لا يوجد في القرآن ما يتهم الكتاب المقدس بالتحريف – الجزء الاول

لا يوجد في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة لنبي الاسلام ما يشير الى تحريف النصوص في الكتاب المقدس بعهديه القديم (التوراة) والجديد( الانجيل) .
وكل ما يشيعه الشيوخ المسلمين و الجهلاء من رجال الدين عن التحريف هو اما عن حقد او عدم فهم او تعمد الاساءة للكتاب المقدس لأيهام المسلمين بأن اهل الكتاب كتابهم محرف وهم من المغضوب عليهم ومن الضالين . وما يدرون انهم بافترائهم هذا يطعنون في القرآن نفسه ومن جاء به .
يكفي ايها المسلمون ان القرآن يسمي اليهود والمسيحيين اهل الكتاب . ولو كان هناك طعنا وتحريفا في هذا الكتاب، لما اطلق عليهم القرآن هذا اللقب اعترافا منه ان لليهود و المسيحيين كتاب سماوي فيه هدى ونور، وانهم قوم اقرب مودة للذين آمنوا من الذين كفروا ..
تنحصر اتهامات القرآن بالتحريف في النقاط التالية :
1- اتهام جماعة محلية من يهود الجزيرة العربية انهم يكتبون بعض الايات المزيفة بعد ترجمتها من العبرية الى العربية، ويبيعونها بثمن للعرب ليكسبوا من ورائها اموالا وكانت هذه شغلتهم .
2- هناك جماعة محلية من اليهود كانوا يتلاعبون بمعاني الكلمات شفويا اي (بتأويل الآيات) .
3- وجود جماعة محلية من اليهود يتلاعبون بالالفاظ اثناء التلاوة .
4- وجود جماعة محلية من اليهود يخفون بعض النصوص والمعاني عن المسلمين.
كل تلك الاتهامات لا توجِه الاتهامَ الصريح بتحريف النصوص المكتوبة في الكتاب المقدس الاصلي ولا بتغيير كلماته وآياته الموحى بها من الله .
في زمن وحياة نبي الاسلام محمد بن عبد الله ، اي في نهاية القرن السادس الميلادي ، وبداية القرن السابع . كانت المسيحية منتشرة في بقاع الارض الواسعة ، وكان هناك حوالي 40 مليون مسيحي يعيش في ايرلندا و اثيوبيا واسبانيا ، وايطاليا ، واليونان ، ومصر و شمال افريقيا ، والعراق وسوريا وبلاد الاناضول وغيرها . والكتاب المقدس (التوراة والانجيل) منتشر في كل تلك البقاع من العالم و في كنائسها و متوفر منسوخا على جلد و ورق بردي مع رهبانها . فأن تحرف الكتاب في جزء من ارض الحجاز ، فلا يمكن ان ينتقل التحريف لكل دول العالم، ولا يمكن لليهود والمسيحيين ان يتفقوا معا على التحريف في النصوص ، فهذا من المستحيل .
ما يتحدث به القرآن عن تحريف اليهود للتوراة يخص تحريف معنى وتأويل الكتاب فقط ، ولا يتعدى توجيه الاتهام لجزءٍ بسيط من اليهود المقيمين في مكة او اجزاء اخرى من جزيرة العرب . ولا يشمل كل اهل الكتاب المنتشرين في العالم مع مخطوطات لكتبهم الاصلية .
مخطوطات الكتاب المقدس القديمة والمحفوظة في متاحف العالم المختلفة لحد الآن هي موجودة منذ ما قبل زمن محمد و ظهور الاسلام . وما بين ايدينا الآن من الكتاب المقدس – التوراة والانجيل – مطابق لتلك المخطوطات القديمة تماما .
اشهر تلك المخطوطات :
– النسخة الفاتيكانية تعود لسنة 350 ميلادية تقريبا .
– النسخة السينائية تعود لسنة 350 م تقريبا .
– النسخة الاسكندرانية تعود لسنة 400 م تقريبا .
– تحتوي المتاحف العديدة في العالم على الاف المخطوطات الاخرى للتوراة والانجيل .
– الاديرة المسيحية بدأ انشائها في القرن الرابع الميلادي ولا يخلو دير من نسخة للكتاب المقدس .
– الاف الكنائس كانت منتشرة في العالم قبل زمن محمد ، وكلها تحتوي على نسخ من التوراة والانجيل .
– بلاد الحبشة (اثيوبيا) التي نصح محمد اتباعه باللجوء اليها لطلب الحماية ، لأن فيها ملك نصراني لا يظلم فيها احدا . كانت بلادا مسيحية ولديها نسخ من الكتاب المقدس ألأصلي .
– اما اليهود فكانت لهم معابد كثيرة منتشرة في العالم ايضا مع كتابهم التوراة .
ان كان كتابنا المقدس ما قبل زمن ظهور الاسلام منتشرا بالاف النسخ في كل ارجاء العالم ، والقرآن و محمد نفسه مدحه و وصفه انه هدى ونور، وطلب التحكيم فيه مع اليهود ، فكيف تم تحريفه وهو منتشر في كل ارجاء المعمورة ، ومتى كان التحريف ؟
من لديه الاجابة العلمية الشافية ومن القرآن وبالادلة ليجيب علينا .
لندرس ايات القرآن ونبحث في تهم التحريف للكتاب المقدس وخاصة التوراة و نفندها ونرى مصداقية التحريف هل كانت بالنصوص الاصلية ام بالكلام المنقول شفهيا . وهل تلك الايات القرآنية تطعن في اصالة التوراة ؟
سورة البقرة 79 :
” فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ ” .
– ( يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ )، لا توجد اشارة واضحة اي كتاب هو المقصود .
– ولايوجد اسم التوراة او الانجيل في هذا النص ولا اتهام واضح بتحريفها . ومن هم الذين يكتبون الكتاب بايديهم ؟ لا توضيح ولا بيان هنا.
– حتى الطائفة الاحمدية و نبيهم المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الطائفة الاحمدية القاديانية والذي أدّعى النبوة كتبوا كتابا (قرآنا) بايديهم ويدّعون انه من عند الله ! فهل يجوز للمسيحيين واليهود ان يطعنوا بصحة القرآن الموجود لدى كافة المسلمين ويتهموه بالتحريف لأن ميرزا غلام احمد حرف القرآن ؟
المفسر الكبير الطبري عن السدي شرح هذه الآية قائلا :
[ كان ناس من اليهود قد كتبوا كتابات بيدهم ويبيعون ما كتبوا ، ويحدثونهم (للمسلمين) انه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا ].
كان بعض تجار اليهود يكتبون ايات بالعربية ليفهمها المسلمون العرب ، ويبيعونها لهم مدّعين انها من ايات التوراة ليكسبوا مقابلها ثمنا .
فهل هذا يدل على تحريف كل كتب التوراة المنتشرة في العالم بسبب بعض اولئك اليهود المحليين في مكة او المدينة ؟ وهل ما يبيعونه هو التوراة الاصلية التي يقرؤونها في معابدهم ؟
اليهود لا يعطون النسخ الاصلية من توراتهم للامم الاخرى لانهم يعتبرونهم انجاس إنما كانوا يكتبون الترجمات العربية للتوراة على قراطيس ويبيعونها للمسلمين ، ليربحوا اموالا من بيعها، والقرآن يقول عنهم (َويْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) !!
فهل هذا يطعن في تحريف التوراة الاصلية التي يحافظون عليها في معابدهم ؟
– القس اليهودي المتنصر ورقة بن نوفل ، ابن عم خديجة زوجة الرسول ، كان يترجم الكتاب المقدس والانجيل من العبرية ويكتبه الى العربية ما شاء الله ان يكتب، كما جاء في صحيح البخاري ومسلم . وهو من بشر محمدا ، قائلا له: ” هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى” . وخديجة النصرانية الاصل هي من اخبرت محمد ان من يأتيه هو ملك وليس بجن او شيطان .
اليهودي المتنصر ورقة بن نوفل هذا كان يكتب الكتاب بيديه ، و خديجة ومحمد وثقا به وصدقاه، فهل كان ورقة مزورا ومحرفا ايضا، ويشتري بما يكتب ثمنا قليلا ؟ فلماذا يثق المسلمون بشهادته لمحمد من انه سيكون نبيا لهذه الامة ؟ الا يمكن ان يكون هذا اليهودي المتنصر كاذبا اذا طبقنا عليه حكم القرآن ؟
ولكن لما كانت شهادته لصالح نبوة محمد فهو صادق لدى المسلمين .
وان كان ما كتبه ورقة واصحابه صحيحا ، فأتهام القرآن لهم يصبح باطلا .
وإن كان الاتهام القرآني لهم صحيحا بالتحريف الكتابي، فهم لم يحرفوا كل كتب التوراة الموجودة والمنتشرة في اقطار العالم . انما كان تحريفا محليا فقط . فهم لا يملكون مطابع تطبع وتوزع المخطوطات المحرفة ويرسلونها لكل مدن العالم .
هل التحريف بالمعنى يطعن بصدق الكتاب المقدس ؟
في سورة البقرة 75 :
” أفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” .
كان فريق منهم وليس كلهم … يسمعون كلام الله … ثم يحرفونه .
انهم يسمعون ويحرفون بالكلام للاخرين ما سمعوه اي انهم يمارسون الخداع مع المسلمين ويغيرون المعنى بالقول .
المتهمون (فريقا منهم) وليس كل يهود العالم. اي الاتهام يخص فئة صغيرة من اليهود المحليين . والتحريف بالكلام المنقول سماعا وليس التحريف بكتابة النصوص في التوراة الاصلية.
وهذا لا يمس التغيير في النصوص الاصلية للتوراة . انما يقومون بتغيير التأويل او المعنى ، وليس هناك تحريفا بالنص مطلقا .
يفسر الطبري هذه الاية بقوله : [ ثم يحرفونه اي يبدلون معناه وتأويله ويغيرونه ، واصل التحريف هو انحراف الشئ عن جهته وهو ميله عنها الى غيرها ، اي تغيير معناه الى غيره ] .
اذن هذه الاية لا تتهم اليهود بتحريف نصوص التوراة ؟
يتبع الجزء الثاني والثالث

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.