روبرت فورد السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
إذا كنت من متابعي الأخبار الدولية على امتداد السنوات السبع الماضية، فإنك بالتأكيد لم تشعر بالصدمة إزاء انتهاك القوات التابعة للحكومة السورية لاتفاق وقف النار في الغوطة الشرقية لدمشق الذي أُعلن في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2401، وتضمن هذا القرار قائمة رائعة من 17 قراراً صادرة عن الأمم المتحدة تتعلق بسوريا من دون إقدام روسيا على استخدام حق النقض (فيتو)، تدعو جميعها لوقف إطلاق النار، وإقرار تسويات سياسية، وضرورة سرعة توفير المساعدات الإنسانية، واحترام المستشفيات والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية.
بالفعل، دُهشت لدى رؤيتي قائمة القرارات الـ17، ذلك أنني لم أكن أعلم بأن هناك هذا العدد الكبير من القرارات التي جرى تمريرها من دون لجوء أيٍّ من روسيا أو الصين لاستخدام «الفيتو». من يدري، ربما سئم الدبلوماسيون الروس من رفع أيديهم اعتراضاً على جميع مسودات القرارات الأخرى المرتبطة بسوريا؟ والتساؤل الآن: ماذا كانت نتيجة إرخاء الدبلوماسيين الروس أيديهم وسماحهم بتمرير 17 قراراً بخصوص سوريا داخل مجلس الأمن؟
في الواقع، انتهكت الحكومة السورية هذه القرارات جميعها، وتجاهلت المطالب المتعلقة بوقف النار، واستمرت في استخدام أسلحة كيماوية، حسب ما أفاد فريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة. إضافة إلى ذلك، حاصرت القوات الحكومية مناطق ومدناً خاضعة لسيطرة قوات المعارضة مثل الغوطة الشرقية والرستن (في ريف حمص)، وتستهدف العاملين في مجال الإغاثة، كما يظهر بوضوح من تنديدها المحموم بـ«منظمة الخوذ البيضاء»، أي الدفاع المدني.
بيد أن الأمانة تقتضي الاعتراف بأن المعارضة المسلحة هي الأخرى تورطت في بعض الأحيان في انتهاك بعض القرارات، مثل إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى الفوعة وكفريا (في ريف إدلب)، وقصف أحياء مدنية داخل مدن مثل دمشق وغرب حلب. ولا يوجد أي تبرير ممكن لمثل هذه الأفعال، وقد أضرت بشدة بشرف ومصداقية المعارضة.
ومع هذا، فإن الإنصاف كذلك يقتضي تأكيد أن انتهاكات الحكومة السورية كانت دوماً أسوأ كثيراً في فداحتها من تلك التي اقترفتها المعارضة المسلحة.
وبعد هذه القرارات الـ17، ربما تتساءل: لماذا ليس هناك عقاب على هذه الانتهاكات؟ ثمة إجابة قانونية وأخرى سياسية على هذا التساؤل. بالنسبة إلى الشق القانوني فبسيط، ذلك أنه رغم أن الدبلوماسيين الروس ربما أرخوا أيديهم داخل مجلس الأمن وسمحوا بتمرير 17 قراراً، فإنهم في الوقت ذاته لم يسمحوا بأي ذكر في أي من القرارات الـ17 لمسألة فرض عقوبات، تبعاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عن الانتهاكات التي تقع في سوريا. على سبيل المثال، فإن التفسير الصارم للقانون الدولي يعني أن دولاً أخرى لا يمكنها من الناحية القانونية استخدام القوة ضد الحكومة السورية بسبب إعاقتها وصول المساعدات الإنسانية أو حتى استخدام أسلحة كيماوية. مثلاً، ذكر خبراء قانونيون في الأمم المتحدة أن إدارة الرئيس دونالد ترمب انتهكت القانون الدولي عندما وجّهت ضربة عسكرية إلى قاعدة جوية سورية عام 2017 في أعقاب استخدام الحكومة السورية غاز السارين من جديد، ما شكل خرقاً للقرارين 2118 و2209 اللذين يحظران استخدام الأسلحة الكيماوية. وليس هناك تصريح باستخدام القوة تبعاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في أيٍّ من القرارين 2118 و2209، وإذا أصررنا على الالتزام الكامل بالقانون الدولي، فإن هذا يعني أنه مهما بلغ غضبك إزاء الانتهاكات التي تقترفها الحكومة السورية، فإنه ليس باستطاعتك الانتقام منها بصورة قانونية باستخدام القوة أو فرض حصار عليها أو حتى عقوبات دولية.
من ناحية أخرى، فإنه بطبيعة الحال فيما وراء الشق المرتبط بالقانون الدولي، ثمة جانب سياسي في الصراع السوري. وهنا، دعُونا نتحدث بصراحة من جديد، فالأمم المتحدة ليس باستطاعتها إصلاح المشهد السياسي لأنه يعكس الوضع السياسي على الساحة العالمية، تماماً مثلما لا يمكنك إلقاء اللوم على المرآة لأنها تعكس صورتك البدينة. وتتمثل الحقيقة السياسية القائمة هنا في أن روسيا والصين ترغبان في بقاء الرئيس بشار الأسد وحكومته. ولا يقْدم أيٌّ من البلدين على محاولة تغيير النظام السوري لأنهما تعتقدان أن أياً ما كان الذي سيحل محله سيكون أسوأ من النظام الحالي. ولا ترغب الدولتان في إلحاق الضعف بالنظام السوري، وإنما تسعيان لتعزيزه. وعليه، فإنهما لن تسمحا للأمم المتحدة بممارسة ضغوط حقيقية على نظام الأسد، مطلقاً.
من ناحية أخرى، فإنه ربما لا تتفق روسيا وإيران على كل شيء فيما يتعلق بسوريا، لكنهما تتفقان على أن الرئيس الأسد ونظامه يجب أن يبقيا، وأن دولاً أجنبية يجب ألا تتدخل أبداً لدعم حركات الاعتراض الشعبية التي تحاول إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. ولن تمارس روسيا أي ضغوط على إيران أو سوريا عندما تقْدم دمشق وطهران على خطوات تعتقدان أنها حيوية لضمان «بقاء الدولة السورية». علاوة على ذلك، فإن الولايات المتحدة والغرب لن يخوضا حرباً في مواجهة روسيا حول مصير النظام السوري.
وعليه، فإنني أود توجيه رسالة إلى «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» داخل الغوطة الشرقية، وأدرك تماماً أن هذه الرسالة ستجعلني هدفاً لكثير من سهام النقد، لكنني أتقبل ذلك بنفس راضية. ليس هناك بين أطراف المأساة السورية من لا يستحق اللوم. أما رسالتي فهي: العالم والأمم المتحدة والغرب والعالم العربي لن يتدخلوا لإنقاذ الغوطة الشرقية. في الواقع، لم ينقذ هؤلاء حمص ولا شرق حلب من قبل. كما أن القرارات الـ18 والـ19 والـ20 من الأمم المتحدة لن تنقذكم. في حمص وشرق حلب وبعدما لقي الآلاف من المدنيين مصرعهم، استعاد النظام السوري في نهاية الأمر سيطرته على المدينتين، وغادر المقاتلون وأسرهم. وعاجلاً أم آجلاً، سيحدث هذا في الغوطة الشرقية. وإذا كانت استراتيجيتكم تقوم على اتباع ذات الاستراتيجية السابق انتهاجها في حمص وشرق حلب، فبينما تنتظرون على أمل حدوث معجزة من الخارج، أناشدكم من أجل آلاف المدنيين داخل المناطق التي تسيطرون عليها أن تعيدوا النظر في اتخاذ خطوات بديلة. لا تفعلوا ذلك من أجل أنفسكم، فأنا أعرف جيداً أنكم شجعان، وإنما افعلوه من أجل أرواح عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين معكم. افعلوا ذلك إجلالاً للثورة التي يتمثل هدفها في احترام حقوق جميع المواطنين السوريين في الحياة والكرامة والأمل في المستقبل.
* المصدر الشرق الأوسط