ما الذي يجمعني بالعلوي؟

nabilfayadNabil Fayad

ما الذي يجمعني بالعلوي؟
رسالة جاءتني قبل أيام أخذت وقتي في دراستها ومن ثم الردّ عليها؛ وكان مضمون الرسالة: “لماذا معظم قرّاءك من العلويين؟”. ردّي البسيط على الرسالة صغته في مقال أبسط بعنوان: ما الذي يجمعني بالعلوي؟
أكره الطائفية بجنون؛ لكني مع ذلك أحكي عنها مثلما يحكي طبيب عن السرطان: يكرهه لكنه موجود وهو من ثم مضطر للتعامل معه.
الطائفية شيء من الماضي البعيد؛ وأنا أعتبر نفسي أطمح إلى المستقبل الأبعد – لذلك لا سبيل للتلاقي بين الماضي البعيد والمستقبل الأبعد لأني أصلاً في فهمي للزمن لا أؤمن بوجود الحاضر.
العلوي، مثل أي بشر آخر، هو كينونة صاغ بعضها الماضي، ومنفتحة في بعضها الآخر على المستقبل – مثل أية كينونة أخرى في العالم، كما قلت. لكن ما يميزه عن الآخر السنّي أو الإثني عشري هو أن قيود الماضي التي تكبّل يدي العلوي أضعف كثيراً من مثيلاتها التي تكبّل يدي السني أو الإثني عشري عموماً. ومن هنا يمكن أن نبدأ:
1 – انتماء العلوي سوري تماماً؛ ورغم وجود ملايين من العلويين خارج سوريا، إلا أن الانتماء العلوي سوري بما لا ينازع؛ وهنا نجد أيضاً أن الروم الأرثوذكس والمرشديين على وجه التحديد يشتركون مع العلوي بهذه الصفة؛
2 – العلويون عموماً ليسوا متعصبين طائفيّاً؛ وما نراه من مظاهر تعصب عند العلويين إنما هو ردة فعل صادرة عن لا وعي جمعي يحفظ في طياته آثاراً لا تمحى من عصور الاضطهاد والتكفير؛
3 – ليس للعلويين مرجعية مركزية دينياً؛ بعكس السنة الذين تتوزع مرجعياتهم بين الرياض والأزهر والإثني عشريين المقسمين بين النجف وقم؛
4 – هذا يعني أن العلوي يغلب عليه الطابع الفرداني فهو لا يعمل وفق غريزة القطيع لضعف سطوة الطائفة والعشيرة عليه؛
5 – العلوي، بسبب ضعف القيود التقليدية على يديه، منفتح وقابل أكثر من غيره لأن يكون علمانياً أو أن يتقبل الآخر المخالف له في الرأي أو المعتقد.
ليست المسألة طائفية، بل انسجام ثقافي. ما أكتبه ينسجم مع تفكير شريحة لا بأس بها من العلويين، وهي أعلى كنسبة مئوية من باقي الشرائح، وأحدد هنا السنة والإثني عشريين. والمجتمع السوري منقسم قبل كلّ شيء ثقافياً وقيمياً؛ ولولا ذلك ما كان معظم قرّاء أعمالي وكتاباتي من غير أهل السنة والجماعة. هذه الكتابات تحمل طعماً معيناً، ومن لا يستسيغ هذا الطعم، بغض النظر عن خلفيته التي تلعب بلا شك دوراً هاماً في “مذاقاته”، يلفظ هذا الزاد الثقافي. والموضوع ليس كارثة بالنسبة لي.
بقي أن أقول إنه حتى بين العلويين أنفسهم تختلف نسبة من يتذوق هذه الكتابات بين الساحل والداخل؛ فالانفتاح الذي أدعو له يميّز الساحل أكثر من الداخل، لذلك إذا فكّرت يوماً بعمل على نطاق مجتمعي سأختار طرطوس مقرّاً لنشاطي؛ ومن بعدها اللاذقية، ومن بعدها حمص، التي هي – كما يفترض – مدينتي!!
صدقوني:
المسألة ليست طائفية؛ المسألة توجه معرفي: إما أنت مع الماضي أو أنت من أنصار المستقبل.
عاشت سوريا علمانية

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.