لماذا تحب النساء الشتاء؟!

أعرف أن هذا طبع كل النساء.. خصوصاً العاشقات، لكنني أريد عبارتي خالصةً عنها، لهذا أعيدها بأنانيةٍ مطلقة:
كانت تحب الشتاء!
تخرج من مكتبها للحديقة تعبئ قليلاً منه في شنطتها، خشية أن «يخلص» قبل أن ينتهي الدوام!
وتقول وكل وجهها يضحك: هذه حصّتي من المطر.. سأشربها على مهلي!
لماذا تحب النساء الشتاء؟
تحبّه امرأة لأنه يجيء مبللاً مثل طفلها.. يركض إلى حضنها يعانقها مبلّلا بماء الشتاء!
ربما تحبه امرأة لأنه يروي عطش هذه الأزهار القليلة الملّونة المنعوفة على قميصها.. والتي في قميصها!
ربما لأنه حنونٌ ويجيد العناق!
وربما لأنه يغسل لهن أقدامهنّ دون أن يعيرّهن بذلك عند أول مشكلة صغيرة!
تحبّه امرأة لأن رجلاً سيتذكرها في ذلك الصباح ويرسل إليها ورداً وبطاقة صغيرة بخط يده: «كل هذا الشتاء لكِ»!
(السيدة الأربعينية اليانعة سألته وهي ترتب له الورد بكفّيها المرتجفتين: «وينك.. من زمان ما جيت؟»، فأزهر في داخله سؤال مباغت: لو كان يحب بائعة ورد فماذا سيهديها؟).
تحبّه امرأة لأنه جريء واقتحامي ويحدث مثل برقٍ خاطف.. لا يطرق الباب، ولا يتّصل مستأذناً قبل أن يسقط هكذا بغزارة ويغسل الناس والثياب والعتبات ويغسل روح امرأةٍ كادت تتشقق من فرط الهجران!
تحبّه صبية لأنها تحبّ خرمشات بلوزتها الصوفية على جسدها المتلهف، وياسمينها المشتاق!


..وهي تحبّ الشتاء!
كل النساء مولّهات به، لكنها هكذا بشغفها الذي لا يشبه أي واحدةٍ في النساء، بضحكتها التي تملأ وجهي بالعافية حين أذوقها وألمسها وأسمعها، بأساورها القليلة، بسعالها الخفيف الذي يُجرّح صدري أنا، بالماء الذي يقطر من شعرها فيبللني، بقهوتها تدفئ بها كفّيها، وتلمّ بطرف لسانها ما تبقى منها عن شفتيها، بوجهها المغسول بالندى وبلا أي مساحيق التجميل، بالرنّة الشتوية في ندائها عَلَيّ، باسمها الذي يصلح للشتاء والصيف، بحبّات الفاكهة التي قطفتها لي من حديقة بيتها ودسّتها في جيب معطفها.. تحضر هذا الصباح إلى غرفتي،
..يااااه كم يوجع التذكّر قلبي!
لماذا تحبّ النساء الشتاء؟
فصلُ الأسرار الصغيرة «المدحوشة» تحت المخدّة، موسمٌ للتذكّر ولأن تصفن المرأة العاشقة بجانب المدفأة تستمع لأغنيات عمرها القديم!
تخرج من خزانتها ألبومات الصور: أول مرة ناداها صبيّ باسمها! أول مرّة قرأت فيها رسالة عشق تردد الولد ألف مرة على باب المدرسة قبل أن يضعها في يدها! أول مرةٍ ضحكت.. أول مرةٍ بكت.. أول مرةٍ خافت.. أول مرةٍ جرؤت.. أول مرةٍ داهمتها أسرار النساء فتوارت في الحمّام مفزوعةً كالطير رأى ريشه على الأرض يُطيّره الهواء!
أول قُبلةٍ سريعة ، أول كلمة «بحبك»، أول ليلةٍ سهرت فيها لصوت الأذان.. أول مرةٍ وقفت فيها أمام المرآة وباحت لنفسها: متى سيقطفني من هذا البيت؟
إبراهيم جابر إبراهيم

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.