أثار انتباهي حديث أجرته «زمان الوصل» قبل شهرين مع الصديق العزيز الأستاذ حسن عبد العظيم منسق هيئة التنسيق في دمشق، عبّر فيه عن جملة أشياء مهمة كالدعوة إلى عقد لقاء تشاوري يسبق «جنيف3» – إن كان سيتم عقد «جنيف3» في مدى منظور (الملاحظة من عندي) – يجري خلاله توافق على موقف موحد للمعارضة، وخطة تفاوضية… إلخ، وروى قصة اللقاءات التي تمت في القاهرة بينه وبين السيد أحمد الجربا رئيس «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السياسية»، وترأسه ووفد من الائتلاف، عقب لقاء جنيف الأول. وقد توقفت عند حديث الأستاذ عن إدارة الحكم الذاتي المؤقتة في مناطق من الجزيرة، التي كرر حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي» الإعلان عنها، ولفتني قوله: إن الهيئة قررت إجراء حوار مع الحزب حول ما يقوم به، في ضوء وثائقها، كأن وثائقها أكثر أهمية مما يجري على الأرض من وقائع وأحداث تتخطاها إن لم أقل إنها تنسفها، أو كأن الحزب يترجم وثائق الهيئة إلى وقائع من خلال سياساته، أو يلتزم بها فيما يتخذه من خطوات!
قال المناضل والصديق العزيز، في حديثه عن مفاوضات جنيف، بالحرف: «… كان على الوفد – وفد الائتلاف – أن يبدأ بأولوية وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين والأسرى والمخطوفين، وتسهيل مرور الإغاثة بأنواعها للمناطق المحاصرة كخطوات تمهد لتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، وذلك وفق بنود جنيف». يعرف الأستاذ حسن أن الخلاف الرئيس في جنيف كان حول الأولويات، فقد أراد وفد النظام البدء بوقف إطلاق النار ومحاربة الإرهاب، متذرعا بتطبيق بنود جنيف الستة واحدا بعد آخر، على أن يكون آخرها تشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية. بينما دعا وفد المعارضة للبدء بتشكيل الهيئة برضا الطرفين، لأن قرار مجلس الأمن رقم 2118 يقول إنها ستتولى إقامة أجواء محايدة تنقل سوريا إلى النظام الديمقراطي. وفي حين رفض وفد السلطة البدء بتشكيل الهيئة، وافق وفدنا على وقف إطلاق النار ومكافحة الإرهاب وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بالتظاهر السلمي… إلخ من قبل الهيئة وبرضا الطرفين، لأن تحقيق هذه البنود هو الذي سيؤسس البيئة المحايدة الضرورية للانتقال إلى الديمقراطية، بينما لن يفضي وقف إطلاق النار الذي يركز على مكافحة الإرهاب إلى ذلك.
ثمة نقطتان مهمتان هنا؛ هما:
– اختلف الأميركيون والروس على بنود جنيف واحد وأولوياتها، ثم اتفقوا على آلية لتطبيقه حددوها في القرار 2118، الذي يجب أن يعتمد مرجعية وحيدة، لانفراده بتقديم هذه الآلية، ولأنه يعد ملزما بنصه الصريح للطرفين. ماذا تقول آلية القرار 2118 المعتمدة من مجلس الأمن بالإجماع، بما في ذلك من روسيا؟ إنها تقول بتطبيق فوري وشامل لجنيف واحد بدءا بتشكيل الهيئة الحاكمة الانتقالية، التي ستتولى تطبيق بنود مبادرة كوفي عنان الستة بمختلف تفاصيلها ومسمياتها.
– اتبع النظام عن عمد نهجا معاكسا للقرار 2118، قام على وقف إطلاق نار مفصول عن المرحلة الانتقالية، أي عن الجانب السياسي من الحل، يكتفي بضم جهود المعارضة والنظام لمحاربة الإرهاب، ومن ثم لحرب لا يعرف أحد متى تنتهي، ومن سيكونون خصوم النظام خلالها – للعلم: اتهم المعارضة طيلة الوقت بأنها مجموعة تنظيمات إرهابية – وما هي نتائجها العسكرية والسياسية، وفي أي إطار عربي وإقليمي ودولي ستنضوي. بنى وفد النظام موقفه من أي حل سياسي على قبول فهمه للأزمة باعتبارها محض معركة أمنية بينه وبين الإرهاب، الوافد من الدول الخليجية وتركيا… إلخ، ورهن استتباب الأمن والسلام وقبول حل سياسي بانضمامنا إليه وقتالنا إلى جانبه ضد إرهاب نحن جزء منه. لا داعي للقول: إن هدفه هو استمرار إطلاق النار وليس وقفه، وتحويلنا إلى شبيحة يساعدونه على إنجاز حله الأمني، كي ترجع الأمور إلى سابق عهدها وتنتهي الأزمة، دون أن يقع أي تغيير سياسي باستثناء دخول عضوين أو ثلاثة من المعارضة إلى الحكومة، التي ستسمى انتقالية.
فاجأني أن الأستاذ حسن قدم تصورا للحل يتفق في أولوياته مع تصور النظام. أنا أعلم أنه يريد إحلال نظام ديمقراطي محل النظام الحالي، واثق بأنه لا يقبل الإبقاء على الأسدية، لكنني أعتقد في الوقت نفسه أننا لن نصل إلى النظام البديل عبر أولويات خاطئة، تتعارض نصا وروحا مع نص القرار 2118 وآليته المعتمدة دوليا والإلزامية. وأظن أن الترتيب الذي قدمه النظام للتفاوض لن يوقف الحل الأمني، وأنه يفصل وقف إطلاق النار عن أي بعد سياسي أو هدف ديمقراطي للحل الذي اعتمدته وثيقة جنيف واحد والقرار 2118 ودعوة بان كي مون إلى عقد المؤتمر، ولن يفضي إلى وقف الصراع الدامي الذي فرضته الأسدية على الشعب، وإلى ترحيلها.
نعم، لا بد من اتفاق على موقف موحد وخطة تفاوض، ولقاء تشاوري يعزز وحدتنا ويحجم خلافاتنا، ويحول وفد الائتلاف إلى وفد وطني يمثل السوريين جميعا، وبكل معنى الكلمة، إلا أنه لا بد أيضا من حوار يضبط خلافاتنا ويحدد مواقفنا ويقربها بعضها من بعض!
نقلا عن الشرق الاوسط