لا أحد يستطيع أن يحمل عرش الله إلا الأمهات

ليست الأمومة مجرد مهمة! هي رحلة طويلة وشاقة، بل هي الرحلة الوحيدة الطويلة والشاقة والممتعة جدا في آن واحد….
سأكون أما وملزمة بمسؤوليات الرحلة بغد النظر عن عمري وعمر أولادي. هم صغاري مهما كبروا، وهم تحت جنحي وفي صلواتي مهما نضجوا….
….
ليست الأمومة مجرد غريزة، وإلا لكانت كل والدة أما! بل هي بصيرة وحكمة وقدرة على أن تنهضي مهما هبط بك الزمن….
وعلى أن تتنفسي مهما خنقتك الأيام… وعلى أن تخبزي ولو قصوا أصابعك…. وعلى أن تشفقي وتصبري مهما لازمتك النوائب،
لا خوفا على نفسكِ بل خوفا على من هم أغلى من تلك النفس! تعرفين بأنك زائلة وهم عطرك المتبقي وامتدادك الكوني إلى الأبد.
لذلك، تفنين عمرك لكي تضمني جودة امتدادك ونقاوة عطرك….
….
عندما يلتفون حولي ارى العالم فيهم، وأرى نفسي في إنجازاتهم وفي حبهم واحترامهم. أعتبر عيد الأم عيدهم وليس عيدي، إذ يصبحون هم زهر العيد وبطاقاته وحلواه وأهازيجه…. يصبحون ختما لشهاداتي… وبرهانا لنجاحاتي… وثمارا لعمر قضيته في الربت على أكتافهم وتقبيل جروحهم وغسيل جواربهم، والتسلل خلسة إلى غرف نومهم لأقابل الإله الساكن في جفون عيونهم…
…..
جئت ـ كما جاء غيري ـ إلى هذا الكون من أجل غاية هي الأسمى، ألا وهي أن أجعل الكون أجمل مما كان عندما أتيته. وها أنا قد نفذت ماجئت من أجله! هم غايتي الأسمى، وبهم سيكون الكون أجمل بكثير مما كان عندما أتيته….
….
تتصل بي فرح وهي تضحك وتبكي في آن واحد: ـ ماما، عاينت اليوم طفلا في السادسة من عمره كان قد تعرض للتعنيف، وانتهيت لتوي من كتابة التقرير الذي يشرح وضعه النفسي بالتفصيل كي أقدمه للمحكمة، وتتابع: سألته في سياق المعاينة: هل لك صديق مفضل؟
فأومأ بالايجاب!
ابتسمت وأزهر قلبي، لأنها قد تكون النقطة المضيئة الوحيدة في عمره الغض. سألته: ما اسمه؟
رد: المسيح!
عندها ضحكت وبكيت في آن واحد….


……..
تتصل أنجيلا وهي تشهق في البكاء…  شعرت وأنا أسمع شهقاتها وكأنهم رموا آخر كومة تراب فوق قبري، وفصلوا بيني وبين الحياة!
بعد مسافة الطريق كنت أضمها إلى صدري…. في طريق عودتها من عملها في الجامعة إلى بيتها، السيارة التي على يمينها تماما دهست شابا في مقتبل العمر، شهدت بامّ عينها كيف صار كالظل على الأرض. رجال الاسعلاف غطوا جسده وراحوا يسعفون أنجيلا من هول الصدمة…. تتمتم أنجيلا ورأسها يغفو على صدري: ماما هل تظنين أنني سأكون قادرة على أن أتجاوز مأساوية ذلك الحدث؟
……..
يفرقع الموبايل معلنا وصول رسالة… من سيراسلني في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ربي اجعله خير، إنها رسالة من مازن!

Mom
I don’t tell you this often enough, but I really love you. You are such an important person in my life, and I appreciate all that you do for me Thanks for all the sacrifices you’ve made. Please know that they don’t go unnoticed. I love you and dad so much

ماما
قد لا أعلمك بذلك كفاية، ولكنني حقيقة أحبك أنتِ شخص مهم جدا في حياتي، وأنا أقدر كل مافعلتيه في سبيلي شكرا لكل التضحيات التي قدمتيها أرجوك كوني على ثقة من أنني على علم بها ولا أتجاهلها. أحبك وأبي جدا جدا!
…..
زعموا بأن ثمانية ملائكة تحمل عرش الله لكنّ الحقيقة المغيبة في هذا الجزء التعيس من العالم، أنه لا أحد يستطيع أن يحمل ذلك العرش إلا الأمهات! ولولاهن لهبطت السماء على الأرض….
…………….
لكل الامهات اللواتي شاركنني بهجة العيد، ولكل أمهات الأرض أقول: كل عيد أم وأنتن بخير حتى يبقى عرش الله مرفوعا فوق رؤوسنا، ولكي يبقى الكون جميلا ، بل أجمل بكثير مما كان في كل مرة تصبح فيه امرأة أما….
**************************************************

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.