لا يحارب الإرهاب ويكبح بأدوات وبشعارات مذهبية طائفية

عادل حبه
إن أحد هواجس التي كانت تثير القلق لدى العديد من الوطنيين العراقيين في العهد الملكي، هي موضوعة الطائفية. ولذا طالب العديد من هذه الأحزاب بإرساء مساواة حقيقية بين أبناء الشعب والتخلي عن نهج التمييز الطائفي الذي كان في جوهره السعي لاستحواذ النخبة الطائفية على الثروة بالأساس، باستثناء فترة الخمس سنوات التي أعقبت ثورة تموز. فالدولة العراقية التي نشأت بعد التحرر من ربقة السيطرة العثمانية، استمرت على اتباع نهج التمييز الطائفي العثماني. كما ورث العراق شكل البناء الاستبدادي الهش المغلف بالغطاء الديني والمذهبي الطائفي من الدولة العثمانية. وترك ذلك تأثيره السلبي على وعي الناس وأفكارهم وممارساتهم. ولقد حُددت هوية العراقيين بعد تأسيس الدولة العراقية في عام 1921 وشهادة الجنسية التي يحملونها وإلى الآن، بالجنسية العثمانية التي كان يحملها المواطن العراقي قبل قيام الدولة العراقية الحديثة. في الوقت الذي فضّل البعض من العراقيين حمل الجنسية الإيرانية لأسباب عديدة، ومنها التخلص من الخدمة العسكرية في الجيش العثماني “السفر بر”، الذي لم يتوقف لحظة في كل تاريخ الدولة العثمانية عن خوض الحروب والغزوات تحت راية “حماية الدين”. وهكذا اتُهم بعض العراقيين بتهمة “التبعية” وتعرضوا للتسفير في ظل عهدي البعث البغيضين في انقلاب 1963 وانقلاب 1968. لقد بلغ التمييز الطائفي حداً بحيث اعترف الملك فيصل الأول بهذا الواقع الطائفي بعد تشكيل الدولة العراقية في حديث خاص له حيث قال :”إن الضرائب على الشيعي والموت على الشيعي والمناصب للسني”.
ورغم ما يُقال ويتردد عن ضلوع أطراف في المؤسسة الشيعية الطائفية بإصدار فتاوى تحرّم على الشيعة المشاركة في مؤسسات الدولة العراقية الحديثة، وربما هناك قدر من الصحة في ذلك، إلاّ أن مشاركة أوساط واسعة من السياسيين الشيعة سواء إلى جانب الحكم أو الوقوف في صف معارضته ومنهم طيب الذكر الحاج محمد جعفر أبو التمن وشخصيات سياسية بارزة، يدحض ما يدّعيه عدد من المؤرخين حول مقولة أن التهميش الذي تعرض له الشيعة هو الخيار المذهبي والطائفي لجميع المكون الشيعي في العراق. ولقد بادر قادة وطنيون بارزون عراقيون التزموا بالهوية الوطنية العراقية إلى التصدي لكل مسعى طائفي في العمل السياسي. فإتجهت جهود الحاج محمد جعفر أبو التمن لتوحيد العراقيين على إختلاف منحدراتهم الطائفية والدينية والقومية في الحزب الوطني العراقي الذي شكله في مطلع العشرينيات. هذا الحزب الذي تعرّض للحظر، ثم تم نفي أبو التمن إلى جزيرة “هنگام” في الخليج.
كما لعب موقف أبو التمن السلبي من النزعة الطائفية” دوراً هاماً في تطويق محاولات تشكيل أحزاب طائفية شيعية بالرغم من سياسة التمييز الطائفي للنظام. فقد رفض الحاج محمد جعفر ابو التمن الدعوة التي قدمتها له قيادات عشائرية ودينية وسياسية لترأس حزباً طائفياً، لاعتقاده بأن مثل هذه الخطوة ستلحق الضرر بالوحدة الوطنية العراقية، إلى جانب أنها لا تشكل حلاً لمشاكل البلاد، بل هي إذا ما نجحت فستدق اسفيناً بين العراقيين وستجلب الكوارث للبلاد. وهذا ما نشهده في هذه الأيام. وهكذا لم يستطع آنذاك حزب النهضة الشيعي الذي تأسس في أواخر العشرينيات من أن يستمر في نشاطه السياسي.

jarqagiaboeltomen

الحاج محمد جعفر أبو التمن مؤسس حزب النهضه العراقي سنه 1921 – رمز الوطنية ومناهضة الطائفية الحاج امين محمد حسين الجرجفجي

farhatelzahraa

لا يبنى العراق ولا يحارب الارهاب بمثل هذه المظاهر

إن كل محاولات تخطي الراية الطائفية المدمرة في النشاط السياسي لم يكتب لها النجاح للأسف. فقد استمر الحاكمون في العهد الملكي على نهج الطائفية لتشديد قبضتهم على الحكم والاستئثار به لتمرير مشاريعهم بدعم خارجي. كما تمسك المتطرفون من رجال الدين الشيعة أيضاَ بالنهج الطائفي والتلويح به أيضاً لتأمين المصادر المالية وضمان مبايعة أكبر قدر ممكن من الشيعة البسطاء لمآربهم، إضافة إلى الاستجابة لأجندات إقليمية. وظل التجاذب بين المتطرفين من كلا اللونين الطائفيين بترديد الفتاوى والقصص والروايات التي تزيد من الشحن الطائفي وتعمق الفرقة بين العراقيين وأتباع الدين الواحد. ولم يعد هذا التجاذب يأخذ صورة التجاذب المذهبي فحسب، بل اتخذ تجاذب سياسي كامل العيار ولا علاقة له بالدين والمذهب، بل هو تنافس النخب الطائفية على الغنائم والثروة.
لقد وقف رجال الدين المتطرفين من كلا الطرفين ضد أية نزعة لإعلاء شأن الهوية الوطنية وتجاوز الخلافات المفتعلة بين المسلمين الذين توحدهم أركان الدين الخمسة. فراحوا ينبشون في الروايات التاريخية للبحث عن ذرائع لتعميق الخصومة بين أبناء الدين الواحد، مثل رواية “قميص عثمان” ورواية قرية “فدك” أو اعتداء الخليفة عمر على السيدة فاطمة، وهي أحداث مشكوك بأصالتها. وحتى وإن صحت هذه الروايات حول هذه الصراعات التي كانت تدور حول الغنائم خاصة بعد الفتوحات، فما هي جريرة الأجيال اللاحقة في استمرار هذا الصراع العبثي الدنيوي الذي يجري أحياؤه وتأجيجه بين الحين والآخر. هذا في الوقت الذي التزم الامام علي الصمت أزائها، وبارك تولي أبو بكر وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان على التوالي كخلفاء للمسلمين، وتعاون معهم أثناء ولايتهم، ولم يرفع السيف ضدهم، وقام بالتصدي لمن قام باغتيال الخليفة عثمان بن عفان. كما دخلت ذُرية الأمام علي في مصاهرة مع جميع ذرية الخلفاء الأوائل. وسُمي البعض من هذه الذرية باسمائهم، بحيث أن الامام جعفر الصادق أشار عند الطلب منه شتم هؤلاء :” أَيَسُبُّ الرَّجُلُ جَدَّه، أَبُو بَكْرٍ جَدِّي، لاَ نَالَتْنِي شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَتَوَلاَّهُمَا، وَأَبرَأُ مِنْ عَدوِّهِمَا”.
لقد نشط المتطرفون من كلا الجانبين على إحباط أي مسعى للحوار حول أمور مر عليها أكثر من 14 قرناً، وحرف الناس عن الشؤون الآنية التي تواحههم، وحرفهم عن التمسك بالهوية الوطنية. فعندما وحّدت وثبة كانون الثاني عام 1948 العراقيين من أجل إسقاط معاهدة بوتسموث الاسترقاقية مع بريطانيا، وسادت راية الوطنية العراقية والحماس الوطني في شوارع المدن العراقية بأجمعها، وتراجع “اللغو” الطائفي من شوارع المدن العراقية، أثار ذلك هلع المتطرفين الطائفيين من تنامي النزعة الوطنية لدى العراقيين على حساب النزعات الطائفية المتطرفة. فخرجت في بغداد بعد حين مظاهرات نظمتها حركة الأخوان المسلمون الفتية، تصدّرها زعيمها محمد الصواف رافعين شعارات تهدف إلى حرف الرأي العام العراقي عن مطالبه الوطنية، وطرحوا شعار “الشيوعيون أخوان اليهود” بذريعة الدفاع عن حرمة فلسطين.
وعندما اندلعت ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، وبادرت السلطة الوطنية إلى اعتماد الوطنية في التعامل مع العراقيين، وباشرت بطي صفحة على التاريخ المقيت للطائفية في بلادنا، جنّ جنون فرسان الطائفية من كل الألوان وناصبوا الثورة ورموزها وأنصارها الخصومة والعداء، ورفعوا رايات “الشيوعية كفر وإلحاد” السيئة الصيت، لسبب أساسي هو أنها سحبت بساط الطائفية من تحت أقدام المتطرفين الطائفيين وحرمتهم من المنافع التي تدر عليهم جراء التلويح بالراية الطائفية. والغريب أن هؤلاء الطائفيين اختلفوا في كل شيء، وتنكروا لايمان كل الأطراف بالأركان الخمسة في الاسلام. ولكنهم وضعوا القشور في الواجهة، وأضحت بمثابة أركان لمذاهبهم، وابتكروا النصوص وفبركوا الروايات حول أمور دنيوية وفرعية قياساً بالأمور الروحية التي لا خلاف عليها، لتأصيل وتبرير منهجهم. وعلى الرغم من الخلافات بينهم، إلاّ انهم اتفقوا على مناهضة ثورة 14 تموز. وبدأ الغزل والتعاون المشترك بين ألوان التطرف، والتنافس على اصدار الفتاوى التكفيرية ضدها وتشكيل الأحزاب الطائفية والمشاركة في التحضير للانقلاب الذي دبرته دوائر الاستخبارات الأمريكية والبريطانية وشركات النفط، بهدف وقف الحملة التي شنها النظام لاجتثاث جذور الطائفية في البلاد وآثارها الضارة.
ونجح هؤلاء بالاجهاز على ثورة 14 تموز في الثامن من شباط علم 1963، وتوقفت المساعي لتحديث البلاد والحفاظ على الهوية الوطنية والتخلي عن الموضوعات الطائفية البالية، وعادت الطائفية من جديد بقوة لتبث سمومها في المجتمع، وتحرق الأخضر واليابس وتعرقل التطور الحضاري للمجتمع العراقي. ومنذ ذلك الحين، أي انقلاب 8 شباط 1963، بدأت صفحة مشينة في العراق تمثلت في الترويج المحموم للطائفية، وتمثلت في إبعاد الآلاف من العراقيين عن وطنهم ونهب ممتلكاتهم بدعوى التبعية والطائفية، ووصلت أبشع صورة للمرض الطائفي أثناء الحرب العراقية الإيرانية التي انتشرت أثناءها سموم هذا المرض الخبيث. كما تحول حزب البعث نفسه من حزب علماني إلى حزب طائفي كامل العيار.
وهكذا ورث العراقيون خلال هذه العهود أكداس من الهوس الطائفي الذي لم يعد يقتصر على الفئة الحاكمة فحسب، بل أمتدت شروره إلى المجتمع العراقي برمته. فبدلاً من التصدي لهذا المرض الخبيث وفلب صفحة عليه، رفع متطرفون في المكون الشيعي أثناء انتفاضة الشعب العراقي في عام 1991 ضد النظام الطائفي السابق شعار “ما كو ولي إلاّ علي ونريد حاكم جعفري”، بدلاً من رفع شعار المطالبة بـ”الحاكم العراقي العادل والديمقراطي” في مسعى لانقاذ البلاد من شر الطائفية. وبذلك أضاع العراقيون الفرصة الذهبية من أجل خروج البلاد من هذه الدوامة. وكان هذا الشعار هو الذي أدى إلى انهيار الانتفاضة والشروع بدق الأسافين بعمق أكثر بين مكونات الشعب العراقي ، وسهّل على الحكم قمع الانتفاضة.
وبعد الاجهاز على نظام البعث إثر الغزو الأمريكي، كان المجتمع “جاهزاً” للولوج في دهاليز الطائفية وعواقبها، وهو ما شهده العراق خلال السنوات التي تلت عام 2003، وما لحق به من خراب مادي وروحي، علاوة على ارزهاق أرواح عشرات آلاف الضحايا من كل المكونات العراقية تحت شعارات طائفية ومذهبية. وراحت طبول المتطرفين تدق من أجل تعميق التناحر المتبادل بين أبناء الوطن الواحد، كما أخذنا نشهد نوازع مريضة في المجتمع التي لا تبني البلاد ولا توّحد العراقيين، بل تمزّق نسيجه.
والآن حيث يخوض العراقيون وإبناؤهم في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية صراعاً مريراً ومصيرياً ضد المجاميع التكفيرية الإرهابية التي تلقى الدعم المالي واللوجستي والإنساني من دول إقليمية وشبكات إرهابية عالمية، فما على العراقيين إلاّ التبصر والتدقيق في أسباب هذا الإعصار الخطير والمدمر، الذي أدى إلى احتلال أجزاء ومدن مهمة من العراق، في ظل رايات وشعارات طائفية والتي أصبحت الغذاء الروحي والمحرك لهؤلاء الأشرار.

ولذا يجب على العراقيين التحلي باليقظة والوعي والحذر من عدم الانجرار واللهاث وراء فخ الطائفية “سنية كانت أم شيعية” عند مواجهة التطرف الطائفي لداعش وأمثال داعش. كما يجب على العراقيين التخلي عن “لعبة الشيعة والسنة” التي تعد الغذاء الروحي لداعش وأضرابها، وأن يسحب البساط من تحت أرجل هؤلاء الذين يتاجرون بالطائفية ويقبضون الملايين لدق أعناق العراقيين جراء ذلك. إن رفع الشعار الطائفي لا يؤدي إلى إزالة الإرهاب مهما بلغ حشد العراقيين له، ومهما تلقوا من دعم دولي خارجي. فالأمر هو في يد العراقيين وفي كيفية معالجة الحواضن التي يتمتع بها الإرهابيون داخل العراق جراء هذا الشحن الطائفي المحموم الذي يجيش في الموصل والأنبار وصلاح الدين وديالى مواطنين عراقيين نخر الشر الطائفي في عقولهم بسبب هذا التبشير الطائفي من قبل جميع فرسان التطرف الطائفي شيعة وسنة على حد سواء. ومهما بذلت الحكومة khomeintiraq

labyakyahoussein

العراق يُستباح وينزف دماً، ولا يوجد شعار “لبيك ياعراق”، فالمواجهة يُراد لها أن تكون طائفية!!

من جهود للمصالحة المزعومة، فلا أمل فيها من

بدلاً من أن تكون عراقية ضد أعداء العراق والعراقيين بكل ألوانهم
دون معالجة الممارسات الطائفية والشعارات الطائفية والعمل السياسي الطائفي والأحزاب الطائفية والطقوس الطائفية التي أصبحت ممارسة رسمية في دولتنا المنخورة بالفساد والطائفية والتناحر العبثي.
إن تجربة العشر سنوات الماضية وما رافقها من مآسي وخراب وركود اقتصادي، لهي كافية بأن تدفع كل وطني عراقي إلى السعي لوقف هذا النزيف الرهيب والتصدي لتجارة الطائفية التي لم يجن منها الشيعي والسني و المسيحي والكردي والعربي والأيزدي أية مكاسب سوى الخراب. فهدف أشرار داعش هو القتل والتخريب والنهب وإثارة موجات الحروب في المنطقة والعالم. ففي الموصل لا يقتل الشيعي وفي الانبار لا يقتل الشيعي، ولم ينج حتى الطيار الأردني من الحرق على يد هؤلاء. آن الأوان أن يعي العراقيون بمخاطر ما ينتظرهم ويتخلوا عن ثوب الطائفية “المهلهل”.
6/2/2015

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.