معركه في سياتل

د. ميسون البياتي

Seattle

( معركة في سياتل ) فلم سينمائي من إنتاج عام 2007 قام بإخراجه وكتابة السيناريو الفنان الآيرلندي الشاب ( ستيوارت طاوزند ) . يعتمد الفلم على قصة حقيقية وقعت لمدة خمسة أيام أواخر عام 1999 في سياتل حين قام آلاف المحتجين بمحاصرة بناية أمريكية تقرر أن يعقد فيها الإجتماع الوزاري لعدد من كبار العاملين في منظمة التجارة العالمية
قام المحتجون بإتهام المنظمة بأنها سبب الجوع والمشاكل الإقتصادية والمرض والموت الجماعي في العالم , وأنها لا تحل مشاكل البشرية بل على العكس تزيد تعقيدها
كانت المظاهرة سلمية , ولم يستعمل فيها المحتجون العنف , لكن شرطة الدولة صاحبة الديموقراطية رقم واحد في العالم , ولكي تنال من المحتجين , فقد زجت بينهم مجموعة من مرتكبي الشغب , والقائمين بالعنف والسرقة
ثم قامت بمحاصرة المكان وأطلقت الأعيرة النارية والبلاستيكية .. وإستعملت الهراوات والغازات المسيلة للدموع , وإقتادت الكثير من المحتجين الى المعتقلات
طبعا نحن لا نسمع بمثل هذه الأحداث , لأن ال ( سي إن إن ) و ( بي بي سي ) أو غيرها من الوكالات الخبرية التي تقود العالم من أذنيه .. لا تتحدث عن هكذا ( أمور تافهة ) حين تقع في الغرب , لكن إذا تعارك عشرة حمّالين في سوق الشورجة أو الغورية أو الحميدية , ترى مراسلي هذه الوكالات يتراكضون في كل الإتجاهات , وتتم الإتصالات عبر الستلايت بمختلف المحللين حول العالم لمعرفة النتائج المتوقعة لهذه المعركة المفصلية ومحاولة النزول على أسبابها الحقيقية .. هل كان بسبب نقل صناديق مشمش يابس أم أكياس عدس .
المهم تهيأ للعالم السينارست والمخرج الشاب ستيوارت طاوزند ( مواليد 1972 ) ليكتب ويخرج من هذه الحكاية , فلماً يدين به منظمة التجارة العالمية , والديموقراطية الغربية , والإعلام الغربي الذي كان يأتمر بأوامر الشرطة التي تحاول تصوير المحتجين المسالمين على أنهم سّراق وقطّاع طرق . وقد عرض الفلم لأول مرة يوم 22 مايس 2008 في مهرجان سياتل للأفلام السينمائية , كدليل على ديموقراطية الدولة ورحابة صدرها .. ولكن إنتظروا لنرى كيف إستقبل الفلم من قبل النقاد والصحافة
رغم أن الفلم يعتمد على أحداث حقيقية حتى ليكاد يكون فلما وثائقياً , إلا أنه إعتمد على الممثلين أيضا , أما مشاهد الفلم فتم تصويرها في كندا والولايات المتحدة الأمريكية . في كندا تم إختيار مقاطعتي ( كولومبيا البريطانية ) و ( فانكوفر ) للتصوير في مواقع مثل : جامعة كولومبيا البريطانية , منطقة كرينفيل سكوير , وعتبة مكتبة فانكوفر العامة
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد تم التصوير في العاصمة الثانية واشنطون , إضافة للتصوير في سياتل نفسها .. المهم بعد إنتهاء الفلم تم عرضه لأول مرة كما قلنا في مهرجان سياتل السينمائي .. فكيف تم إستقبال الفلم ؟
تلقى الفلم ردود فعل متباينة من النقاد ، حيث حصل على 52 ٪ من الأصوات المؤيدة في الإستفتاء الذي أجراه موقع (( Rottentomatoes.com )) يستمد الموقع إسمه من البيض الفاسد والطماطة الخايسة التي يُرشَق بها الممثلون المسرحيون في العروض السيئة .. وكان هناك توافق كبير بين آراء المشتركين في الإستفتاء أن الفيلم ، وعلى الرغم من نيته الحسنة وعاطفيته ، إلا أنه ليس فلما بسيطا لأنه يحمل نقداً سياسياً حاداً
وفي حين إعتبرت مجلة ( نيويورك ) الفيلم بأنه (( إنتصار )) نظرا لسياستها الناقدة للسياسة الأمريكية … كما أن الناقد السينمائي ( روجر إيبرت ) الذي يكتب في صحيفة ( شيكاغو صن تايمز ) كان قد أعطى الفلم 3 نجوم على مؤشر مكون من 4 نجوم ووصف الفلم بأنه ليس فلما وثائقيا صرفا , ولا هو في نفس الوقت فلم درامي , بل يجمع بين الأسلوبين … فإن الموقع الألكتروني ( إي دبليو . كوم ) إعتبر الفلم : فلما تلفزيونيا سيئا أُخذ موضوعه عن المظاهرات المحتجة التي { حصلت وإنتهت } عام 1999 ضد قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل , خلق منها ستيوارت طاوزند وبشكل عاطفي .. شيئا مذهلا
أما الموقع الألكتروني (Anarkismo.net ) فقد ذكر بأن الفلم تجاهل التنوع في الفكر والاستراتيجية داخل الجماعات الأناركيه التي شاركت في الإحتجاج ، وعرض عوضا عن تعدديتها كتلة أحادية الأبعاد ، كاريكاتيرية ومثيرة وناقصة الفهم لمعنى الأناركيه ، ولا تختلف كثيرا عما يعرض ويقال عن الأناركيه في وسائل الإعلام الجاهلة

رغم أن ستيوارت طاوزند كان قد كتب سيناريو الفلم وأخرجه , بنية الإحتجاج على ما وقع من ظلم بحق الجماعات المحتجة من قبل الحكومة وعلى أيدي الشرطة .. إلا أن بعض تلك الجماعات مثل جماعة ( CrimethInc ) إحتجت على الفلم لأنه من وجهة نظرها قدَّم صورة مغايرة للأحداث

ففي نشرة بعنوان ( وماذا عن الغد؟ ) ذكرت الجماعة بأن الفلم قدَّم إنتفاضتها على أنها إنتفاضة عفوية معزولة وغير منظمة , تداخلت معها مجموعة صغيرة من المتطرفين , من ( أناركية الكتلة السوداء ) في حين أن المنظمة في الحقيقة تشارك في كل النشاطات الإجتماعية والسياسية وتتبع تكتيكات فوضوية للعمل , ولم تتحرك عفويا ضد قمة منظمة التجارة العالمية في سياتل عام 1999 .
مثل كل الأفلام ذات الفكر الهادف والإحتجاجي أو الثوري , فهذا الفلم لن يلقى الدعم بالإعلان أو التوزيع أو العرض مثلما يحصل مع الأفلام التجارية .. هذه نسخة إعلان الفلم التي يمكن التعرف من خلالها على طبيعة احداث الفلم

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.