فايز سارة
يتوالى نشر سيناريوهات الحرب على تنظيم «داعش»، وتجري نقاشات في تلك السيناريوهات وحولها، تصحيحا وتصويبا أو معارضة ورفضا بالاستناد إلى مواقف المتدخلين بالموضوع ورؤيتهم، التي تختلط فيها الآيديولوجيا بالسياسة، وينسج على أساسها موقف الأفراد أو الجماعات والدول، وكلها أمور طبيعية، تجري في الحياة، كما تجري أمور غيرها.
السيناريو العام للحرب ضد «داعش» يقوم على فكرة توجيه ضربات جوية وصاروخية لمقرات وتجمعات وقيادات التنظيم، بهدف تدمير قدراته البشرية والمادية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه دون عمليات تقوم بها قوات على الأرض، يفترض أنها سوف تتولى عمليات تنظيف المناطق المستهدفة من بقايا التنظيم، مما يضمن تصفية «داعش» ومنعه من إعادة تنظيم بقاياه واستعادة زمام المبادرة في انطلاقة جديدة قد تكون أخطر من انطلاقته الأخيرة.
ووفق السيناريو العام، فإن طائرات وسفنا بحرية من الدول المتحالفة، لا سيما الولايات المتحدة، ستقوم بمهمة القصف الجوي والصاروخي للأهداف المتعلقة بالتنظيم. أما في موضوع الحرب على الأرض، فإن المهمة الأساسية ستقوم بها غالبا تشكيلات سورية مسلحة أعلنت التزامها المسبق بمحاربة «داعش»، خاصة أن بعض هذه التشكيلات كانت قد اشتبكت مع التنظيم مرات عديدة في العام الماضي، كما هي حال «أحرار الشام»، التي ولد «داعش» في أحضانها بالرقة العام الماضي، وقد أعلن الأخير مسؤوليته عن اغتيال معظم قادة الحركة في التفجير الأخير في بلدة رام حمدان بإدلب قبل أيام.
ورغم أن ثمة ملاحظات تحيط بالسيناريو السابق من حيث أهدافه ومجرياته ونتائجه، وبالتالي قدرته على تحقيق أهدافه في الحرب على الإرهاب والتطرف، فإن أهم ما يمكن أن يكون من ملاحظات، هو أن السيناريو لا يأخذ بعين الاعتبار البيئة المحلية التي تجري فيها تلك الحرب، وهذا يعني أن أهداف تلك الحرب لن تتحقق إلا بصورة جزئية خاصة لجهة مزيد من القتل الذي سيصيب «داعش» وغيره دون أن يستثني المدنيين ممن يقيمون بالقرب من معسكرات وتجمعات وقيادات التنظيم، وبينهم كثير من المعارضين والمختلفين معه، كما هو الوضع في مدينة الرقة التي صارت مقر الإمارة غصبا ورغما عن أكثرية سكانها.
وتتمثل البيئة المحيطة في 3 قضايا أساسية؛ أول هذه القضايا أن الحرب على «داعش» لا يمكن أن تنفصل عن الحرب على نظام الأسد، ليس لأن هناك علاقات ظاهرة أو مبطنة بين الطرفين، فهذه بحاجة إلى إثباتات مادية صلبة، يصعب توفيرها خارج التحليل والتقدير، بل لأن نظام الأسد كان سببا رئيسيا في انطلاق التطرف والإرهاب من خلال سياساته وممارساته وعنفه قتلا وتدميرا وتهجيرا، وكلها كانت عوامل تقوية وتصليب للعنف المضاد أو العنف المقارب، ولأنه ما لم يضرب المولد الحقيقي للإرهاب والتطرف والعنف، فإن ضرب بعض نتائجه لن تكون له جدوى ونتائج حقيقية وعملية، وبقاء النظام على ما هو عليه سوف يساهم في خلق «داعش» آخر؛ وإن انتهى «داعش» الحالي كليا.
والقضية الثانية أنه ينبغي الفصل بين التنظيم ومحيطه المنظم والشعبي في آن معا، خاصة في موضوعين أساسيين؛ أولهما التركيز على ألا تصيب الضربات الجوية والصاروخية المحيطين بـ«داعش»، لأن ذلك سوف يصيب أبرياء ويسبب غضبا وتعاطفا مع الضحايا الذين سيكون أغلبهم من غير التنظيم، والثاني أنه ينبغي، وبالتوازي مع عقاب «داعش» لما هو عليه وفيه، مكافأة الآخرين في محيطه من خلال البدء في تقديم مساعدات معيشية لهم، خاصة في مجال الإغاثة الطبية والغذائية، مما يساعدهم في التغلب على ظروف الحرب وتجاوزها إلى حال أحسن.
أما القضية الثالثة، وهي الأهم لأن للقضيتين السابقتين طابعا لحظيا يتعلق بموضوع الحرب ومحتواها، فتتعلق بمستقبل سوريا والسوريين، بمعنى أنه ينبغي أن يترافق مع الحرب على الإرهاب والتطرف، طرح مشروع تسوية للقضية السورية وإخراجها من الوضع القائم، ولئن كان الموضوع صعبا كما يقول البعض، فإن تحرك المجتمع الدولي على نحو ما ظهر في الأمم المتحدة وقيام تحالف دولي ضد «داعش» ينسف فكرة صعوبة الحل، إذا توفرت إرادة دولية كما ثبت، خاصة أن لدى العالم أسسا موحدة كان قد جرى التوافق عليها في محتويات «جنيف 2»، والتي عقد مؤتمر على أساسها قبل أشهر، لكن تراخي المجتمع الدولي وعنجهية النظام أفشلته، وكلاهما طرأت عليه تغييرات ملموسة في اللحظة الراهنة.
خلاصة القول أنه، ومن أجل نجاح الحرب على الإرهاب والتطرف الذي يمثله «داعش»، لا بد أن تشمل الحرب نظام الأسد لأنه لا يقل إرهابا وتطرفا، وهو الذي ولد الظاهرة، كما أن من الواجب ألا تصيب تلك الحرب الأبرياء وتلحق بهم أضرارا فيما يتعلق بإغاثتهم الصحية والغذائية على الأقل، وأن الحرب ينبغي أن تترافق مع طرح مشروع جدي لتسوية القضية السورية يأخذ البلاد إلى سلام وحرية وعدالة بعد كل ما عانته من قتل وتدمير وتهجير. ودون أن يعالج القائمون بالحرب تلك البيئة المحيطة بها، فإنها ستكون مجرد فصل جديد من العنف الذي انطلق في سوريا قبل 3 سنوات ونصف وما زال مستمرا.
نقلا عن الشرق الاوسط