يجب ان تنتظروني ثلاثة ايام وبعدها تعودان لرؤيتي وسأكون قد وجدت العلاج الشافي لشعبكم.
فرح ثائر وشام كثيراً وعادوا في الموعد المحدد ليقابلوا حكيم الحكماء.
فجاء الحكيم لمقابلتهم ومعه لوح زجاجي وقال لهم انظروا من خلال هذه النافذة.
فنظر ثائر وشام من خلال النافذة كما طلب منهم الحكيم, فرأوا كل شعبهم من خلال هذه النافذة وبتحريكها بزوايا معينة استطاعوا ان يروا الشعوب المجاورة , وكلما حركوا النافذة بزاوية ما, رأوا شعبا اخر من شعوب الارض, فاصيبوا بالصدمة الكبيرة من شدة الفرق الشاسع بين حال شعبهم والشعوب الاخرى, والتي كانت تعيش برخاء وحرية وديمقراطية, ووصلت الى مراحل متقدمة في الحضارة والثقافة والعلوم, بينما شعبهم كان يرزح تحت كاهل الجهل والخرافات الدينينة والذل.
فقال لهم الحكيم: ماذا رأيتم؟
فقالوا له لقد رأينا شعبنا, وكلما حركنا النافذة بزاوية ما نرى شعبا اخر!
فقال لهم الحكيم: هذه اسمها النافذة العنكبوتية, لانها تمكنكم من رؤية العالم كله, والتواصل معه, وكأن العالم مرتبط ببعضه البعض بشبكة كثيفة تشبه شبكة العنكبوت, ومن خلال هذه الشبكة العنكبوتية يستطيع الناس ان يتاوصلوا ويروا بعضهم البعض ويكلموا بعضهم البعض ويتبادلوا الخبرات والثقافات, وهذا هو الحل لمشكلة شعبوكم, لانها ستخرجه من عزلته عن طريق التواصل مع العالم, وسيتخلى عن الخوف لان العالم كله سيسانده, وستتم توعيته واخراجه من الجهل لانه سيستفاد ويتعلم من تجارب الاخرين عندما يتواصل معهم.
فرح ثائر وشام بهذه النافذة العنكبوتيه العجيبة, وشكروا الحكيم على مساعدتهم, وحملوا النافذة عائدين الى شعبهم, ثم قاموا بالتواصل مع كل افراد شعبهم, وقدموا لهم البرامج العلمية والثقافية لتوعيتهم, وتواصلوا مع الشعوب الاخرى, وكسروا العزلة التي فرضتها عليهم حميدة وعلياء, واصبحوا تواقين للعيش بحرية وكرامة اسوة ببقية الشعوب التي تواصلوا معها, فتشجعوا وكسروا حاجز الخوف, وتواعدوا عن طريق النافذة العنكبوتية بأن يخرجوا كلهم كيد واحدة لكي يسقطوا علياء وحميدة ولكي يتخلصوا من الطغيان والاستبداد.
وفي اليوم التالي وفي الصباح الباكر تجمهر شعب شام بالمكان التي حددته شام, وتراصوا وكأنهم بنيان واحد, وهتفوا بصوت واحد تسقط حميدة وعلياء….. لقد تصدرت شام وثائر جموع الجماهير, وفرحت شام كثيرا برؤية جموع المواطنين الذين كانوا يندهون بصوت واحد: كرامة … حرية … .كرامة …. حرية, لقد كانت فرحتها لا توصف عندما ايقنت بأن شعب شام قد كسر حاجز الخوف مرة والى الأبد, وانهم على بداية طريق المستقبل الذي سيوصلهم الى الحرية والكرامة….. ومن دون ان تنتبه شام على انها خرساء وقد فقدت النطق, صرخت من شدة الفرح: كرامة … حرية … كرامة … حرية,.. ودوى صوتها اعلى من الجميع.
فنظر اليها ثائر وقال: ها انت تنطقين ثانية,…. لقد فقدت نطقك من شدة صدمة الحزن على شعبك, وها انت تستعيدين نطقك من شدة صدمة الفرح لاستعادة شعبك كرامته….. واخيرا نطقت الخرساء…. نعم نعم.. نطقت الخرساء….. لقد نطقت شام وقرطاج وطرابلس وممفيس….. وكل ذرة بجسد شام كانت تصيح بصوت واحد نريد الكرامة نريد الحرية,…… لم نعد نخاف…… نحن تحررنا من الجهل…., نحن تحررنا من العزلة….. لقد نطقت الخرساء. أديب الأديب (مفكر حر)؟