لن يكون غريبا ان يبدأ مشروع كبير في مكان ما ثم يمتد طويلا هنا و هناك و عندما تكمل دائرة حياته يعود الى نقطة البداية فيحتضر و يموت … او يفعل كما دودة القز فيتحول الى شيء اخر قد يكون مناقضا… هل يفسر هذا الكلام ما يحدث الان في العراق..؟؟.. و نحاول ان نطرح السؤال بشكل معاكس… هل يفسر ما يحدث في العراق من مظاهرات و مظاهر تغيير في البنية السياسية أحجية ما سميت “الفوضى الخلاقة”..؟؟.. مبدأياً … و اعتماداً على تخصصي في العلاقات الدولية و التنمية… لا اعتقد ان التغييرات الكبرى يمكن ان تحدث في اي مكان بعيدا … او بغض النظر عن التفاعل مع العوامل الخارجية… او ما نسميها المعادلات العامة للتطور في العلاقات الدولية…هذا الكلام ليس له علاقة بنظريات المؤامرة او العمالة للاجنبي…. او… او … ما يكثر الكلام في معادلات الرفض و التخوين السياسية… او محاولات الهروب الى الامام التي يتخذها الكثير من المثقفين و أشباههم و المحللين السياسيين و غيرهم… نحن نتحدث هنا الترابط بين التغييرات المجتمعية في مرحلة زمنية لم يعد معه متمكناً الفصل بين “الداخل” و “الخارج”… ليس فقط بالنسبة الى الترابط بين شبكات المصالح بالمفهوم الضيق خاصة ما يسمى مصالح الدول الكبرى ….و إنما أيضاً بسبب التأثير المباشر لأي حدث على المستوى العالمي على مجالات التواصل و انتقال الأموال و الأفراد و المواد الغذائية و الأدوية و بالتالي المصانع و المزارع و شركات الانتاج و حياة الناس العاملين و المرتبطين… المنتجين و المستهلكين.. مع البدايات الاولى لثورات العربية في تونس و مصر كانت هناك فكرة ان هذه الثورات قد تمتد الى العراق الذي كان يعاني من أزمات شديدة و فساد لا يُطاق … و قد كتبت شخصيا مجموعة مقالات (عددها سبعة ) تحت عنوان “صبيحة الثورة” رصدت خلالها بعض مظاهر الحراك و كنت اعتقد ان المعادلات الخارجية ستسمح بذلك خاصة ان تلك الثورات امتدت الى ليبيا و اليمن … لكن بصورة خاصة الى سوريا … لماذا سوريا بالذات… لان سوريا …. كما هي حالة العراق…كانت تشكل قاسماً مشتركاً في تطور العلاقات شداً و جذباً بين ايران و الولايات المتحدة الامريكية… نعم … ما سمي “بالربيع العربي” شكل نقطة مهمة… و ربما نقطة انقلاب… في التعبير الفيزيائي … في العلاقة بين هاتين الدوليتين… انقلاباً ليس بمفهوم التغيير من حالة الصراع الى حالة التفاهم و الصداقة كما يتصور غالب الاعلام العربي… بل انقلاباً من حالة الصراع المبدأي و البعيد المدى… الى حالة التصادم المباشر… و في التصادم يغضب الطرفان و قد يحب الطرفان بعضهما البعض … و لكن في كل الأحوال يتفقان أنهما بحاجة الى بعضها البعض سواء كانت هذه الحاجة سلبية… اي أن كل منهما يشرعن وجود الاخر عن الصراع الدموي (انظر مقالاتي عن صراع الثنائيات)… او يكفل كل منهما مصالح الاخر بغض النظر عن الحب او الكره ( التعايش السلمي بين الأضداد)… بالمناسبة سيتذكر الكثيرون مبدأ بريجينيف الذي أطلقه في بداية سبعينات القرن الماضي لكن الاتحاد السوفيتي كانت قد بدأت الانهيار فعلا و تم ذلك بعد اقل من عقدين ليس نتيجة لذلك المبدأ كما كان يعتقد الكثير من المحللين و خاصة الماركسيين منهم.. و لكن بفعل عوامل اخرى بدأت في وقت سابق و منها طبيعة النظام السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي ذو المركزية الشديدة التي جعلت الانتاج و التطور يتبعان الأوامر السياسية و العسكرية بدلا من حاجة الانسان و المجتمع… فجاءت البرسترويكا و الگلازنوس الگورباجوفية في محالة لخلق انقلاب في مفهوم الانتاج و التطور… لكن حدثت فوضى لان الناس … و بفعل التراكم الزمني على مدى سبعة عقود كانت قد نسيت حرية الاختيار و المبادرة… و اختصرت منظومتها النفسية على إطاعة الأوامر فقط… المهم ان هذه الحالة لم تحدث في ايران كما كان الغرب يأمل… فقد بقيت القيادة متماسكة بسبب ادراك السياسيين الإيرانيين الى الحاجة الى خطين متوازيين … لكنهما ملتقيان دوماً… اي الخط الثوري و الخط السياسي- الدبلوماسي ( يطلق عليهما خطأ المحافظ و الاصلاحي… و لعل فوز الرئيس هو دليل على التقاء الخطين و ليس تقاطعهما… هذا موضوع طويل… انظر مقالاتي عن الثورات العربية و الحرب الباردة الجديدة)… لكن ما يهمنا هنا هو ان الغرب اقتنع ان النظام باق و ان هيمنته على العراق و سوريا و لبنان و أفغانستان غير قابلة للإزاحة بالقوة او التفسخ الذاتي… بل هي واقعية يجب التعايش معها… لكن وفق اطر و تغييرات تبدو مهمة… المشكلة انني كنت اعتقدت حينها … اي عندما كتبت المقالات… ان تلك القناعة قد حصلت و ان الأُطر سيتم التوصل اليها سريعا… لكن اكتشفت… و اكتشف معي كثيرون اخرون… ان هناك زمناً طويلا يجب ان يمر و ان هناك اثماناً باهضة يجب ان تدفع…. لان القوتين… و قد اقتربتا من بعضهما البعض فانه لابد من تجربة الاشتباك المباشر ايضا قبل وضع قواعد و اطر التعايش… و هكذا مرت ما يقرب من اربع سنوات عجاف على شعوب المنطقة خاصة في سوريا و العراق قبل ان يتم التوصل الى “اتفاق” ظاهره “نووي” و باطنه “كل المتفجرات الاخرى”… في الحقيقة قليلون أولئك الذين يعتقدون ان الاتفاق النووي ينحصر فقط في موضوع واحد…و شخصيا كتبت سابقا ( قبل التوصل الى الاتفاق) ان المفاوضات الممتدة عبر شهور طويلة كانت تدور حول كل الملفات… و اعتقد هنا ايضا ان ما يحصل الان في العراق ( و لاحقاً في سوريا) هو نتاج لتطور العلاقات الامريكية الإيرانية ( أرجو ان لا يزعل المتظاهرون في بغداد و غيرها من المدن العراقية) … لكن السؤال هو عن الثمن الذي سيتم دفعه … و لذلك كتبت تعليقا في الفيسبوك هذا نصه “قرارات العبادي اليوم تنقل معركة الإرادة الشعبية الى مرحلة متقدمة… تحدي الحيتان الكبيرة و مراكز المختلفة… الصراع سيشهد جدا و الدعم الشعبي يحتاج الى توسيع و تركيز في نفس الوقت…و يحتاج تلى تنظيم و فكر استراتيجي و قوة فاعلة… لان الآتي هو التحول الى ثورة تسقط معها رؤوس كثيرة”… بكلام اخر ان ما يسميه البعض “بثورة العبادي” لم يأتي من فراغ او من قناعة ذاتية… لان الرجل (مع كل احترامي) لا يمتلك القدرة على مواجهة اصحاب المصالح و القوى الميليشياوية التي قسمت موارد العراق و جغرافيته الى إيلخانات ( مصطلح يعود الى التوزيع السياسي في ظل سيطرة المغول على ايران و العراق و سوريا و دول القفقاس و تعني دويلات ثانوية شبه مستقلة) و إمارات لا يربط بعضها البعض الا خطوط الأموال المنهوبة و دماء الناس…. بل ان التقارير تشير الى الإشارة الخضراء لبدأ المواجهة جاءت من المرجعية في النجف التي تمثل نقطة التقاء جميع القوى الداخلية و الخارجية… لكن رغم ذلك يجب عدم الاستهانة بقوة الخاسرين… كما اننا… و هذه النقطة الأكثر أهمية و الحاسمة… لا نعرف الى من سيؤول الحكم و هل ستظهر قوى اخرى من تحت الارض و تحكم بأسم “أية أسطورة اخرى” دينية كانت ام علمانية… قومية… إثنية… دكتاتورية.. الخ ( ايضا مع كل الاحترام لكل القوى المشاركة في المظاهرات… لكن لابد ان نتذكر ان هناك تناقضات شديدة و تاريخ دموي بين بعض تلك القوى كما ان بعض الشعارات التي يتم رفعها تثير الكثير من الشكوك لدى قوى اخرى … و ايضا ان هناك قوى تبحث عن اي دور حتى في ظل “الإمبرياليين” القدماء و الحديثين…و..و… قضايا كثيرة متداخلة..).. أتمنى ان تنبثق قوى عراقية فاعلة تستطيع ان تخفف من عبئ الهيمنة الخارجية ( لانه … كما ذكرت آنفاً…إزاحتها و ازالتها غير ممكنة ليس في العراق ولا في بلد في العالم…)… و تخوفي ان يدفع العراقيون اثماناً اخرى غالية جدا لترسيخ معادلة العلاقات الخارجية حتى و ان كان ذلك يعني نهاية المسرحية الدموية “للفوضى الخلاقة” التي بدأت في العراق… و تحولها الى “تعايش الأضداد”…. و هذه المرة بقبول العراقيين و اجماع “رأيهم”…. حبي للجميع..
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- Download Cracked ThunderSoft Screen Recorder Pro 11.4.0بقلم أبو العلاء المعري
- Download Movavi PDF Editor 3.2.0 With License Keyبقلم أبو العلاء المعري
- EAZ Solution Eazy Fix 12.9.2710678376 Download 2025 Editionبقلم أبو العلاء المعري
- Download StudioLine Web Designer 5.0.6 Full Installerبقلم أبو العلاء المعري
- Driver Genius Platinum 23.0.0.137 Download Free For PCبقلم أبو العلاء المعري
- SysTools Image Viewer Pro 5.0 Free Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- VenueArc Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Silverbullet 0.7.6 Download For Windows PC Freeبقلم أبو العلاء المعري
- Symantec Endpoint Protection 14.3.12154.10000 Download For Windowsبقلم أبو العلاء المعري
- Pinnacle Imaging HDR Expose 3.7.0.13816 Download Free For Allبقلم أبو العلاء المعري
- Articulate Studio 13 Pro V4.11.0.0 Download Free Portable Versionبقلم أبو العلاء المعري
- DMS-Shuttle 1.4.0.130 Download For Windows (Cracked)بقلم أبو العلاء المعري
- Oasys Frew 20.0.10.0 Free Version Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Russian Visual Vocabulary Builder 1.3.1 For Windows Freeبقلم أبو العلاء المعري
- IPixSoft Video Slideshow Maker Deluxe 6.0.0 Download For Windows 11بقلم أبو العلاء المعري
- Cisdem AppCrypt 3.5.1 Download With Patchبقلم أبو العلاء المعري
- O\u0026O BlueCon 22.0.13009 2025 EXE Download Linkبقلم أبو العلاء المعري
- Digital Video Repair 3.7.1.2 (2025) EXE Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- GBurner Virtual Drive 5.2 Offline Installer Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Trisun PC WorkBreak 10.1.038 (2025) EXE Downloadبقلم أبو العلاء المعري
- Download Cracked ThunderSoft Screen Recorder Pro 11.4.0
أحدث التعليقات
- تنثن on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- Hdsh b on الايمان المسيحي وصناعة النبؤات من العهد القديم!
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح