الشرق الاوسط
لو كان اسمك فيديادر سور اجبر اساد نيبول، واخترت أن تعيش في الغرب، لفعلت ما فعل. وقع بالأحرف الأولى: ف. س. نيبول. وصار الهندي المولود في ترينداد من أشهر كتاب الإنجليزية في القرن الماضي، مفضلا أن يوصف بالهندي لا بالكاريبي. بدأ واستمر حادا. ولا أعرف إن كانت معاناته من الربو والأرق لعبت دورا في ذلك. لكن أشهر كتاب فرنسا، مارسيل بروست، كان يعاني من الربو ولم يلحظ ذلك في كتاباته، والراحل أنيس منصور كان يشكو في زاويته دائما من الأرق، لكن كلماته كانت غالبا مليئة بالمحبة، إلا إذا تذكر جمال عبد الناصر الذي صرفه من عمله.
كان نيبول شديد النقد للأفارقة، يسخر من ميلهم إلى اللهو وعدم حبهم للقراءة والجهد. وعندما استقلت أوغندا أرسل إلى التدريس في جامعة كمبالا لكنه ازدرى مستوى طلابه وأمضى الوقت يسافر في دول الجوار. وقد استاء من كسل سائقه فجعله يجلس في المقعد الخلفي فيما كان هو يقود السيارة في الأدغال، وقد تعرف يومها إلى الكاتب الأميركي بول نيرو، الذي كان أيضا يدرس في جامعة كمبالا، وقامت بين الاثنين صداقة ورفقة في ديار أفريقيا.
كان نيبول يجول على أفراد الجالية الهندية في أوغندا ويصغي إليهم. وذات يوم قال لصديقه الأميركي إن بقاء الهنود لن يطول فسوف يطردهم الأفارقة لأنهم أكثر نجاحا ونشاطا. وسافر نيبول عائدا إلى لندن. وبعد أشهر كانت كمبالا تحترق: أيها الآسيويون عودوا إلى بلدانكم.
رغم العقد الذي يربطه بالجامعة، امتنع عن إلقاء المحاضرات. رأى أن مستوى الطلاب شديد التدني ويحتاجون إلى وقت طويل قبل أن يتمكن من تعليمهم ما يفهمون. وكان هذا رأيه في الأساتذة الأفارقة وفي بعض أدباء القارة الذين اتهمهم بالنقل والنسخ والتزوير.
ذات مرة، جاءه أحد تلامذته بقصيدة عنوانها «أمة تولد من جديد» وطلب رأيه فيها. الرأي، خطيا! «أجل. حسنا. لقد قرأتها وأريد منك أن تعدني بالتوقف عن كتابة الشعر فورا. لا تيأس. افهمني جيدا أنا لم أكتب قصيدة واحدة طوال حياتي. وأنا واثق أن مواهبك تكمن في مجالات أخرى. لكن دعني أقول لك في أي حال إن خطك جميل جدا».
ذكرني ذلك بشاب كانت مواهبه مشابهة. وكان يذهب بقصائده إلى الشاعر أمين نخلة ليقرأها عليه. وذات مرة جاء معلنا أن معه قصيدتين. فلما أنهى قراءة الأولى ومد يده إلى جيبه ليقرأ الثانية، استوقفه نخلة قائلا: «هذه أفضل». قال المسكين، كيف عرفت فأنا لم أقرأها بعد. قال: أ… من التي سمعتها لا يمكن!