أهم القواعد التي تقوم عليها الدول المعروفة بالديمقراطية هي قاعدة المحاسبة، أو المساءلة. إذا بلغت البطالة نسبة لا تحتمل، استقالت الحكومة. إذا ارتفع سعر الحليب أو المازوت في الموازنة، تجمعت الصحافة وقام المعارضون. في المقابل هناك الدول المصفقة، وهذه لا تعني فيها البطالة أو الكفاية أو المجاعة شيئا لأحد. هذه فيها برلمانات تحمل اسم الشعب، لكن مهمتها الوحيدة التصفيق للسيد الرئيس، إذا ما قرر ذات يوم زيارتها لصورة تذكارية يعم فيها الابتسام. صدام حسين لم يكن يتنازل إلى ذلك، فقد كان يلتقي الشعب مباشرة من على شرفة عالية، وخلفه ولداه، وفي نهاية اللقاء يطلق النار من بندقية، لكن في الهواء.
معمر القذافي ألغى شيئين لا ضرورة لهما: الموازنة والبرلمان، وذلك لأن الشعب كان هو الحاكم المباشر من خلال اللجان وأمناء اللجان. ورجاء، رجاء، رجاء لا تنس الأمانات والأمناء.
في الأنظمة المصفقة لا يؤتى على ذكر تفاصيل العيش والحياة. فقط البطولات. لا وقت لإضاعته في قضايا مثل الرغيف والأرز والطبابة والنقل والتقاعد والشيخوخة. لذلك، فإن مطلب الناس الوحيد والدعاء الدائم هو الستر للناس، والروح والدم للزعيم. دائما كانت الأنظمة العربية تعرض قضايا كبرى من نوع الوحدة الشاملة، أو تحرير فلسطين (من النهر إلى البحر)، أو دحر الإمبريالية. هل سمعت زعيما يتحدث مرة عن القضايا الصغيرة كالطبابة والتعليم والقمح والمياه؟
الاتحاد السوفياتي سبق الغرب إلى الفضاء. أرسل كلبة اسمها لايكا إلى مدار الأرض وترك الغرب يرتعد والرفاق يصفقون. خاض الغرب المعركة على الأرض: بطاطا وقمح وثلاجات وسيارات بالتقسيط وسينما وتلفزيون وبيتلز (بدل النشيد الأممي). وعندما انتبه السوفيات إلى اللعبة كان الاتحاد صرحا وهوى.
الأخ الرفيق فلاديمير فلاديميروفيتش ما تعلم الدرس ولا حفظ الأمثولة. لغته من الماضي، وأسلوبه من الماضي، وعرض كتفيه من أيام الحمامات التركية. يريد استعادة الدولة الكبرى بأفكار صغيرة. يدجج نفسه ببرلمان مصفق وينظر إلى الوراء. ونحن مستعدون لإعارته أغنية «أمجاد يا عرب أمجاد». لكن من يكتفي بالغناء يكتشف أن 1967 دمرت النفس العربية إلى ألف عام. وأن «داعش» و«حالش» و«مالش» ليست سوى تداعيات ذلك الضياع الرهيب. ينصح الرفيق الأخ بوتين بقراءة ملفات الكرملين. ينصح بدراسة ملف ليونيد بريجنيف. ينصح بالتنبه إلى أن الغرب يلهيه في القرم. ويصفق له بيد واحدة.
نقلا عن الشرق الاوسط