يرجع تاريخ اليهود الى ابراهيم الخليل، رئيس قبيلة عشائرية بدوية كانت تسكن في اور في منطقة الناصرية ما بين النهرين ، وتنتقل من ديار الى اخرى حتى عبرت الفرات ووصلت أرض كنعان . ودعيت تلك العشيرة بالعبريين وذلك سنة 1500-1650 ق. م . ثم دخلوا مصر وبقوا فيها اربعمائة سنة استعبدهم فيها الفراعنة ولاقوا منهم الظلم والعسف وعاشوا عيشة الاجانب، واجبروا على اقامة الاهرامات وبناء مدينتي بيقوم ورعمسيس ، حتى قام من بينهم النبي موسى سنة 1300 ق . م فأخرجهم من مصر زمن الملك رعمسيس الثاني(1300 – 1273 ق. م) وقادهم الى (أرض الميعاد) بعد تيه دام اربعين سنة في صحراء سيناء.
وفي ارض الميعاد أسسوا مملكة اسرائيل الاولى ، وقام منهم الملوك شاؤول وداود وسليمان الحكيم الذي شيد الهيكل الأول سنة 965-926 ق.م.
شنَّ الاشوريون حملتهم على اسرائيل سنة 721 ق.م واجلوا 2780 اسرائيليا الى بابل ، وبعد 19 سنة حمل الملك سنحاريب الاشوري على مدن اليهود ، وأسر من سكانها حوالي 20 الفاً ايضاً.
ثم من بعده نبوخذنصر البابلي(604-561 ق.م) فخرب الهيكل الاول الذي بناه الملك سليمان ، واستولى على خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك وكسر جميع اواني الذهب وساق قوافل الاسرى الى العراق سنة 586 ق.م وكان عددهم حوالي الـ 50 الف نسمة.
وفي العراق وجد اليهود الاسرى الذين اجلاهم نبوخذنصر اخواناً لهم سبق ان جاء بهم الى العراق جيش شلمناصر والملك سنحاريب الاشوري ، فاختلطوا بهم وتعاونوا معهم حتى غزا(كورش) ملك الفرس بلاد الرافدين(سنة 549 ق.م) ، وسمح لليهود الذين جيء بهم أسرى الى العراق بالعودة الى أرض الميعاد بقيادة (زوربابيل) ، واعاد اليهم كنوز الهيكل التي سبق ان سلبها نبوخذنصر، ولم يتم بناء الهيكل الثاني حتى تولي الحكا دارا الاول سنة 515 ق.م.
اما الجالية اليهودية التي فضلت البقاء في بابل فقد كانت مكونة من تجار واطباء ومهندسين وزراع ابتاعت الاراضي وزرعتها ، وغرست فيها اشجاراً وأنشأت حدائق وجنان ، واشترت حقولاً حرثتها واسست قرى على ضفاف الانهر فسكنتها ، وكان التجار يقومون بمعاملات وعقود تجارية ومالية وسفاتج . وقد عثر سنة 1874 اثر التنقيبات في العراق على جرار عديدة فيها اسماء عبرية مع صور عقود ومعاملات تجارية ومالية وسندات مع ذكر تاريخ اليوم والشهر والسنة التي تم فيها العقد.
وتمتع اليهود في فترة الحكم الفارسي بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، وما ان حل عهد الاغريق 332-64 ق.م ، حتى اصبح وضعهم يتأرجح بين المد والجزر، فتارة يقعون تحت حكم البطالمة في مصر، وطوراً تحت حكم السلوقيين في سورية.
وعندما استولى اسكندر الكبير على بابل سنة 331 استقبله الاهلون برحابة صدر، ولكنه عامل اليهود بقسوة وفرض عليهم الجزية، إلا ان اليهود تداركوا الأمر فاسترضوه وصالحوه، وتطوع عدد منهم للخدمة العسكرية في جيشه.
ولاقى اليهود أسوأ المعاملة في عهد الملك السلوقي انطيوخس الرابع، (175-164 ق.م) فدمر هذا الملك الهيكل، ونهب خزائنه، واجبر اليهود على نبذ الديانة اليهودية واعتناق الوثنية اليونانية. وهنا اخذ الصراع بين اليهودية والاغريقية يشتد يوماً بعد يوم حتى اندلعت ثورة المكابين سنة 176 ق. م بقيادة يهودا المكابي واخوانه الاربعة ، الذين برز منهم اخواه يونثان وشمعون ، ودامت الثورة عدة سنوات حتى استعادت البلاد استقلالها سنة 165 ق.م ، بعد أن رزحت تحت حكم الفرس والاغريق ما يقارب الاربعمائة سنة ، ويحتفل اليهود بذكرى هذه الثورة حتى يومنا هذا بعيد الانوار(الحانوكة)…
وجاء بعدئذ دور الرومان، إذ انهم بعد أن تغلبوا على السلوقيين واستولوا على سورية بقيادة القائد الروماني بومبي سنة 64 ق. م ، عرج هذا القائد بعد سنة واحدة على اورشليم والحقها بحاكم سورية الروماني ، وذلك دون ان يطلق سهما او يلقي حجراً واحداً !.
وقد بطل عجبه عندما عرف ان السبب ، هو أن يوم الهجوم صادف يوم سبت ، وهم يوم محرم فيه على اليهود القيام بأي عمل، ودخل(قدس الاقداس) من الهيكل، ولم يعثر بداخله على اي تمثال كما كان يظن، وكذلك لم يجد الواح التوراة المنزلة على النبي موسى والتي حفظها اليهود في(قدس الاقداس) ، إذ كانت قد دمرت عندما استولى نبوخذنصر البابلي على أورشليم وخربها في القرن السادس قبل الميلاد.
مذبحة أورشليم//
وفي هذه الفترة جرت محاكمة المسيح وصلبه سنة 29 م. وتولى الحكم على ارض الميعاد عدد من الحكام الرومانيين، وكلهم فاسدون ومرتشون ،الى ان تسلم القيادة طيطوس الذي سيطر على الموقف بمساعدة جيشه المؤلف من 15 الف جندي ، وتمكن من القضاء على الشغب والعصيان الذي حصل هنا وهناك ، وضرب اورشليم سنة 70 م ، واوقع مذبحة مريعة بأهلها، وأحرق الهيكل بيت الرب ، وذبح كهنته وساق لاحياء الباقين عبيداً ، وقضى تماماً على الكيان الذاني لدين اليهود بما في ذلك المؤسسات الادارية والدينية التي كانت تتمثل في السنهدرين، وهو المجمع الديني الاعلى وكان عدد اعضائه لايقل عن السبعين، وكلهم من كبار الكهنة والاحبار والفقهاء.
أما يهود العراق فكانوا في عهد المملكة الفرثية ، والتي قامت في القرن الثالث قبل الميلاد ودامت حتى منتصف القرن الثالث الميلادي، يتمتعون بما يضاهي الاستقلال والحكم الذاتي. ففي المدن التي كان لهم فيها طوائف كبيرة كان لهم استقلال محلّي ، وحق انتخاب قضاة وحارة خاصة بسكناهم.
اما في عهد الساسانيين(241-642 م) فقد تقلبت احوالهم بين الطمأنينة والاضطراب.
وقد اشتهرت مدينة((نهر دعه)) على ضفاف الفرات في التاريخ اليهودي بمدرستها الدينية(المثيبة) [ وهي مستوطنة من المستوطنات اليهودية القديمة الكبيرة التي تأسست في جنوب بلاد بابل ، وتقع عند فم نهر ملكا ، أي مخرج نهر الملك من الفرات في مملكة الحيرة ] .
وكانت تلك المدينة آهلة بالسكان اليهود الذي اتخذوها مركزاً يجمعون فيه تبرعات وهدايا يهود العراق وبلاد ماذي وفارس ويرسلون بها الى اروشليم.
وبعد خرابها عام 259 م انتقلت مدرستها الى مدينة بوميديتا التي نالت شهرة عظيمة في علومها الدينية والروحانية. واشتهرت بجانب هذه المدرسة مثيبة((سورا)) التي اقيمت عام 219م. وتخرج من كلتا المدرستين مئات من العلماء والاحبار على مختلف العصور. إذ انهما بقيتا نحو ثمانية قرون مبعثاً للعلم ومصدراً للتعاليم الدينية اليهودية.
وبقيت العلوم في أوساط يهود العراق زاهرة بعد ما خبا نورها في اورشليم والديار المقدسة. إذ شرع احبار سورا في القرن الرابع الميلادي بوضع التلمود البابلي الذي تم انجازه نهائياً في اواخر القرن الخامس الميلادي. ولغته آرامية شرقية مندائية ، بينما كتب التلمود الاورشليمي باللغة الارامية الغربية. وقد تضاءلت انوار تلمود اورشليم امام التلمود البابلي فنال الاخير منزلة سامية عند علماء اليهود ولا يزال كذلك حتى يومنا هذا.
وفي خضم تلك الصراعات السياسية والدينية ،نزح العديد من اليهود والذين يشكلون مجموعات قبلية الانتماء من ارض بابل الى انحاء شتى من المناطق المجاورة والبعيدة ، لاسباب الاضطهاد، وتعرضهم للظلم والاستبداد من خلال القوانين الجائرة التي تفرضها سلطات مناطق تجمعاتهم البشرية ، وايضا لاسباب تجارية اقتصادية تفتح لهم منافذ اخرى لممارسة تجارتهم او لاعمالهم الحرفية والمهنية ، وقد وصل الكثير منهم الى نواحي الجزيرة العربية الشمالية والجنوبية ، وقد واستوطنت مجاميع منهم نواحي آسيا واوروبا.
ومن بين تعدد مراحل النزوح للحقب التاريخية المختلفة ليهود بابل ،اتخذ البعض منهم اليمن موطنا جديدا لهم ،حيث وجدوا الاستقرار والطمأنينة لعدد من الاجيال ،لذا طاب المقام لهم في ظل حياة جديدة .
اما عن المهد الأصلي للساميين فقد ذهب المؤرخون في ذلك مذاهب مختلفة ، أقل ما نقول عن معظمها بأنها ناجمة إما عن اضطراب في المصادر التاريخية الحقيقية ،أو لمجرد الرغبة في حرف الحقائق خدمة لأهداف محددة ،ولا نبتعد عن هذه القناعة وهي تشمل المصادر التاريخية الرائجة في بلاد مابين النهرين والذي وقع بعض المؤرخين العرب في أحابيلها دون وعي كبير .
لقد رأى نفر من المؤرخين أن المهد الأصلي ، إنما هو أرض بابل في شمال العراق ورأى آخرون ان شرق أفريقيا وبالأخص ” الحبشة ” وطن الساميين وذهب آخرون إلى حقيقة ان الجزيرة العربية هي المهد الأول للسامية وآخرون إلى غير ذلك .
فكيف نوفق بين هذه الادعاءات وبين تطور حياة اليهود في اليمن وبقية مناطق الجزيرة العربية ، وبين أصالة وقدم أرض بابل ؟
لهذا ينبغي الانتباه إلى الخطأ القائل بأن يهود اليمن قدموا من خارج بابل، لعوامل كان مجملها هجمات الرومان على بلاد الكنعانيين عام ( 70م ).
وجود اليهود في اليمن شمالها وجنوبها وفي يثرب أو ما يعرف اليوم بالمدينة المنورة وهي اكثر منطقة تجمع فيها اليهود آنذاك وفي مكة ،كما كانت مناطق ازدهارهم تنحصر في شمال صنعاء وبالذات في ” حاشد ” وذلك قبل الإسلام وحروبه المعروفة مع الأوس والخزرج .
بالرغم من العلاقة بين يهود اليمن ويهود بابل في هذه الفترة التي كانت قوية جداً بقيت لهجتهم البابلية باللغة العبرية والآرامية خاصة بهم. واستخدموا تنقيطاً خاصاً بهم يخالف التنقيط العبري وهو بابلي الأصل. كما نجد في مخطوطات التلمود البابلي في اليمن نسخة خاصة جداً بهم. وهي أحياناً أوضح من نسخة التلمود المطبوعة في أوروبا، لأن الكتّاب اليمنيين حرصوا عند نسخ كتبهم أن تكون دقيقة جداً كما أمليت عليهم تماماً.
ويظهر فحص الحمض النووي DNA ، بين اليهود اليمنيين وأفراد من جاليات يهودية مختلفة أخرى في العالم روابط وراثية جينية مع معظم تلك المجتمعات وتتشارك في الصفات الوراثية للكروموسوم الذكري X
والكروموسوم الانثوي Y من اليهود اليمنيين ، هي أيضا مشابهة لتلك الموجودة لدى شعوب شرق أوسطية اخرى ، وبالاخص يهود جنوب بلاد الرافدين ،على الرغم من الإقامة الطويلة للأجل في بقاع مختلفة وعزلتهم عن بعضهم البعض.
النتائج تدعم الفرضية التي تقول بأن اليهود من اصل واحد ،حيث ثبت الفحص الجيني للمجتمعات اليهودية من أوروبا ، وشمال أفريقيا ، والشرق الأوسط مع جينات الأسلاف في مناطق تواجد اليهود في عهود سابقة ، والتي تشير إلى أن معظم هذه المجتمعات اليهودية المعزولة نسبيا عن المجتمعات غير اليهودية المتجاورة خلال وبعد الشتات محافظة على هويتها الوراثية ..
ووفقا لعدة دراسات جينية، ومنها تبين لليهود اليمنيين بعض الروابط الوراثية في منطقة الجزيرة العربية الجنوبية لنجد والحجاز من البدو وكذلك لبدو فلسطين، هذا قد يكون عن طريق أصل التنقلات والنزوح لكلا جنوب وغرب المملكة العربية السعودية من خلال الحروب أو الرحلات التجارية من بدو وعرب جنوب غرب البلاد في مرحلة ما قبل ظهور الاسلام.
ذكرت المصادر التاريخية بأنه اكتشفت في مدينة “بيت شعاريم” في الجليل القريبة من حيفا في إسرائيل مقبرة يهودية تعود إلى القرن الثالث الميلادي كما ذكر بعض الباحثين، وتشير الكتابة المحفورة على حائط القبور باللغة اليونانية بأن الراقدين هنا هم “من أهل حِمْيَر”. وذلك يدلنا بأن رفات بعض المتوفين اليهود في الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية في فترة (مملكة حِمْيَر) كانت تنقل إلى أرض إسرائيل لدفنها هناك. وربما فعلوا ذلك كما ذكرت التوراة بأن يعقوب وابنه يوسف اللذين توفيا في بلاد مصر طلبا دفنهما في أرض إسرائيل. كما أيضاً ذكر التلمود بأن قبل وفاته في آسيا (ربما تركيا الآن) طلب الحاخام مئير بأن ينقلوا رفاته إلى أرض إسرائيل لدفنه فيها (التلمود الأورشليمي كلأييم).
بدأت الأئمة الزيدية في اليمن عندما جاء يحيى بن الحسين من المدينة المنورة عام 839م إلى اليمن وبقيت هذه الإمامة حتى ثورة الجمهوريين عام 1962 في اليمن.
من خلال المعلومات الشحيحة لدينا ومن الواضح أن يهود اليمن حافظوا على علاقات وثيقة مع الحاخامات في المركز اليهودي العراقي الذين أطلق عليهم الاسم “جاؤون”. ترجم الحاخام سعيد الفيومي (882– 942م) الكتاب المقدس العبري إلى اللغة العربية المسمى «كتاب التاج» في بداية القرن العاشر الميلادي في بغداد. واستخدمه يهود اليمن مع تفسيره الطويل كما درسوا جميع كتبه في تقليدهم ودروسهم الدينية .
لم تكن علاقة اليهود في اليمن بالثقافة العربية علاقة شكلية بل علاقة عميقة، فقد اتخذ اليهود الثقافة العربية واللغة العربية أداة للتفكير والكتابة، شأنهم بذلك شأن غالبية التجمعات اليهودية في المناطق العربية ، وكان أهم موضوع يشغل اليهود هو علاقة الدين بالفلسفة.
ألف الحاخام نثانئل بن فيومي اليمني (1147م) كتابه الفلسفي «بستان العقول» بالعربية وبالحروف العبرية. وكان هدفه أن يكون تعايش بين الناس بشكل العام وخاصة في اليمن بين الإسلام واليهودية.
ازدهرت التجارة الدولية بين يهود اليمن وأبحروا من ميناء عدن في الجنوب إلى البحر الأبيض المتوسط وإلى الهند، وازداد ثراء الجالية اليهودية في اليمن وبرز منهم تجار كبار.
ذُكر في الوثائق الموجودة في مكتبة “الجيزة” القاهرة. تعايش التجار اليمنيون اليهود خلال القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر مع يهود الهند ومصر وشمال أفريقية وتبادلوا التجارة بينهم من استيراد وتصدير وعظُمت التجارة بينهم وكان يهود اليمن جزءا لا يتجزأ من العالم اليهودي في هذه المنطقة المسلمة الواسعة الانتشار حتى شواطئ المحيط الأطلسي وإلى الهند.
في هذه الفترة كانت اليمن تحت حكم الأيوبيين الذين حكموا مصر، وكانت العلاقات الطائفية والدينية مع الحاخام موسى بن ميمون وابنه الحاخام إبراهيم كانت علاقة وثيقة ، وكلاهما من رؤساء الجالية اليهودية في مصر والقريبة من الحكومة.
كانت الفترة الأيوبية (1172 – 1254م) جيدة بالنسبة لليهود اليمنيين، إلا لفترة قصيرة عندما أجبرهم المعز الدين إسماعيل (1196 – 1201م) على اعتناق الإسلام، إلا أن ذلك لم يتم بسبب وفاته المفاجئة.
إن انتقال الحكم في اليمن من الأيوبيين إلى أسرة رسولي (1254م – 1454م) لم يأت بأي تغيير جذري في الأوضاع السياسية والاقتصادية لليهود. على الرغم من وجود تفاصيل متفرقة في المصادر الإسلامية حول بعض اليهود الذين اعتنقوا الإسلام، وهناك احتمال كبير وبشكل عام أن اليهود كانوا يعيشون في هدوء وبشكل آمن. وبقيت علاقتهم التجارية والأدبية مع يهود مصر تحت حكم المماليك علاقة وثيقة. وتعتبر هذه الفترة لليمنيين الفترة الذهبية في التجارة والثراء وربما في كل المجالات.
تغيرت الأمور مع تولي بني ظاهر الحكم في 1454م ، على ان احد اليهود قد زعم بانه هو المسيح ، واستقطب العديد من اليهود والمسلمين.
وبعد أن قُتل هذا المسيح الكاذب على يد الحكومة ، حرمت الحكومة على اليهود أن يسكنوا في منطقة حضرموت. وكانت هذه المرة الأولى التي منعت الحكومة اليمنية اليهود من الاستيطان في منطقة ، واضطروهم إلى الانتقال إلى مناطق يمنية أخرى. وبعد ذلك بفترة قصيرة، عادت الأئمة الزيدية إلى السيطرة وسيطرت على أكبر الأقاليم في الهضبة الوسطى حيث عاشت الجاليات اليهودية الكبيرة.
عندما جاء الأتراك العثمانيون الذين طردوا الزيديين إلى الشمال بعد السيطرة على الهضبة الوسطى، بما في ذلك صنعاء، حسّن الأتراك ظروف المعيشة لليهود. الذين عانوا بشدة من الحرب المستمرة بين الجيوش العثمانية والمتمردين الزيديين. في النهاية انتصر قاسم بن محمد رئيس القيادة القاسمية، من سلالة الأئمة الزيدية الجديدة، على الأتراك عام 1636م.
وفقاً للمؤلف اليهودي سالم شبزي الذي عاش أنذاك ، نعلم بأن يهود اليمن ساعدوا الإمام قاسم ضد الأتراك. وقد أُطلق على الإمام قاسم “الإمام الجميل”، ومن ثَم انقلب الإمام قاسم على اليهود اليمنيين الذين عانوا الكثيرَ تحت حكمه.
في 1667 زعم رجل في تركيا بأنه المسيح اليهودي واسمه شبتاي صبي واعتقد كثير من اليهود في أنحاء اليمن بأنه هو حقيقةً المسيح المنتظر، وكذلك آمن به كثير من اليهود في جميع أنحاء العالم.
وكانت ردة فعل الإمام إسماعيل قاسية بأنه ألغى القانونً الذي يحمي اليهود وخيّرهم أن يتبعوا الشرائع الإسلامية أو الموت. وبعد سنوات، عندما كان على فراش الموت أوعز إلى خليفته الإمام المهدي أحمد (1676– 1681م) أن يطبق هذا الحكم.
طرد الإمام المهدي أحمد اليهود من اليمن واستقر بهم المطاف في مدينة موزع، وهي بلدة صغيرة في غرب البلاد، وعاشوا ظروفاً معيشيةً قاسيةً جداً لا تطاق. بعد نحو عام ونصف تقريباً، سُمح لليهود بالعودة إلى مدنهم وقراهم، وشيّد اليهود مساكن جديدة لهم في أحياء جديدة خارج الجدار في المدن المسورة بعد أن كانت الحكومة استولت على منازلهم في السابق.
حوالي عام 1720م نقل الحاخام سالم العراقي إلى يهود اليمن الأسلوب الديني الشامي بدلا من العادات اليمنية الأصلية التي ما زالت حتى يومنا هذا عند البعض.
خدم هذا الحاخام ثلاثة أئمة وجمع الضرائب وكان مسؤولا عن البيت النعناع. شارك اليهود في تجارة جديدة مع الهند البريطانية. لكن ذلك كان فقط لفترة قصيرة، وذلك بسبب غيرة المسلمين على الثروة المتنامية عنداليهود. وأُلقي الحاخام العراقي في 1762م في السجن، وكان عمره أكثر من ثمانين سنة، وتمت مصادرة ثروته والممتلكات، وأغلقت جميع المعابد اليهودية في صنعاء لمدة ثلاثين عاماً.
تولى الحاخام يحيى بن صالح (1805م)، الذي رفض الأسلوب الشامي، أمور الطائفة اليهودية في صنعاء وألف كتبا دينية عديدة يدرسها يهود اليمن الى الآن ..
استولت بريطانيا على عدن عام 1839م ، ودخلت الجيوش التركية إلى صنعاء في 1872. في هذا العام بدأ اليهود من اليمن الهجرة الجماعية المتعاقبة إلى الأراضي المقدسة.
شهدت الطائفة اليهودية في اليمن الكثير من الاضطرابات خلال النصف الأول من القرن العشرين. في بداية هذا القرن، كانت اليمن تعاني بشدة من المجاعة الناجمة عن ثلاث سنوات من الجفاف (1903 – 1905)،
في الفترة التي حاصر الجيش المتمرد اليمني صنعاء كانت الظروف قاسية جداً وقويت المجاعة، حيث لقي يهود العاصمة حوالي أكثر من النصف (أو وفقاً لأحدى التقديرات ما يقرب من تسعين في المئة ــــ وهي نسبة مبالغ بها ) حتفهم. وأدى ذلك إلى هجرة اليهود في زمن الإمام يحيى عندما تدهورت الأوضاع الاقتصادية ،هاجروا إلى الأراضي المقدسة أو إلى مدينة عدن التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، حيث عاش اليهود في ظروف أفضل.
الحديث عن الطائفة اليهودية في اليمن ذو شجون ، فما يعرف عن هذه الجماعة من الناس محدود وضئيل بحيث لا يساعد على تكوين معرفة حقيقية بالمجتمع اليهودي الذي يعيش وسط المجتمع اليمني المسلم ويتعايش معه .
لقد كان عدد اليهود في اليمن حتى اربعينيات القرن الماضي لا بأس به ، لكن بعد قيام دولة اسرائيل واتجاه اعداد كبيرة منهم نحو الهجرة الى الدولة العبرية اخذ عددهم يتناقص حتى وصل في وقتنا الراهن الى حوالي400 نسمة فقط .
كان انحسار عدد افراد الطائفة اليهودية في اليمن حتى وصلت الى ما هي عليه اليوم بفعل الهجرات الى اسرائيل في اواخر الاربعينات من القرن الماضي .
تلك الهجرات وان كانت قد بدأت قبل قيام دولة اسرائيل إلا انها بلغت ذروتها مابين عم 1949م وعام ،1951 بحيث قدر عدد الذين رحلوا من اليمن خلال تلك الفترة بحوالي ( 45 ) الف نسمة جرى ترحيلهم وفقا لعملية منظمة عرفت بـ ” بساط الريح ” ، وتمت تحت غطاء سلطة الاحتلال البريطاني في عدن ، وبموافقة السلطة الامامية في شمال اليمن انذاك ، فمن خلال الجمعية اليهودية في عدن والوكالة اليهودية العالمية بالاضافة الى الوسطاء وسماسرة الترحيل من اليمنيين كانت تجري عملية ترحيل اليهود من اليمن الى اسرائيل .
نقل اليهود اليمنيون تقاليدهم وعاداتهم الدينية والاجتماعية إلى إسرائيل وحافظوا عليها حيث لا تزال بعض النساء تضع أغطية الرأس التقليدية والتحف والمجوهرات اليمنية. وهناك العديد من الكنس (المعابد) اليهودية اليمنية في جميع أنحاء إسرائيل بينما معظم اليهود اليمنيين وأبناؤهم تركوا عاداتهم اليمنية وانصهروا في المجتمع الذين يعيشون فيه.
تناقص عدد اليهود في اليمن بالاضافة الى ميلهم للعيش في تجمعات منعزلة عن تجمعات المسلمين جعلهم في حكم المجهول , فلا تكاد وسائل الاعلام ان تتحدث عنهم او تسلط الضوء على همومهم ومشاكلهم إلا فيما ندر , وغالبا ما يكون ذلك من باب الترويج السياسي الذي لا يهدف الى التعرف على مجتمعهم والتعاطي معهم كطائفة لها تاريخها وخصوصيتها وعلاقاتها بالمجتمع .
تشير بعض المصادر التاريخية الى ان عدد اليهود في اليمن كان في مطلع القرن العشرين يتراوح بين 75 الف و100 الف نسمة , موزعين على حوالي 1000 تجمع سكاني ، وان 80 % من تلك التجمعات كانت في القرى ، بينما 20 % منها فقط كان يسكن المدن ، وكان اكبر تركز سكاني لليهود في مدينة صنعاء ، اما في عدن فقد كان اليهود يشكلون نسبة 50 % من عدد سكانها عندما احتلتها بريطانيا عام 1839م حيث كان عدد السكان يقدر حينذاك بـ 600 نسمة ، غير ان هذا العدد تضاعف كثيرا في ظل السلطة الاسرائيلية حتى وصل في عام 1948م الى نحو 6000 نسمة .
وقد سكن اليهود عددا من المدن والقرى مثل صنعاء ,, عدن ,, لحج ,, تعز ,, ريدة ,, حورة ,, صعدة ,, خمر ,, وحبور الى جانب بعض وديان حضرموت ، غير ان القسم الاعظم من تلك التجمعات قد اختفى من الخارطة الجغرافية ولم يتبق منها سوى عدة تجمعات صغيرة في بعض المناطق ، حيث تعيش الطائفة اليهودية (حالياً ) موزعة بين بلاد المشرق بمحافظة صعدة ، ومنطقة( أرحب) بمحافظة صعده ، وفي مديريتي ريدة وخارف بمحافظة عمران ، ولا يزيد عدد سكانها عن أربعمائة نسمة وبما يقرب من ستين أسرة ..
وان اكبر تجمع سكاني لها ، تشكل في الآونة الأخيرة هو ذلك الواقع في التقارب الجغرافي مابين الحي الغربي من مدينة ريدة و(السوق الجديد ) بمديرية خارف بمحافظة عمران شمال العاصمة صنعاء .
هذا التجمع تكون عبر نزوح جماعات اليهود من عدة مناطق سكنوها سابقاً ومنها : العرقة و ناعط و كانط وبني عبد و عثار وغيرها ، وآخر نزوح او انتقال كان قبل ستة عشر عاما عندما انتقلت أسرة ( سالم الشغدري ) من منطقة ( الشغادرة ) بمحافظة حجة لتنظم الى التجمع اليهودي في منطقة ” السوق الجديد ” .
الفريق الصحفي( صن شاين نيوز) الذي زار اليمن يحاول تقديم صورة عن اليهود في اليمن وتسليط الضوء على جوانب من حياتهم ومشاكلهم والمصاعب التي يواجهونها في معيشتهم اليومية :
في طريق زيارتنا للطائفة اليهودية ، وعند مدخل منطقة ( السوق الجيد ) بمديرية خارف ، ومن أمام احد المباني الذي على ما يبدو ان بناءه لم يكتمل منذ سنوات ركب ( محمد سائق التاكسي)السيارة واصلنا طريقنا فيما كان يتحدث إلينا عن المنطقة وما أن علم بقصدنا الحي اليهودي حتى ظن بان مقدمنا لغرض العلاج مما جعله يحاول إقناعنا بعدم جدوى علاجهم – يقصد اليهود – وبان هناك احد الاطباء من المسلمين في ذات المنطقة : (مضمون ) حد تعبيره .. واتضح لنا فيما بعد أن (محمد) وغيره ممن يتخذون من ذلك المبنى عند مدخل السوق الجديد مقرا لهم، للتكسب من زوار المنطقة الذين يفدون اليها لغرض العلاج، فيعملون على اقتيادهم إلى من يدفع لهم عمولة من المعالجين مقابل كل زبون.
( بقعة اليهود ) هكذا يطلق على الحي الذي يسكنه اليهود في منطقة السوق الجديد ، ليس منفصلاً أو معزولاً عن جيرانهم من المسلمين ، إلا أنهم (أي اليهود ) يحيطون منازلهم بأسوار عاليه ومتينة ، شيدت مرتفعة بضعف ارتفاع المنازل ، وأرجعت المعلومات سبب ذلك إلى الحماية من اللصوص ومن باب الاحتياط الأمني ، خاصة وقد تعرض العديد من منازلهم لعمليات السطو والسرقة , كان آخر تلك الاعتداءات ما تعرض له منزل ( سليمان يعقوب ) مدير المدرسة العبرية بـ ( خارف ) ، حيث هوجم ليلاً بعد أن أغلق الباب الرئيسي للمنزل , فجرت محاولة لفتح وكسر ( المخلفه) أي الباب المؤدي إلى سطح المنزل دون جدوى , وظل اللصوص محاصرين منزل ( سليمان ) طوال الليل ولم يغادروا المكان إلا عند الفجر , بعدها كلف سليمان احد الجنود لحراسة منزله لعدة ليال , ولم يعاود اللصوص محاولتهم , ولم يتم القبض او حتى التعرف عليهم .
حياة اليهود في تجمعات يفسرها العيلوم يعيش بن يحيى ” 82 عاما ” بالقول : بان أي أقلية في منطقة ما في بلد ما بما في ذلك الطائفة اليهودية في اليمن ألتي أصبحت في عداد الأقليات مما جعلها تتشكل وتتقارب في ثلاث تجمعات وأكبرها هنا بمحافظة عمران ما بين خارف وريدة ، لحاجتنا لبعضنا ولتكافلنا وللاطمئنان على أحوال بعضنا البعض ، وبالإضافة لإقامة صلواتنا وأعيادنا ( سبوتنا ) إلى جانب بناء المدارس لتعليم أبناءنا وبناتنا التوراة و الزبور و ( الحياة وموت ).
دفعت الاعتداءات المتقطعة التي شنها المتطرّفون المناهضون لليهود في السنوات الأخيرة باليهود المقيمين في اليمن إلى التمركز في مدينة ريده لتوخي مزيداً من الأمن وكذا الحفاظ على مجتمعهم. لقد تراجع عدد السكان اليهود كثيراً خلال السنوات الخمسين الماضية، فمن عشرات الآلاف أصبح عدد اليهود في اليمن لا يتجاوز بضع المئات وذلك بسبب الهجرة ( المصدر : التقرير العالمي للحرية الدينية 2006م)
ليس من بين اليهود من يمتلك الأرض الزراعية أو العقارات أو المحلات التجارية ، كما أن ليس من بينهم من يتقاضى راتباً شهرياً كموظف في الجهاز الإداري للدولة عدا شخص واحد هو” فائز الجرادي ” مدير مدرسة الشبزي العبرية بـ ( ريدة) , ليسوا أوفر حظاً ولا أحسن حالا في معيشتهم عن باقي الشعب اليمني فالجميع يئن تحت وطأة البؤس والفقر وضيق الحالة المعيشية يقومون بأعمال حرفية عدة كالحدادة والنجارة وإصلاح السيارات ويعمل البعض سائقاً للدرجات النارية وآخرين ( إسكافي ) أي إصلاح الأحذية على الطرقات والأسواق العامة إلى جانب العمل في مواسم الحصاد الزراعي لدى ملاك الأراضي الزراعية من المسلمين .
أن التدهور الاقتصادي وسؤ حالتهم المعيشية وفقرهم المدقع حدا بالعميد طــه هاجر المحافظ , قبل حوالي اربع او خمس سنوات (سنة 2000 ) الى إعفائهم من دفع الضرائب ( الجزية ) للدولة والتي كانت مفروضة عليهم إلى عهد قريب ، ولذات الأسباب الاقتصادية والمعيشية فإن غالبيتهم يرجع تزايد نسبة النزوح والهجرة إلى إسرائيل خلال العقد الأخير،حيث وصلت النسبة إلى ما يقرب من 50% من تعدادهم الحالي اي حوالي 200 فرد ، ولربما اقل من هذا العدد في خضم الصراع الحالي في اليمن ( المصدر : التقرير العالمي للحرية الدينية 2013 ) .
ذكر عدد من أبناء الطائفة اليهودية في اليمن وممن لهم أقارب في إسرائيل أن أول فوج من يهود اليمن وصل (ارض إسرائيل ) وفي أربعينيات القرن الماضي وٌطن في منطقة (روش عين)بالقرب من تل أبيب، حيث وضع ما يقرب من 99 بالمائة منهم في مخيمات حتى يتم تجهيز منازل لهم ، إلا أنهم لم يقبلوا بذلك الواقع فقاموا بتكسير الأحجار وبناء منازلهم ،وبدؤا بناء مجتمعهم اليمني الصغير داخل إسرائيل، ناقلين معهم شجرة القات التي امتدت زراعتها ( مؤخراً ) إلى عدة مناطق ومنها (تل أبيب) ، واستحدثوا لها أسواقا ًتجارية يتناولون (القات) طرياً ويبيعونه لليهود الشرقيين والغربيين ويصدرونه إلى أمريكا ودول أوربا طرياً أيضاً، بعد أن رفضه (الموالعة ) أي القات مصنعاً وجافاً على هيئة أقراص ومستحضرات أخرى .
( سليمان يعقوب ) مدير المدرسة العبرية بمنطقة السوق الجديد بخارف تحدث للفريق الصحفي ، بان هذه المدرسة التي يتم بناؤها هي مدرسة للبنين وهناك مدرسة أخرى قد بنيت سابقاً للبنات وتدرس فيها 28 طالبة بُنيت بمساهمة محلية من المواطنين اليهود في المنطقة كما أن هناك مدرسة أخرى في مركز مديرية ريده هي مدرسة الشبزي العبرية .
وأضاف الأمية منتشرة بين المواطنين اليهود ويرجع ذلك لإحجام الطلاب اليهود عن الذهاب إلى المدارس الحكومية الأمر الذي كان يضطرنا إلى تعليمهم علوم الديانة اليهودية واللغة العبرية , إما في المنازل أو في الكنيس أو الابتعاث إلى أميركا أو إسرائيل لمواصلة التعليم والدراسات العليا ,
وكما أشار الفريق الصحفي ـــ صن شاين نيوز ـــ بأن ( باروخ سعيد ) في التاسعة من العمر تقريباً , يجذبك بحدة ذكائه وسرعة بديهته ولباقة لسانه ودبلوماسيته في الحديث استغربنا اسمه بداية الأمر،على حد ما ذكر الفريق الصحفي ، فأدرك ذلك وأوضح : باروخ اسمي وهي كلمة عبرية تعني بالعربية مبروك أو مبارك , وأضاف انه طالب في المدرسة العبرية في الصف الثاني – حد قوله – وكشف سبب إحجام أبناء الطائفة اليهودية عن الدراسة في المدارس الحكومية, حيث قال، الطلاب المسلمون يقومون بضربه في المدارس الحكومية ومضايقتهم, وأضاف : ان أحد أبناء اليهود قد ضرب في,, ريده ,, في الآونة الأخيرة من الطلاب المسلمين ضرباً مبرحاً حتى أسالوا دمه , وعندما اشتكى الأمر لوالده لم يستطع عمل أي شيء له سوى منعه من الذهاب إلى المدرسة والآن يدرس في المدرسة العبرية !.
(الموري أي الحاخام يحيى يعيش ) تحدث أيضا عن التعليم بالنسبة لأبناء الطائفة اليهودية في المدارس الحكومية لايوجد طلاب يهود يدرسون في المدارس الحكومية(ولم يوضح أسباب ذلك ) إلا انه قال :
تلقيت تعليمي شخصيا ، حتى منتصف العام الدراسي للصف الثالث الثانوي ونظرا لظروف خاصة وعائلية لم أتمكن من مواصلة التعليم وكان ذلك في مدارس حكومية وكان لي زملاء وأصدقاء في المدرسة من أبناء الطائفة المسلمة وكنا نذهب المدرسة سويا ونذاكر دروسنا مع بعض ولم تكن لدينا أي مشكله حول ذلك (الدين لله والوطن للجميع) .
وفي( ريده) تحدث الأستاذ فائز الجرادي مدير مدرسة (الشبزي) العبرية التي تتكون من فصلين افتتحت في العام 1999م ، موضحا ان المدرسة يتلقى فيها الطلاب تعليمهم الأساسي في مختلف المواد عدا التربية الإسلامية التي يحل عوضاً عنها التربية اليهودية الى جانب اللغة العبرية .
ويواصل الجرادي : بعد التعليم حتى الصف السادس يتم ابتعاث الطلاب إلى أمريكا لاستكمال دراستهم وتأهيلهم في عدة مجالات , إلا أن تلك المدارس التابعة لأبنا الطائفة اليهودية غير مدرجة ضمن مدارس التربية والتعليم الرسمية ولم نتعرف على أسباب ذلك.
عثار إحدى المناطق التابعة لمديرية خارف ، تبعد عشرات الكيلومترات عن مركزها ، و تقطعها السيارة بما يقرب الساعة عبر طريق شاق ووعر.
وهنا في عثار لا تزال بعض منازل اليهود قائمة حتى اليوم، جنبا إلى جنب مع منازل المسلمين على الرغم من هجرها وانتقالهم إلى منطقتي ( ريده والسوق الجديد ) .
ذات الحال بالنسبة لمقبرتي الطائفتين الذي لا يفصل بينهما سوى طريق لا يتجاوز عرضه المترين إلا أن قبور اليهود تتعرض للتخريب والطمس لمعالمها من قبل مجهولين إلى جانب قيام السيارات بشق طريقها فوق ووسط القبور ، بررها بألم شديد (يحيى – 13 عاما ) الذي وقف على قبر جده قائلا( للوايتات يٌسقوون القات ) ويقصد السيارات الكبيرة التي يتم بواسطتها نقل المياه لري مزارع القات المجاورة.
وبالنسبة لـ ( ماشا يحيى يهودا ) تحدث قائلا : حاولنا 10 مرات بناء سور حول المقبرة لحماية قبور موتانا من التخريب والعبث بها وتجنيبها المرور بالسيارات من وسطها وعلى القبور ، وفي كل مرة ننهي بناء السور ، نفاجئ في صباح اليوم التالي ، بزواله واختفاء أحجاره ومن قبل مجهولين ، وأما بالنسبة للقبور ومنها قبر والدي الذي تعرض للاعتداء أكثر من مرة أحداها عندما قمت بنقش اسمه عليها وتاريخ وفاته من باب التعريف وبقاء الذكرى كبقية قبور خلق الله المجاورة ، وبعد أن وضعتها على القبر مثبتتا بالاسمنت إلا أنها وفي صباح اليوم كانت قد اختفت وبقية الأحجار من على القبر ومن قبل مجهولين ..!!
مقبرة اليهود بـ ( عثار ) هي ما تبقى لدفن موتاهم فيها حتى اليوم ، في حين يبحثون عن أرض أخرى تكون قريبة من منطقة تواجدهم لإقامة مقبرةًََ لموتاهم .
يذكر أن اعتقاداَ كان يسود لدى البعض في المنطقة بان اليهود يدفنون موتاهم والى جانبهم أموالهم من ذهب وفضة وقد يكون ذلك المعتقد سبباً فيما يحدث من نبش لقبور موتى اليهود في العديد من المناطق التي كانوا يسكنوها مثل مقبرة (قينه) بمديرية جبل عيال يزيد و مقبرة( بني عبد) بمديرة ريده … الخ .
كانت قد تعرضت الطائفة اليهودية لأكثر من محاولة للقضاء عليها في منطقة السوق الجديد بمديرية خارف أثناء تجمعهم في ( الكنيس ) أي المعبد لممارسة إحدى طقوسهم الدينية ( إلقاء قنبلة يدوية عليهم ) في داخل المعبد من قبل احدهم إلا أنهم افشلوا محاولته تلك عند ما تنبه احدهم إليه فامسك به ليرمي من يده بالقنبلة ولتتفجر بعيداً عنهم وعن المعبد ، ومرات أخرى تكرر الحادث وأفشلت في إحدى احتفالات الزفاف للطائفة ، وفي مناسبات عدة يتعرض ابناء هذه الاقلية الى الاذلال والتهميش والاقصاء .
بالرغم من كل تلك المعاناة والمشاكل التي يواجهونها ، تبقى اليمن الوطن الذي يحبونه ، ويخلدون مقولتهم بـ,, أرض اليمن السعيد ,, …..
المصادر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جوناثان. ب. كراسنر، جوناثان سارنا ـــــــ تاريخ الشعب اليهودي ــــ 2006
مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في اليمن ــــــ الدينية الدولية ــــ الولايات المتحدة 2008.
جيسون آرونسون ـــــــ الجاليات اليهودية في الأماكن الغريبة ــــ نيويورك 2000.
ريفا سيمون، ، مايكل لاسكير، وسارة ريجوير (فريق صحفي) ـــــــ اليهود في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العصر الحديث ــــــ جامعة كولومبيا، 2002.
بارفيت، تيودور ـ ــــ اليهود في اليمن والطريق إلى الخلاص من 1900ـــ1950 ــ ــلندن 1996.
الحاخام شالوم شرابي ـــ السيدوروالكهنوت اليهودي المدرسة الدينية .
د. يوسف زيرولي ـــــ يهود اليمن من الجيل الأخيرـــ 1992
الحاخام ياكوف كليمان ــــــ أدلة الحمض النووي ليهود اليمن ـــ 2007
يوسف قافيه ــــ وثائق بين تيمان التي كتبها الحاخام حاييم حبشوش كيتافيم (أوراق جمعها)، أورشليم القدس 1989.
مواضيع ذات صلة: كيف يسلم “اليهودي”