كُتب الكثير عن صباح، وأكثره يحمل شعوراً بالذنب. فمعظمنا لم يقدرها في حياتها مقدار ما تستحق. وبعض ذلك ذنبها هي. فلم تعرف كيف ترسم لنفسها صورة في مدى نجوميتها. وفيما اختفت فيروز خلف الصمت والعزلة، وتحصنت أم كلثوم خلف هيبتها، ارتضت صباح الصورة الشعبية وأخبار الزواج والطلاق، وكانت عفويتها وطيبة قلبها وضحكتها تفصل بينها وبين صورة الكبار. وإضافة إلى ذلك، ارتضت أن تغني في «الكباريه»، ملاهي الليل وسمعة التخفف.
لكن صديقا عربيا كبيرا يقول إن الطيبة والعفوية ميزة في صباح. لا تكلُّف ولا تصنُّع، والتمثيل فقط للمسرح والسينما. ويقول المثقف الكبير إنه لم يكن لصباح طابعها الغنائي فقط، بل كانت لها أيضا لغة مخاطبة خاصة، مليئة بالصدق والعفوية والعاطفة. وقد أسرت الناس بكلامها أكثر من غنائها.
تركت صباح نحو 3 آلاف أغنية وفقا للبعض، و4 آلاف وفقا للبعض الآخر، إضافة إلى 27 فيلما وعدد من المسرحيات. وقد ماتت في العَوز، ليس فقط لأنها كانت فائقة الكرم على من حولها ومن نصبوا عليها ومن ابتزها، بل أيضا لأن الفنان العربي مسروق من الجميع. لا ريع ولا عوائد ولا مقابل، 3 آلاف أغنية قبضت من قيمتها فقط الدفعة الأولى، والباقي كله ببلاش. ولذلك، يشيخ الفنان في الغرب مكتفيا، ويستعطي الفنان في الشرق أجرة مستشفاه. ويُشهَّر به في الصحف بداعي أنها تدافع عنه.
ولأن لا مرجع معينا تعود إليه في هذه الحالات، كنت كلما سمعت بأمر محزن من هذا النوع، أضطر إلى تجاوز الأصول، وأتصل بالقصر الجمهوري لألفت نظر الرئيس إلى أن ما يحدث لا يليق بلبنان. وأخيرا، اتصلت بالرئيس تمام سلام لغاية مشابهة، ولم يكن القصر الحكومي أقل تجاوبا من القصر الجمهوري، الذي يتركه اللبنانيون وساداتهم فارغا كأنه لم يكن، أو كأنه لا يرفع العلم الأكبر.
دولة بأعلام كثيرة. فاجأني سائق لبناني في لندن أنه يضع صورة علم بلاده، وليس طائفته أو قبيلته أو شعبه. وأعود إلى المثقف العربي الذي قال: «تلك هي أرزات لبنان. تخيل مصر من دون نهضتها وصوتها. تصور فرنسا من دون فنونها. وتصور حجم لبنان في العالم العربي من دون فيروز وصباح، أو شعرائه أو وجهه الثقافي».
نقلا عن الشرق الاوسط