مدونة نبيل فياض 21 حزيران/يونيو 2014
حجر الأساس، بالعبرية אבן השתייה إيفين هاشتياه ؛ بالعربية، الصخرة؛ هو اسم الصخرة الواقعة في مركز قبة الصخرة في القدس، والتي يقال إنها زرعت هناك في بداية الخلق وإنها أُخِذت من قبل الله من عرش مجده.
وهي تسمى أيضاً بالحجر النفيس لأنها تتضمن ثقباً صغيراً في الزاوية الجنوبية الشرقية منها يصل إلى كهف تحت الصخرة، يعرف باسم بئر الأرواح. ويعتقد أنها كانت موقع قدس الأقداس في الهيكل، وهو أقدس ما في اليهودية ( مدراش تنحوما، الفصل 10 ). تنظر إليها التقاليد اليهودية كوصلة روحانية تربط الأرض بالسماء. واليهود يتوجهون إليها تقليدياً في صلواتهم.
قبة الصخرة في مدينة القدس القديمة تدعى جبل مورياه. جبل الهيكل دعي بالعبرية حار بابيت، الذي يعني، جبل البيت، كما في بيت الله؛ بالعربية، الحرم الشريف.
وهكذا فإن أقدس بقاع القدس هو الصخرة التي رأى اليهود القدامى أنها مركز الأرض، محور الكون، المكان الذي لحم السماء بالأرض، والأرض مع الخلط البدئي تحتها. ” لقد كانت جذر السماء، غطاء الجحيم، المكان الذي تنبجس منه الأنفس حين تصعد من الجحيم إلى السماء “.
ماذا بشأن اسم الله المتعذّر نطقه יהוה [ يهوه ] المنقوش على حجر الأساس وتابوت العهد، الذي استقرّ في قدس الأقداس ( الدفير، مكعب كامل من عشرين وحدة )، ويقال إنه فوق الحجر؟ يقول الاعتقاد اليهودي إن موضع التابوت ” يميّز المركز الدقيق للعالم، أو كرسي الله “.
في رسالة ” يوما ” من التلمود البابلي؛ وجدنا النص التالي المتعلق بالصخرة: ” حين تم أخذ التابوت، كان ثمة حجر من زمن الأنبياء الأوائل، ” شيتيا ” [ أساس ] دُعي، ثلاثة أصابع فوق الأرض. ثم وضع عليه [ المبخرة ]. أخذ الدم من الذي حرّكه، ذهب إلى المكان الذي ذهب إليه، ووقف حيثما وقف [ في قدس الأقداس ]، ورش من موقعه مرة للأعلى وسبع مرّات للأسفل [ لاويون 14:16 ]، دون أن يكون ينوي رشه إن للأعلى أو للأسفل…
” حجر، شيتياه “. تعلّمنا في بورايتا: الكلمة شيتياه تعني، أن الكون خُلق منه، لأن الشيتياه يعني الأساس. وهذا بحسبه هو الذي يقول، إنه من صهيون بدأ العالم يُخلق، كما تعلمنا في البورايتا التالية: قال حاخام إليعيزر: خلق العالم من الوسط بالذات، بحسب ما هو مكتوب: [ أيوب 38:38 ] ” إذ يتلبد التراب ويتلاصق المدر ” ( في البداية صُنعت القطعة المركزية، ثم التصقت بها الأجزاء الأخرى ). خُلق العالم في البداية مع الأقاصي، كما هو مكتوب [ أيوب 6:37 ]: ” يقول للثلج: أسقط على الأرض؛ ولوابل المطر، لوابل أمطار عزّته “. أربع مرات تتكرر كلمة ” مطر ” هنا ( باللغة العبرية، لكن ” مطر ” بلغة التلمود تعني ” مادة “). كانت هنالك أربع قطع من المادة، ومنها شُكّل العالم. يقول الحاخام يتسحاق: رمى القدوس، المبارك، حجراً في البحر، ومنه شُكّل العالم. وكما هو مكتوب [ أيوب 6:38 ]: ” على أي شيء غرزت قواعدها، أم من وضع حجر زاويتها ؟”. لكن الحكماء قالوا: خُلق العالم في البداية مع صهيون. كما هو مكتوب [ مز 1:50 ]: ” تكلّم الرب إله الإلهة، ودعا الأرض من مشرقها إلى مغربها “. ” من صهيون، كاملة الجمال “. هذا يعني، أنه من صهيون بدأ جمال العالم برمته. في بورايتا أخرى تعلمنا: قال حاخام إليعيزر الكبير، مكتوب [ تك 4:2 ]: ” هذه مبادئ السماوات و الأرض حين خلقت يوم عمل الرب الإله الأرض و السماوات “. الكواكب المنيرة، إلخ، خُلقت من السماء، وكل الأشياء الأرضية من الأرض. لكن الحكماء يقولون: كل شيء خُلق من صهيون. كما هو مكتوب [ مز 1:50]: ” مزمور لآساف. تكلّم الرب إله الإلهة “، إلخ، ” كاملة الجمال “، أي، جمال العالم بكامله “.
في التلمود الأورشليمي ثمة نص متعلق بذكرى دمار الهيكل وعيد التاسع من آب، فيه إشارة واضحة لحجر الأساس، الصخرة: “נשייא דנהגן דלא למישתייה עמרא מן דאב עליל מנהג – שבו פסקה אבן שתייה”: ” النساء غير معتادات على تحضير أو ربط خيوط السداة إلى نول حياكة من روش حودش آب [ أول آب ] وما بعد ( حتى ما بعد تشع بآب [ 9 آب ] )، لأنه أثناء شهر آب تم تدمير حجر الأساس “. أشياء ذات صلة تقولها المشناه بيروراه. بل إن بعض اليهود يحرم أكل اللحم أو شرب الخمر من بداية الأسبوع الذي يحل فيه تشع بآب حتى ما بعد الصوم. بل إن بعضهم يمسك عن تلك الأصناف منذ روش قوديش آب، في حين يمسك بعضهم الآخر منذ السابع عشر من تموز.
يختصر المدراش المسمى تنحوما، من الحقبة الرومانية، مركزية وقداسة هذا الموقع، فيقول:” كما توضع السرّة في مركز الجسد البشري، كذلك فإن أرض إسرائيل سرة العالم… موجودة في مركز العالم، وأورشليم في مركز أرض إسرائيل، والمزار في مركز أورشليم، والمكان المقدس في مركز المزار، والتابوت في مركز المكان المقدّس، وحجر الأساس أمام المكان المقدس، لأنه منها تأسس العالم “.
هنالك إشارات إلى الصخرة في الطقوس اليهودية؛ نذكر منها: في الأيام التي تقرأ فيها الزليخوت، في الأيام التي توصل إلى روش هاشناه [ عيد رأس السنة ] حتى يوم كيبور [ عيد الغفران ]، تتضمن الملحقات الإشارات التالية: שן סלע איתנים טענתנו גפי קרת נתונים, ישבתנו: أنت تحملنا إلى أعالي المدينة؛ أنت تقيمنا على قمة الأب الصخرية؛ רבוצה עליו אבן שתית חטובים…שמה בתוך לפני מזיב מאשנבים : عليها يتوضع الحجر الذي نحت منه الأساس … الذي يعطي الأذن التي يخرج منها الماء.
خلال السوكوت تذكر الإشارات التالية إلى حجر الأساس في تلاوة الهوشانوت: הושענא! – אבן שתיה – הושענא: خلصوا أرجوكم – حجر الأساس – خلصوا أرجوكم!
הושענא! – תאדרנו באבן תלולה – הושענא: خلصوا أرجوكم – أحبونا بالحجر المبجل – أرجوكم خلصوا!
هذا هو أقدس موقع في القدس. واليهود في كافة أرجاء العالم يصلّون إليه.
إذا انتقلنا للقباليين، متصوفي اليهود، يمكن أن نورد النص التالي من زوهار: ” لم يخلق العالم حتى أخذ الله حجراً يدعى إيفين هاشتياه [ حجر الأساس ] ورماه في الأعماق حيث تثبت من الأعلى إلى الأسفل، ومنه تمدد العالم. إنه النقطة المركزية للعالم وعلى هذه البقعة يقوم قدس الأقداس “.
أساطير الصخرة: الأصل وبعض من تفاصيل!
في عالم الأساطير اليهودي، الحجر [ الصخرة ]، التي جاءت من عرش مجد الله، جعلت كغطاء على طيهوم
tehom،
المياه ما تحت الأرضية التي للخلط
chaos
[ بالعبرية، طوهو بوهو: حالة الكون الخلطية التي تفتقد التمايز ]، الأمر الذي يتطابق مع أسطورة أبسو عند السومريين والبابليين. وكما بنيت بابل فوق باب أبسو وكانت ” بوابة أبسو “، كذلك تماماً فإن حجر الأساس يغطي فوهة طيهوم، مانعاً مياه الخلط التي سبقت الخليقة.
الكلمة العبرية طيهوم تعني هوة ( مثل كتلة متلاطمة من مياه تحت أرضية ) أو صخب مياه مضطربة بعنف أو أمواج عنيفة عكرة، التي تحدث ضجة هائلة. طيهوم تعني أيضاً الشيء العميق ( كما في البحر المبدئي أو مصدر المياه ما تحت الأرضية ) وينابيع العميق الهائل، وهو ما يتضمن الخلط، السر، العمق والقوة.
إذا أخذنا طيهوم بمعناها الأوسع، فسوف نجدها تعني الهاوية المائية ما قبل الخليقة، الدوامات التي تدور بشكل متسع، طبقة المياه ما تحت الأرضية المادية، والمادة التي لا شكل لها أو الجوهر البدئي الذي خلق منه الله العالم. ولو لم تخرج هذه المياه البدئية ، لكانت ستتفجر من ثقوب في الأرض وتفيض على العالم كله. والطوفان – طوفان نوح – في الكتاب المقدّس يُفهم على أنه نجم عن ” نزع سدادة ” الطيهوم، أي المياه من العمق في الأسفل.
لقد اعتقد قدماء اليهود أن موقع هيكل القدس، الذي الصخرة مركزه، هو على وجه الدقة المكان الذي خرجت منه مياه طوفان نوح وعادت بعدها عبره حين انتهى ذلك الطوفان. ثم وضعت الصخرة الكبيرة على فتحة الهاوية، وذلك للحفاظ على مياه الطوفان محبوسة فيها. لقد كانت حجر الأساس ،
omphalos،
أو السرة البدئية، وكذلك المادة الصلبة الأولى التي خلقها الله ” ووضعها الله وسط فيضان من المياه البدئية لا حدود له “.
تقول الإسطورة اليهودية إن الله بنى من ثم الأرض حول مركز لها هو هذا الحجر، تماماً كما ينمو جسد الجنين من سرته. ” بالطريقة ذاتها التي يتلقى فيها جسد الجنين غذاءه عبر السرة، كذلك فالأرض كلها تتلقى أيضاً ماءها الذي يغذّيها من هذه السرة “.
أن مصطلح طيهوم قريب جداً من الكلمتين العبريتين، طوهو وبوهو، اللتين تستخدمان لوصف حالات الخلط الأصلي ما قبل الخليقة. طيهوم ( كلمة نشأت عن إضافة اللاحقة م إلى طوهو ) تعني أيضاً وحش ماء بدئي له الاسم ذاته، وربما أنه يشبه لوياتان أو تعمات في الميثولوجيا البابلية أو أنه مطابق لهما. بوهو، باللاحقة ذاتها، يصبح بيهوم وبيهوموت، كما في بيهوموت أيوب، وتعني الأرض الجافة المقابلة.
يقول روبرت غريفز
Robert Graves
ورافاييل باتاي Raphael Patai،
إن طيهوم كان في الأصل اسماً علماً، وتهموت هي النسخة العبرية من الأم تعمات ” محبوبة الإله أبسو
Apsu،
الذي اسمه مطور عن أبزو Abzu، الأقدم منه؛ وأبزو كان هاوية المياه العذبة المتخيلة، التي بزغ منها إنكي
Enki،
إله الحكمة “.
يقال إن الحجر جاء من جنة عدن، ومثل الإنسان، تقيم على الأرض منفية. لقد وضع هنا في مركز الخليقة ليس فقط كي يقفل الطيهوم، بل أيضاً كي يوزّع روح الخليقة في العالم. وقد قيل إن جسد آدم الفاني خلق في جزء منه من تراب هذا الحجر. وكان الهدف من هذه الفكرة تمكينه من أن يحمل معه دائماً ذكرى أصله الإلهي.
تنويعة على هذه الأسطورة تقول إنه كان تراباً من موضع كفارة آدم وإنه عند نهاية الزمن، فإن الجنس البشري كله، خليفة آدم، سوف يجتمعون في القدس للتوبة، الغفران، والخلاص في يوم القيامة المحوري التام.
تحت حجر الأساس في كهف صغير أو تجويف عميق يوجد بير إل-أنفيه
Bir el-Anveh،
أي بئر الأنفس، الصاعدة عبر سلّم مادّي.
قيل إنه في البئر، يمكنك سماع أصوات الموتى وأصوات مياه الجنة المتلاطمة، وأحياناً تندمج الأصوات مع بعضها. تقول الأسطورة إن تابوت العهد كان مخبّأ في طريق مغلق وسرّي تحت بير إل-أنفيه التماساً للحماية عندما دمّر الهيكل. ويقول بعضهم إن التابوت ما يزال قائماً هناك، تحرسه الأرواح والشياطين.
التاريخ الأسطوري للصخرة-الحجر:
كما أشرنا مراراً، تقول المراجع اليهودية إن الحجر وصل إلى الأرض زمن الأنبياء الأوائل وإنه دعي الإيفين ها-شيتياه لأن أساس العالم ابتدأ مع وصول الحجر إلى مكانه. أكثر من ذلك، فقد نقش عليه ” الاسم الأقدس من أن يذكر “، يهوه، اسم الله السري الذي لا يلفظ، الذي تحفظ قوته الطيهوم من أن يغمر بالماء وهو يفيض على العالم. ومعرفة هذا الاسم تجعل المرء سيد الطبيعة والحياة والموت.
في أيام يوسف، ابن يعقوب الذي كان أبا أسباط إسرائيل الإثني عشر، جعل الله الإيفين ها-شتياه في يده وهدد يوسف إنه إن نام مع زليخة، ” فسوف أرمي بهذا الحجر الذي قامت عليه الأرض وسيؤول العالم إلى الخراب “. وحين بُني هيكل القدس، وضع قدس الأقداس، الذي ضم تابوت العهد الثمين، على الإيفين ها-شتياه مباشرة في المركز تماماً.
في التاريخ الديني اليهودي المفترض كانت الإيفين ها-شتياه الموضع الذي عرف ثلاثة حوادث أخرى حاسمة. الأول، كانت المذبح الذي أوشك إبراهيم أن يقرّب عليه ابنه إسحاق بناء على طلب الله.
الثاني، أنها كانت المكان الذي حدده الله للملك داوود كي يصلح إساءته لله في إثباته أنه يعوز الثقة عبر عرضه أن يحصي اليهود. كان ردّ الله على هذا التجديف بأن أنزل بلاء قتل سبعين ألفاً من ألإسرائيليين، لكنه في اللحظة الأخيرة أمر ملاك الموت أن يعفي القدس؛ هذا الملك كان يقف قرب بيدر لأروناه اليبوسي على قمة جبل مورياه. أمر داوود ببناء مذبح في بقعة إحياء الذكرى هذه تحديداً. وإذ فعل داوود ذلك، فقد أعاد التأكيد على عهد إبراهيم الأصلي بين الله واليهود.
قيل أيضاً إنه حين صلّى الملك داوود من أجل أن لا يصيب الوباء القدس، رأى ملائكة تصعد سلّماً خشبيّاً من البيدر إلى السماء، مبعدين سيوفهم المميتة في حلهم وترحالهم. ” من هذا، فهم داوود أن قمة الهضبة كانت نقطة الوصول إلى السماء والمكان حيث يجب بناء الهيكل “.
الثالث يحكي عن ما هو شهير عند الأب يعقوب من حلم ووسادة. وفي التحضير للنوم عند هيكل القدس ( تقول بعض النسخ إنه نام في مكان اسمه لوز، خارج القدس تماماً )، أخذ يعقوب إثني عشر حجراً من المذبح ذاته الذي التزم أبوه، إسحاق، أن يقرّب عليه.
الأحجار الإثنا عشر ( تمثّل أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، الذين لم يكونوا قد ولدوا بعد ) تجمعت على بعضها وشكّلت حجراً واحداً، والذي استخدمه يعقوب من ثم كوسادة.
في حلم رائع، عرف يعقوب مسار تاريخ العالم، بما في ذلك الدمار المستقبلي للهيكل، ورأى سلّماً يمتد من حيثما يجلس إلى أعلى نقطة في السماء؛ وكانت الملائكة تصعد وتهبط على هذا السلّم السماوي في موكب متواصل.
عندما صحا يعقوب، أخذ حجراً وجعله مثل عمود ومسحه بالزيت الذي تلقاه من السماء. غمس الله هذا الحجر الممسوح بالزيت في أعماق الهاوية بحيث يمكن أن يعمل كمركز للأرض وسرّة العالم، حيث صارت تعرف بالإيفين هاشتياه. بكلمات أخرى، ” مخدة ” يعقوب وأساس ما دعي غالباً بسلّم يعقوب، كان حجر الأساس. هذا الموقع يدعى أيضاً باسم بيت إيل، ” بوابة أو بيت السماء ” أو ” بيت الإله إيل “.
جبل مورياه، حيث أشيد الهيكل، و قدس الأقداس في هيكل القدس، يعرف في التقاليد اليهودية بأنه البقعة التي ولد فيها آدم وبنى مذبحاً لله؛ حيث قايين وهابيل قدّما قرابينهما؛ وحيث نوح بنا مذبحاً بعد الطوفان ( تك 20:8 ). قدم إبراهيم اسحاق قرباناً على ” جبل الرب ” ( تك 22:14 ). داوود اشترى المكان من أرونا ” كي يبني مذبحاً للرب ” ( 2 صم 21:27 )، وأخيراً تم اختيار المكان مذبحاً أبدياً لقدس أقداس هيكل سليمان ( ابن ميمون، ” ياد “، بيت ها-بحارياه، 2:2 ) لقد أراد داوود بناء هيكل دائم هناك، لكن لأن يديه كانتا ملطختين بالدماء، حُرّم عليه هذا. وترك هذه المهمة لابنه سليمان الذي أكمله عام 950 ق.م.
الحجر التي وضع عليها تابوت العهد دعيت ” إبين شيتياه “، التي أسس عليها العالم ( يوما 54 ب ). الطرف الغربي من الجبل اختير كموقع للهيكل لأن الشيكيناه تقع في الغرب ( ب. ب. 25 آ )، وكذلك مقابل طقس الوثنيين، الذين يعبدون الشمس في الشرق ( ابن ميمون، ” موريه “، 45:3 ).
يلحظ مرجع مسيح قديم التعلّق اليهودي بالصخرة وهو ما يمكن أن نجده في
Bordeaux Pilgrim،
المكتوبة بين عامي 333-334، حين كانت القدس تحت حكم الرومان، فيقول: ” حجر مثقّب يأتي له اليهود كل عام ويمسحونه، فيندبون ويمزقون أثوابهم، ومن ثم يغادرون “.
الصخرة الموجودة في قدس الأقداس، كان يوضع عليها تابوت العهد وكانت داخل الهيكل الأول. وخلال حقبة الهيكل الثاني حين تم إخفاء تابوت العهد، استخدم الحجر من قبل الكاهن الأكبر لتقديم البخور ورش دم القرابين خلال الاحتفال بيوم كيبور.
إذا حاولنا الدخول في التفسير السراني للمسألة، نجد كما أشرنا أنه بدأ بناء الأرض في المركز بالإيفين ها- شتياه في القدس لأن الأرض المقدّسة هي في مركز سطح الأرض؛ هيكل القدس الأصلي يقع في مركز المدينة المقدّسة؛ في حرم الهيكل الحقال يقع في المركز؛ وتابوت العهد يحتل مركز الحقال، المبني على حجر الأساس، الذي يقع بالتالي في مركز الأرض. ” من هناك صدر أول إشعاع نور، مخترقاً الأرض المقدّسة، ومن هناك ينير الأرض كلّها “.
ثمة أهمية أخرى تتجسد في حقيقة أن قدس الأقداس للهيكل كان موطن الشيخيناه [ السكينة بالعربيّة ]، الروح القدس المعبّر عنه كحضور أنثوي وكجوهر التصوف اليهودي. الشيخيناه، التي تعني ” راحة ” أو ” إقامة “، كانت تفهم على أنها السمة المؤنثة لله والطريقة التي يظهر بها الله في العالم المحسوس، وأحياناً تشبّه بوجه الله أو الأجنحة.
الشيخيناه هي ذلك الجزء من الله الأقرب إلى البشر، العالم المادي، ومثل اليهود ( وكل الجنس البشري )، تتجول في العالم منفية عن الألوهة. إن مجد إسرائيل، زوجها، سوف يدخل وقتيّاً حجرة الزواج هذه وينضم إلى عشيرته [ بمعنى الخليلة هنا ]، الشيخيناه، من أجل فائدة كل إسرائيل، أرضاً وشعباً. وكل هذا المجد كان على الحجر.
تاريخ القدس: محاولة لفك الرموز!
نعرف طبعاً أن القدس كلها اعتبرت مقدسة على مدى ألوف السنين، ربما خمسة آلاف سنة، كما يخبرنا علماء الآثار. إنها مدينة مقدسة بأسماء عديدة: فمن العام 1200 ق. م. إلى العام 1000 ق.م. تقريباً، كان اسمها يبوس، أو إر هايبوسي، أي مدينة اليبوسيين، وهي حصن يقع على قمة إحدى التلال احتله الملك داوود في القرن العاشر ق.م. كانت تسيون
Tsiyon،
أو صهيون، كلمة توحي بجنة أرضية تم تشكيلها وفق أنموذج بدئي سماوي، ربما أورشليم السماوية. كانت المدينة تدعى أيضاً يرئيه-شاليم
Yir’eh-Shalem،
وهي كلمة مركبة لها معان كثيرة. بالمعنى العريض، التسمية تشير ” إلى مكان حيث سيري ( يرئيه ) الله في وقت لاحق، أو سيجعل معروفاً على الأرض، كمالية أو تمام ( شاليم ) ما هو فوق “. ثم عرفت القدس باسم يروشاليم
Yerushalem
( بصيغة المفرد )، يروشالايم
Yerushalayim
( بصيغة الجمع )، يورشاليم
Rusrchalim
( تسمية مصرية )، يوروساليمّو
Urusalimmu
( تسمية آشورية )، هييروسوليما
Hierosolyma
( تسمية يونانية )، وجيروسوليما
Jerosolyma
أو هييروساليم
Hierosalem ( تسمية مسيحية ).
على نحو تعميمي، يمكن تفسير التسمية بأنها تعني ” أساس السلام “، حيث تعني أحرف التسمية الساكنة، ش ل م، تاماً أو كاملاً ( شاليم ) أو سلاماً ( شالوم ). الموقع الأرضي حيث تم تأسيس هذا السلام هو يرو أو يرئيه ( وهو أحد أسماء القدس السبعين ). الجذر العبراني، ياراه، يعني ” تؤسس “، وهكذا فشاليم سوف تؤسس هنا.
ثمة تفسير بديل أو ربما مكمّل للتسمية يوروشالايم يقول إنها كانت مركز عبادة الإله الكنعاني شاليم
Shalim،
وهو إله أشارت إليه الميثولوجيا الأوغاريتية، التي تعترف بإلهين إثنين: شاهار، إله الشمس المشرقة، وشاليم، إله الشمس الغاربة. المهم هنا هو أن هذين الاسمين، شاهار وشاليم، يشيران أيضاً إلى كوكب الزهرة، الذي هو نجم الصباح والمساء.
ثمة تحريف لهذا لا يخلو من الجدل: فالزهرة قديماً عرفت باسم سوفوروس أو لوسيفر [ إبليس ]. وهذا إما تعريف ميتافيزيكي أو علم- فلكي بدئي، لكنه يوحي أنه في مستوى معين، تبدو أورشليم أساس الزهرة أو لوسيفر، المعروفة للعبرانيين باسم هليل بن ساهار، ابن الفجر، رب النور، المشع، محضر الفجر، ومحضر النور.
وبحسب المراجع اليهودية، ففي ثالث أيام الخليقة، كان لوسيفر، الملاك الرئيس عند الله وأحد الكيروبيم، ” يتمشّى في عدن وسط الجواهر المذهلة، جسده متوهج بنور الأحجار الكريمة، وكلها موضوعة في ذهب صاف “. كان الله قد جعل من لوسيفر حارساً لكل الأمم. وتقول المراجع اليهودية إن لوسيفر كان يتوق للجلوس على عرش سافون، جبل الجمعية، وبسبب هذا الطموح طرده الله من السماء إلى ظلمة عميقة في هاوية سيلوم التي لا قعر لها. وحالما سقط من النعمة، أشع لوسيفر كالبرق. السؤال الذي يطرح نفسه هنا، إن كانت القدس بشكل أو بآخر أساس لوسيفر، فهل كان هذا قبل السقوط أم بعده؟
البناء: تاريخ أسطورة أم أسطرة تاريخ؟
من الصعوبة بمكان تحديد الخيط الرفيع الذي يفصل بين الأسطورة والتاريخ في الديانة اليهودية، كما هي الحال في كل الديانات. لذلك ارتأينا تقديم الرأي اليهودي كما هو، لأننا هنا في حقل مقارنة دينية لا نقدية كتابية. وهكذا، تقول المراجع، إنه عملاً بالخطط المعمارية التي أعطاها الله لموسى، قام الملك سليمان بتنظيم بناء أول هيكل في القدس، والذي انتهى عام 957 ق.م. ودمره البابلي نبوخذ نصر عام 586 ق.م.؛ ثم أعيد بناؤه عام 515 ق.م. وأثناء حكم هيرودس الروماني، تم توسيع الهيكل الثاني إضافة إلى بناء الجدار الشرقي الشهير ( حائط المبكى )؛ وما يزال جزء من هذا الحائط قائماً، وهو البقية المادية الوحيدة التي حفظها لنا الزمن من الهيكل.
عام 70 للميلاد [ يقول اليهود المتدينون، عام 69، نظراً لقداسة الرقم 70 عندهم ]، أزال الرومان هيكل القدس، وأسس الإمبراطور هارديانس هيكلاً مكرّساً للإله جوف ( باليونانية، جوبيتر ). وقد دمّر هذا بدوره على أيدي البيزنطيين الغزاة؛ ومن بعدها احتل الفرس المدينة؛ حجر الأساس محاط والستة عشر قوساً المحيطة بحجر الأساس مدعمة بأعمدة جاءت من كنس القدس السابقة التي دمرها الفرس وقت احتلوا المدينة عام 614 ب.م.
عام 638، أخذ الخليفة المسلم، عمر بن الخطّاب، القدس، بعد ست سنوات على موت محمد، نبي الإسلام. فطهّر عمر جبل الهيكل، المدعو بالعربية الحرم الشريف، ثم كرّس المكان كموقع للعبادة عند المسلمين.
عام 687 بنيت قبة الصخرة، بعد وفاة محمد بنحو من خمسين سنة. وبعد أن أخذ المسيحيون القدس عام 1099 أثناء الحروب الصليبية، تم تحويل قبة الصخرة إلى مزار مسيحي وسميت
Templum Domini
، أي هيكل الرب، وظلت على هذه الحالة نحواً من تسعين سنة.
استرد المسلمون بعد ذلك سيطرتهم عليها، وهي اليوم ثالث أقدس مكان عند المسلمين، وذلك بعد الكعبة في مكة والمسجد النبوي في المدينة.
عودة إلى الأسطورة:
كما ذكرنا من قبل، فقد بني هيكل سليمان في القدس من مخطط عمل إلهي، نقل بوساطة الوحي إلى البشر. وكثيرون يعتقدون أن الخطة كانت الأنموذج البدئي لمدينة سماوية، أي القدس الأصلية، الإلهية. كان الهيكل ” أداة علم سرّاني، لا يعرفه غير الكهنوت “، معبداً كونياً، مدينة سماوية، معياراً أبدياً، وصورة عالمية، كما يقول جورج ميتشل
John Michell،
وهو مرجع معتبر في السرانيات القديمة.
يقول ميتشل، إن أرقام ومقاييس وتناغمات الخطة الموحاة كما أعطيت للملك داوود، والد سليمان، انعكست في المنظومة المثالية للكون
macrocosm.
في تلك الخطة نجد ” المفتاح لمعرفة منسية، للخطة التي صُنع العالم بحسبها، للقانون المفقود المتعلق بالعدد والمقاييس والموسيقى “، المستخدم من قبل المصريين والحضارات الأخرى القديمة. بكلمات أخرى، إن التفاصيل الهندسية لهيكل القدس، برأي ميتشل، هي وحي، بغض النظر عن أي هيكل مادي تم بناؤه.
القبة على جبل الهيكل، في القدس القديمة، بل المدينة بكاملها تتناسب مع الدبران، نجمة ألفا وعين الثور. وحجر الأساس ضمن قبة الصخرة هو مركز القبة. الدبران، النجم الثالث عشر الأكثر إشعاعاً في مجرتنا، هو أول نجم كبير يقع على مسافة 68 سنة ضوئية من الأرض، أكبر بأربعين مرة من شمسنا وأكثر إنارة بمئة وخمس وعشرين مرة. عادة ما يوصف لونه على أنه وردي أو برتقالي محمر، وهي سمة لاحظها الفلكيون الهنود في تسميتهم، روهيني، التي تعني ” الأحمر ” أو ” الغزال الأحمر “. في الميثات الهندية، روهيني هو أنثى الوعل، ابنة الوعل الذكر، المسمى براجاباتي، رب الجيل.
التسمية ” الدبران ” عربية، تعني ” التابع ” أو ” منير التابع “، إشارة إلى ظهوره في السماء مباشرة بعد ظهور
Pleiades
أو ربما
Hyades،
وكلاهما في الثور؛ وهو يعقب مباشرة غروب هذين النجمين
clusters.
الدبران عند فلكيي بلاد ما بين النهرين، كان واحداً من أربعة أنجم ملكية، أو ” المراقبين “، إضافة إلى
Antares
في العقرب،
Regulus
في الأسد، و
Fomalhaut
في الحوت
Piscis Austrinus
( الحوت الجنوبي ). لقد عرفه البابليون باسم إيكوو ( نجم النجوم القائد )، وعرفه الأكاديون باسم جيسدا، ” ثلم السماء “.
بالنسبة لسمات الطوفان، طيهوم، والمياه الكونية الأخرى لحجر الأساس، ففي ثقافات متعددة نجد أن الدبران كان مرتبطاً بآلهة المطر وخصوبة الأرض. ثمة سمة فلكية هامة عند الدبران هي أنه واحد من قلة من نجوم أولى ضخمة والتي عادة ما يخفيها القمر.
حجر الأساس لا يحفظ المياه تحت جبل الهيكل من الصعود وغمر القدس؛ لكن الحجر، الذي هو أداة فلكية، هو ” السدادة ” في أعلى المياه الكونية الخارجة من العوالم العليا. إنه عالم الإيثر، ” المياه ” البدئية التي للخليقة، المياه التي فيها كلمة شيفرة سرانية للإيثر ومادة بدئية خلاقة أو الماتريكس، لمستوى من خلط مؤكد منه شعورياً لا تميّز فيه بالنسبة لنا.
إن حجر الأساس الفعلي هو المنظم لتدفق المياه الكونية من الأعلى إلى الأسفل، والتي حين تتدفق، تغمر الوعي البشري بالرطوبة الواعية الحية الممدة بالطاقة للعوالم الروحية. يمكنك القول إن هذا الحجر ينظم مدى العمق الذي يمكن فيه للذاكرة والوعي الكونيين دخول السلسة البشرية المتواصلة في زمن بعينه دون أن يوصل الناس إلى الجنون.
الكثير جداً من المعرفة المتعالية لا تشبه غير الخلط؛ ويمكن أن تكون سمّاً مميتاً. لكن حين جفّت الأرض بالمذهب العقلي والمادية الإلحادية، حين صارت الأرض البور، كما يحدث بين الفينة والفينة، من المناسب عندئذ أن نجعل قليلاً من الماء يرطب الأرض. أحد سادة هذا العالم المائي كان الملك سليمان، الذي شكّل، مع زوجه، سفينة الزمان، مستخدماً الخشب من الشجرة الأصلية في جنة عدن.
سر الزمردة:
كما اكتشف يعقوب ومحمد، فإن الحجر هو أيضاً المكان الاستهلالي لمعراج شهير داخل العوالم الروحانية العليا. الحجر ذاته – الإيفين ها- شتياه الحقيقي – هو السلّم إلى العوالم الأعلى.
إنها الزمردة، الأساس الحقيقي وحجر الأساس للقدس. إنها حجر أخضر جاء به الملائكة من السماء إلى الأرض، الحجر الذي أحرق به الفينيق وصار رماداً ثم عاد إلى الحياة، الحجر الذي هو ” لا يفسد أبداً ” والذي ” جوهره هو الأنقى “، المعروف باسم غريل، كما كتب فولفرام فون إشنباخ Wolfram von Eschenbach.
بكلمات عملية، الزمردة كشكل نوراني فائق تجلس على نحو رائع على حجر الأساس المادي ضمن قبة الصخرة على جبل الهيكل. الحجم غير ذي صلة بالموضوع وهي لدنة؛ ومن السهل التفاعل معها إذا سمحت لنفسك أن تنظر إليها باعتبارها بحجم ناطحة سحاب. من السهل الدخول بتلك الطريقة، والتي يمكنك القيام بها من خلال أي من جدرانها السائلية، القابلة للنفوذ.
مكان حبس لوسيفر:
بالتزامن مع إلغاء مهمة هيكل القدس كان حبس لوسيفر، رب النور، تحت حجر الأساس. إن مؤسسة الزهرة، القدس الجديدة، القديمة، والبدئية، هو عالم النور.
في موضع ما من المسيحية، كان الميل لدفن لوسيفر تحت الثقل الغرانيتي لكاتدرائية قوطية هائلة، مثل تلك التي في لنكولن في إنكلترا. ومن أجل أن تُشفى القدس كمدينة، يجب أن يفك أسر لوسيفر، أساسها، ومن أجل أن تُكشف القدس الجديدة على الكوكب، يجب أن يُسترد ربّ النور إلى موقعه ما قبل السقوط كملاك لله.
عودة إلى الواقع:
الصخرة متوضعة باتجاه مركز جبل الهيكل، مكان بني واتسع عبر قرون عديدة. والشكل الحالي هو نتيجة توسيع قام به هيرودوس الكبير على قمة قناطر فوق هضبة، يعتقد عموماً أنها جبل مورياه. والصخرة تشكّل قمّة هذه الهضبة المخفية الآن، التي هي أيضاً الأعلى في القدس الكتابية القديمة، حيث تشرف على مدينة داوود.
هنالك نوع من الجدل بين الباحثين العلمانيين بشأن تحديد مكان جبل مورياه، جبل الهيكل وحجر الأساس باعتبارها المكان الذي جرت فيه الأحداث بحسب الرواية التوراتية.
تساعد الكتابات اليهودية الأولى في التأكيد على أن قبة الصخرة، التي اكتملت عام 691، هي موقع قدس الأقداس وبالتالي فهي موقع حجر الأساس. يقول بيركه ده-رابي إليعيزر، وهو رواية ميدراشية لأهم حوادث أسفار التوراة الخمسة الأولى والذي يعتقد أنه جمع في إيطاليا بعد عام 833 مباشرة: ” قال حاخام يشمائيل: في المستقبل، سيعمل أبناء اسماعيل [ العرب ] خمسة عشر شيئاً في أرض إسرائيل … سوف يسيجون في ثلوم جدران الهيكل ويشيدون بناء في موقع المزار “.
الباحثون المتدينون اليهود ناقشوا فيما بينهم مكان الصخرة على وجه الدقة. رادباز مقتنع أنه ” تحت القبة على جبل الهيكل، التي يسميها العرب الصخرة، تقع دون شك حجر الأساس “. في رحلات كل من الحاخام بتاحياه من راتيسبون، 1180 تقريباً، وبنيامين من توديلا وتلميذ الرامبام يتم التأكيد على أنه ” على جبل الهيكل يقوم مزار جميل بناه ملك عربي منذ زمن طويل، على موقع مزار الهيكل والباحة “. أما الحاخام عوباديا بن أبراهام الذي كتب رسالة من القدس عام 1488، فيقول إنه ” فتش عن مكان حجر الأساس حيث وضع تابوت العهد، وقد أخبرني كثير من الناس أنها تحت قبة طويلة وجميلة حيث بنى العرب في فناء الهيكل “.
غيرهم يخالفونهم الرأي، فيقولون إنه إذا كان الحائط الجنوبي لجبل الهيكل هو في الواقع ذلك الذي كان موجوداً حين كان الهيكل قائماً، فالمقاييس التي يعطيها التلمود لا يمكن التوفيق بينها. إن قدس الأقداس ينتهي في موضع بعيد جداً شمالاً وهم بالتالي يجعلون حجر الأساس على أنها تقابل مباشرة الجزء المكشوف حالياً من الحائط الغربي، حيث لا يقوم بناء الآن. وهذا هو رأي أريزال والماهاراشا، حيث يوردان النبوءة التي تقول إن ” صهيون سوف تصبح حقلاً محروثاً ” والتي تشير إلى أنه لن يقيم أحد هناك حتى زمن الخلاص. من هنا نستنتج أن منطقة باحة الهيكل وقدس الأقداس موجودة في المنطقة غير المبنية بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى.
يعتقد بعضهم إن الموقع شمال قبة الصخرة، مقابل بوابة الرحمة، التي يقول الحاخام إيمانويل حاي ريقي إنها بوابة شوشان المذكورة في التلمود. وقد وصفت هذه البوابة على أنها مقابل فتحة المزار.
أخيراً فإن الأكاديميين اليهود المعاصرين يقدّمون أربعة مواقع ممكنة لحجر الأساس:
1 – الحجر الواقع تحت تابوت العهد هو الحجر تحت قبة الصخرة.
2 – الحجر التي كانت تحت المذبح هي الآن الحجر تحت قبة الصخرة.
3 – الحجر التي كانت تحت تابوت العهد هي الآن قرب نبع إيل كاس جنوب قبة الصخرة.
4 – الحجر الذي كان يقع تحت تابوت العهد داخل قبة الأرواح الواقعة جنوب قبة الصخرة.
قسم يشوع جبل مورياه في حصة سبطي يهوذا وبنيامين. منطقة الجبل، القاعات، وحجرات البلاط أعطيت ليهوذا؛ لكن الردهة ( ” أولام ” )، الهكال، وقدس الأقداس بنيت في حصة بنيامين. مع ذلك، فإن شريط الأرض الذي يجري ضمن الهكال، الذي أقيم عليه المذبح، كان من حصة يهوذا. وبحسب مرجع آخر، لم تقسّم القدس بين الأسباط، وصار جبل مورياه ملكية عامة.
الإسلام… والصخرة:
الحقيقة أن الصخرة غير مذكورة في القرآن. وأول تماس بين الإسلام كمؤسسة حكم والصخرة كان في زمن عمر بن الخطاب على يد اليهودي الذي أشهر إسلامه، كعب الأحبار. فما هي تفاصيل القصة؟
تقول “الموسوعة اليهودية – النسخة الانجليزية”، عن كعب الأحبار: “إنه من جنوب جزيرة العرب والذي عاش زمن عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني (634 – 644م)، وعثمان بن عفان، الخليفة الثالث (644 – 656م). كان كعب ينحدر على الأرجح من الحميريين المتهودين. تحول إلى الإسلام أثناء حكم عمر. تشير صفة الأحبار (جمع حبر = عالم ديني يهودي غير مسلم) إلى أنه كان مُصَنّفاً بين العلماء. وبالفعل، فأقوال عديدة للحاخامين وكلمات من الأغاداه (الأدب الديني اليهودي غير التشريعي، مقابل الهالاخا التشريعية) مذكورة باسمه في الأدب الإسلامي، الأمر الذي نستنتج منه أنه كان يعرف الشرع الشفوي (التلمود). كان كعب أحد أتباع عمر حين دخل الأخير القدس، وبناء على طلبه، حدد له المكان الذي كان الهيكل قائماً عليه. وبحسب التقاليد، فقد حاول المسيحيون إخفاءه عن الفاتحين. وحين تم الكشف عن هذا الموقع، حاول كعب حث عمر على بناء المسجد (مسجد عمر) شمال الصخرة، بحيث تحول القبلة إليها بدلاً عن مكة. لكن عمر رفض هذا الاقتراح، معتبراً أنه موحى بميول يهودية. ثم وبخ كعب بقسوة وجعل قبلة المسجد في مقدمة جبل الهيكل (جنوب الصخرة). وينسب الجغرافي الهمذاني إلى كعب قولاً يشهد على توقيره للصخرة: “قال الله للصخرة: أنتِ عرشي ومنك صعدت إلى السماء…”. وبحسب الطبري وابن الأثير، ظل كعب مع عمر حتى قتل. وقد حذر عمر قبل الهجوم عليه بأيام من أنه سيموت قريباً. كان كعب حاضراً في بلاط الخليفة الثالث. وهنالك كانت له بعض المشاحنات مع مسلم تقي، هو أبو ذر. يقول البلاذري: “إن عثمان سأل كعباً ما إذا كان يسمح للحاكم بأن يأخذ نقوداً من بيت مال المسلمين إذا كان بحاجة لذلك على أن يردها فيما بعد. ولم يجد كعب غضاضة في هذا العمل. فقال له أبو ذر عندئذ: أتعلمنا يابن اليهود؟”.
روى الطبري والمسعودي حوادث مشابهة. وهذه الحوادث (إضافة إلى القصة المذكورة آنفاً حول القبلة) تظهر أن موقف المؤرخين من كعب لم يكن متجانساً. ينظر إليه كأنموذج بدئي “للإنتهازية اليهودية”
أما “موسوعة الاسلام، النسخة الانجليزية”، فتقول إن كعب الأحبار “جاء إلى المدينة أثناء خلافة عمر بن الخطاب، ثم رافقه إلى القدس عام 636م (الطبري 1/2408). وبعد تحوله (إلى الإسلام) صار على علاقة وطيدة بالخليفة، حيث تنبأ له بموته قبل ثلاثة أيام. حاول معاوية جذبه إلى دمشق ليكون مستشاراً له، لكن يبدو أنه انسحب إلى حمص حيث مات (طبري 3/2473). اتهم عمر كعباً بالتهود حين تعامل مع جبل الهيكل في القدس كمكان مقدس (طبري 1/2408 – 2409)”.
ذلك ماقاله الإسرائيليون والمستشرقون المعاصرون عن كعب الأحبار: فما الذي يقوله الكتاب العرب المسلمون المعاصرون عنه؟
يقول أحمد أمين، على سبيل المثال: “كعب الأحبار، أو كعب بن ماتع، يهودي من اليمن، ومن أكبر من تسربت منهم أخبار اليهود إلى المدينة ثم إلى الشام، وقد أخذها عنه إثنان، هما أكبر من نشر علمه: ابن عباس – وهذا يعلل مافي تفسيره من اسرائيليات – وأبو هريرة… كل تعاليمه كانت شفوية، وما نقل عنه يدل على علمه الواسع بالثقافة اليهودية وأساطيرها. جاء في الطبقات الكبرى (7:79) حكاية عن رجل دخل المسجد فإذا عامر بن عبد الله بن عبد القيس جالساً إلى كتب وبينها سفر من أسفار التوراة وكعب يقرأ. وقد لاحظ بعض الباحثين أن بعض الثقاة كابن قتيبة والنووي لا يروي عنه أبداً… ويروي ابن جرير أنه جاء إلى عمر بن الخطاب قبل مقتله بثلاثة أيام، وقال له: اعهد فإنك ميت في ثلاثة أيام. قال: وما يدريك؟
قال: أجده في كتاب الله عز وجل في التوراة. قال عمر: إنك لتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟! قال: اللهم لا، ولكن أجد صفتك وحليتك وأنه قد فنى أجلك وهذه القصة، إن صحت، دلت على وقوف كعب على مكيدة قتل عمر، ثم وضعها هو في هذه الصيغة الإسرائيلية” . ( راجع كتابي: يوم انحدر الجمل من السقيفة ).
يقول الطبري: “لما شخص عمر إلى إيلياء (القدس)، فدنا من باب المسجد، فقال: ارقبوا لي كعباً! فلما انفرق به الباب، قال: لبيك اللهم لبيك، بما هو أحب إليك! ثم قصد المحراب، محراب داود عليه السلام، وذلك ليلاً، فصلى فيه، ولم يلبث أن طلع الفجر، فأمر المؤذن بالإقامة، فتقدم وصلى بالناس، وقرأ بهم “ص”، وسجد فيها، ثم قام، وقرأ بهم في الثانية صدر “بني إسرائيل” (الاسراء)، ثم ركع ثم انصرف، فقال: عليّ بكعب. فأُتي به، فقال (عمر): اين ترى أن نجعل المصلى؟ فقال: إلى الصخرة!
فقال: ضاهيت والله اليهودية يا كعب، وقد رأيتك وخلعك نعليك!
فقال: أحببت أن أباشره بقدمي. فقال: قد رأيتك، بل نجعل قبلته صدره، كما جعل رسول الله (ص) قبلة مساجدنا صدورها، إذهب إليك، فإننا لم نؤمر بالصخرة، ولكن بالكعبة” .يعرض ابن كثير الموضوع ذاته بإضافات أخرى، فيقول: “إن عمر حين دخل بيت المقدس سأل كعب الأحبار عن مكان الصخرة، فقال: ياأمير المؤمنين؛ أذرع من وادي جهنم كذا وكذا ذراعاً فهي ثم. فذرعوا فوجدوها وقد اتخذها النصارى مزبلة، والغرض أنهم اتخذوا مكان قبلة اليهود مزبلة. استشار عمر كعباً أين يضع المسجد، فأشار عليه بأن يجعله وراء الصخرة، فضربه في صدره، وقال: يا ابن أم كعب، ضارعت اليهود! وأمر ببنائه في مقدم بيت القدس”. يكمل الطبري، فيقول: “ثم قام (عمر) من مصلاه إلى كناسة قد كانت الروم قد دفنت بها بيت المقدس في زمان بني إسرائيل؛ فلما سار إليهم أبرزوا بعضها، وتركوا سائرها، وقال: يا أيها الناس! اصنعوا كما أصنع! وجثا في أصلها (…) فسمع التكبير خلفه، وكان يكره سوء الرِّعة في كل شيء، فقال: ما هذا؟ فقال (بعضهم): كبّر كعب وكبّر الناس بتكبيره!
فقال: عليَّ به! فأُتي به، فقال (كعب): يا أمير المؤمنين، إنه قد تنبأ على ما صنعت الروم نبي منذ خمسمئة سنة! فقال (عمر): وكيف؟
فقال: إن الروم أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم، فدفنوه، ثم أديلوا عليهم، فلم يفرغوا له حتى أغارت عليهم فارس فبغوا على بني اسرائيل، ثم أديلوا الروم عليهم إلى أن وليت، فبعث الله نبياً على الكناسة، فقال: أبشري أوري شلم (القدس)! عليك الفاروق ينقيك مما فيك؛ وبعث إلى القسطنطينية نبي، فقال: يا قسطنطينية! مافعل أهلك ببيتي! أخربوه وشبهوك كعرشي! وتأولوا علي! فقد قضيت أن أجعلك جلحاء (خالية من الشجر) يوماً ما، لا يأتي إليك أحد” ( المرجع السابق ).
يؤكّد ابن اسحق في سيرته ما سبق: ” سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب يَقُول لِكَعْبٍ: أَيْنَ تَرَى أَنْ أُصَلِّي ؟ فَقَالَ: إِنْ أَخَذْت عَنِّي صَلَّيْت خَلْف الصَّخْرَة فَكَانَتْ الْقُدْس كُلّهَا بَيْن يَدَيْك؛ فَقَالَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة وَلَكِنْ أُصَلِّي حَيْثُ صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَتَقَدَّمَ إِلَى الْقِبْلَة فَصَلَّى
ثُمَّ جَاءَ فَبَسَطَ رِدَاءَهُ وَكَنَسَ الْكُنَاسَة فِي رِدَائِهِ وَكَنَسَ النَّاس؛ فَلَمْ يُعَظِّم الصَّخْرَة تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا وَهِيَ بَيْن يَدَيْهِ كَمَا أَشَارَ كَعْب الْأَحْبَار؛ وَهُوَ مِنْ قَوْم يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتهمْ؛ وَلَكِنْ مَنَّ اللَّه عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ فَهُدِيَ إِلَى الْحَقّ! وَلِهَذَا لَمَّا أَشَارَ بِذَلِكَ؛ قَالَ لَهُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر: ضَاهَيْت الْيَهُودِيَّة! وَلَا أَهَانَهَا إِهَانَة النَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا قَدْ جَعَلُوهَا مَزْبَلَة مِنْ أَجْل أَنَّهَا قِبْلَة الْيَهُود؛ وَلَكِنْ أَمَاطَ عَنْهَا الْأَذَى وَكَنَسَ عَنْهَا الْكُنَاسَة بِرِدَائِهِ ” ( سيرة ابن إسحاق 104 ).
الحقيقة أن كعباً لم يكن يعرف التفاصيل الجغرافية للمكان: كيف عرفها؟ ” ورُويَ أن كعبا قدم إيليا فَرَشَا “حبرا” من أحبار يهود بضعة عشر دينارا على أن دله على الصخرة التي قام عليها سليمان بن داود لما فرغ من بناء المسجد. وصلّى مما يلي ناحية باب أسباط. فقال كعب: قام سليمان بن داود على هذه الصخرة ثم استقبل بيت المقدس كله ” ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، فضل الله العمر، 41 ).
عند محمد بن عبد المنعم الحميري، نجد بعض تفاصيل هامة: ” وسخر عمر رضي الله عنه أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس، وكانت فيه مزبلة عظيمة، وجاء عمر رضي الله عنه ومعه كعب فقال: يا أبا إسحاق أتعرف موضع الصخرة? فقال: اذرع من الحائط الذي يلي موضع كذا، كذا وكذا ذراعاً ثم احفر فإنك تجدها، قال: وهي يومئذ مزبلة، فحفروا فظهرت، فقال عمر رضي الله عنه لكعب: أين ترى أن نجعل قبلة المسجد؟ قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد صلى الله عليهما وسلم، قال: ضاهيت اليهود يا أبا إسحاق، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد، ثم بنى عبد الملك بن مروان مسجد بيت المقدس سنة سبعين، وحمل إلى بنيانه خراج مصر سبع سنين، وبنى القبة على الصخرة ” ( الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحميري، 71).
يقدّم لنا أبو عبيد البكري تفاصيل أخرى : ” ثم تغلبت ملوك غسان على الشام بتمليك ملوك الروم لهم ودخولهم في نصرانيتهم إلى أن جاء الله بالإسلام، وملك الشام منهم جبلة بن الأيهم، ففتح الله الشام على المسلمين زمن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وكان أبو عبيدة قد كتب إلى بطارقة إيليا يدعوهم إلى الإسلام أو أداء الجزية فانتووا عليه، فنزل عليهم وحاصرهم حصارا شديدا، فلما رأوا ذلك سألوه الصلح على الجزية، فأجابهم إلى ذلك. قالوا: فأرسل إلى خليفتك عمر فيكون هو الذي يعطينا العهد ويكتب لنا الأمان فانا لا نرضى إلا به، فاستوثق منهم أبو عبيدة بالأيمان المغلطة إن قدم أمير المؤمنين فأعطاهم الأمان ليقبلوا ذلك منه]، وخاطب عمر -رضي الله عنه- بما دعوا إليه وباستيثاقه منهم، قال: ثم سار عمر. فخرج إليه أبو الجعيد فصالحه، وكتب لهم عمر كتابا أمنهم فيه على أنفسهم وذراريهم ونسائهم وأموالهم وكنائسهم واشترطوا أن لا يساكنهم اليهود فيها. فلما قبضوا كتاب الصلح فتحوا للمسلمين أبواب إيليا، فدخل عمر -رضي الله عنه- والمسلمون معه، وسخر عمر -رضي الله عنه- أنباط أهل فلسطين في كنس بيت المقدس وكانت فيه مزبلة عظيمة.
وجاء عمر ومعه كعب فقال: يا أبا أسحاق أتعرف موضع الصخرة؟ فقال اذرع من الحائط الذي يلي وأدي جهنم كذا وكذا ذراعا ثم احضر فانك تجدها. قال: وهي يومئذ مزبلة، قال فحفروا فظهرت، فقال عمر لكعب: أين ترى أن تجعل قبلة المسجد. قال: اجعلها خلف الصخرة فتجمع القبلتين قبلة موسى وقبلة محمد (صلى الله عليه وسلم). قال: يا أبا إسحاق: ضاهيت اليهود، خير المساجد مقدمها. قال: فبنى القبلة في مقدم المسجد ” ( المسالك والممالك، أبو عبيد البكري، 125).
نص أخير هام للغاية يقول إن عمر ” سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث، ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء.
ويقال: إنه لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة ص، وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، فأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه، فقال: ضاهيت اليهودية، ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائة، ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهي المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب، فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة، وانسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك.
وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود، قال لهم: إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا، ثم أمروا بإزالتها، فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون، فأزالها عمر بن الخطاب ” ( البداية والنهاية، 2688).
هنا نطرح المعطيات التالية:
1 – لم يشارك كعب الأحبار في أي من معارك المسلمين، سوى ذهابه مع عمر بن الخطاب، لتسلم القدس “سلمياً”؛ 2 – شك عمر الدائم بكعب الأحبار، باعتباره يهودياً.الطلب بمراقبة كعب بعد دخول القدس قوله لكعب: ضاهيت اليهودية. قوله له أيضاً: خلعت النعل، وهي عادة يهودية عند دخول مكان مقدس عندهم. 3 – اكتفاء عمر بن الخطاب، وهو المعروف بالصرامة وبدرته الشهيرة، بتعنيف كعب شفوياً، رغم محاولة الأخير تغيير قبلة المسلمين إلى القدس – هيكل سليمان. 4 – تكبير كعب حين نظف عمر مكان الهيكل، وكان المسيحيون في القدس قد حولوه إلى مزبلة.
5 – رغم شك عمر الواضح في تصرفات كعب اليهودية التي لا لبس فيها، فهو اختار أن يسأله عن موضع الصخرة “ويستشيره” في شأن بناء المسجد، مسجد عمر. 6 – قول ابن اسحاق، وهو هام جداً، إن عمر َلَمْ يُعَظِّم الصَّخْرَة تَعْظِيمًا يُصَلِّي وَرَاءَهَا؛ وإن كعباً مِنْ قَوْم يُعَظِّمُونَهَا حَتَّى جَعَلُوهَا قِبْلَتهمْ: والسؤال: كيف استطاع كعب أن يكون له هذا الدور في عهد عمر، وهو الرجل الأقوى في زمانه؟ لقد استطاع كعب، بذكائه الحاد وثقافته اليهودية العميقة، أن يلبي غرور عمر عن طريق اختلاق أحاديث عن أنبياء يهود تنبأوا بأن “الفاروق سينقي أوري شلم مما هو فيها”. لكن كل من له معرفة كافية بالشرعين اليهوديين، المكتوب والشفوي، تنفي تماماً حكايا كعب المختلفة تلك. مثلاً: إرسال نبي إلى القدس ليخبرها بمجيء عمر!
تنبؤ نبي على ماصنعت الروم قبل خمسمئة سنة من وصول عمر إلى القدس! إرسال نبي إلى القسطنطينية، ينذرها بأن الله سيجعلها جلحاء، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. لقد استغل كعب جهل العرب بثقافات الآخرين فكان يختلق من الأخبار والأحاديث، وينسبها إلى كتب اليهود المقدسة، دون أدنى دليل – وكانوا يصدقونه، لأنه لا يوجد فيهم من اطلع، أو بشكل أدق، سمح له بالاطلاع، على تلك الكتب.
الصخرة… وعبد الملك بن مروان؟
قال ابن خلدون في مقدمته “إن عمر لما حضر لفتح بين المقدس وكشف عن الصخرة بنى عليها مسجداً علة طريق البداوة؛ ثم أحتفل الوليد بن عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد الإسلام… وألزم ملك الروم أن يبعث الفعلة والمال لبناء هذه المساجد وأن ينمقوها بالفسيفساء فأطاع لذلك وتم بناؤها على ما أقترحه” ( النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية، لويس شيخو، 160 ). –من هو عبد الملك هذا، وما هي تفاصيل القصة ؟
عبد الملك بن مروان: رابع خلفاء بني أميّة؛ ابن مروان بن الحكم الذي قتلته زوجه خنقاً بعد أن قال لابنها من زوج غيره، خالد بن يزيد بن معاوية: يا ابن رطبة الاست! ( أعلام النساء 93:2 ).
يلخّص القاضي التنوخي في ” الفرج بعد الشدة “، ( 29 ) سيرة عبد الملك؛ فيقول: ” أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي 26 – 86؛ استعمله معاوية على المدينة، وهو ابن ست عشرة سنة، وكان أحد فقهاء المدينة المعدودين، انتقلت إليه الخلافة بموت أبيه، وقد ناهز الأربعين، فلما بشر بها، أطبق المصحف، وقال: هذا فراق بيني وبينك ( تاريخ الخلفاء 217، الفخري 122، فوات الوفيات 2-32 ). من محاسنه أنه نقل الدواوين من الفارسية، والرومية، إلى العربية، وسك الدنانير في الإسلام، ومن سيئاته أنه سلط الحجاج بن يوسف الثقفي، الظالم السيء الصيت، على الناس، فولاه الحجاز أولاً، ثم العراق، فقتل العباد، وخرب البلاد ( أحسن التقاسيم 133 وواسطة السلوك 29، والسيادة العربية 44)، وهو أول من غدر في الإسلام، آمن عمرو بن سعيد الأشدق، ثم قتله ( العقد الفريد 1-79 و 4- 409 )، وأول من نهى عن الأمر بالمعروف في الإسلام، قال في إحدى خطبه: والله، لا يأمرني أحد بتقوى الله، إلا ضربت عنقه ( فوات الوفيات 2-33 وتاريخ الخلفاء 219 )، ومنع أهل الشام من الحج إلى مكة، وبنى قبة الصخرة في بيت المقدس، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها، بدلاً من الكعبة، وأقام الناس على ذلك أيام بني أمية ( اليعقوبي 2-261 )، وقد لخص عبد الملك سياسته، في خطبة له، قال: إن من كان قبلي من الخلفاء، كانوا يأكلون ويطعمون من هذه الأموال، ألا وإني لا أداوي أدواء هذه الأمة إلا بالسيف ( تاريخ الخلفاء 218 )؛ ولما حضره الموت جعل يضرب على رأسه بيده، ويقول: وددت أني كنت منذ ولدت إلى يومي هذا حمالاً ” ( تاريخ الخلفاء 220 وابن الأثير 4-521، راجع أخباره في تاريخ الخلفاء 216 – 220 والعقد الفريد 4-25 و 399، و 5-103 و 6-99 وتاريخ اليعقوبي 2-273 والهفوات النادرة 42 ).
قال عنه الراغب الأصبهاني في محاضراته: ” لو يكن من مساوئ عبد الملك إلا الحجاج وتولية إياه على المسلمين، أو على الصحابة ( رض )، يهينهم ويذلّهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً؛ وقد قتل من الصحابة وكبار التابعين ما لا يحصى فضلاً على غيرهم، وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة، يريد بذلك ذلّهم ” ( 147:1 ).
يؤكّد مؤرخون كثر على ما قاله التنوخي من أنه ” لمّا سلّم على عبد الملك بن مروان بالخلافة، كان في حجره مصحف، فأطبقه، وقال: هذا فراق بيني وبينك ” ( تاريخ بغداد أو مدينة السلام للحافظ أبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي 390:10؛ 14 مجلّداً؛ طبع للمرّة الأولى بنفقة مكتبة الخانجي بالقاهرة والمكتبة العربيّة ببغداد ومطبعة السعادة بجوار محافظة مصر 1349 هـ 1931 م؛ وقف على طبعه وتنسيقه وصنعه وترقيمه، محمد أمين الخانجي ). راجع أيضاً: محاضرات الراغب 145:1. و” كان مروان بن الحكم ولّى العهد عمرو بن سعيد بن العاص بعد ابنه، فقتله عبد الملك؛ وكان قتله أول غدر في الإسلام؛ فقال بعضهم:
تلاعبوا بكتاب الله، فاتخذوا هواهم في معاصي الله قربانا” ( السابق 145-146 ).
اشتهر عن هذا الخليفة الإسلامي ولعه بالشراب والنساء؛ يقول الجاحظ في ” التاج ” : ” وكان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرّة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء؛ ويقول: إنما أقصد في هذا إشراف العقل وتقوية منة الحفظ وتصفية موضع الفكر. غير أنه كان إذا بلغ آخر هذا السكر، أفرغ ما كان في بدنه حتى لا يبقى في أعضائه منه شيء. فيصبح خفيف البدن ذكي العقل والذهن نشيط النفس قوي المنة ” ( التاج 151-152 ). وفي محاضرات الراغب، نقرأ أن أم الدرداء قالت ” لعبد الملك: بلغني يا أمير المؤمنين أنك شربت الطلاء بعد النسك والعبادة؟ قال: أي والله! والدماء قد شربتها ” ( 144). وفي المرجع السابق، نقرأ: ” حضر نصيب عند عبد الملك بن مروان، فدعاه إلى الشراب؛ فقال: إني لم أصل إليك بنفسي ولا بحسن صورتي وإنما قربت منك بعقلي؛ فإن رأى الأمير أن لا يحول بيني وبينه فعل ” ( محاضرات 323:1 ).
كان أول خليفة إسلامي اشتهر عنه المغالاة في اقتناء النساء، عبد الملك بن مروان؛ نقرأ في بعض المراجع: ” يحكى عن عبد الملك بن مروان أن صاحب إفريقية أهدى إليه جارية تامّة المحاسن شهيّة المتأمل، فلمّا دخلت على عبد الملك بن مروان، نظر إليها وفي يده قضيب خيزران. فصعد إليها بصره وصوّبه، ثم رمى بالقضيب؛ وقال: ردّيه علي! فولّت. فنظر إليها مقبلة ومدبرة. فقال: أنت والله أمنية المتمني! قالت: فما عينك يا أمير المؤمنين إذا كانت هذه صفتي عندك؟ قال: بيت قاله الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم دون النساء ولو باتت بأطهار
وكان هذا في خروج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. ثم أمر بها أن تُصان وتُخدم. فلما فتح عليه، كانت أوّل جارية دعا بها ” ( التاج 175؛ محاسن الملوك 106 ).
يروي الراغب في محاضراته قصة أخرى عن هذا الخليفة في الإطار ذاته: ” اشترى عبد الملك جارية، فلمّا خلا بها؛ قالت: أمير المؤمنين… إن ابنك فلان قد اشتراني وخلا بي ليلة فلا يحلّ لك مسّي! فاستحسن قولها وولاّها أمر داره ” ( محاضرات 102:2). وهكذا، يظهر أن الخليفة صار خبيراً في أصناف النساء؛ نقل عنه الراغب قوله: ” من أراد أن يتخذ جارية للتلذّذ فليتخذها بربريّة، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسيّة، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها روميّة ” (148).
ثمة دور هام للغاية لعبد الملك بن مروان في مسألة قبة الصخرة في القدس؛ يقول أحد الأعمال التراثية البارزة: ” ابتدأ عبد الملك بن مروان ببناء القبة على صخرة بيت المقدس وعمارة الجامع الأقصى، وكملت عمارته في سنة ثلاث وسبعين. وكان السبب في ذلك أن عبد الله بن الزبير كان قد استولى على مكة، وكان يخطب في أيام منى وعرفة، ومقام الناس بمكة، وينال من عبد الملك ويذكر مساوئ بني مروان، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الحكم وما نسل، وأنه طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، وكان يدعو إلى نفسه، وكان فصيحاً، فمال معظم أهل الشام إليه.
وبلغ ذلك عبد الملك فمنع الناس من الحج فضجوا، فبنى القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليشغلهم بذلك عن الحج ويستعطف قلوبهم، وكانوا يقفون عند الصخرة ويطوفون حولها كما يطوفون حول الكعبة.
وينحرون يوم العيد ويحلقون رؤوسهم، ففتح بذلك على نفسه بأن شنع ابن الزبير عليه، وكان يشنع عليه بمكة ويقول: ضاهى بها فعل الأكاسرة في إيوان كسرى، والخضراء، كما فعل معاوية. ولما أراد عبد الملك عمارة بيت المقدس وجه إليه بالأموال والعمال، ووكل بالعمل رجاء بن حيوة ويزيد بن سلام مولاه، وجمع الصناع من أطراف البلاد وأرسلهم إلى بيت المقدس، وأرسل إليه بالأموال الجزيلة الكثيرة، وأمر رجاء بن حيوة ويزيد أن يفرغا الأموال إفراغاً ولا يتوقفا فيه ” ( البداية والنهاية 3086 ).
عند اليعقوبي في ” تاريخه ” رواية مماثلة؛ يقول: ” ومنع عبد الملك أهل الشام من الحج، وذلك أن ابن الزبير كان يأخذهم، إذا حجوا، بالبيعة، فلما رأى عبد الملك ذلك منعهم من الخروج إلى مكة، فضج الناس، وقالوا: تمنعنا من حج بيت الله الحرام، وهو فرض من الله علينا! فقال لهم: هذا ابن شهاب الزهري يحدثكم أن رسول الله قال: لا تشد الرجال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس وهو يقوم لكم مقام المسجد الحرام، وهذه الصخرة التي يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع قدمه عليها، لما صعد إلى السماء، تقوم لكم مقام الكعبة، فبنى على الصخرة قبة، وعلق عليها ستور الديباج، وأقام لها سدنة، وأخذ الناس بأن يطوفوا حولها كما يطوفون حول الكعبة، وأقام بذلك أيام بني أمية ” ( تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي، 214 ).
عند الدميري رواية أخرى مطابقة: ” وفيه أيضاً أنه لما ولي عبد الله بن الزبير الخلافة بمكة، ولى أخاه مصعب بن الزبير المدينة، وأخرج منها مروان بن الحكم وابنه، فصار إلى الشام ولم يزل يقيم للناس الحج من سنة أربع وستين إلى سنة اثنتين وسبعين، فلما ولي عبد الملك بن مروان منع أهل الشام من الحج من أجل ابن الزبير، لأنه كان يأخذ الناس بالبيعة له إذا حجوا، فضج الناس لما منعوا من الحج، فبنى عبد الملك قبة الصخرة فكان الناس يقفون عندها يوم عرفة ” ( حياة الحيوان الكبرى، الدميري، 412 ).
يقول ابن تغري بردي: ” وهي سنة اثنتين وسبعين: فيها بنى عبد الملك بن مروان قبة الصخرة بالقدس والجامع الأقصى، وقد ذكرناه في الماضية، والأصح أنه في هذه السنة. وسبب بناء عبد الملك أن عبد الله بن الزبير لما دعا لنفسه بمكة فكان يخطب في أيام منى وعرفة وينال من عبد الملك ويذكر مثالب بني أمية، ويذكر أن جده الحكم كان طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعينه، فمال أكثر أهل الشام إلى ابن الزبير؛ فمنع عبد الملك الناس من الحج فضجوا، فبنى لهم القبة على الصخرة والجامع الأقصى ليصرفهم بذلك عن الحج والعمرة، فصاروا يطوفون حول الصخرة كما يطوفون حول الكعبة وينحرون يوم العيد ضحاياهم؛ … وصار أخوه عبد العزيز بن مروان صاحب مصر يعرف بالناس بمصر ويقف بهم يوم عرفة” ( النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ابن تغري بردي، ).
أنظر أيضاً من أجل بناء عبد الملك لقبة الصخرة: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، المقدسي البشاري، 63؛ معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1637؛ تاريخ ابن خلدون 546 ؛ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، المقدسي البشاري، 63؛ المختصر في أخبار البشر 22؛ الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحميري، 71؛ معجم البلدان، ياقوت الحموي، 841؛ تاج المفرق في تحلية علماء المشرق، البلوي، 48؛ المسالك والممالك، أبو عبيد البكري، 125 .
هنالك من قال إن الوليد بن عبد الملك هو من بنى القبة: ” وعليها قبة عالية، بناها الوليد بن عبد الملك حين بنى المسجد الأقصى ” (صبح الأعشى، القلقشندي، 566 )؛ راجع: المختصر في أخبار البشر، أبو الفداء، 22؛ تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام، ابن الضياء، 140؛ حياة الحيوان الكبرى، الدميري، 63. لكن الحقيقة أن من بناها كان عبد الملك؛ وفي ذلك يقول الدميري: ” وقوله أن الوليد بنى قبة الصخرة فيه نظر. وإنما بنى قبة الصخرة عبد الملك بن مروان في أيام فتنة ابن الزبيرلما منع عبد الملك أهل الشأم من الحج، خوفا من أن يأخذ منهم ابن الزبير البيعة له، فكان الناس يقفون يوم عرفة بقبة الصخرة إلى أن قتل ابن الزبيررضي ستعالى عنهما. كما سيأتي إنشاء الله تعالى عن ابن خلكان وغيره. ولعلها تشعثت فهدمها الوليد وبناها، والله تعالى أعلم ” ( حياة الحيوان الكبرى، الدميري، 64 ).
الصخرة في الميثولوجيا الإسلامية:
في البداية، لا بد أن نلحظ أن كلّ ما ورد في التراث الإسلامي من أخبار بشأن الصخرة مأخوذ بشكل أو بآخر عن مثيله اليهودي؛ حول العلاقة بين كوكب الزهرة والصخرة، الذي أشرنا إليه آنفاً؛ يقول ابن خلدون: ” أما بيت المقدس وهو المسجد الأقصى فكان، أول أمره أيام الصابئة، موضعاً لهيكل الزهرة، وكانوا يقربون إليه الزيت فيما يقربونه، ويصبونه على الصخرة التي هناك. ثم دثر ذلك الهيكل، واتخذها بنو إسرائيل حين ملكوها قبلة لصلاتهم ” ( تاريخ ابن خلدون، 216 ). وهنا نجد مفهوماً للصابئة يختلف عما يتداول اليوم من أنهم الجماعة المندائية العراقية.
ابن الجوزي، في عمله المعروف باسم ” تاريخ بيت المقدس “، يقدّم لنا كتلة روايات حول الصخرة، واضح أنها صياغة إسلامية لنصوص يهودية أقدم منها: ” في ذكر الصخرة وأنها من الجنة…سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الصخرة من الجنة … وعن ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: صخرة بيت المقدس من صخور الجنة. وعن عبادة بن الصامت؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صخرة بيت المقدس على نخلة، والنخلة على نهر من أنهار الجنة، وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ينظمان سموطاً لأهل الجنة إلى يوم القيامة ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 4)؛ ” وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: الأنهار كلها والرياح من تحت صخرة بيت المقدس.
وعن أبي بن كعب أنه قال: ما من ماء عذب إلا يخرج من تحت صخرة بيت المقدس. وعن نوفل البكالي؛ قال: يخرج من تحت صخرة بيت المقدس أربعة أنهار من الجنة: سيحان وجيحان والنيل والفرات.
وعن أبي بن كعب قال: يقول الله تعالى لصخرة بيت المقدس: أنت عرشي الأولى ومن تحتك بسط الأرض ومن تحتك جعلت عذب الماء يطلع إلى رؤوس الجبال.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسرى به إلى بيت المقدس: أتاني جبريل عليه السلام إلى الصخرة فصليت ثم عرج بي إلى السماء … وعن أبي إدريس الخولاني قال: يحول الله تعالى صخرة بيت المقدس مرجانة كعرض السماء والأرض ثم يضع عليه عرشه ويضع الميزان ويقضي بين عباده ويصيرون منها إلى الجنة. وعن البحتري القاضي؛ قال: تكره الصلاة في سبعة مواطن على ظهر الكعبة وعلى الصخرة … [ يقول ] الواحدي في قوله تعالى: (ثُم إذا دعاكُم دَعَوة مِن الأرض إذا أنتُم تخرُجُون): بدعوة إسرافيل من صخرة بيت المقدس حين ينفخ في الصور بأمر الله للبعث وبعد الموت. .. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صليت ليلة أسرى بي إلى بيت المقدس غربي الصخرة ” ( المصدر السابق، 5).
” وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء ” ( المصدر السابق ، 6).
” قال الله تعالى: يا روشلم أنت صفوتي من بلادي وأنا سايق إليك صفوتي من عبادي؛ من كان مولده بك فأختار عليك فنذبت بصيبه ومن كان مولده في غيرك وأختار على مولده فرحمة مني.
وفي الخبر المقدسي أيضا: روشلم أنت مقدس بنورك وفيك محشر عبادي أذقك يوم القيامة كالعروس إلى خدرها ومن دخلك استغنى عن الزيت والقمح… وصخرة بيت المقدس من صخور الجنة.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: أن الجنة تحن شوقا إلى صخرة بيت المقدس، وصخرة بيت المقدس من جنة الفردوس وهي صخرة الأرض السابقة ” ( المصدر السابق، 7 ).
” ومن مات مقيماً محتسباً في بيت المقدس فكأنما مات في في السماء، ومن مات حولها فكأنما مات فيها …
… ورفع التابوت والسكينة من أرض بيت المقدس … وينفخ إسرافيل في الصور ببيت المقدس على الصخرة … وقرب نوج القربان على صخرة بيت المقدس… وتخرب الأرض كلها إلا ببيت المقدس… وتطير أرواح المؤمنين إلى أجسادهم في بيت المقدس ” ( المصدر السابق 8 ).
في علم نشوء الكون كما رواه السيوطي، لا يمكن أن نخطئ أبداً في ملاحظة الأصل اليهودي: ” إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، لم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء، فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء فسما عليه فسماه سماء، ثم أييس الماء فجعله أرضا واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومين في الأحد والإثنين، فخلق الأرض على الحوت، والحوت هو النون الذي ذكره تعالى في القرأن بقوله: (ن وَالقَلَمِ)، والحوت في الماء، والماء على صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على الصخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكرها لقمان، ليست في السماء ولا في الأرض، فتحرك الحوت فاضطرب فتزلزلت الأرض، فأرسل عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض وذلك قوله تعالى: (وَألقى في الأرض رَواسِيَ أَن تَميدَ بِكُم)، وخلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين: الثلاثاء والأربعاء (ثُمَّ اِستَوى إِلى السَماءِ وَهِيَ دُخانٌ) وذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين: الخميس والجمعة، وإنما سمى يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض (وَأوحَى في كُلِّ سَمَاءٍ أَمرَها) قال: خلق في كل سماء خلقا من الملائكة، والخلق الذي فيها من البحار والجبال وجبل البر، وما لا يعلم ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظا يحفظ من الشياطين ” ( أسرار الكون، السيوطي، 4)؛ ويضيف ابن شداد معلومة يهودية أخرى؛ فيقول: ” وتحت قبة الصخر مغارة الأرواح، ذكروا أن أرواح المؤمنين يجمعها الله فيها، ويُنزَلُ في هذه أربع عشرة درجة ” ( الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام و الجزيرة، ابن شداد، 111).
بالنسبة لبناء الصخرة، يمكن القول إن المسلمين أخذوا أيضاً هنا رواياتهم عن أساطير اليهود: ” … فأما البيتُ المقدَّسُ فان أول من بناه وأرى موضعه يعقوب، وقيل داود على اختلاف من الناس، وكان من بناء داود عليه السلام له إلى وقت تخريب بخت نصر إياه وانقطاع دولة بني إسرائيل أربعمائة سنة أربع وخمسون سنه، فلم يزل خرابا إلى أن بناه ملك من ملوك طوائف الفرس يقال له كوشك ” ( المسالك والممالك، أبو عبيد البكري، 125).
نص آخر؛ يقول: ” ويقال: إن أول من أسسه يعقوب عليه السلام بعد أن بنى الخليل المسجد الحرام بأربعين سنة، كما جاء في “الصحيحين”؛ ثم جدد بناءه سليمان بن داود عليهما السلام … وسأل سليمان عليه السلام الله عند فراغه منه خلالاً ثلاثاً، حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وأنه لا يأتي أحدٌ هذا المسجد لا ينهزه إلا الصلاة فيه إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ( البداية والنهاية، 937 ).
أما ابن كثير؛ فيقول: ” وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى، وهو مسجد إيليا بيت المقدس شرفه الله. وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام، بعد بناء الخليل وابنه إسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء ” ( البداية والنهاية، ابن كثير، 130).
يتناول أبي بن كعب، وفق الرواية، بناء الصخرة من منظور آخر، لا يخفى فيه الأثر اليهودي: ” وعن أبي بن كعب: ان الله تعالى أوحى إلى داود: ابن لي بيتاً. فقال: يا رب؛ أين ? قال: حيث ترى الملك شاهراً سيفه ! فرأى داود ملكاً على الصخرة بيده سيف، فبنى هناك، ولما فرغ سليمان من بنائها أوحى الله تعالى إليه: سلني أعطك ! فقال: يا رب أسألك أن تغفر لي ذنبي ! فقال: لك ذلك ! قال: وأسألك أن تغفر لمن جاء هذا البيت يريد الصلاة فيه، وأن تخرجه من ذنوبه كيوم ولد ! فقال: لك ذلك ! قال: وأسألك لمن جاءه فقيراً أن تغنيه !
قال: ولك ذلك ! قال: وأسألك إن جاءه سقيماً أن تشفيه ! قال: ولك ذلك…
.. وفي وسطها الصخرة التي تزار، وعلى طرفها أثر قدم النبي … وذكر أن طول قبة الصخرة كان اثني عشر ميلاً في السماء، وكان على رأسها ياقوتة حمراء كان في ضوئها تغزل نساء أهل بلقاء. وبها مربط البراق الذي ركبه النبي، عليه السلام، تحت ركن المسجد ” ( آثار البلاد وأخبار العباد، القزويني، 63 ).
يضيف ياقوت الحموي تفاصيل أسطورية أخرى: ” كانت الصخرة أيام سليمان بن داود عليه السلام ارتفاعها اثنا عشر ذراعاً وكان الذراع ذراع الأمان ذراع وشبر وقبضَة وكانت عليها قبة من البلنجوج وهو العود المَندلي وارتفاع القُبة ثمانية عشر ميلاً وفوق القبة غزال من الذهب بين عينيه كرَّة حمراء يقعد نساءُ البلقاءِ ويغزلن في ضوئها ليلاً وهي على ثلاثة أيام منها وكان أهل عموَاس يستظلون بظل القبة إذا طلعت الشمس وإذا غربت استظل بها أهل بيت الرامة وغيرها من الغور بظلها هكذا وجدت هذا الخبر كما تراه مسنداً وفيه طول وهو أبعَدُ من السماءِ عن الحق و الله المستعان ” ( معجم البلدان، ياقوت الحموي، 378 ). ” أول شيء حُسر عنه بعد الطوفان صخرة بيت المقدس وفيه ينفخ في الصور يوم القيامة وعلى صخرته ينادي المنادي يوم القيامة.
وأقربُ بقعة في الأرض من السماء البيت المقدس ويُمنع الدجال من دخولها ويهلك يأجوج ومأجوج دونها …
وعن الفضيل بن عياض قال لما صُرفت القبلة نحو الكعبة قالت الصخرة إلهي لم أزل قبلة لعبادتك حتى بعثت خير خلقك صرفت قبلتهم عني قالا ابشري فإني واضع عليكِ عرشه وحاشر إليكِ خلقي وقاضٍ عليك أمري، وناشر منك عبادي ” ( معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1635).
ونقرأ أيضاً: ” وكان طول صخرة بيت المقدس في السماء اثني عشر ميلاً، وكان أهل أريحاء، يستظلون بظلها، وأهل عمواس مثل ذلك. وكان عليها ياقوتة حمراء تضئ لأهل البلقاء، وكان يغزل في ضوئها نساء أهل البلقاء ” ( العقد الفريد، ابن عبد ربه الأندلسي، 992؛ الكامل في التاريخ، ابن الأثير المؤرخ، 2178 ).
ثمة أقوال كثيرة لها ما يماثلها في الإسكاتالوجيا اليهودية، تربط بين الموت في منطقة المسجد الأقصى وعدم إمكانية الحساب في يوم االقيامة: ” .. عن يزيد بن جابر في قوله تعالى: (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب) [ق 41]، قال: “يقف إسرافيل على صخرة بيت المقدس فينفخ في الصور فيقول: “يا أيتها العظام النخرة والجلود المتمزقة والأشعار المتقطعة إن الله يأمرك أن تجتمعي لفصل الخطاب”. وروى ابن جرير وابن أبي حاتم والواسطي عن قتادة في الآية قال: “كنا نتحدث أنه ينادى من بيت المقدس من الصخرة وهي أوسط الأرض الثانية عشرة: روي أنه من دفن في بيت المقدس وفي فتنة القبر وسؤال المكلين ومن دفن في زيتون الملة [يعني بإيلياء] فكأنما دفن في السماء الدنيا… عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من مات في بيت المقدس فكأنما مات في السماء” ” ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين الشامي، 1290 ).
وفي نص غيره: ” وفي الأرض المقدسة تحشر الخلائق يوم العرض، ويبسط الله تعالى الصخرة الشريفة حتى تكون كعرض السماء والأرض؛ وتجتمع الناس هناك لفصل الحساب ” ( نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، 94).
وفي نصوص أخرى؛ نقرأ: ” عن أم سلمة قالت. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهل بحج أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ووجبت له الجنة” ( مكفرات الذنوب وموجبات الجنة، ابن البديع الشيباني، 5؛ بشارة المحبوب بتكفير الذنوب، القابوني،10 ؛ مثله أيضاً: سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين الشامي، ؛ 1289 ؛ البداية والنهاية، 937 )؛ ” من خرج إلى بيت المقدس بغير حاجة إلى الصلاة فيه فصلى فيه خمس صلوات صبحا وظهرا وعصرا ومغربا وعشاء خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، وبه من أبى يزيد قال لما خلق الله بيت المقدس حزنت! فقال لها الرب جل جلاله: ما يحزنك، وقد سميتك من حبي باسمي، أنا المقدس وأنت المقدسة؟ قالت: ربي فإذا فعلت هذا فمن أتاني فصلى في فتقبل منه، ومن سكنني فأرزقه، ومن مات في فاغفر له وارحمه، فقال لها الرب: لك ما سألت!! وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: قد سال سليمان عليه السلام ربه أن من قصد هذا المسجد لا يعنيه إلا الصلاة فيه ألا تصرف بصرك عنه ما دام مقيما فيه حتى يخرج منه، وان تخرجه من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فأعطاه الله ذلك ” ( تاج المفرق في تحلية علماء المشرق، البلوي، 48 )؛ ” وتواضعت الصخرة فشكرَ الله لها وقال هذا مقامي وموضع ميزاني وجنتي وناري ومحشر خلقي وأنا ديان يوم الدين ” ( معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1636).
من أغرب الأحاديث ذلك الوارد في السيرة الحلبية، حول عروج النبي من عند قبة المعراج؛ لأنها ببساطة لم تكن موجودة وقتها: ” عرج به من عند القبة التى يقال لها قبة المعراج من عند يمين الصخرة؛ وقد جاء صخرة بيت المقدس من صخور الجنة وفى لفظ سيدة الصخور صخرة بيت المقدس وجاء صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت النخلة آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران ينظمان سموط أهل الجنة إلى يوم القيامة … أبو بكر بن العربى: … صخرة بيت المقدس من عجائب الله تعالى فإنها صخرة قائمة شعثاء فى وسط المسجد الأقصى قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه فى أعلاها من جهة الجنوب قدم النبى صلى الله عليه وسلم حين ركب البراق وقد مالت من تلك الجهة لهيبته صلى الله عليه وسلم وفى الجهة الأخرى أصابع الملائكة التى أمسكتها لما مالت ومن تحتها المغارة التى انفصلت من كل جهة ” ( السيرة الحلبية، نور الدين الحلبي، 347 ).
يبدو أن المسلمين أخذوا عن اليهود أيضاً فكرة أن الصخرة مركز المسجد الأقصى، وشبهوا ذلك بالحجر الأسود والمسجد الحرام: ” أن الصخرة في المسجد الأقصى كالحجر الأسود في المسجد الحرام ” ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين الشامي،1290 ).
كعب الأحبار وأساطير الصخرة:
مما لاشك فيه أن الأساطير اليهودية تسللت إلى التراث الإسلامي عبر قنوات كثيرة؛ وقد وجدنا في كثير من المراجع الإسلامية روايات تتعلّق بالصخرة، مصدرها كعب الأحبار؛ بالنسبة لتاريخ الصخرة والمسجد الأقصى تنسب لكعب بعض روايات لا تخلو من رائحة الأسطورة: يروى ” أن كعبا قال: بنى سليمان بن داود بيت المقدس على أساس قديم ” ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، فضل الله العمري، 39)؛ ” وعن كعب رضي الله عنه: لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس وضع القربان في رحبة المسجد ثم قام على الصخرة … …وسأله أن لا يأتي أحد هذا البيت يصلي فيه لرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 2 ).
يرفض كعب الاسم المسيحي للقدس، إيلياء: ” عن كعب أنه قال: لاتسموا بيت المقدس إيِلياء ولكن سموه باسمه فإن إيلياءَ امرأة بنت المدينة …
وقال كعب: من زار البيت المقدس شوقأ إليه دخل الجنة، ومن صلى فيه ركعتين خرج عن ذنوبه كَيوم ولدَته أمه واعطى قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراَ، ومن تصدق فيه بدرهم كان فداءه من النار، ومن صام فيه يوماً واحداً كتبت له براءة من النار، وقال كعب: معقِل المؤمنين أيام الدجال البيت المقدس يحاصرهم فيه حتى يأكلوا أوتار قِسِيهم من الجوع فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتاَ من الصخرة؛ فيقولون: هذا صوت رجل شبعان فينظرون، فإذا عيسى ابن مريم عليه السلام؛ فإذا رآه الدجال هرب منه فيتلقاه بباب لد فيقتله ” ( معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1635)؛ وفي نص: ” سمعت كعبا يقول: مقبور بيت المقدس لا يعذب ” ( نهاية الأرب، 96 ). وفي نص آخر يعزى لكعب، نجد حديثاً عن المسجد الحرام له ما يطابقه في التراث اليهودي، لكنه هنا متعلق بهيكل سليمان: ” وعن كعب أن الكعبة بازاً عنه البيت المعمور في السماء السابعة الذي تحجه الملائكة لو وقعت منه أحجار وقعت على الكعبة وأن الجنة من السماء السابعة بازا بيت المقدس لو وقع مهنا حجر لوقع على الصخرة ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 4). يورد ابن الجوزي في الكتاب السابق أحاديث كثيرة تنسب لكعب، لها علاقة بأساطير الصخرة: ” وعن كعب قال: يقول الله تعالى في التوراة لبيت المقدس: من مات فيك فكأنما مات في السماء ومن مات حول بيت المقدس فكأنما مات فيها.وعن كعب الأحبار قال: من دفن في بيت المقدس فقد جاز الصراط. وعنه قال: مقبور بيت المقدس لا يعذب.
وعن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في موضع الموقف الذي يقف الأنبياء فيه ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وجبرائيل أمامه فاضلا له فيه ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل وحشر الله تعالى الأنبياء والمرسلين وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين والمرسلين والملائكة، ثم تقدم قدام ذلك فوضعت له مرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج إلى السماء ” ( 6 )؛ ” وعن كعب قال: باب مفتوح من السماء من أبواب الجنة ينزل من الجنات الرحمة على بيت المقدس كل صباح حتى تقوم الساعة والظل الذي ينزل على بيت المقدس شفاء من كل داء من جنان الجنة ” ( 7 )؛ وفي عمل آخر للمؤلف ذاته: ” عن كعب قال: إن الله عز وجل ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين ” ( فضائل القدس، ابن الجوزي، 4).
من أساطير الصخرة الأخرى التي تنقل عن كعب، ما أورده النويري، حيث يقال: ” وروي أيضا بسنده عن كعب، قال: إن في التوراة أنه يقول [ الله ] لصخرة بيت المقدس “أنت عرشي الأدنى ومنك ارتفعت إلى السماء، ومن تحتك بسطت الأرض وكل ما يسيل من ذروة الجبال من تحتك؛ من مات فيك فكأنما مات في السماء، ومن مات حولك فكأنما مات فيك، لا تنقضي الأيام والليالي حتى أرسل عليك نارا من السماء فتأكل آثارا أكف بني آدم وأقدامهم منك، وأرسل عليك ماء من تحت العرش فأغسلك حتى أتركك كالمرآة، وأضرب عليك سورا من غمام غلظه اثنا عشر ميلا، وسياجا من نار؛ وأجعل عليك قبة جبلتها بيدي، وأنزل فيك روحي وملائكتي يسبحون لي فيك؛ لا يدخلك أحد من ولد لآدم إلى يوم القيامة؛ فمن بر ضوء تلك القبة من بعيد، يقول: طوبى لوجه يخر فيك لله ساجدا، وأضرب عليك حائطا من نار وسياجا من الغمام،وخمسة حيطان من ياقوت ودرر وزبر جد؛أنت البيدر،وإليك المحشر،ومنك المنشر” …
ثم أتي بي إلى الصخرة فقال: من هاهنا عرج ربك إلى السماء.
عن كعب الأحبار، قال: يقول الله عز وجل لبيت المقدس: أنت عرشي الذي منك ارتفعت إلى السماء، ومنك بسطت الأرض، ومن تحتك جعلت كل ماء عذب يطلع في رؤوس الجبال.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أهل من بيت المقدس، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر…
روي عن كعب الأحبار قال: لا تقوم الساعة حتى يزور الحرام بيت المقدس، فينقادان جميعاً إلى الجنة وفيهما أهلوهما. وروي عن خالد بن معدان قال: يحشر الله الكعبة إلى الصخرة زفاً إليها زفاً، متعلقين بجميع من حج إليهما، تقول الصخرة مرحبا: بالزائرة والمزور إليها ” ( نهاية الأرب في فنون الأدب، النويري، 98).
عن خلق الكون، نجد التالي: ” عن كعب الأحبار -رضي الله تعالى عنه قال: كان البيت غثاء على الماء قبل أن يخلق الله تعالى الأرض بأربعين عاماً ومنه دحيت الأرض ” ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين الشامي، 59 )؛ و” روي عن كعب أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل باب بيت المقدس، قال: وهو أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ” ( السابق، 1235 ).
ينقل إلينا الشامي نصوصاً أخرى لا تخلو من الأسطورة: ” عن كعب الأحبار أن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء المسجد خر ساجدا شكر لله؛ وقال: “يا رب من دخله من خائف فأمنه أو من داع فاستجب له أو مستغفر فاغفر له”, فأوحى الله تعالى إليه: “إني قد أجبت لآل داود الدعاء”. قال فذبح أربعة آلاف بقرة وسبعة آلاف شاة، وصنع طعاما كثيرا ودعا بني إسرائيل إليه ” ( 1278 )؛ ” وروى أيضاً عن كعب قال: “في بيت المقدس، اليوم فيه كألف يوم والشهر فيه كألف شهر والسنة فيه كألف سنة، ومن مات فيه كأنما مات في السماء” ( 1278 )؛ ” عن كعب قال: “إن الله ينظر إلى بيت المقدس كل يوم مرتين” ” (1278 )؛ ” روى عن كعب الأحبار، أن الجنة في السماء السابعة بحيال بيت المقدس والصخرة، ولو وقع حجر منها لوقع على الصخرة ولذلك دعيت: أروى شلم، ودعيت الجنة: دار السلام ” ( 1288 )؛ “وحدثنا أن كعبا قال: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.
الحادية عشرة: يكره استقبال بيت المقدس واستدباره بالبول والغائط ولا يحرم قاله في الروض ” ( 1290 ).
” كان كعب رضي الله عنه يقول بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا ” ( تاج المفرق في تحلية علماء المشرق، البلوي، 48).
من هنا، ألا يحق لنا التساؤل عن صحة الروايات التي ربما يكون مصدرها كعب، والتي تحكي عن بعض تفاصيل ميثولوجية، تتقاطع للغاية مع مثيلاتها في التراث اليهودي: ” وعن كعب ان النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وقف البراق في موضع الموقف الذي يقف الأنبياء فيه ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وجبرائيل أمامه فاضلا له فيه ضوء كما تضيء الشمس، ثم تقدم جبريل أمامه حتى كان من شامي الصخرة، فأذن جبريل وحشر الله تعالى الأنبياء والمرسلين وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين والمرسلين والملائكة، ثم تقدم قدام ذلك فوضعت له مرقاة من فضة وهو المعراج حتى عرج إلى السماء ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 6).
ووهب بن منبه:
يهودي آخر غير كعب الأحبار، امتلأت صفحات التراث الإسلامي برواياته المتقولة عن التراث اليهودي؛ وهنا بعض منها من تلك المتعلقة بالصخرة. ” وعن وهب قال: يقول الله تعالى: الصخرة بيت المقدس فيك جنتي وناري وفيك جزائي وعقابي فطوبى عن زارك ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 4)؛ ” أتى رجل من أهل اليمن خرجت أريد هذا البيت فمررت بوهب بن منبه فقال: أين تريد? قلت: بيت المقدس. قال: إذا دخلت المسجد فأدخل الصخرة من الباب الشامي ثم تقدم إلى القبلة فإن عن يمينك عموداً أو أسطوانة، وعن يسارك عموداً وأسطوانة فأنظر بين ذلك تجد رخامة سوداء، فإنها على باب الجنة فضل فيها وأدع الله عز وجل فإن الدعاء عليها مستجاب. وعن عثمان الأنصاري أنه كان يجيء الليل بعد انصرافه من القيام في شهر رمضان على البلاطة السوداء ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 5 ) ؛ ” وعن وهب: لما كثر الشر وشهادات الزور أعطى الله تعالى لداود عليه السلام سلسلة من ذهب، وقيل من نوف لمفضل الحطاب وكانت معلقة من السماء إلى الأرض بجبال الصخرة شرقي الصخرة وهي القبة التي لقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء فيه الحور والعين ” ( تاريخ بيت المقدس، ابن الجوزي، 6 )؛ وعن وهب قال: من دفن في بيت المقدس نجا من فتنة القبر وضيقه” ( السابق )؛ ” عن وهب بن منبه قال: ” إن الله تعالى قال لصخرة بيت المقدس:… ” ( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، شمس الدين الشامي، 1290 )؛ نص آخر هام للغاية، يمكن أن يوصلنا إلى الحلقة التي ساهمت في إدخال كل هذا الكم من التراث اليهودي في مثيله الإسلامي: ” عن وهب بن منَبه؛ قال: أمر إسحاق ابنه يعقوب أن لا ينكح امرأة من الكنعانيين وأن ينكح من بنات خاله لابان بن تاهرُ بن أزر وكان مسكنه فلسطين، فتوجه إليها يعقوب وأدركه في بعض الطريق الليل فبات متوسداً حجراً فرأى فيما يرى النائم كأن سلماً منصوباً إلى باب السماءِ عند رأسه والملائكة تنزل منه وتعرج فيه؛ وأوحى الله إليه إني أنا الله لا إله إلا أنا إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وقد ورثتك هذه الأرض المقدسة وذريتك من بعدك وباركت فيك وفيهم وجعلت فيكم الكتاب والحكمة والنبوة ثم أنا معك حتى تدرك إلى هذا المكان فاجعله بيتاً تعبدني فيه أنت وذريتك؛ فيقال: إنه بيت المقدس! فبناه داود وابنه سليمان ثم أخربته الجبابرة بعد ذلك فاجتاز به شعياً وقيل عزيرعليه السلام فرآه خراباً فقال: ” أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه” البقرة: 259، كما قص عز وجل في كتابه الكريم ثم بناه من ملوك فارس يقال له كوشك وكان قد اتخذ سليمان في بيت المقدس أشياء عجيبة … وأما الأقصى فهو في طرفها الشرقي نحو القبلة أساسه من عمل داود عليه السلام … منمقة من برا وداخل بالفسيفساء مطبقة بالرخام الملون قائم ومسطح وفي وسط هذا الرخام قبة أخرى وهي قبة الصخرة التي تزار وعلى طرفها أثر قدم النبي صلى الله عليه وسلم ” ( معجم البلدان، ياقوت الحموي، 1636). ويضيف المطهر بن طاهر المقدسي إلى النص السابق عن وهب: ” وخربه [ الهيكل ] بخت نصر فأوحى الله عز وجل إلى كوشك ملك من ملوك فارس فعمرها ثم خربها ططس الرومي الملعون فلم يزل خرابا إلى أن قام الإسلام وعمره عمر بن الخطاب (رض) ثم معاوية بن أبي سفيان وبه بايعوه للخلافة ” ( البدء والتاريخ، المطهر بن طاهر المقدسي، 212 ).
الحقائق: نهاية البحث الأول
بعد هذا العرض التفصيلي للأساطير المتعلقة بقبة الصخرة ومسجدها الأقصى، نحاول الآن العودة إلى الحقائق، وإن باختصار شديد، ومن الجملة الأخيرة، وبه بايعوه للخلافة، ننطلق.
يوم مات النبي محمد عام 632، لم يكن ثمة مسجد أقصى لا في القدس ولا في غيرها. كانت إيلياء مدينة يحتلها المسيحيون. كذلك لا يوجد ذكر للقدس في القرآن بالاسم، وكل ما قيل إنه إشارة لهذه المدينة جاء بعد موت النبي بزمن طويل، ولا نعتقد إلا أنه إضافات يهودية من أجل بعث الروح في مدينتهم المقدسة. إذن، لماذا تمت البيعة لمعاوية في القدس، وليس في دمشق أو مدينة أخرى من مدن الحجاز، ومن الذي بايعه، إن تذكرنا أن الوجود اليهودي في المدينة وقتها ضعيف للغاية؟
يقول كتّاب متأخرون إن محمداً صعد إلى السماء من المسجد الأقصى؛ لكن الحقيقة هي أنه في التاريخ الذي زعم فيه هؤلاء صعود محمد، كان يقوم في المكان الذي حددوه للصعود كنيسة بيزنطية كبيرة للغاية، مسماة على اسم القديسة مريم وتنسب ليوستنيانوس. وهذا المكان المسيحي الديني كان يمتد في الواقع من شمال المدينة إلى جنوبها، وكان يتخللها رواق ينتهي ببوابة دمشق. وكان إنشاء الكنيسة يوم 21 تشرين الثاني 543.
من أجل المراجع اليهودية؛ أنظر رسائل التلمود: (Suk. 57b), (Hag. ii. 8), (Mid. iv. 6; B. B. 3a, (Yoma 21b), (Yer. Sheḳ. vi. 1), (Soṭah 9a), (Yer. Sheḳ. vi. 2; Yoma 54a), (Yoma 9b), (Suk. iii. 12), (B. B. 60b).
راجع أيضاً:
HAMPTON ROADS PUBLISHING COMPANY, INC.
1125 Stoney Ridge Road; Charlottesville, VA 22902. THE GALAXY ON EARTH: A TRAVELER’S GUIDE TO THE PLANET’S VISIONARY GEOGRAPHY.
Dr. Manfred R. Lehmann, writer for the Algemeiner Journal. Excerpts of the article originally published in the Algemeiner Journal, August 19, 1994.
نبيل فياض