ج 3 / تلخيص كتاب البدايات للعالم إسحق عظيموف !
لماذا لا يطير الإنسان ؟
مقدمة كاتب السطور :
هل لدى أحدكم أدنى شكّ ,في أنّ الحضارة البشرية قامت وتطوّرت وإزدهرت
جرّاء العمل والعلم وطموح الإنسان وبحثه عن الأفضل ؟
إنْ لا , فليس عليّ بذل جهد كبير لإيضاح ,لماذا علينا إقتفاء طريق العلم والقراءة
العلمية التنويرية لأجل نهوضنا المأمول فالطريق (المُعاكس) حالك الظلام وخطير !
وإلاّ فمتى رأيتم تجارة الدين رغم رواجها تبني دولة أو تقيم حضارة بمعنى الكلمة ؟
صحيح أنّ العلم كسواه من الأشياء ,يمكن أن يستخدم كسلاح ذو حدّين , كما حدث
بعض الأحيان ( قنبلتي هيروشيما وناكازاكي مثلاً ) !
لكن ذلك كان إستثناءً عن القاعدة التي تقول :إنّ العلم يبني ويطوّر الأمم والشعوب !
اليوم في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ,مجتمعاتنا البائسة تحتاج مصارحة
النفس وكشف السلبيّات والإعتراف بالتقصير والتقاعس والأخطاء والكراهية التي
سيطرت على نفوس الغالبية لأسباب معروفة للجميع ,أهمّها ما اُسميّه القراءة الصفراء
لكتب التراث ,المُبالغ فيه بأحسن الأوصاف !
شعوبنا تحتاج البدء بتعلّم طريقة التفكير العلمي العقلاني المنطقي الواقعي .
تلك التي تُنتج عقلاً نقدياً يتجاوز تابوهات العقل العربي المسلم المعروفة ويقتحمها إقتحاماً .
كي يضمن إنفتاح الأفق أمامه ,بدل الحيرة والخوف والشّك في كلّ مختلف عنّا .
كيف إقتنعنا أنّنا خير اُمّةٍ رغم هذا الحضيض الذي تسبح فيه شعوبنا اليوم ؟
من أفغانستان وباكستان مروراً بالعراق وسوريا (وحتى مصر مؤخراً) , وصولاً
الى السودان والصومال وليبيا … والبقية الباقية !
آخر ماتحتاجهُ شعوبنا في هذه المرحلة هو طريق الآمال والأحلام التي تنتج عن قوى
فوق طبيعية غير مضمونة النتائج حتى لدى اشدّ المؤمنين بها .
نعم القراءة العلمية هي البديل وهي البداية الصحيحة !
***
وعودة لإستكمال تلخيص كتاب البدايات للعالم إسحق عظيموف !
طيران الحيوانات / ص 103
نَمَتْ لدى الحيوانات قدرة الطيران في الجو في أربع مناسبات مختلفة !
في كلّ مرّة تكيّفت أجسام الحيوانات تحقيقاً لغرض الطيران بطرق مختلفة إختلافاً
طفيفاً .
وكان أحدث تطوّر أفضى الى طيران الحيوانات هو الذي يخّص الخفافيش !
والخفافيش هم الفريق الوحيد من الثدييات القادر على الطيران بمعنى الكلمة .
وهم فريق ناجح من الحيوانات ويوجد منها حوالي 900 نوع منتشرة حول العالم .
الخفافيش الصغيرة تعيش على الحشرات , بينما الكبيرة تأكل الفواكه .
وهي تميل لأن تكون حيوانات ليلية , إنّما لا تستخدم عيونها لصيد الحشرات في الظلام
بل إذنها !
ذلك أنّها تطلق صريراً حاداً قصيراً فوق صوتي في معظم الأحيان , ثمّ تتلقى الصدى .
ومن الإتجاه الذي يأتي منهُ الصدى والزمن المُستغرق في عودتهِ يستطيع الخفاش أن
يكتشف حشرة أو عقبة وموقعها ,بنفس الوضوح الذي نراها نحنُ بأعيننا !
***
ص 103
عندما عمل العالِم الفرنسي پول لانچفان (1872 ــ 1946) أثناء الحرب العالمية الأولى
على إختراع جهاز لكشف الغواصات بواسطة إطلاق حِزَم من الموجات فوق الصوتية
ثمّ اُدخلت تحسينات على الجهاز في نهاية المطاف وسُمّيّ سونار
Sonar
أو
Echolocation
أي تحديد الموقع بالصدى .
فإنّ الخفافيش كانت تملك هذا النظام الدقيق ,قبل أن يصنعهُ الإنسان بملايين السنين !
ص 104
قد يصل عرض جناحي أكبر خفّاش (أندونيسي) الى 180 سنتمتر بينما وزنهُ يقّل عن
الكيلوغرام كثيراً .ولاعجَبَ في ذلك ,فالهواء وسط لا يُساعد كثيراً على الطفو .ولابُدّ
من تعريض مساحة كافية من الجناحين للهواء لأجل الحصول على خاصية رفع كافية .
وبذل مجهود عضلي كبير لشق الطريق الى الأعلى بتحريك ذينك الجناحين .
(والآن لاحظوا التالي ,لأجل فهم لماذا لايقدر الإنسان على الطيران)
كلّما كبَرَ حجم الجسم .. زادت كتلتهِ بسرعة .
ولَزم أن يُصبح الجناحان أطول فأطول بالقياس لذلك الجسم !
وعند وزن مُعين (غير كبير جداً) يغدو الطيران بإستخدام عضلات الجسم مُستحيلاً !
والحصان المُجنّح في الأساطير اليونانية (پيجازس) لايعدو عن كونه خرافة !
وكون الطائرات الثقيلة التي تزن عدّة أطنان تستطيع الطيران بسهولة , يستند الى أنّها
لا تُدار بالعضلات ,إنّما بمحركات تنتج طاقة أكبر بكثير ممّا تستطيعهُ العضلات .
إنّ الإحاثيين لم يتمكنوا الى يومنا من معرفة كيف بدأ الخفاش بالطيران .
ويمكننا ان نفترض إنّهُ كانت هناك بالضرورة مرحلة أوّلية تكونت فيها الأغشية .
لكن لم يكن بالمستطاع إستخدامها إلاّ في التحليق .
وعلى كلٍ فهناك ثدييات تُحلّق !
أشهرها السنجاب الطائر الذي بإستطاعته أن يبسط سيقانه الأربعة فيتحوّل الحيوان
بفضلِ جلدهِ الغشائي الفضفاض الى مايشيه الطائرة الورقية الحيّة .
ويستطيع بذلك التحليق لمسافات بعيدة نسبياً ,لكنّ ذلك ليس طيراناً بمعنى الكلمة !
لأنّ الحيوان لايستطيع الإرتفاع في الجو كما يشاء !
هناك أيضاً الليمور والفلنجر يمكنها التحليق بنفس الطريقة .
وهناك عظاءات (سحالي) تستطيع التحليق بالإستعانة بأقدام جلدية ممدّدة .
وحتى أسماك ( طائرة ) تستطيع التحليق في الهواء بواسطة زعانف مكبّرة .
وإذا تركنا كلّ ذلك جانباً .. فالطيور هي خير مَنْ يطير .
وبما أنّها تطير فهي غالباً مخلوقات صغيرة ويمكنها بسهولة فقدان حرارة جسمها .
وبما أنّ الطيران نشاط يستنفذ طاقة ضخمة ,لذا يجب أن تحتفظ أجسام الطيور بحرارة
تزيد قليلاً عن حرارة الثدييات .والريش وجِدَ لأجل الحفاظ على تلك الحرارة .
والريش أفضل من الشعر بكثير لتلك المهمة ,وهو لايوجد إلاّ في الطيور !
كما أنّ العظام في أجنحة الطير ملتحمة ببعضها خلافاً لعظام أجنحة الخفّاش .
إنّ أجنحة الريش الطويلة القوية ,هي التي تتيح للطيور بسط مُسطّح في الهواء ,
وتجعل الطيران مُمكناً .وليست الأغشية كما هو حال الخفافيش . ص 105
***
ص106
عندما كانت الزواحف الكُبرى مُسيطرة على اليابسة , كانت الطيور بحكم قدرتها
على الطيران والإفلات من فكّ الزواحف ,أكثرُ أماناً من الثدييات .
مع ذلك عندما حلّت موجة الموت الجماعي الكبرى في نهاية العصر الطباشيري
على الزواحف الكبرى , ظهر إتجاه لدى الطيور كما الثدييات لبلوغ أحجام هائلة
وملء الفضاء ذي البيئة المناسبة والذي كانت تحتله تلك الزواحف !
وبالطبع عندما زاد حجم الطيور , لم يعد بإمكانها أن تطير .لذا لم يعد لها حاجة
لعضلات قوية في أجنحتها .
ففي الطيور الطائرة يكون لعظمة الصدر جؤجؤ تربط به عضلات الجناح بقوّة .
أمّا في الطيور (غير الطائرة) كبيرة الحجم فلا وجود لهذا الجؤجؤ .
وتكون حينها عظمة الصدر مفلطحة مثل الرمث (أو الطوف :خشب يُشّد لبعضه)
لذلك تُسمى تلك الطيور الكبيرة .. الدوارج , لأنّها تمشي .. من دَرَجَ !
وأكثر المناطق التي إزدهرت فيها الدوارج هي الجُزُر .
نظراً لأنّ الطيور تصلها عندما تكون صغيرة الحجم وقابليتها على الطيران كبيرة .
(ولاحظوا أن الثدييات لم تلحق تلك الطيور ولم تزاحمها, لعدم قدرتها على الطيران)
لكن بقاء الطيور في تلك الجزر ونمو حجمها تدريجياً ,يجعل طيرانها أصعب .
فتميل تلك الطيور الى البقاء هناك والتخلص من مخاطر عبور البحر أو المحيط
والوقوع تحت طائل خطر الرياح التي تدفعها الى البحر !
وأكبر دارج لايزال حيّاً هو النعّام .الذي قد يبلغ إرتفاعه 9 أقدام ,ووزنهِ يصل 135 كغم !
(( يتبع الجزء الرابع ))
تحياتي لكم
رعد الحافظ
13 أبريل 2014