كثير من السوريين الذين يتابعون مفاوضات جنيف التي لم تبدأ حقيقة بعد يسألون مالفرق بين جنيف١ وجنيف ٢، وما قيمة هذا وذاك في المفاوضات.
جنيف١ يشير اليوم إلى بيان صدر في 30 حزيران/يونيو 2012 عن مؤتمر عقد في جنيف لمجموعة العمل من أجل سورية، رسمت فيه مباديء لحل الازمة السورية، وتعبيد الطريق نحو المصالحة والسلم الأهلي. ومن أهم مبادئه: وقف إطلاق النار وسحب الاسلحة الثقيلة من المدن وإطلاق سراح المعتقلين والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين لها وتشكيل هيئة حكم انتقالي تتمتع بكامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تتضمن أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى، وينبغي أن تشكّل على أساس من التوافق المتبادل.
وبعد فشل بعثة المراقبين الدوليين، التي ارسلها المبعوث الدولي كوفي أنان، في تحقيق وقف جدي لإطلاق النار، وعلى اثر استخدام النظام السوري الاسلحة الكيماوية في ريف دمشق، صوت مجلس الامن في ٢٧ ايلول ٢٠١٣ على قرار جدبد طالب فيه، إضافة إلى تدمير السلاح الكيماوي، بالعودة إلى تطبيق بيان جنيف واحد، لكن هذه المرة بدءا من تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات.
سبب البدء بتشكيل الهيئة هو ضمان وجود آلية لتطبيق النقاط الخمس الأخرى.
هكذا أصبح بيان جنيف١ بنقاطه الست هو خريطة الطريق أو الخريطة التي تدلنا على الطريق، وتحولت هيئة الحكم الانتقالي إلى الحصان الذي نحتاجه للوصول إلى هدفنا في نهاية الطريق.
من هنا إصرار الائتلاف والمعارضة على أن يعطى هئة الحكم الانتقالية الأولوية، لأنه لايمكن من دونها التوصل إلى اي اتفاق حول البنود الأخرى.
ولو تأملنا قليلا في الموضوع لوجدنا أن مفهوم الهيئة الانتقالية كما جاء به القرار الدولي هو التوصل إلى اتفاق بين الأطراف، أو اتفاق وطني يخلق بالتأكيد أرضية مشتركة لعمل وطني منظم قادر على مواجهة تحديات الفوضى والخراب وإعادة البناء القانوني والسياسي والانساني.
فكما أن رسم معالم الطريق لا يكفي للوصول إلى الهدف، وأنه كيما يصل المرء إلى آخر الطريق لا بد له من مركبة تحمله، كذلك يحتاج العمل على نقل سورية من الاستبداد والعنف والخراب إلى الديمقراطية التعددية إلى قوة قادرة على مصالحة الشعب مع نفسه وتوحيده وتامين القوة المتسقة التي تساعده على تحقيق أهدافه.
هذا هو جوهر الخلاف الذي يعرقل التقدم في جنيف: وفد النظام يريد أن يعيد سيرة وتجربة كوفي أنان التي بدأت بوقف إطلاق النار ولم تصل لنتيجة لأن وقف الحرب يستدعي أن يتفق الطرفان أو الأطراف على شروط السلام، بينما يريد وفد المعارضة التفاهم حول بناء هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات تفوم بالتوافق بين السوريين، وبالتالي تؤسس للسلام وتضمن وضع حد للحرب، والدخول في منطق المصالحة الوطنية واعادة الاعمار على كل الجبهات، الأخلاقية والسياسية والعسكرية.
لكن حتى يمكن إنشاء مثل هذه الهيئة التي ستحل محل النظام القائم، لابد من التفاهم بين الأطراف على هوية سورية المستقبل وقيمها ومباديء حكمها السياسي، وكل ما يضمن المشاركة المتساوية لجميع السوريين في بناء سورية الجديدة، أي التوافق على مضمون ومعنى الديمقراطية السورية المنشودة.