مسلم طيب .. مسلم خبيث

د. ميسون البياتيmhamdanny

حين إنفتح العرب على العالم الخارجي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر , وبدأوا يبعثون أولادهم الى الخارج للدراسة , تعلم هؤلاء الأولاد لغات جديدة في الدول التي إبتعثوا لها , وحين عادوا الى بلدانهم , صاروا يقرأون باللغات الجديدة التي تعلموها , ويترجمون من هذه اللغات الى لغتهم الأم ( العربية ) الشيء الكثير مما قرأوا أو تعلموا

كما أن إستقدام المطابع ونشاط حركة الطباعة والنشر , كان عاملاً مُضاعِفاًََ , في إنتشار الكتاب الجديد الفكرة , وغير المألوف عند العقل العربي

وقد أدى هذا الى نشوء طبقة مميزة من المثقفين العرب الذين نفخر بثقافتهم ووعيهم والذين بدأ عددهم ومستواهم بالإنحسار منذ خمسينات القرن الماضي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية , وإعلان الحرب الباردة التي أسبغت على ثقافتنا العربية ومثقفنا goodbadmuslemالعربي درجات مختلفة من القتامة والإرتداد

حين هبطت على دولنا ثروات البترول , وصار الكتاب يدعم مثلما يدعم رغيف الخبز , صرنا وقتها نشتري نسخاً من كتب لا يحلم أحد بتملكها , وهكذا بنيت مكتباتنا الشخصية

مقارنة على ذلك الوضع , بوضعنا اليوم , ههههه …. لا يوجد وجه للمقارنة . اليوم مجلة تافهة رخيصة المعنى والمبنى , سعرها يزيد على مائة رغيف أو ألف , وربما أكثر

ولهذا ترى أن كتباً مهمة صارت غائبة عن عين القاريء العربي .. سبحان الله , لم يبق مَن يترجم , ولا مَن يدعم , ولا مَن يطبع ,, وحتى إن حصل , فبحدود ضيقة جداًَ , تسمع أن هناك ترجمة لكتاب ما , ولكن أين ومتى ؟ .. وبأي سعر ؟ الله أعلم

هناك نشرة تقول : إن دار غاليمار الفرنسية وحدها , تطبع من الورق سنويا , ما يزيد على مطابع الوطن العربي كله … ألف واحسرتاه عليك أيها القاريء العربي

من الكتب الجديرة بالترجمة الى العربية كتاب : ( مسلم طيب , مسلم خبيث . أمريكا , الحرب الباردة وجذور الإرهاب ) تأليف البروفيسور محمود مامداني

قبل الدخول الى عالم الكتاب دعونا نتأمل الغلاف , فهو أحمر بلون كارتات الحب يوم عيد الفلانتاين , وعليه صورة لإلتقاء المحبين , ( المحب الأمريكي ) يقطع سير السيارات في واحد من شوارع مركز نيويورك , ليصلي فيها ( المحبوب المسلم ) , هذه الصورة إلتقطت أيام زيارة وفد من المجاهدين الى الولايات المتحدة الأمريكية أيام الرئيس الأمريكي جيمي كارتر , حيث أثنى عليهم وزودهم بالمليارات والسلاح ليجاهدوا الكفار

لم يكن المسلم في حساب السياسة الأمريكية إرهابيا ذلك الوقت , لذلك عودوا الى الصورة ,, ستجدون أن الحرس والشرطة الأمريكية منتشرين في المكان , وهم الذين قطعوا الطريق لهؤلاء المسلمين كي يؤدوا الفريضة في عرض الشارع , ولا تدري …. ألم يكن هناك جامع أو حديقة أو ساحة في كل نيويورك تسمح بأدائهم الفرض ؟ أم أن حب الإستعراض من الطرفين هو الذي سمح بذلك ؟ الله أعلم

ولمحبي التأمل .. أدعو فقط الى التمعن في الصفوف الخلفية من المصلين ستجدون فيها عدداً من النساء المصليات , وحسب التعاليم الإسلامية فإن النساء يصلين خلف الرجال , حتى لا تنكشف عوراتهن اذا وقفن أمام الرجال ! ولكن في هذا الشارع .. !!

إنتبهوا الى عدد الرجال من عابري الطريق على الرصيف الواقفين خلف تلكم النسوة المصليات , هل يجوز التساهل اذا نظر غير المسلم الى عورة المسلمة وهي تصلي , وأولياء أمرها الرجال المسلمون واقفون وموجودون ؟ كما أرجو التمعن في الكلمات المكتوبة على البناية والمحل خلف المصلين , مكتوب : محل لبيع النبيذ والكحوليات
WINE & SPIRITS
هل تجوز الصلاة على عتبة خمارة ؟ وأي ضرورات تلك التي أباحت مثل هذه المحظورات ؟ والعلم عند الله ماذا تحوي جهة الشارع المقابل لوجوه المصلين ؟ .. وليس عندي أي تعليق على هذه الصورة , التعليق متروك لضمائركم

ولد محمود مامداني عام 1947 في كمبالا / أوغندا , وهو أفريقي جده الثالث قدم الى أفريقيا من الهند , حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد عام 1974 . ثم قام بالتدريس في جامعة دار السلام في تنزانيا , جامعة مكريرا في كمبالا , جامعة كيب تاون في جنوب أفريقيا , بعدها ذهب الى نيويورك حيث يعيش هناك مع زوجته وإبنه منذ العام 1999 ويقوم بالتدريس في جامعة كولومبيا وهو مدير معهد الدراسات الأفريقية فيها إضافة الى عمله في التدريس

يعتبر مامداني من المطلعين في الشأن الأفريقي وصاحب خبرة في السياسة والعلاقات الدولية , وتكريماً له كُلِّف بقراءة الورقة الخامسة من أوراق مراسيم منح جائزة نوبل يوم حفل التكريم بها عام 2001 , وكان عدد الأشخاص الذين كلفوا بهذه المهمة تسعة فقط من كل العالم

أما في مايس / 2008 فقد إختارته صحيفة ( فورين بولسي ) الأمريكية كواحد من أهم مائة شخصية سياسية في العالم

وفي تموز / 2008 وقع عليه نفس الإختيار من صحيفة ( بروسبكت ) البريطانية

كتاب ( مسلم طيب … مسلم خبيث ) من القطع المتوسط يحوي 304 صفحة وصادر عن ( دار بانثيون / راندوم هاوس ) عام 2004 .
محتويات الكتاب هي :
– إيضاح
– المقدمة . العصرية والعنف
– حوار الحضارة . أو : كيف لانتحدث عن الإسلام والسياسة
– الحرب الباردة بعد الحرب الهندوصينية
– أفغانستان : أعلى مدى للحرب الباردة
– من الحرب بالنيابة الى التعدي المفضوح
– الخلاصة : ماوراء الحصانة , والعقوبة الجماعية

# في الإيضاح يعلمنا البروفسور مامداني أن بذرة هذا الكتاب جاءت من حوار دار في كنيسة تقع أعلى الجانب الغربي من مدينة ( نيويورك ستي ) بعد أسابيع من أحداث سبتمبر الشهيرة مع ثلاثة من زملائه هم : طلال أسد من جامعة ( ستي يونفيرستي ) نيويورك , تيم ميتشل من جامعة نيويورك وبوب مايستر من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز

# أما في المقدمة التي عنونها بإسم ( العصرية والعنف ) فيقول بأن العنف ومنذ الثورة الفرنسية صار يشبه القابلة المأذونة التي تولد التاريخ , الثورة الفرنسية ولدت لنا الإرهاب وكونت الجيش من المواطنين . السر الكبير وراء نجاحات نابليون بونابرت العسكرية هو أن جيوشه كانت من الوطنيين الذين يقاتلون من أجل هدف يعلى بالمشاعر الوطنية _ وما سوف نسميه لاحقا : المشاعر القومية

عام 1492 بدأت النهضة الأوربية ومعها الحداثة السياسية ووصل كريستوف كولومبس الى قارة أمريكا . ونشأ الصراع على تقاسم العالم الجديد . الأوربيون وهم يسعون الى غنيمة العالم الجديد قسموا أنفسهم على أساس العرق والدين

عندما إحتل الملك فرديناند والملكة إيزابيلا غرناطة ورأيا أن المسلمين واليهود جماعة من الأقوياء في إمارة غربية مسيحية فقد سعيا الى تغيير معالم هذا الحال , أمرا اليهود أولا بالمغادره : وبسبب ذلك إعتنق 70 ألف يهودي المسيحية كي يتمكنوا من البقاء في إسبانيا ومن مجموع 130 ألف المتبقي منهم , فقد نزح 50 ألف الى شمال أفريقيا ومقاطعات البلقان التي تحكمها الدولة العثمانية , في حين أن 80 ألف عبروا الحدود الى البرتغال , وبعد سبع سنوات من ذلك قامت إسبانيا بمنح المسلمين نفس الخيار : إعتناق المسيحية أو الرحيل

في التاريخ الحديث للدولة الغربية يوجد نوعان من الضحايا : الضحايا الداخليون الذين يساهمون في بناء الأمة من الداخل , والضحايا الخارجيون الذين يساعدون الأمة على التوسع

فكرة أن (( الإمبريالية تخدم الحضارة عن طريق تخليص الحضارة من الأجناس غير المرغوبة أو قليلة الأهمية على الأرض )) كانت قد تفشت في الفكر الأوربي , فتمت بذلك على سبيل المثال في إحدى جزر بحر تسمانيا عام 1804 أول مجزرة لذبح السكان الأصليين , وحدثت أخرى مشابهة لها عند ذبح ( الماوري ) وهم سكان نيوزيلندا الأصليين , و( الهيريرو ) سكان جنوب غرب أفريقيا الألمانية

أول قنابل ألقاها العالم من الطائرات على بشر كانت قنابل إيطالية ألقيت على واحة خارج مدينة طرابلس / شمال أفريقيا عام 1911 لتطهير أرضها من السكان . أما البريطانيون فقد فعلوا ذلك ضد الصوماليين عام 1920

أما أثناء الحرب العالمية الثانية فإن ألمانيا كانت قد وضعت قوانين حرب مع العالم الغربي … ولكن ليس مع روسيا , ولهذا فإن نسبة جنود الحلفاء الذين ماتوا أسرى بيد الألمان كانت 3% بريطانييين وأمريكان , و57% من الروس

المجازر التي تعرض لها اليهود خلال الحرب العالمية الثانية كانت كبيرة أيضا , لكن الإبادة العرقية التي تعرض لها ( هيريرو ) أفريقيا كانت أكبر كثيرا مما تعرض له ( يهود) أوربا على يد نفس الألمان

لكن محرقة اليهود أو الهولو كوست , يعلم بها كل العالم . ولا يدري أحد من هم الهيريرو , حتى في الموت الجماعي هناك درجات للبشر ؟؟

قبل أحداث سبتمبر كانت البشرية قد وصلت الى قناعة : أن ذلك الموت الأسود لا يجوز أن يتكرر من مواطني أي الدولة , ولا مع أي إنسان في هذا العالم

بعد أحداث سبتمبر حيث هاجم الإرهاب تجمعات بشرية كبيرة وألحق بها الأذى في بنايتي برج التجارة , فإن الولايات المتحدة وهي تسعى لمحاربة وملاحقة الإرهاب فهي تلحق الأذى بتجمعات سكانية مدنية كبيرة جداً لا علاقة لها بذلك الإرهاب أيضا

# متن الكتاب يبدأ بسرد علاقة أوربا والغرب مع المسلم من بداية كونه مسلماً عادياً يؤدي فروضه الدينية مثل كل الخلق , حتى أوصلته بنظر العالم والناس الى أن يحمل صورة الإرهابي . ومن خلال تخصص الدكتور مامداني بالشأن الأفريقي فإنه يرى أن السياسة الغربية مع المسلمين العرب والأفارقة هي سياسة واحدة . خصوصا اذا أخذنا بنظر الإعتبار أن نصف أقطار الوطن العربي واقعة في شمال أفريقيا

قلنا أن فكرة إبادة الأجناس غير المرغوب فيها أو ( الإبادة العرقية ) كانت ( ثقافة ) عالمية شاركت بها جميع الدول الأوربية القوية بواسطة جنودها وسلاحها منذ العام 1500 ميلادي تقريبا . لم يختلف في ذلك البريطاني عن الفرنسي عن الأمريكي أو الإيطالي أو الألماني . غير أن سبة الهولوكوست بحق هتلر , تجعله هو وحده الذي مارس جريمة (( الإبادة العرقية )) ضد اليهود , في حين غيره من كل الذين إقترفوا نفس الجريمة أبرياء شرفاء

بعد ذلك تعلّم العالم طريقة إشعال الفتن بين الجماعات والدول لتبيد نفسها بيدي بعضها البعض , على شكل ( حرب بالإنابة ) أو ( إحتواء مزدوج ) , وجعل سكان العالم غير المرغوب بهم كما يقول المثل : فخار يكسر بعضه

حين نصل الى مشارف الحرب العالمية الأولى , سنرى الغرب يعلي النعرة القومية عند العرب المسلمين ليجعلهم يتمردون على الدولة العثمانية المسلمة التركية , وهكذا ثارت الثورة العربية بقيادة الشريف حسين بن علي شريف مكة , ولكن ماذا كسب العرب بعد أن وضعت الحرب أوزارها غير التقسيم الى دول بعد معاهدة فرساي وإتفاقية سايكس بيكو ؟ التي قسمت بلاد العرب لا حسب مصالح أهلها ولكن حسب مصالح الدول التي ستسيطر على أقاليم هذا الوطن بإعتباره = غنيمة حرب تم التحصل عليها من سقوط الدولة العثمانية
بقيت نعرة القومية قوية وتطغى على النعرة الدينية عند العربي المسلم , وهكذا ستتأسس دول عربية قومية علمانية تضع العروبة في المقام الأول والدين ثانياً بسبب مرارة التجربة مع المحتل المسلم التركي , وحين يقول الكتاب : الدين , فلا يقصد به العلاقة بين الخالق والمخلوق , وإنما الدين كنظام دولة

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومؤتمر يالطا وتأسيس إسرائيل على أرض عربية , وتنامي المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط , بدأت الإنقلابات العسكرية تقع في ممالك الوطن العربي فحوّلتها من ممالك الى أنظمة جمهورية , سرعان ما طردت الوجود البريطاني من أراضيها معتبرة ذلك تحرراًَ , لكنها إرتبطت بنفس الوقت وبطرق مختلفة إقتصادية وسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية , إن لم يكن في العلن ففي السر

رأى الأمريكيون أن تعاظم النعرة (( العروبية )) في دول المنطقة سيؤدي بالنتيجة الى نوع جديد من توحيد تطلعات أبناء المنطقة , وهذا يهدد مصالحها مثلما يهدد أمن إسرائيل , لذلك عمدت الى مد اليد لتأسيس خلايا دينية داخل هذه الدول , وأمدتها بالعون الى أن أوصلتها لتكوين تنظيمات إسلامية معارضة لنظام الحكم العلماني . ويعطي الكتاب مثالا واضحا على ذلك بتنظيم الأخوان المسلمين في مصر الذي إنتشر الى أجزاء مختلفة من الوطن العربي

حين وصلت حدة الخلاف بين السلطة الحاكمة العربية والتنظيمات الإسلامية الى مداها , صارت تقع بينهما الإشتباكات , والتعارض في الشعارات والمباديء , وهذا بحد ذاته هو المطلوب لتشتتيت الرأي العام وإضعاف المنطقة

يواجهنا الكتاب بقضية ثانية هي أنه بعد نهاية الحرب العالمية الثانية , وإختلاف الروس والأمريكان على تقاسم المصالح حول العالم , فقد وقعت حربين مدمرتين هما الحرب الكورية والحرب الفيتنامية , شاركت فيهما الولايات المتحدة بجنود من مواطنيها ودفعت في تلكم الحربين خسائر بشرية باهضة , وكان من نتيجة دروسهما أن قررت الولايات المتحدة أن تدخل حروبها المقبلة على شكل حروب بالإنابة _ بروكسي
ولذلك حين إمتد النفوذ السوفيتي الى أفغانستان , متخذاً له موطيء قدم بين النفوذ الأمريكي في الباكستان والنفوذ البريطاني في الهند , قامت الحكومة الأمريكية بتهييج النعرة الدينية عند القبائل الأفغانية ضد الروس فحولتهم الى مجاهدين , وبطرق مختلفة ساعدت على أن يلتحق بهم عرب مجاهدون أيضا وأمدت الجميع بالمال والسلاح

لم يكن المجاهد المسلم وقتها ( إرهابيا ) ولم يكن الإسلام ( دين قتل ) وشاهدتم على غلاف الكتاب كيف كانت فريضة الصلاة الإسلامية محترمة في قلب نيويورك , لابل ويستعرض ويفتخر بها فوق ذلك

في نفس الوقت الذي إعتمد الأمريكان على المجاهدين وأغلبهم من تنظيمات من المذهب السني , فقد قام الأمريكان بإزاحة شاه إيران وأسسوا : جمهورية إسلامية ( شيعية ) . شعارها تصدير ثورتها الشيعية الى العالم

وبذلك يعمد الأمريكان الى إذكاء روح العداء الطائفي بين (( السنة والشيعة )) من أجل إحتوائهما ( إحتواءا مزدوجا ) مستقبلاً عندما تنوي الإطاحة بهما حين سينتهي دوراهما

اذا ظل المجاهد المسلم مقدراً عالمياً بسبب ما كان يقوم به من دور لأمريكا فمن المحتمل أن تتوحد بذلك كل طوائف مسلمي العالم , وهذا ما لن تريده أمريكا التي تبحث عن أوطان ممزقة وشعوب متفككة لتنفيذ أغراضها , ولهذا فهي ومنذ سقوط شاه ايران تبذر للإسلام بذور الطائفية

حين إنهار الإتحاد السوفيتي وصارت الولايات المتحدة هي اللاعب الوحيد في العالم , أعلنت حربها على الإرهاب , ولكن من هم الإرهابيون ؟ إنهم نفس المجاهدين الذين أعدتهم هي بنفسها قبل عقد أو عقدين من الزمان

وهكذا شنت الحرب على أفغانستان , رمي بالصواريخ والقنابل , أما الحرب البرية فلم يشارك بها ولا جندي أمريكي واحد بل قام بها جنود ( التحالف الشمالي ) من الطاجيك والأوزبك والهزارا , ضد مواطنيهم البشتون من ( تنظيمات حركة طالبان ) التي أسستها الولايات المتحدة نفسها في الباكستان

كان هذا هو هيكل كتاب ( مسلم طيب , مسلم خبيث . أمريكا , الحرب الباردة وجذور الإرهاب ) في الكتاب تفاصيل بأسماء دول وأسماء تنظيمات وأشخاص تغني كل ما تحدثنا عنه وتجعله مقنعاً وواضحاً جداً

بقيت قضية أخرى يسردها الكتاب على شكل مقاطع متفرقة ضمن سرده لرؤيته الكلية لواقع تحريك الدين في المنطقة العربية ألا وهو قضية تشابك القضيتين اللبنانية والفلسطينية

أجزاء كبيرة مما تبقى من فلسطين كانت قد إنضمت الى الأردن وتأسست منهما المملكة الأردنية الهاشمية . الفلسطينيون الذين نزحوا عن الأراضي التي إحتلتها إسرائيل عام 67 ذهبوا الى الأردن , وتشكلت منهم خلايا مقاومة ومنظمات فدائية مسلحة , تهدد في كل لحظة أما بقلب الأوضاع الأمنية في الأردن أو بإدخالها حرباً مع إسرائيل

لذلك قام الملك حسين في نهاية السبعينات بإعتقال بعض قيادات التنظيمات وتعقب البعض , فغادرت المنظمات الفلسطينية الأردن متوجهة الى لبنان , ومن هناك كانت تشن عملياتها المسلحة داخل فلسطين المحتلة

حين وقّع السادات إتفاقية التطبيع مع إسرائيل في كامب ديفيد , أوقف ضدها كل العمليات العسكرية التي تشن على إسرائيل من قطاع غزة , وقامت الجامعة العربية على الفور بتخويل سوريا حق الدخول الى لبنان تحت شعار ( حماية أهلها من القتال الدائر بين التنظيمات الفلسطينية وإسرائيل ) , لكنه في الحقيقة , كان تخويل للقوات السورية بإخراج الفلسطينيين من لبنان

حين دخلت سوريا الى لبنان , دخلت وليس في نيتها أن تخرج , وكيف يتم لها ذلك ؟ يتم لها ذلك بطريقين : أما تأسيس حكومة ( شيعية لبنانية ) موالية للحكومة العلوية السورية , أو بإدامة القتال مع إسرائيل . ساندت القوات السورية الأحزاب الشيعية التي كانت إيران الإسلامية قد أسستها بين شيعة لبنان , وصار الضرب متبادلاً بين الفلسطينيين , والإسرائيليين , وشيعة لبنان , وسنتها , ومسيحييها

حين عمّ الدمار الجميع , أعادوا فرز تشكيلاتهم , إصطف الفلسطينيون مع السنة , وسوريا مع الأحزاب الشيعية , وشكل الموارنة ميليشاتهم أيضا التي إستمدت دعمها من كل مكان حتى من إسرائيل نفسها , وهكذا تنوع القتال في لبنان , الى أن أجبرت الأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية على مغادرة الأراضي اللبنانية الى تونس

لكن سوريا في تلك الفترة لم تكن قد أفلحت في تكوين حكومة شيعية في لبنان , لذلك كان عليها إدامة التعدي الإسرائيلي على لبنان , وقد تمكنت من ذلك بواسطة مليشيات حزب الله المتمركزة في جنوب لبنان

إلا أن أخطر ما يقوله الكتاب , هو عن نشأة وتأسيس حركة حماس الفلسطينية , فزيادة على أن الدكتور عبد الله عزام وهو واحد من أهم الشخصيات المؤسسة لحركة حماس , فهو أستاذ أسامة بن لادن منذ أن كان أسامة طالباً جامعياً في المملكة العربية السعودية وعزام هو الذي ساعد أسامة على بلورة فكره الجهادي من خلال حواراتهما معا . فإن الكتاب يذكر في الصفحة 121 ما ساقوم بترجمته نصا عن الدور الإسرائيلي في تأسيس منظمة حماس الإسلامية , يقول الكتاب :
…. الإعتقاد من قبل الولايات المتحدة وحلفائها : إسرائيل والأنظمة العربية المعتدلة , بأن الإسلام السياسي يشكل ضغطا ضد الحركات القومية العربية العلمانية الموجودة في المنطقة , ولكي تأخذ الفكرة مداها , فإن إسرائيل سعت الى دعم حركة إسلامية سياسية في الأرض المحتلة , لتحريكها ضد العروبيين العلمانيين من منظمة التحرير الفلسطينية , فالمخابرات الإسرائيلية , هي التي سمحت لحماس بالتحرك والفعل خلال الإنتفاضة الأولى , كما سمحت لها بفتح جامعة وحسابات مصرفية ومن المحتمل أنها زودتهم بالمال أيضا , فقط من أجل أن تجعل حماس قوية ومنظمة في الإنتفاضة الثانية _ إنتهى الإقتباس
وهذا هو ما نراه الحاصل فعلاً في الصراع الحاد الواقع الآن بين منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس , والذي يدفع ثمنه المواطن الفلسطيني والقضية الفلسطينية برمتها . فبعد الإنتفاضة الثانية , دخلت حماس الإنتخابات , وصعدت الى مستوى ( سلطة ) وصارت تناكف وتصارع منظمة التحرير الفلسطينية على كل شيء وأتفه شيء , ولن يختلف إثنان على أن إنقسام السلطة مهما كانت قوية أو ضعيفة هو في غير صالح القضية برمتها

أما عن الإجتياح الأمريكي للعراق , فالكتاب يذكر أن الولايات المتحدة تستعمل إيران في هذه الحرب إستعمالا ( بالنيابة ) بإستغلال العنصر الطائفي الذي تم تحريكه في المنطقة منذ ما يزيد على ربع قرن , بتحريك هذا العنصر الطائفي الآن , فإن ايران تقدر أن تؤدي للأمريكان ما يريدون دون أن يلوث الأمريكان أيديهم بدماء العراقيين

لكنه يقول عن العراق في الصفحة 260 (( نفس العراقيين الذين رحبوا بإسقاط صدام حسين , ينظرون اليوم الى الجنود الأمريكيين كقوة محتلة . ألم يحن الوقت لمناقشة الإفتراض المبسط الذي هو : بمن ترتبط مشكلة عدم قبول الأمريكان في العراق ؟ بالعراقيين الخبثاء المعارضين أم بالعراقيين الطيبين ؟ وفيما لو أن العراقيين الخبثاء والطيبين , والمسلمين عموما الخبثاء والطيبين , تم إستفتاؤهم رسميا عمن يدعم منهم السياسات الأمريكية ومن يعارضها , ألن تدعونا نتيجة الإستفتاء الى إعادة النظر في سياساتنا التي يبدو أنها بدأت تفقد داعميها ويتفاقم معارضوها بإضطراد ؟
هنا في أمريكا , أو هناك في العراق , أو في أي مكان في العالم , تفعيل الديمقراطية , في عهد كونية القوة الأمريكية لا يتطلب الحروب _ إنتهى الإقتباس

آخر عبارة في الكتاب يقول فيها الدكتور محمود مامداني : وللنصر في الحرب ضد الإرهاب , نحتاج الى فهم أن العالم قد تغير , وأن الأستعمار القديم لن يتجدد .. ولن يرجع , وأننا مقابل إحتلال أراضي أجنبية سندفع أقياماً باهضة , أرواحاً ومالاً , أمريكا لا يمكن أن تحتل العالم الى الأبد , ولكن عليها أن تتعلم كيف تعيش فيه

ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.