موجز لكتاب النظرة العلمية ل برتراند رسل !
مقدمة
الذي يعنينا اليوم بشأن العلم ,هو أنّ أثرهُ سيبقى مُطرّد في أفكارنا وآمالنا وعاداتنا (على الأقل في حالة الشعوب الناهضة) .
وعلى الأرجح سوف يستمر هذا الأثر في التزايد لعدّة قرون اُخرى على الأقل .
وسوف يتسع الفارق بين أؤلئك الذين يتبعون الأوهام والخرافات في حياتهم ,مقابل الذين يتبعون الطرق العلمية في التفكير والسلوك والعمل !
نحنُ جميعاً نعلم أنّ رجال الدين يخشون العِلم في جميع مجالات الحياة .
لكن أكثر ما يخشوه هو تقدّم العِلم في مجال الجسم البشري !
كونهم يُصدمون دوماً بحقائق جديدة عن كون هذا الجسم هو محض آلة تخضع تمام الخضوع لقواعد الطبيعة والكيمياء !
بالطبع رجال الدين تهّمهم الروح بالدرجة الأولى ,ولا يهمّهم الجسد تقريباً
ماعدا جلدهِ وتعذيبهِ عند بعض الطوائف الدينية .
( ذكرتُ الجملة الأخيرة كوني اُشاهد الآن على الشاشة خبر عن جريمة داعشية لتفجير الشيعة المحتفلين بمقتل الحُسين جلداً لأنفسهم / معناها هم يجلدون أنفسهم والداعشيّون يكملون عليهم بتفجيرهم ..أيّ حياة هذه ؟)
الروح حسب ظنّ رجال الدين ,هي صلة الربط بين الواقع على الأرض وهو جسم الإنسان ,وبين الإله في السماء ,الذي سيحاسب ذلك الإنسان لاحقاً !
وبما أنّهُ لم يتوفر دليل علمي واحد الى يومنا ,على وجود الروح
فسوف يبقى كلّ رجل دين ,قلق مُغرغر مُقرقر ينظر إلينا بريبة وشكّ !
***
هذا الكتاب الذي نحنُ بصدده للفيلسوف وعالم المنطق والرياضيات والناقد الإجتماعي الإنكليزي برتراند رسل ( توفي 1970 عن 97 عام )
يوّضح بما لايقبل الشكّ والجدل بأنّ طريق الأديان الى إنسداد ,
بينما طريق العِلم الى إنفتاح وإتساع في الأفق الى ما لانهاية !
والآن سأنقل لكم بعض السطور من هذا الكتاب الرائع !
***
ص 7
القوة الجديدة التي يخلقها العلم داخل الإنسان تكون خيّرة ونافعة بقدر الحكمة التي يتميّز بها ذلك الإنسان .
إنّما تكون تلك القوّة شريرة ومُدمّرة بقدر (الحمق) الكامن داخل الإنسان .
والحكمة هنا تعني الإدراك السليم لغايات الحياة !
نعم زيادة العلم هي واحدة من مقوّمات الرُقيّ ,لكنّها لا تكفي لوحدها لتحقيق رُقيّ صادق فعّال .
حُبّ الحياة وإحترام حياة الآخرين هو شرط أساس للإستفادة من العِلم !
***
المعرفة العلمية
ص 11 / الفصل الأول / امثلة على الطريقة العلمية
غاليلو !
لئن بدت الطريقة العلمية مُعقدة في شكلها النهائي المُهذّب ,فهي في جوهرها غاية في البساطة !
إنّها تتلخص في ملاحظة الباحث لثمّة حقائق تُمكنه من إكتشاف قوانين عامة ,تسري على حقائق من نفس النوع !
فالمرحلتان هما :
1/ الملاحظة .
2 / إستنتاج القانون .
مع ذلك تبقى الطريقة العلمية رغم بساطة روحها عَصيّة على الإكتساب إلاّ بمشقةٍ بالغة .
ولايزال مستخدميها هم قلّة من الناس ,وهذه القلّة تقصر إستخدام الطريقة العلمية على قلّة من المسائل التي تحكم عليها !
***
ص 13
في العالم الحديث هناك قدر ضخم من المعلومات المُمحصة علمياً في كلّ نواحي المعرفة .هذه المعلومات يقبلها رجل الشارع العادي مطمئناً دون الحاجة للتردّد ,كونه يؤمن بالعلم ويثق بإنجازات العلماء والخبراء الذين توّصلوا إليها , بسبب تجاربه السابقة .
هذا يكفيه بالطبع عن محاولة تكرار عمل الخبراء بنفسه !
***
ص 29
لم يكن الصِدام بين غاليلو غاليلي ومحكمة التفتيش ,مُجرد صِدام بين الفكر الحُرّ والتعصب ,أو بين العلمِ والدين !
لقد كان صِداماً بين روح الإستقراء .. وروح القياس !
فالمؤمنون بالقياس من حيث هو طريق المعرفة ,مضطرون لأن يجدوا مقدماتهم في مكانٍ ما .وهم يجدونها عادةً في الكتب المقدّسة .
والقياس المبني على (الكُتب المُلهمة) هو طريق الوصول الى الحقيقة عند المُشرّعين المسيحيين والمسلمين والشيوعيين !
ولمّا كان القياس من حيث هو وسيلة الحصول على المَعرِفة ,لذا فمن الطبيعي أن يتداعى بُنيانه إذا اُلقيّ الشّك على مقدماته !
لذلك كان لابدّ أن يحنقَ المؤمنون بالقياس على مَنْ يشّك في صحة الكتب المقدسة !
***
ص 30
لقد إعتادت مدرسة خاصة من علماء الإجتماع أن تُقلّل من أهميّة الذكاء
وأن تنسب كلّ الأحداث الكُبرى الى عِلل عُظمى غير شخصية .
وإنّي لأعتقدُ أنّ هذا وهماً وضلالاً !
و أعتقد أنّ العالَم الحديث ما كان ليوجد لو أنّ مائة من رجال القرن السابع عشر قد قُتلوا في طفولتهم .وعلى رأس هؤلاء غاليلو !
***
ص 37
كان على (تشارلس داروين) ككل مُجدّد في العلم أنْ يُحارب يقين الناس بأرسطو !
فأرسطو (كما ينبغي أن يُقال) كان من الكوارث الكبرى التي نزلت بالبشر فقد ظلّ تعليم المنطق في معظم الجامعات حتى يومنا هذا مليئاً باللغو الذي مردّهُ الى أرسطو !
كان رأي علماء الأحياء قبل داروين أنّ في السماء قطّاً مثالياً وكلباً مثالياً وهكذا ,فالقطط والكلاب الواقعية إن هي إلاّ صور غير دقيقة لهذه النماذج السماوية .وأنّ كلّ نوع يقابل صورة في عقلِ الله ,تُخالف الصورة التي تقابل غيره .
لذلك فلا يمكن أن يحدث ثمّة إنتقال من نوعٍ لآخر ,لأنّ كلّ نوع قد نتجَ عن عمل مستقل من أعمال الخلق !
***
ص 39
إنّ عملَ داروين (وإنْ إحتاجَ الى التصحيح في مواطن كثيرة)
إلاّ أنّه يصلح مثالاً لما هو ضروري في الطريقة العلميّة !
أعني إحلال القوانين العامة المُقامة على المُشاهدة محل القصص الخرافية التي يتمثّل فيها وهم من أوهام تحقيق الرغبة !
إنّ الناس ليشّق عليهم (في كلّ الميادين) ,أن يُقيموا آرائهم على البراهين بدل الآمال !
فإذا اُتهّمَ جارهم بمجافاة الفضيلة .. صدّقوا التهمة وكاد يستحيل عليهم الإنتظار حتى تثبت !
وإذا شنّوا حرباً ,إعتقد كلّ فريق من المتحاربين أنّه على ثقة من النصر !
وإذا قامر الإنسان ببعض المال على فرس رهان ,خُيّل له غالباً أنّه من الفائزين !
وإذا تأمّل المرء نفسه ,إقتنع أنّه إنسان مُهذّب له روحاً خالدة !
في الواقع قد يكون الأساس الموضوعي لكلّ تلك المعتقدات بالغ الضآلة .
لكن رغباتنا تجرفنا للتصديق بتلك المعتقدات جرفاً لا يكاد يُقاوَم !
أمّا الطريقة العلميّة , فتُلقي برغباتنا جانباً ,وتحاول الوصول الى ثمّة آراء لم يكن للرغبات فيها من أثر !
وللطريقة العلمية مزايا عَمَلية بطبيعة الحال ,وإلاّ ما إستطاعت أن تشّقَ طريقها في عالم الوهم !
فالذي يُصدر تذاكر الرهان علمي ويجمع ثروة .
إنّما المُراهن العادي غير علمي ونصيبه الفقر غالباً !
وكذلك فإنّ الإيمان بأنّ للناس أرواحاً قد أثمرَ طريقة لترقية البشر ,لم يُشاهد لها حتى الآن أيّ نتيجة طيّبة رغم بهاضة الجهد والنفقة !
على العكس من ذلك يغلب على الظنّ أنّ الدراسة العلمية للحياة والجسم والعقل البشري ,ستمنحنا المقدرة على إحداث تقدّم يفوق أحلامنا السابقة في صحّة الإنسان العادي وذكائهِ وفضيلتهِ !
***
ص 40
لقد أخطأ داروين بخصوص قوانين الوراثة ,فغيّرتها نظرية مندل تغييراً كليّاً !
كذلك لم يكن لهُ رأياً في التصنيف ,حيث كان يعتقد أنّه أصغر وأكثر تدرّجاً ممّا إتضح أنّه الواقع في بعض الحالات .
لقد ذهبَ عُلماء الأحياء المُحدثون بعده أشواطاً بعيدة في تلك الجوانب ,
لكنّهم ماكانوا بالغين مابلغوه, لولا دفْعُ عملهِ لهم وتحفيزهِ إيّاهم !
وكانت ضخامة بُحوثه ضرورية لإقناع الناس بأهميّة نظرية التطوّر وضرورتها !
***
بافلوف / عالم وظائف الأعضاء الروسي ,ص 40
إنّ كلّ مرحلة من مراحل زحف العلم الى ميادين جديدة تُثير مقاومة تشبه في نوعها تلك التي ثارت في وجه غاليلو .وإن كانت المقاومة تخّف حدّتها بالتدريج .
كان التقليديّون المتزمتون يحلمون بإكتشاف ميدان لا تصلح له الطريقة العلمية .
فهم بعد نيوتن قد تركوا الأجرامَ السماوية يائسين !
وبعد داروين إعترف معظمهم بنظرية التطوّر العامة !
وإن ظلّوا حتى الآن يرون أنّ طريق التطوّر لم تتحكم فيه قوىً آليّة .
إنّما تتحكم فيه غاية تنظر الى الأمام !
فالدودة الشريطية (حسبَ رأيهم) قد صارت الى صورتها الحالية ,
لا لأنّها ما كانت لتستطيع العيش في أمعاء الإنسان لولا ذلك التحوّل,
بل لأنّها تُحقّق صورة مرسومة في السماء ,هي جزء من العقل الإلهي !
***
ص 42
وُلِدَ العالِم الروسي بافلوف عام 1849 ,قضى جُلَّ حياته يختبر سلوك الكلاب .وإن كان هذا توّسعاً في القول يُجاوز الواقع !
فقد إنحصرَ عمل بافلوف في ملاحظة لُعاب الكلاب متى وبأيّ قدرٍ يسيل !
وفي هذا تتمثّل إحدى الخصائص العظمى للطريقة العلميّة التي تميّزها عن طُرق الميتافيزيقيين أو اللاهوتيين .
فرجل العِلم إنّما يبحث عن الحقائق ذات المغزى من حيث تأديتها الى قوانين عامة .وتكون هذه الحقائق خالية غالباً من الأهميّة الذاتيّة .
ولو اُتيح لرجل غير علمي (رجل دين مثلاً) أن يَعلم مايجري في معمل أو مختبر شهير ,لكان أوّل مايخطر في ذهنهِ أنّ كلّ الباحثين يُضيّعون وقتهم في سفاسف الأمور !
ولكن الحقائق التي تُنير العقل يغلب عليها أن تكون في ذاتها تافهة قليلة القيمة .وهذا أصدق مايكون على ما شُغِلَ به بافلوف ,أقصد سيلان لُعاب الكلاب !
فقد وصلَ عن طريق دراستهِ تلك الى قوانين عامة تحكمُ شطراً كبيراً من سلوك الحيوان وسلوك البشر أيضاً !
***
ص 43
على هذا النحو جرى بحث بافلوف !
إنّ كلّ إنسان يعلم أن لعاب الكلب يسيل عند رؤيته لشريحة من اللحم .
وضعَ بافلوف أنبوبة في فم الكلب ليتسنى لهُ قياس كميّة اللُعاب المُسال .
لكن سيلان اللعاب حينما يكون في الفمِ طعاماً هو مايُسمى بالفعل المنعكس
أيّ الذي يحدث تلقائياً دون داعٍ لتجارب لقياسه !
توجد (أفعال منعكسة) كثيرة ,بعضها مُحدّد جداً والبعض الآخر أقلّ تحديداً
ويمكن دراسة بعض تلك الأفعال في سلوك الطفل الحديث الولادة .
مع أنّ بعضها ينشأ في مراحل النمو .
فالطفل يعطس ويتثاءب وينبسط ويرضع ويدير عينيه للنور الساطع , ويقوم بحركات جسمية اُخرى في الفرصة المناسبة دون الحاجة الى شيء من سابق تعليم .
هذه الأعمال أسماها بافلوف (الأفعال المنعكسة) .. وهي ذاتها التي كانت تدعى قبل ذلك بإسم مبهم بعض الشيء .. الغريزة !
***
الخلاصة :
كلّ شيء في حياتنا ,كلّ حركة كلّ سكنة كلّ فعل وردّ فعل يمكن تفسيره علميّاً عندما نراقبه ونقيسه ونسجّل ملاحظاتنا العلمية عنه !
هذا هو الطريق العام للعلم !
معناها خطوة خطوة ,لا وجود لليقين الدائم ,لا توجد لحظة علمية خارقة فاصلة تُغيّر مسار الحياة والكون فجأةً !
على العكس من ذلك هو طريق الأديان !
كلّ شيء (بما فيها الأفعال البشرية الخيّرة والشريرةوحتى التافهة) مُقدّر ومكتوب منذ الأزل في كتاب معلوم . ولا مُبدّل لإرادة الكاتب الذي كتبها وهو الله ذاته !
لكن في ساعة الحرج ,يقول رجال الدين : (أنتَ مُسيّر ولستَ مُخيّر) ,
أو شيء من هذا القبيل ليداروا به فشلهم الذريع في تفسير أعمالنا وحياتنا .
والآن .. هل تشعرون بالفارق بين القراءة العلمية والقراءة الصفراء ؟
تحياتي لكم
رعد الحافظ
4 نوفمبر 2014