أورينت نت- خاص: ياسر الأطرش
شهدت الساحة السورية جدلاً امتدَّ ليشكل أزمة دولية فضلاً عن كونه معضلة داخلية ، فالتنوع السوري دينياً وقومياً فريد من نوعه، ولكلٍّ وجهة تتبناه وتدافع عنه وتبدي قلقها على وجوده ومستقبله .
ولعل مسألة الضمانات التي ما انفك المجتمع الدولي يطالب بها المعارضة السورية لجهة الحفاظ على أمن الأقليات وضمان حقوقهم ، تضخمت لتصبح عبئاً وطلباً غير مشروع وغير منطقي في الدولة السورية ما قبل حكم الأسد والتي شهدت تناغماً عز نظيره منذ أن فتح المسيحيون أبواب دمشق لأبي عبيدة بن الجراح حتى تسنم مسيحيون وأكراد رئاسة الدولة والحكومة السورية غير مرة في أزهى فتراتها الديمقراطية . فما مبررات الخوف من مرحلة ما بعد الأسد ؟ ولماذا تأخرت الأقليات في الالتحاق بركب الثورة السورية إن كانت قد تأخرت فعلاً .. أورينت نت توجهت بهذه الأسئلة لناشطين وكتاب سوريين ينتمون لأطياف واسعة من هذه الأقليات .
مروان خوشيد: المستقبل لن يكون مطمئنا بوجود حكم إسلامي!
الناشط الكردي مروان خورشيد ومع ثقته بالمكونات السورية أبدى تخوفاً واضحاً من حكم إسلامي أحادي النظرة فقال ” للوهلة الأولى تشعر أن المستقبل لن يكون مطمئناً بوجود حكم إسلامي يتبنى رؤية جهة محددة ، كما يحصل الآن في مصر .. ولكن حين أنظر إلى التاريخ وتاريخ سوريا بالتحديد تزول مخاوفي لأن الدالية عالية عليهم ولن يطالوا هذا العنب مهما وضعوا سلالم فوق بعضها .. سوريا لا تستمر بالعطاء دون أن تأخذ في حياتها كل مكوناتها.”.
د. أديب حسن: مخاوفنا مشروعة جدا!
وكان الناشط والأديب الكردي د. أديب حسن محمد أكثر هواجساً فكانت مخاوفه دينية وقومية فصّلها بالقول : “إذا ذكرنا المكون العرقي الأكبر بعد العرب: الأكراد….لما للقضية الكردية في سوريا من شجون، أقلها تنكر شريحة كبيرة من العرب لحقوقهم المشروعة في المشاركة في مشروع وطني حقيقي يفضي لدولة المؤسسات التي لا تفرق بين مكوناتها، فإن هذا المكون قد تعرض لإجراءات تعسفية على مستويات عدة.
أما الأقليات الدينية وأخص: المسيحيين والإيزيديين فأرى أن مخاوفهم مشروعة جداً،لاسيما بعد ميل الجناح المسلح للثورة باتجاه الأسلمة الأصولية، وصدور بعض التصرفات من بعض الكتائب تجاه هذه الأقليات مما ساهم في هجرة عدد كبير منها باتجاه أوربا وأمريكا الشمالية، وتفريغ مناطقهم، والتغير المريع في البنية الديموغرافية لتلك المناطق بما لا يخدم سورية المتعددة الإثنيات ..الدولة التي نحلم أن تكون حاضنة للجميع”.
الناشط هوزان خليل أكد هذه المخاوف ورآها حقيقة ماثلة تعتري شريحة واسعة من الأقليات
“فبعد دخول الجماعات السلفية والجهادية إلى البلاد ازدادت مخاوف الأقليات وأصبحت نظرية النظام أكثر رسوخا لديهم وصارت المخاوف حقيقية على مستقبل هذه الأقليات في سوريا الغد”.
ناشطة مرشدية: بدن يحجبونا!
وفي محاولتها لقراءة المشهد قالت الناشطة والأخصائية النفسية ( المرشدية) ر .إ :
“نعم لديهم مخاوف كثيرة منهم .. يخافون أولا من انتقام الطائفة منهم، ويخافون من تطبيق الشريعة عليهم فكثيرا ما تسمع جملة “بدن يحجبونا”، يخافون على امتيازاتهم كطائفة، يخافون أيضا من المجهول مثل كثيرين هنا..”.
ومضت تشرح حال العلويين في حمص التي تنتمي إليها :”أغرقت حمص بالسلاح بين الطائفة العلوية في بداية نيسان 2011 حتى قبل أن يكون هناك جيش حر بحجة الدفاع عن النفس، وتم تشجيع ظاهرة التشبيح. لقد سعى النظام بكل إمكانياته لتسليح الناس، وبث المخاوف في الأقليات بالجملة الشهيرة: “السنة بدن يدبحوكن”.
ومع مرور الوقت وظهور المتطرفين فعليا على المشهد السوري، أصبحت مخاوف الأقليات أكثر جدية، وأعتقد أنها مخاوف مشروعة، وخصوصا لمن يراقب الأحداث في مصر وتونس”.
ميرفت: الدروز لم ينسوا عدوان الحكم السني في الخمسينيات!
الناشطة الدرزية ميرفت .ح ذات التوجه العلماني أبدت مخاوف مزدوجة طائفية ومدنية فقالت: “ما زالت ذاكرة الدروز حية ولم تنس العدوان الهمجي الذي شنه الحكم السني في الخمسينات على الجبل . قصفتنا طائرات نظام أديب الشيشكلي ولم يكن حكما دينياً، فما بالك بجبهة النصرة والسلفيين الذين سرقوا الثورة وأعلنوها حربا على العلمانية والمدنية التي ننادي بها . ربما كان هذا وذاك من قبله وراء إحجام الكثير من الأقليات وأبناء الطائفة الدرزية تحديداً عن المشاركة في الثورة واتباع سياسة النأي بالنفس . من سيضمن حقوقنا المدنية في دولة دينية متطرفة ؟ ظاهرة إجبار فتيات سوريات على ارتداء الحجاب ولو كنَّ مسيحيات لا يمكن إنكارها . ببساطة نحن لا نريد الأسد ولا نريد أيضا دولة دينية تضطهدنا دينياً وثقافيا واجتماعيا”.
وليد نبواني: الإسلام السياسي لم يقدم خطابا مطمئنا!
بينما عبر الناشط ابن الطائفة ذاتها وليد النبواني عن ثقته بالمستقبل وأكد مشاركة الدروز الموحدين بفاعلية في الثورة السورية ، ورد المخاوف التي تعتري البعض إلى “الأصوات التي بدأت تنطلق من منابر المساجد بالتحريض الطائفي وإيجاد آذان تسمع لتلك الاصوات . إضافة إلى عدم وجود خطاب مطمئن من الإسلام السياسي الذي ظهر متحكما بمسار الثورة من خلال التمويل والإعلام بأن الثورة هي للسوريين ولمستقبلهم”.
ديمة قاسم: الفكر السلفي ينتشر على مرأى ومسمع الجميع!
الناشطة والباحثة ( الاسماعيلية) ديمة قاسم أقرت بوجود مخاوف لدى الأقليات وحددتها بـ “التطرف الديني وما قد يليه من تصفية وانتقام لاسيما مع ظهور الشعارات الدينية المتشددة وانتشار الفكر السلفي على مرأى ومسمع الجميع . وكذلك انعدام التطمينات الفعلية غير اللفظية للأقليات وغياب البرامج التي من شأنها نشر وتكريس مبدأ المواطنة وضمان الحق للجميع في سوريا المستقبل “.
(باحث وناشط طلب عدم الكشف عن اسمه لوجوده في مكان خطر بدمشق) أجاب على سؤالنا بالقول:
لعبت المرجعيات الدينية للأقليات دوراً سلبياً في التخويف، وكبح أي تنامي أفقي أو عمودي للحراك، بفعل تحالف تلك المرجعيات مع النظام، وشراء ولاءاتها تاريخياً. تبقى هناك نقطتان: الأولى ترتبط بالطائفة العلوية التي نجح النظام بتزييف وعيها بضرب نخبها السياسية والثقافية عبر عقود الطغيان، وإلحاقها بمؤسسته العسكرية و الأمنية بسبب الفقر و غياب التنمية الحقيقية في مناطقهم. في حين أن الطائفة الاسماعيلية وحدها شذّت عن القاعدة العامّة فكانت السَّلمية ثالث مدينة تتظاهر وتنخرط في الثورة بقاعدتها الشعبية و نخبها في آن معاً، وفي احتضانها المشهود للحمويين. وكذلك مصياف في بعض التظاهرات، وفي الشعور العام، وإن كان لها وضع خاص لكونها محاطة بسبعين قرية موالية، لكن أظن أنَّ المزاج العام بدأ يتغير كثيراً، و يميل للثورة، لدى الدروز، وحتى المسيحيين، خاصة في ظل تنامي أزمات المعيشة و الغلاء، وعجز النّظام في حلها، وكذلك التفجيرات المفتعلة في مناطقهم، والتي بدأت تعطي نتائج عكسية.
الإسلام السياسي والتهجير على رأس مخاوف المسيحيين ..
الدكتور بسام عويل والذي يرفض مفهوم الأقليات بالمعنى الاجتماعي أو الديني رأى بأن:
“مفهوم الأقليات بالمعنى الحقوقي والسياسي يفترض وجود أكثرية مستبدة تفرض رؤيتها على تلك ” الأقليات” أو تحاصرها وتمنع عنها ممارسة حقوقها. وهذا بالطبع لا ينطبق على الحال بسوريا.. فالأقلية عمليا حكمت سوريا لأكثر من أربعة عقود وبمساعدة أفراد من الأقليات والأكثرية ولكن ليس وفق التعريف الاجتماعي من جديد.
المخاوف حاليا كما يعرف الجميع هي مخاوف من الانتقام ولا أظن أن جذرها طائفي أو مذهبي بقدر ما هو في التطرف والعنف اللذان بدآ يسودان على الساحة من قبل معظم اللاعبين “.
ورأى الدكتور عويل أن بعض المسيحيين قد يدفعون ضريبة الجغرافيا والجوار،فقال: ” لا أعتقد أن للمسيحيين في المدن والمناطق الكبرى من مخاوف كبيرة بالمقارنة مع تلك في القرى والمدن الصغيرة التي تجاور القرى والمناطق ذات الأغلبية العلوية كوادي النصارى وقرى طرطوس الأخرى لأنه عندها إذا ما تمت من عمليلت انتقامية فقد تصيبهم أيضا”.
د. طلال العبد الله: المسيحيون يخافون التهجير!
واستعاد الدكتور طلال العبد الله، إبن مدينة السقيليبة المسيحية في حماة، التاريخ منبهاً لخطورة تكراره :
“لدى المسيحيين خوف شديد من منظمات الإسلام السياسي، وأنهم معرضون للتهجير، ومشهد التجربة العراقية أمامهم ….فالدولة العثمانية التي حاولت تهجير المسيحيين ومارست كل أشكال الاضطهاد والقتل ضدهم لم تستطع تهجيرهم (مذابح المسيحيين والآشوريين والسريان 1915) “.