شهرام ناظري واحد من أبرز المطربين الإيرانيين حاصل على جائزة التراث الثقافي الشرقي الرفيعة من اللجنة الآسيوية عام 2007. وتم منح ناظري الوسام الثقافي الفرنسي عن مجمل إنجازاته وإسهاماته في الموسيقى الفارسية الكلاسيكية في 28 سبتمبر (أيلول) عام 2008. وفي الأول من مارس (آذار) عام 2013 وقبل أن يبدأ برنامجا جديدا يروي فيه قصة ضحاك التي وردت في «شاهنامة» الفردوسي، قال للجمهور: «نحن ننتظر تصريحا لغناء قصة ضحاك منذ ستة أعوام. ينبغي أن أقول للحكومة ألا تخشى الفردوسي رجاء، فهو ليس رجلا خطيرا». وهناك تاريخ طويل من التوتر بين الفن والأدب من جانب، والحكومة من الجانب الآخر.
منذ عشرين عاما اتصل بي المفكر والباحث الشهير في إيران، سعيدي سيرجاني، وسألني إذا كنت أستطيع التحدث إلى وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي للحصول على تصريح بنشر كتابه. وكان عنوان الكتاب «ضحاك وعلى كتفيه ثعبانان». وكان محمد خاتمي آنذاك وزيرا للثقافة، وتمكنت من الحصول على التصريح، لكن بعد عدة أشهر تم القبض على سعيدي سيرجاني، ووافته المنية وهو لا يزال في محبسه.
ومن الأسئلة المهمة التي تطرح نفسها في هذا المقام: ما الرسالة التي تحملها قصة ضحاك؟ من هو ضحاك؟ بإيجاز إنه رمز للأنظمة الظالمة في تاريخ إيران، رغم أنه شخصية خيالية. وكان لديه ثعبانان على كتفيه حصل عليهما كهدية من الشيطان؛ فبعد أن قبل الشيطان كتفي ضحاك نما مكانهما ثعبانان فورا. وكان من المستحيل قتل الثعبانين أو التخلص منهما. وطلب الشيطان من ضحاك إطعام الثعبانين، لكنهما كان يأكلان نوعا خاصا من الطعام وهو مخ الشباب.
ويشرح الفردوسي بداية حكم ضحاك لإيران بقوله: جلس ضحاك على العرش لمدة ألف عام، وظل العالم أجمع يطيعه لفترة طويلة. أصبحت عادات الحكماء مبهمة، وازدهرت شهوات النساء في كل مكان، واختفت الفضيلة، ورسخ الفن الأسود مكانته، وتوارى الحق، وظهرت الكوارث. وفي الوقت الذي حققت فيه الشياطين أهدافها، ولم يكن يتحدث إنسان عن الخير إلا خفية وسرا. بمعنى آخر لقد كانت حكومة لنظام ظالم مستبد تقتل الشباب. وكان على إيران تقديم شابين كل يوم ليأكلهما الثعبانان. وكان يتم قتلهما في مطبخ ضحاك وإعداد مخيهما للثعبانين الأسودين.
وكان من الطبيعي بعد ألف عام من الحكم وقتل الشباب وطمس كل القيم الإنسانية ودعم الشر أن ينتفض الشعب الإيراني ويثور ضد ضحاك. وقبض البطل الوطني فريدون على ضحاك وزج به في السجن أعلى قمة إلبروز. وتقول الأسطورة إن ضحاك لا يزال على قيد الحياة في سجنه ويتغذى ثعباناه على مخه.
ويقول الفردوسي بعد ذلك: «أصبح مجد ضحاك ترابا وهشيما تذروه الرياح وتطهرت الأرض». لم يكن فريدون العظيم ملاكا وليس مثل المسك والعنبر، بل كان شخصا يركز على العدالة وروعة الخير التي تمثل أصل العظمة، وكانت الحرية معشوقته الدائمة.
يخبرنا تاريخنا بأن الاستبداد كان دوما أساس كل أنظمة الحكم، حيث يفسر ويتفوغيل، في عمله الخالد
«Oriental despotism, a comparative study of total power»
(الاستبداد الشرقي: دراسة مقارنة في السلطة الشمولية)، جذور الاستبداد في الشرق وآسيا. وتعد أسطورة ضحاك رمزا فريدا للأنظمة الظالمة الاستبدادية في التاريخ الإيراني والأساطير الإيرانية. لهذا تم وضع سعيدي سيرجاني رهن الإقامة الجبرية في ذروة إبداعه. وفي بداية عقده السابع ألف كتابه وهو في قمة إبداعه الفني. واستخدم سيرجاني السخرية والأسطورة لانتقاد النظام ووسمه بالاستبداد وكذلك مهاجمة النفاق الديني. لذا عندما يريد فنانون مشهورون مثل شهرام ناظري تقديم برنامج يقوم على قصة ضحاك، يرفض وزير الثقافة الإرشاد الإسلامي ذلك ويستمر في الرفض لستة أعوام. وحتى بعد مرور الست سنوات، لست متأكدا من الذي أصدر تعليمات للوزارة بمنح ناظري التصريح. ويثير هذا الريبة بالنظر إلى التوتر الحاد بين الرئيس وحكومته من جهة، والدولة والقائد والمؤسسات من جهة أخرى.
دعوني ألخص لكم القصة الطويلة للتوتر بين الفنانين والروائيين والشعراء وبين الحكومة. حتى عندما أنهى الفردوسي عمله العظيم، لم يحظ بأي معاملة لائقة من الحكومة آنذاك، لكن كتابه عاش بين الناس.
لدينا في التاريخ الثقافي الإيراني تقليد فريد للنقالي أو الحكي، حيث اعتاد الناس التجمع معا في «القهوة خانة»، بينما يحكي النقال قصصا من الشاهنامة. لقد كان هذا تقليدا ثقافيا في الشرق، ففي بيشاور بباكستان على سبيل المثال يوجد مكان في قلب المدينة يسمى «بازار قصه خواني بيشاور» أي سوق الحكي. وكتب نجيب محفوظ في الصفحة الأولى من روايته العظيمة «أولاد حارتنا» عن مثل هذا المكان، حيث ذكر:
«جميع أبناء حارتنا يروون هذه الحكايات، يرويها كل كما يسمعها في قهوة حية».
وكما نعرف جميعا، ما زالت رواية نجيب محفوظ محظورة في مصر رغم أنها موجودة في كل الأماكن الأخرى. وتشبه نهاية «أولاد حارتنا» كثيرا نهاية قصة ضحاك، حيث تنتهي بعبارة:
«لا بد للظلم من آخر، ولليل من نهار، ولترين في حارتنا مصرع الطغيان ومشرق النور والعجايب».
لقد جاءت الكثير من الحكومات في إيران وذهبت، لكن لا يزال الفردوسي باقيا. بعد مائة عام من سيعرف أي شيء عن محمد حسني مبارك أو محمد مرسي؟ لكن نجيب محفوظ لا يزال حيا وسيظل حيا إلى الأبد. إن هذا هو سر قوة الفن والأدب، وهذا هو سبب خوف السياسيين. إنهم لا يستطيعون الوقوف في وجه الشمس أو إخفاء النور.