“مخطوطة ابن إسحاق, مدينة الموتى”, هي رواية للكاتب المصري حسن الجندي, تصنف ضمن روايات الرعب, تتحدث عن شاب جامعي خامل, يقرر ذات مرة زيارة سور الأزبكية وهو مكان لبيع الكتب القديمة يماثل شارع المتنبي في بغداد, وكانت زيارته الأولى لهذا المكان, فهو يعيش بعيد عن عالم الكتب والمعرفة, مثل اغلب شباب هذا العصر التابع للشبكة العنكبوتية “الانترنيت”, فتقع بين يديه مخطوطة أصلية لساحر عاش في مصر في فترة بعيدة, فينغمس في قراءتها, فيصبح شخص أخر, حيث ركزت الرواية على مخاطر كتب السحر على جيل الشباب غير الواعي.
عالجت الرواية موضوع مخاطر مطالعة كتب السحر, من دون وعي وفهم سابق, فتكون مطب كبير لمن يطالعها, أن السحر في العالم الغربي يعتبر علم وله قوانينه وأساتذته, أما في بلداننا فيعتبر شعوذة ويستخدمه في الغالب حثالة المجتمع, وهو في الحالتين خطير ويؤثر سلبا على الشخص المتعاطي به, وقد كفر ديننا المتعاملين بفنون السحر, لكن قضية تداول كتب السحر وسهولة الحصول عليها من الأمور الخطيرة, وهي منتشرة ألان وبكثافة, هذه الظاهرة يجب أن يكون لها ضوابط, كي ندفع خطرها.
أولا نوضح أمر مهم وهو أننا لسنا ضد حق النشر وحرية التداول, لكن كتب السحر والشعوذة تعتمد فنون غريبة, تنتمي لقوانين ما وراء الطبيعة, وتكون خطرا على فئة الشباب والأشخاص المرضى النفسيين, فيكون موضوع حماية المجتمع مقدم على حرية التداول.
● انتكاسات الحياة هي السبب
قصة الشاب مازن مازالت طرية في ذاكرتي, كان مازن إنسان طيب يسعى دوما لخدمة الناس,لكنه تعرض لانتكاسات متتابعة من وفاة والده, الى فشله بالحب, الى خسارة مشروعه, مما جعله يلجا الى الانعزال عن الناس, كان يحس بالحقد على كل من استهزأ بآرائه, أخيرا وجد كتاب بعنوان السحر الأسود, فشرع بقراءته بشره كبير, وبدأ يجمع كتب غريبة ويمارس طقوس عجيبة, الى ساءت أحواله الصحية والنفسية وانتهت بموته المفاجئ.
بعض الشخوص يكون بنائهم الشخصي ضعيف, والبعض الأخر تكون ضغوطات الزمان عليه شديدة, هؤلاء يكون عالم السحر وقوانينه الغامضة خطر شديد عليهم, حيث يتحولون الى أشخاص خاضعين لقوة غريبة, بما يسمى بالتلبس أو طبيا بذات السحايا, خمول توقف عن أداء أي دور حياتي, وكل هذا بسبب الغرق في صفحات كتب, والاعتقاد بالقوى الخفية, وكل هذا لا ينهض بالإنسان بل تحط من قدره.
● كتب السحر والفضائيات
أحيانا تكون الدوافع لدخول عالم كتب السحر, هو البحث عن القوة, والسعي للفوز بالغايات, بعد أن جعلت الحياة كل الأمور صعبة المنال, وعندها تحصل عملية الغرق, ويكتشف أن لا قوة حقيقية ولا فوز بأي شيء, فقط مجرد خيبة أمل وندم لكن حين لا ينفع الندم.
لكن الغريب أن تفتح فضائيات للترويج للسحرة والدجالين, وهؤلاء يرشدون الى كتبهم ويبينون للمتلقي طريق الفوز بقوة خفية, كان في السابق يتم اعتقال السحار لكن ألان يسمح له بفتح مكاتب وفضائيات ليدخل كل بيت من دون استئذان, أمثال أبو علي الشيباني والوائلي وغيرهم الكثير, وقد أصبحت لهم شعبية ومريدين وناس تأخذ منهم.
العجيب أيضا أن تركز بالدراما العربية على موضوع السحر, وتقوم بإطلاق مسلسلات تعتمد على قضية السحر, وتبرزها بشكل مخيف مثل مسلسل (الكبريت الأحمر), والذي عرض بعد شهر رمضان الفائت, ومسلسل (ونوس), وكلاهما يخلق تشويق عند الإنسان العادي للخوض في كتب السحر, ليفهم ما طرحته الدراما, وهنا يتبين لنا مدى تغلل خط السحر, وهذا لا يتم الا بتواجد شخوص ومنهج وهدف, ويتضح مقدار عدم الاهتمام بالإنسان العربي, وغياب لجان الرقابة الفعال, بل يبدو أن هنالك جهات خفية تدعم نشوء هكذا خط أعلامي يروج للسحر.
● الثمرة
نحتاج اليوم الى تنظيم عملية تداول كتب السحر, مثلا أن يحدد عمر معين يسمح له بالاطلاع على كتب السحر, وان يفرض عليها ضريبة كبيرة كي ترتفع أثمانها فتصبح صعبة المنال, وان تلتزم دور النشر بتوفير معلومات كاملة عن أي كتاب للسحر يطبع الراعي والهدف والفئة المستهدفة, وإلا يتم محاسبة دار النشر الى عقوبات تصل للغلق والسجن, ومن جانب أخر يجب على الأعلام والمنابر أن ترسخ فكرة أن الإنسان يجب أن يصل لغاياته عبر قدراته وأرادته وعلمه وليس بطريق والسحر والخزعبلات, الوعي وعملية خلقه في المجتمع أمر مهم في حل هذه القضية.
تكاتف الجهود يجعلنا نتقدم بخطوات واثقة في عملية حماية المجتمع من مخاطر قوانين عالم خفي.