لا أريد هذا الإسلام بل ذلك الإسلام

بقلم د. توفيق حميد/
سألوني : هل تريد الإسلام؟
قلت لهم : نعم، ولكنني أريد ذلك الإسلام الذي أعطى الإنسان حرية الفكر واختيار العقيدة، كما قال تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” (سورة الكهف: 29).
أريد إسلاما لا يُكره أحدا على أداء شعائره كما قال الله: “لا إكْرَاهَ فِيْ الدِّينِ قَدْ تَبيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغّيِّ” (سورة البقرة: 256).
أريد إسلاما لا يسمح لأتباعه بأن يتدخلوا في عقائد الآخرين أو أن يحاسبوا غيرهم من البشر كما قال ربي: “إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ؛ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ” (سورة الغاشية: 25-26). وقال: “وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ ۚ” (سورة المؤمنون: 117). وكلمة “إنما” هي أسلوب “قصر واستثناء” أي أنه ليس من حق أحد أن يحاسب غيره من البشر لأن هذا الحق مكفول لله وحده.
أريد ذلك الإسلام الذي يُقيّم الناس بالمحبة التي في قلوبهم، لا ذلك الإسلام الذي يُقيمهم بما يلبسون. قال تعالى: “يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم” (سورة الشعراء: 89-88) فلم يقل “بلباسٍ سليم” بل قال “بقلبٍ سليم”.
أُريد ذلك الإسلام الذي يحنو على المسكين واليتيم والأسير أيا كان دينه أو عرقه. قال تعالى: “ويُطعمون الطعامَ عَلَى حُبِّه مِسكينًا ويتيمًا وأسيرًا” (سورة الإنسان: 8). فلم يقُل: ويطعمون المسكين المسلم أو اليتيم المسلم أو الأسير المسلم.
أريد ذلك الإسلام الذي يرفض الظلم بكل معانيه فلا يقبل ظلم زوج لزوجته أو قاض لمتهم أو ظلم الأغلبية المسلمة لمن يعيش بينهم من الأقليات الدينية. فقد قال ربي: “وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا” (سورة طه: 111) .
أُريد إسلاما يُدافع أتباعه عن كنائس ومعابد غير المسلمين، كما يدافعون عن المساجد. فقد قال تعالى: “ولولا دفعُ اللهِ الناسَ بعضَهُم ببعْضٍ لهُدِّمَتْ صَوامعُ وبيَعٌ وصَلواتٌ وَمَسَاجدُ يُذكَرُ فيها اسمُ اللهِ كثيرًا” (سورة الحج: 40).
أريد إسلاما يعلو بالتواضع ويسمو بالرحمة والمغفرة لا باللعنات والكبر. قال تعالى: “وقُلْ رَّبِّيْ اغفرْ وَارْحَمْ وَأنتَ خَيرُ الرَّاحِمِينَ” (سورة المؤمنون: 118).
أريد إسلاما يتعبد أتباعه مع أهل الديانات الأخرى ويصلون معهم، كما قال تعالى: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ” (سورة الكهف: 28). فلم يقل: مع الذين يدعون “ربَّك” بل قال : يدعون “رَبَّهُم”.
أُريد ذلك الإسلام الذي يشهد أتباعه بالحق والصدق ولو على أنفسهم، كما قال ربي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ” (سورة النساء: 135).
أريد ذلك الإسلام الذي تسمو فيه الروح فوق الأحرف والكلمات، كما قال ربي: “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ” (سورة الشورى: 52).
أريد ذلك الإسلام الذي يجعل أتباعه “ربانيين” يراهم الناس ويرون أعمالهم الحسنة فيقدسون اسم خالقهم ومبدعهم الذي في السماوات، كما قال ربي: “وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ” (سورة آل عمران: 79).
أُريد ذلك الإسلام الذي يجعلنا نُقدس الإبداع و الجمال، فالله تعالى هو “بديع السماوات والأرض” (البقرة: 117)، ويجعلنا نحترم حق الآخرين في أن يكون لهم فكر مخالف لما نؤمن به لأن الاختلاف هو سنة الله في خلقه. فقد قال ربي: “ولو شاء ربك لجعل الناس أُمةً واحدة ولا يزالون مختلفين” (سورة هود: 118).
أريد إسلاما يرى نور الله وصفاته تتجلى في المحبة الإلهية، كما قال ربي لموسى عليه السلام: “وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي” (سورة طه: 39).
أريد إسلاما تذرف أعين أتباعه دمعا حينما يسمعون آيات الله في القرآن والإنجيل والتوراة، وتقشعر أبدان من آمن به حينما يرون جمال الله في الورود والفراشات وقواقع البحار، فالله تعالى يقول في حديثه القدسي: إن الله جميل يحب الجمال.
نعم إنني أريد ذلك الإسلام الذي هجره كثيرون، كما قال الله على لسان رسوله الكريم: “وقال الرسولُ يا ربُّ إنَّ قَومِي اتخذوا هذا القرآن مهجورا” (سورة الفرقان: 30).
فإن كانت تلك القيم التي تحترم الفكر والتنوع والاختلاف وتقدس الجمال والإبداع هي مرجعية الإسلام فأهلا بها وسهلا.
وإن كان مفهوم المرجعية عند البعض هي إكراه الناس على الدين، وقمع بناء كنائسهم ومعابدهم، وإصدار الأحكام على البشر ونعتهم بالكفر والزندقة، فلا أهلا ولا سهلا بتلك المرجعية.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to لا أريد هذا الإسلام بل ذلك الإسلام

  1. س . السندي says:

    ١: تصور معي لو غزت بلداننا قيم القرأن المكي لصارت بلداننا جنات ألله على الارض ، إذ تبارى ألمسلم مع المسيحي واليهودي في صنع الخير والرحمة والمعروف ، بدل القرأن المنسوخ الذي صنعه السلاطين وأصحاب الريات الحمر والسيوف ؟

    ٢: أستمر في رسالتك بجرأة وشجاعة أكثر ، لان تذبذ البعض يدفع الاخرين بصدق هلوساتهم ؟

    ٣: وأخيراً …؟
    على من يعنيهم أمر وحياةالمسلمين أن يمتلكوا الشجاعة لقول الحقيقة وتنقيح ما دخل الى القرأن من كلام منسوخ ينسب زوراً وبهتاناً الى الله ، فهل من المنطق والعقل أن ينسخ إله كلامه والملوك لا تفعلها ولو كان في الامر فناها ، وأن يكون ديوساً لسفلة ومجرمين ، قليل من التفكير والتحليل سيصحح كل ذي عقل عليل ، سلام ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.