وفاء سلطان
دعاني السيّد محمد اليحيائي مشكورا لأكون ضيفة برنامجه “عين على الديمقراطية” في تلفزيون الحرّة.
الموضوع الذي طرحه كان:
هل هناك امكانيّة لوجود حوار بين العلمانيين والاسلاميين في العالم العربي؟!
علمت من السيّد المضيف وجود ضيف آخر يمثّل الجانب الآخر.
لم أسأل عن اسمه ولم أشعر بحاجتي الماسة لأن أعرف الكثير عن خلفيّته لقناعتي المطلقة “تغيّرت الاسماء والشخص واحد”!
******************
في العالم العربي، وللأسف الشديد، لا نعرف معنى الحوار ولا الغاية منه ولا شيئا عن آدابه. ولذلك لم يحصل في تاريخنا أننا خرجنا من حوار وفي جعبتنا بصيص أمل!
الحوار، باختصار، عملية تواصل وتفاعل بين طرفين أو عدّة أطراف يحمل كلّ منها وجهة نظر تختلف عن وجهة نظر الآخر.
الغاية من الحوار الخروج منه بقناعات جديدة، قناعات مشتركة تختلف ولو قليلا عن قناعات كلّ طرف على حدة.
الغاية من الوصول الى تلك القناعات هي تسهيل العمل المشترك المطلوب من جميع الأطراف انجازه، بغية الوصول الى هدف مشترك.
إذا: حوارß قناعات مشتركةß عمل مشتركß هدف مشترك!
ولكن لا يمكن، وقبل أن نبدأ أيّ حوار، من أن نتفق على مبدأ احترام الطرف الآخر واعتباره ندا قابلا، عقليّا وفكريّا، للتواصل والتفاعل.
لا تستطيع أن تبدأ حوارا مع طرف وأنت تنتقص من قدراته العقلية والذكائيّة، وترفض أن تعتبره مخلوقا بشريّا كامل العقل والوجود!
من يبدأ الحوار وهو يحمل تلك القناعة لن يكون قادرا على التواصل والتفاعل، وإنمّا مجادلا محاولا أن يفرض رأيه بالقوة دون احترام رأي الآخر!
********************
حوار بين امرأة علمانيّة ورجل اسلاميّ أمر أعتبره ضربا من المستحيل.
قبلت الحوار، وأنا على ثقة بعدم إمكانيته، لسبب بسيط وهو قناعتي بضرورة الاستفادة من كلّ فرصة تساهم في نشر آرائي، فالعالم الاسلامي والعربي بحاجة الى أن يسمع الطرف الآخر مهما اختلف معه.
كيف يقبل رجل اسلامي أن يدخل في حوار مع امرأة يعتبرها ناقصة عقل ويعتبر نفسه أعلى درجة منها؟!!
ألم تقل شريعته: “ولكم عليهن درجة”؟!!
هذا اذا تجاوزنا، ولو للحظة، اتهامه بالحادها انطلاقا من كونها علمانيّة. فالاسلاميون يصنفون الناس في فئتين كافرين ومسلمين، والتصنيف يتمّ على ذوقهم!
من يتحدى أيا من تعاليمهم يكون كافرا ولا يعرف الله!
لم أكن اجهل تلك النقطة عندما وافقت على الحوار، ولكنني أكرر القول: قبلته لانني رأيت فيه فرصة اخرى كي أنشر المزيد من افكاري وعلومي، إيمانا مني بأنّ الغالبية الساحقة من قرائي في العالم العربي تتطلع وبشغف الى كل فرصة يتاح لي بها أن أتواصل معها. فالسجين يفرح ولو بثقف صغير في جدران سجنه كي يتطلع من خلاله الى ضوء النهار.
حاولت جاهدة ان أنتزع من الطرف الآخر اعترافا منه بأنني كامرأة أهلا للحوار، دون جدوى. فالأمر يتجاوز عقائده وتعاليمه!
لا أحتاج شخصيّا الى ذلك الاعتراف، ولكنّني أثبتت من خلال محاولتي للمشاهد استحالة أن يكون هناك حوار عقلاني منطقي أخلاقي بين العلمانيين والاسلاميين!
أنا امرأة علمانيّة اؤمن، وكما أثبت العلم، بأن القدرات العقلية والذكائيّة تختلف من انسان الى آخر ولكنها لا تختلف بين المرأة والرجل. كيف أستطيع أن أحاور اسلاميّا يؤمن بشريعته المطلقة التي تقول:
شهادة امرأتين، حتى ولو كانتا قادرتين على قيادة جيشين من الرجال، تقابل شهادة رجل واحد حتى ولو لم يكن قادرا على ان يميّز بين شحمة اذنه وارنبة انفه؟!!
الإسلامي يحمل كتابه بيده ويلقيه على طاولة الحوار: “هذا كتاب لا ريب فيه”!
لا يستطيع انسان على سطح الارض أن يحاور فيما يخصّ حقيقته المطلقة!
الحقيقة المطلقة لا تصلح أن تكون مادة للحوار!
أيّة قناعات مشتركة نستطيع أن نصل اليها مع انسان يؤمن بأنّ آراءه ليست سوى حقائق مطلقة وثوابت مقدّسة؟!!
العلم لا يؤمن بالحقائق المطلقة، ولا بالثوابت المقدسة! ما يعجبه اليوم قد يضحكه غدا!
كلّ فكرة يجب أن توضع على محكّ الشكّ والسؤال. والعلمانيون ينظرون الى كلّ فكرة من خلال عدسة مجهرهم.
الفكرة التي تسيء الى انسانيّة الانسان وتمتهن كرامته، بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه ومعتقده السياسي وتوجهاته، فكرة مرفوضة علميّا وأخلاقيا!
العلمانيون يهدفون الى مجتمع حركي ديناميكي تتدفق فيه المعرفة العلميّة بغزارة وبلا قيود او حدود.
في مجتمع تتفاعل فيه الأفكار بحرية وغزارة، لن يكون البقاء إلا للفكرة الأصلح والأقوى.
أمّا في المجتمعات القمعية، فالاستبداد طريقة حياة والوجود فيها ليس إلاّ للفكرة المسبقة الصنع والمعبأة حسب الطلب!
*******************
أثناء البرنامج تطرق السيّد الضيف الذي يمثّل الاسلاميين الى فكرة الاستبداد رافضا، على حدّ قوله، أن افرض رأياً وأستبدّ به!
أحترم حقه، وحقّ كل انسان في أن يرفض الاستبداد!
ولكنني اتساءل من فينا يحاول ان يستبدّ برأيه؟!!
رجل يؤمن بشريعته المطلقة التي تقول: “وان ارضعن لكم فأتوهن اجورهن”، أم امرأة ترفض أن تمسخها عقيدة الى مجرّد بائعة حليب، وترفض أن تمسخ تلك العقيدة علاقتها برضيعها وفلذة كبدها الى علاقة بيع وشراء؟!!
من فينا يستبدّ برأيه؟!!
امرأة تطالب بحق، أم رجل يسلب ذلك الحقّ؟!!
*******************
عندما طرح السيّد المضيف سؤالا عن امكانية فصل الدين عن الدولة رفض السيّد الضيف الفكرة من أساسها، وقال: “الإسلام ليس مجرد دولة بل هو طريقة حياة”. ثمّ تطرق في سياق جوابه الى ايمانه بحق الناس في تقرير مصيرهم.
تدخلت على الفور مطالبة حضرته بتحديد من يقصد بالناس، هل هم المسلمون فقط أم المسلمون وغير المسلمين على حد سواء؟!!
من يحاول ان يسأل إسلاميا عن جواب كمن يحاول ان يقبض على الهواء!
كلا الأمرين ضرب من المحال!
راح يلفّ ويدور ويدعيّ بأنني لا أعرف شيئا عمّا يدور في مجتمعاتنا العربية وأنا رهينة فكرة معينة ولا أستطيع الخروج منها!
لا أعرف شيئا عن مجتمعاتنا العربيّة؟!!!
يبدو انّه هو الآخر لا يعرف شيئا عن عصر الانترنيت!
إنني أعيش من خلالها في شوارع دمشق كما يعيش المواطن الدمشقي.
زاوية “هموم المواطنين” في صحيفة تشرين، التي لم أقرأها يوما في وطني الأم، هي فنجان همومي الذي أجترعه كل صباح هنا في بلاد المهجر.
الحفريات التي لم تردم منذ شهور.. زجاج النوافذ المكسور في المدارس خلال الشتاء القارس.. الباصات المزدحمة بالركاب بدون أدنى شروط انسانيّة… القرى التي تعيش بلا ماء أو كهرباء امور تأكل من أعصابي كل يوم.
أتابع تطور كل قضيّة باهتمام رغم إيماني بأنه لا جدوى من متابعتها سوى مزيدا من الضغوط النفسية والعقليّة. لكنّ التواصل الإنساني مع الوطن وهمومه هو الذي يدفعني لتحمل تلك الضغوط.
حاول السيّد الضيف أن يهرب من سؤالي ورفض أن يكون واضحا في تحديده لكلمة “الناس”، وأصرّ على أن يبقى الاسلام طريقة حياة في أيّ مجتمع ديمقراطي ننشده!
اسلام ومجتمع ديمقراطي؟!!
هل أحد يستطيع أن يشرح لي امكانيّة أن ندخل برج ايفيل من ثقب ابرة؟!!
فأنا علمانيّة ولا أقبل بفكرة لا توضع على محك الشكّ والسؤال!
اؤمن بحقي في أن أسأل، واؤمن بحقي في أن أبحث عن جواب!
كيف نستطيع أن نتّخذ من الإسلام طريقة حياة ونكون في الوقت نفسه قادرين على بناء مجتمع ديمقراطي؟
سؤال مازال السيّد الضيف علي أبو زعكوك مدينا لي به مهما حاول أن يهرب من الجواب!!
قد يهرب اليوم أو غدا، ولكن لا بد وان يأتي اليوم الذي يجد نفسه فيه مجبرا على الجواب!
الاسلام دين يقول: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام، ويقول أيضا بأنّ الله مسخهم قردة وخنازير، ويقول بأنهم من المغضوب عليهم والضالين ويقول.. ويقول.. ويقول!
بينما الديمقراطية علم واخلاق وهي أيضا طريقة حياة، هي تعترف بحق كلّ انسان، بغض النظر عن دينه ومعتقده، بأن يعيش حياة كريمة ويعامل بالمثل والمساواة!
كيف سيعيش المسيحي في مجتمع إسلامي محروما حتّى من تلقي التحية وعليه أن يقتنع، شاء أم أبى، بأنه يعيش في مجتمع ديمقراطي حتى العظم؟!!
أليس هذا هو الإستبداد بعينه؟!!
القوانين الديمقراطيّة تحرّم التعذيب والتشويه والتنكيل، بينما يعاقب الإسلام بالتعذيب والتشويه والتنكيل!
“والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا”
أي جريمة في الأرض تستحق تلك العقوبة؟!!
ما أبشع هذا الاله!!
“الزانية والزاني فاجلدوا كل منهما مائة جلدة لا تأخذكم به رأفة”
ألا يعرف ذلك الاله الذي شرّع تلك العقوبة بأنه لا يوجد امرأة على سطح الأرض تتحمل مائة جلدة بلا رأفة؟!!
فخمسة جلدات على أبعد تقدير كفيلة بقطع الحبل الشوكي نصفين!
هو الذي خلق النخاع الشوكي ويجهل طبيعته!
خمسة جلدات على أبعد تقدير ترفع عتبة الألم الى حد لا يستطيع ان يتحمّله الدماغ، فيتوقف عن العمل ليجنّب الانسان مزيدا من الآلام.
الخمسة والتسعون الاخرى ليست سوى عملية تشويه للجثة!!
ما أبشع هذا الله الذي يهوى التشويه والتعذيب!
*****************
الاسلام والديمقراطية وجهان مختلفان ولا يمكن أن يلتقيا! إسلاميّ وديمقراطي في آن واحد؟!!
هذا ادعّاء يدفعنا الى الشكّ إما في إسلامه وإمّا في ديمقرطيته!!
وجوابهم:
نريد ديمقراطيّة على الطريقة الاسلاميّة ونرفض أيّة ديمقراطيّة مستوردة!!
الديمقراطية علم واخلاق.
تكنولوجيا الغرب والرفاهية التي يتهافت المسلمون للعيش فيها هي نتاج ذلك العلم وتلك الأخلاق.
للأخلاق شيفرا عالميّة، ولكي تكون خلوقا يجب أن تسلك نفس السلوك سواء كنت تنتمي إلى ثقافة أو اخرى.
الثقافة اليابانية تختلف كليّا عن الثقافة الأمريكيّة ولكن لا فرق بين حقوق الانسان في اليابان وحقوقه في امريكا.
حقوق الإنسان هي نفسها في كلّ زمان ومكان.
أن يعامل الانسان باحترام وعزّة، بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه، هي ديمقراطيّة وأخلاق وليست عادات وتقاليد!
الديمقراطية أن يعامل المسيحي بنفس الطريقة التي يعامل بها المسلم، ويفترض أن تكون طريقة ود واحترام، ولكن عندما ترتدي تلك الطريقة جبّة عمر بن الخطاب سيعلّق المسيحي كيس الحاجة في رقبته ويمشي على هامش الطريق!
أليست العهدة العمريّة ديمقراطيّة على الطريقة الاسلاميّة؟!!
في الإسلام، لا تقبل الصلاة من ثلاثة:
العبد الآبق حتى يرجع…
والسكران حتى يصحو..
والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى..
عندما لا تقبل ذلك أنت تمارس عادة وتتبع تقليدا أبعد ما يكون عن الأخلاق والديمقراطيّة.
في المجتمع الديقراطي لا يوجد عبد آبق، كلّ الناس أحرار.
في المجتمع الديمقراطي هناك طرق علميّة لعلاج المدمن على الكحول وليس لاحتقاره!
هذا من جهة ومن جهة أخرى، السكران لا يستطيع أن يصلي ولا يتذكر موعد الصلاة. تلك خرافة!
في المجتمع الديمقراطي رضا المرأة عن زوجها ضروريّ بنفس مقدار وأهميّة رضا الرجل عن زوجته.
****************
الاسلاميّ الذي يزعم أنه أهل للحوار، وبأنه يسعى لمجتمع ديمقراطي يكون به الاسلام طريقة حياة، هو رجل حمّال أوجه!!
والحوار مع هذا الحمّال ضرب من المحال!!