اميل خوري
يثير التقارب الاميركي – الايراني خصوصا اذا ما انتهى الى تفاهم على كثير من الملفات، هواجس أصدقاء وحلفاء كل من الدولتين كما يثير التقارب الاميركي – الروسي هواجسهم ايضا خوفا من ان تعقد هذه الدول صفقة خدمة لمصالحها على حسابهم باعتبار أن الدول لا يهمها سوى مصالحها الحيوية وسبل الحفاظ عليها من دون الأخذ في الاعتبار مصالح أصدقائها وحلفائها التي تجعلها معروضة للبيع والشراء، وأكثر من يخشون عقد مثل هذه الصفقات هم أصدقاء أميركا وحلفاؤها لأن جسمها “لبّيس”.
ويتذكر من يتابعون السياسة الاميركية انه عندما كانت في صراع على النفوذ مع بريطانيا لم تستجب دعوة الرئيس كميل شمعون ارسال اسطولها السادس الى الشاطئ اللبناني لوقف أحداث 1958 التي أشعلها خصومه بحجة منع التجديد له، وبدعم سوري اذ إن الرجل القوي في سوريا كان الضابط عبد الحميد السراج الذي كان يرسل الاسلحة اليهم. وعندما اشتكى لبنان الى مجلس الامن تقرر ارسال مراقبين دوليين للتأكد من ذلك فتغيّر تقريرهم عند وصوله الى أمانته العامة، فبعدما ذكروا فيه انهم شاهدوا أسلحة تمر من سوريا الى لبنان حذفت منه هذه العبارة في نسخته الاخيرة فباتت شكوى لبنان على سوريا من دون اثبات، ولم ينفع حتى وجود صديق أميركا الدكتور شارل مالك كوزير للخارجية والمغتربين في حكومة الرئيس سامي الصلح في استجابة طلب تدخل الاسطول السادس، وكل ما فعلته اميركا في ذلك الوقت حفاظاً على ماء الوجه أنها ضمنت بقاء الرئيس كميل شمعون في منصبه حتى آخر يوم من ولايته.
وبما ان المرشحين لرئاسة الجمهورية كانوا محسوبين على فرنسا او بريطانيا، فقد كانوا مرفوضين من أميركا التي كان عليها تأمينا لفوز قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب بالرئاسة كونه خارج اللعبة السياسية الداخلية، ان تتفاهم مع الرئيس عبد الناصر على انتخابه لأن له أصواتا مرجحة بين النواب المسلمين. ومع أن المرشح المنافس للواء شهاب كان العميد ريمون اده وكان يعلم انه لن يفوز عليه، إلا أنه قال في جلسة الانتخاب انه يخوض المعركة حرصا منه على الديموقراطية وكي لا يقال إن رئيس جمهورية لبنان فاز في ظل الاسطول السادس. وقد طلب الرئيس صبري حمادة شطب هذه العبارة من محضر الجلسة، واضطر نواب كتلة الرئيس شمعون باستثناء النائب نعيم مغبغب الى انتخاب اللواء شهاب على رغم انه خصم سياسي له مجاراة لاتجاه الرياح في المنطقة.
وفي حرب عام 1975 وقفت أميركا ومعها دول أوروبية الى جانب المسلحين المسيحيين ضد المسلحين الفلسطينيين ومن معهم من المسلمين، وعندما طالت تلك الحرب ولم يتمكن أي طرف من التغلب على الطرف الآخر تركت لسوريا الرئيس حافظ الاسد حرية التصرف في الحرب الدائرة، عندها هان على اميركا عقد صفقة مع الرئيس حافظ الاسد على حساب المسلحين المسيحيين الذين كانوا يعتمدون على صداقة أميركا لهم، وقد خيّروا وهم في حالة ضعف بين الاستسلام للقوى الفلسطينية ومن معها او القبول بدخول الجيش السوري الى لبنان لانقاذهم، الى أن كان “اتفاق الطائف” الذي شرعن الوجود العسكري السوري في لبنان لمدة سنتين، إلا أن هذه المدة طالت”.
والسؤال المطروح ولا جواب عنه واضحا حتى الآن ويثير هواجس أصدقاء أميركا في لبنان والمنطقة هو: هل من صفقة تحضّرها اميركا على حساب أصدقائها في لبنان وفي سوريا تطبيقا لسياستها البراغماتية التي تجيد ممارستها تعاملا مع الواقع؟ ففي لبنان قد يصبح التعامل مع “حزب الله” وحلفائه أمرا مقبولا اذا كان هذا هو ثمن من أثمان التفاهم مع ايران. وفي سوريا قد تجعل الجبهات العسكرية للمعارضة تتراجع أمام هجمات الجيش السوري النظامي بعدم مدها بالسلاح المتطور من جهة وللانقسام الحاصل بين “الجيش السوري الحر” من جهة والجهات الاسلامية الاصولية من جهة أخرى، بحيث يصير في الامكان الذهاب بها الى جنيف – 2، من دون شروط مسبقة.
وما يثير الشكوك في سلوك الولايات المتحدة الاميركية هو انها تترك الحرب في سوريا تستمر الى أجل غير معروف كما تركت الحرب في لبنان تستمر 12 سنة الى أن نضجت طبخة الصفقة مع الرئيس حافظ الاسد بموافقة عربية وعدم ممانعة اسرائيلية. والصفقة لحل الازمة السورية تنضج عندما يتقرر نهائيا عقد جنيف – 2 وتكون اميركا وروسيا بالتنسيق مع ايران قد توصلتا الى اتفاق على حل لها لا يكون فيه غالب ومغلوب كما اعتبر “اتفاق الطائف”، أو فيه غالب ومغلوب وليس للصغار سوى التسليم بما يقرره الكبار…
*نقلاً عن “النهار” اللبنانية