تعدّ طائفة الحشاشين أو الحشيشية أو الدعوة الجديدة، كما وصفوا أنفسهم، من أشهر الفرق الإسلامية وأكثرها إثارة للجدل، وهي طائفة إسماعيلية نزارية انفصلت عن الفاطميين واشتهرت خصوصا بين القرن الخامس والسابع الهجري، وكانت تعتمد على الاغتيالات التي يقوم بها فدائيون في سبيل تحقيق هدفهم، حيث كان هؤلاء الفدائيون يبثون الرعب في قلوب الحكام والأمراء المعادين لهم، وقد مثل هؤلاء مادة ثرية تناولتها العديد من الأعمال الفنية سواء الروايات أو الأفلام أو غيرها.
العرب شادي زريبي [نُشر في 24/08/2016، العدد: 10375، ص(14)]
أعلنت كوادر “المركز العربي” في العاصمة الأردنية عمّان عن خطة إنتاجية ضخمة، محورها أعمال تاريخية تتناول شخصيات وجماعات عرفها المشاهدون من خلال الأعمال الأدبية والسير الشعبية، لكنها في العام 2016 ستتحول إلى مشاريع درامية تتجسد أحداثها على الشاشات العربية، وفي هذا السياق بدأت في تنفيذ المسلسل التاريخي “الحشاشون” وهو من تأليف الكاتب السوري غسان الجباعي، ويتناول سيرة واحدة عن أبرز الفرق الإسلامية في التاريخ العربي.
عمل منتظر
يقول منتج العمل طلال عدنان عواملة “إن توجه المركز العربي لتنفيذ عدد من المسلسلات التاريخية في 2016، يعدّ استمرارية لتاريخ طويل من التصدي لهذا النوع الصعب من الأعمال، الذي تخشى العديد من الجهات الإنتاجية تحمل أعبائه، ويأتي تلبية للطلب المتزايد والمشاهدة العالية التي يحققها”.
ويضيف “أعمالنا للعام 2016 تضم شجرة الدر ومالك بن الريب وفرقة الحشاشين، وتتناول حقبا مختلفة من التاريخ العربي، وتشترك في أنها تلقي الضوء على فترات مهمة وغنية بالأحداث، سواء من خلال التجارب الشخصية لأبطالها، مثل مالك بن الريب أو من خلال التحولات الاجتماعية التي عكسها صعود شجرة الدر إلى الحكم في مصر، وفترة المقاومة الشعبية للاحتلال الصليبي التي ميزت سيرة الحشاشين، الفرقة الإسلامية الشهيرة”.
وفي تصريح خاص لـ”العرب” يقول مؤلف مسلسل “الحشاشون” الكاتب السوري غسان الجباعي إن “هذا العمل قديم جدا ومركون في أدراج المركز العربي منذ أكثر من عشر سنوات، كتبته عندما كان العرب يتسابقون لإلقاء التهمة من منهم الإرهابي أكثر؟ الشيعة أم السنة، ومازالوا يتسابقون حتى اليوم. ويبدو أنهم اتخذوا القرار باعتبار الحسن الصباح هو من اخترع الإرهاب في الإسلام لم يسبقه إلى ذلك السلاجقة، وقبل ذلك قتلة عثمان وقتلة عمر وقتلة علي وقتلة الحسين وبن المقفع والحلاج والسهروردي ومهيار الدمشقي والنسيمي، وآلاف مؤلفة من المفكرين والمبدعين”.
“الحسن الصباح اتخذ من قلعة الموت في إيران مركزا لدعوته، وجمع لفيفا من الشباب حوله بعد إعطائهم مادة الحشيش المخدر”
تضم قائمة ترشيحات المسلسل، المنتظر أن يحقق نسب مشاهدة عالية واهتماما من قبل الجمهور لطبيعة موضوعه الحساس خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمر به البلدان العربية، عددا من النجوم العرب لتجسيد أبرز أدواره، مثل شخصية حسن الصبّاح، مؤسس الحشاشين وقائدهم والوزير السلجوقي نظام الملك، والشاعر والفيلسوف عمر الخيام. ويرجح أن يتم إسناد بطولة العمل النسائية التي تتمثل بشخصية الملكة توركان إلى نجمة عربية، حيث يتم تداول أكثر من اسم للعب هذا الدور المثير للجدل.
ويتميز المسلسل الذي سيعلن عن أسماء أبطاله في وقت لاحق والمعد للبث في رمضان 2017، بضخامة إنتاجه، حيث يتناول سيرة الجماعة التي اشتهرت باعتمادها على الاغتيال السياسي منهجا لتصفية خصومها، واتخذت من قلعة الموت مقرا ومنطلقا لدعوتها في الفترة بين القرنيين 11 و13 الميلادي.
ولد مؤسس الطائفة حسن بن علي بن محمد الصباح الحميري في مدينة الري (في إيران حاليا)، عام 1037 الميلادي، واعتنق المذهب الشيعي الفاطمي، وأسس دعوة جديدة تحت مسمى “الإسماعيلية النزارية” أو طائفة الحشاشين.
وترددت سيرة هذا الرجل المثير للجدل في مؤلفات العديد من المؤرخين والباحثين مثل كتاب “الحشاشون”، تأليف برنارد لويس وتعريب محمد موسى، و”خرافات الحشاشين وأساطير الإسماعيليين”، لفرهاد دفتري وترجمة سيف الدين القصير و” الإسماعيلية تاريخ وعقائد” لإحسان إلهي ظهير، و”طائفة الإسماعيلية: تاريخها، نظمها، وعقائدها” للباحث محمد كامل حسين.
ووفقا للمصادر التاريخية القديمة مثل “البداية والنهاية” لابن كثير، و”الكامل في التاريخ” لابن الأثير، فإن حسن الصباح اتخذ من قلعة الموت في إيران مركزا لدعوته، وجمع لفيفا من الشباب حوله بعد إعطائهم مادة الحشيش المخدر، وغسل عقولهم لتنفيذ مخططاته.
مسلسل عربي ضخم ينتظر أن يلقى نجاحا كبيرا لطبيعة موضوعه الحساس، خاصة في هذا الظرف الصعب الذي تمر به الدول العربية
ولم يكشف إلى اليوم منتج العمل عن اسم الممثل الذي سيقوم بدور الصباح، الذي عرف بأنه أوّل من شرّع الاغتيال السياسي في العالم، ونال من عدة رجال دولة وأمراء وشخصيات دينية، لعل أبرزهم صديقه الوزير السلجوقي البارز، نظام الملك.
توفي حسن الصباح بصورة طبيعية في قلعته عام 1124 الميلادي، لكن حركته استمرت في آسيا الوسطى وتصاعدت أعمال الحشاشين ضد السلاجقة، لتنتقل إلى سوريا وتحديدا جبال منطقة مصياف في ريف حماة.
وتعتبر رواية الأديب الفرنسي، اللبناني الأصل، أمين معلوف “سمرقند”، من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت تاريخ طائفة الحشاشين في بعدها الإنساني، وتمحورت حول الصداقة التي جمعت الشاعر عمر الخيام ومؤسس الجماعة حسن الصباح، وتابعت تطور دعوتهم منذ سيطرتهم على المشهد السياسي حتى سقوط قلعة الموت على يد المغول.
كما ترددت كلمة “الحشاشين” كثيرا في الأدبيات الأوروبية، عند الحديث عن القتلة المحترفين، على غرار كتاب فريا ستارك الموسوم بـ”أنهار القتلة ورحلة الفارسي الأخرى”، لكنها في الواقع تنسب إلى إحدى أهم الفرق الإسلامية التي اعتمدت أسلوب الاغتيالات السياسية لنشر دعوتها واستطاعت أن تحقق نفوذا كبيرا في الشام وإيران.
تاريخ عش النسر
يرجح المؤرخون أن قلعة الموت قد بنيت حوالي عام 840 الميلادي وعلى ارتفاع يقدر بحوالي 2.100 متر، وبنيت بطريقة لا يكون الوصول من وإليها إلا من خلال طريق واحد يلف على المنحدر المصطنع (المنحدر الطبيعي صخوره شديدة الانحدار وخطرة)، لذلك فإن أي غزو للحصن يجب أن يحسب له نظرا إلى خطورة الإقدام على مثل هذا العمل.
ولم يعرف الباني الأساسي للقلعة، ويقال إن من بناها هو أحد ملوك الديلم القدماء وسمّاها “ألوه أموت” ومعناها عش النسر، ثم جددها حاكم علوي عام 860 الميلادي، وبقيت في أيديهم حتى دخلتها طائفة الحشاشين بواسطة أميرهم حسن الصباح في سبتمبر 1090 الميلادي فطرد الحاكم منها، وقيل إنه اشتراها منه بـ3000 دينار ذهبي. وتوجد منها الآن بقايا خرائب بالجوار لـ23 مبنى كانت مكتبات وحدائق.
غسان الجباعي: كتبت العمل قبل عشر سنوات ليرى النور أخيرا
وقد بقيت تلك الطائفة موجودة بالقلعة حتى دمرها هولاكو وهو في طريقه لغزو بغداد في ديسمبر 1256 الميلادي، كانت القلعة حصينة جدا، لكن ركن الدين خورشاه، وهو آخر أمراء الحصن، استسلم من دون قتال على أمل أن يرحمهم هولاكو وهو ما لم يفعله، فقد دمرها بالكامل.
بمجرد أن سيطر حسن الصباح الذي حكم بين فترة 1094 الميلادي و1124 الميلادي، على قلعة الموت بدأ في نشر دعاته في جميع أرجاء إيران السنية التي كان سكانها يتذمرون من الحكم السلجوقي للبلاد، فأرسلهم إلى كوهستان، وهي منطقة جبلية قاحلة تقع على الحدود بين إيران وأفغانستان، وقد تحوَّل الأمر في كوهستان إلى ما يشبه الثورة الشعبية أو حركة استقلال من الحكم السلجوقي، فقد هبَّ الإسماعيليون في ثورات صريحة في الكثير من أنحاء الإقليم وفرضوا سيطرتهم على عدة مدن رئيسية وهي شوشان وقعين وطبس وتون وغيرها.
وسبق للمركز العربي أن قدّم العديد من الأعمال التاريخية التي تناولت سيرة عدد من أبرز الشخصيات العربية وحققت متابعة واسعة مثل “أبناء الرشيد: الأمين والمأمون”، و”أبوجعفر المنصور” و”الحجاج”.
ويذكر أن المنتج طلال العواملة أنتج مؤخرا مسلسلي “وعد الغريب” و”مالك بن الريب”، اللذين حققا متابعة واسعة عند عرضهما في رمضان الماضي. كما شارك غسان الجباعي، مؤلف المسلسل في إنتاج الكثير من الأفلام التي كانت تنتجها المؤسسة العامة للسينما منها “شيء ما يحترق”، من إخراج نبيل شميط، و”الكومبارس” من إخراج نبيل المالح، و”اللجاة” من إخراج رياض شيا، و”الترحال” من إخراج ريمون بطرس، “فوق الرمل تحت الشمس”، وهو فيلم وثائقي عن تجربة السجن من إخراج محمد ملص وقد منع من العرض، وشارك بشخصيته الحقيقية في الفيلم الوثائقي “رحلة إلى الذاكرة” من إخراج هالا محمد، وأنتج عنه فيلما وثائقيا ضمن سلسلة “هؤلاء الآخرون” إخراج سوسن الدروزي، و”سلم إلى دمشق” الفيلم الروائي من إخراج محمد ملص في العام 2014.
شادي زريبي