كيف طوى نظام الأسد صفحة غازي كنعان

kanaanassadغازي كنعان (1942-2005) رمز من رموز الأمن السوري ، رئيس شعبة المخابرات السورية في لبنان مما جعله يعتبر حاكم لبنان الفعلي في الفترة من 1982 حتى ما بعد 2001م ، وهو حسب كل الروايات صاحب النفوذ والقرار السياسي في البلد ، جميع المسؤولون اللبنانيون الكبار يستشيرونه أو يستأذنونه في الأمور السياسية قبل اتخاذ أي قرار لأن الكلمة النهائية له بطبيعة الحال ، عين غازي كنعان مديرا للأمن السياسي في سورية عام 2001م ثم وزيرا للداخلية عام 2004م حتى موته الغامض بتاريخ تشرين الأول 2005.

غازي كنعان من عائلة العلوية ولد عام 1942م في قرية بحمرا قرب القرداحة بلدة حافظ الأسد في جبال العلويين شرقي مدينة اللاذقية . وعلى نقيض العديد من التقارير ، فهو لا يمت لعائلة الأسد بأي قرابة ، متزوج وله ستة أولاد (أربعة ذكور وابنتان). قتل شقيق اللواء غازي كنعان في ظروف غامضة ، التحق بالجيش مبكرا مثل بقية الضباط العلويين ، تقدّم بشكل سريع في الجيش وحصل على رتبة عقيد عندما عين كرئيس للمخابرات العسكرية السورية في حمص ، واستغل مركزه هذا لتجارة التهريب وحماية المهربين مقابل مبالغ مالية ، وإذا علمنا أن حمص هي من اكبر المحافظات السورية ، وتقع على حدود ثلاثة دول هي لبنان والأردن والعراق سنعرف أهمية هذا المركز الحساس وما يمكن جمعه من ثروات بفعل التهريب .

وفي عام 1982، حل محل محمد غانم كقائد قوات الأمن والاستطلاع في لبنان وهو الاسم الذي كان يطلق على المخابرات السورية في لبنان .

أثناء الحرب الأهلية اللبنانية ، جعل كنعان مركز قيادة قواته في قرية عنجر ، وغنجر هو المكان الذي هزم فيه الأمير فخر الدين المعني والي دمشق في أواخر القرن السابع عشر وسجنه في قفص . وبالإضافة لقواعد ومراكز اعتقال أخرى أسسها في غرب بيروت (على شارع السادات وفي منطقة الرملة البيضا، وطرابلس، وشتورا والحازمية .

يعود الفضل لكنعان بتضييق سوريا قبضتها على الحكومة اللبنانية نتيجة تحالفاته مع بعض الميليشيات المحلية ، في 1983 أمر هذه الميليشيات بالتحرك لنسف اتفاقية السابع عشر من أيار بين لبنان وإسرائيل التي كان وسيطها وزير الخارجية الأمريكي السابق جورج شولز. في 1984 نظم تمرد 6 شباط في غرب بيروت الذي أدى إلى تعطيل الحكومة المركزية اللبنانية وانسحاب قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات، ومن ضمنها جنود البحرية الأمريكيين، من لبنان.

بنهاية الثمانينات ، اصبح النفوذ السوري يشمل معظم لبنان كما سيطر كنعان على اغلب زعماء الميليشيات والأحزاب ، وأولئك الذين قاوموا النفوذ السوري ولم يخضعوا له أما اغتيلوا ( ومثال ذلك: الشيخ حسن خالد ، مفتي لبنان السني ، في 1989 شمعون الابن رئيس حزب الوطنيين الأحرار الماروني ) أو اختطفوا وسجنوا من قبل المخابرات السورية (ومثال ذلك: زعماء حركة التوحيد الإسلامية السنية وأعضاء الجناح العراقي لحزب البعث في منتصف الثمانينات).

أهم إنجاز لغازي كنعان في الثمانينات هو نجاحه بإغراء أحد قادة القوات اللبنانية للعمل لصالح المخابرات السورية سرا مع بقائه في مركزه كأحد القادة المسيحيين البارزين المعادين لسوريا علنا. هذا القائد المسيحي اسمه ايلي حبيقة ، وهو العميل الإسرائيلي ومنفذ مخطط شارون لمجزرة صبرا وشاتيلا عام 82 أصبح الآن عميلا سوريا أو عميلا مزدوجا أو ربما منسقا بين شارون سوريا وأسد إسرائيل.

والجدير بالذكر أن ايلي حبيقة بعد اجتماعه بمستعمرة نهاريا ببيغن عام 1981 عاد إلى بيروت وطلب من سامي الخطيب ترتيب لقاء مع مسؤولين سوريين ، فتم له ذلك واجتمع عدة مرات مع رفعت وجميل الأسد في دمشق وباريس ، كما انه التقى بعبد الحليم خدام في مكتبه في شهر حزيران 1982 أي قبل مجزرة صبرا وشاتيلا بثلاثة اشهر.

ونتيجة لهذا التعاون المخابراتي نال حبيقة شهادة حسن سلوك من غازي كنعان وتوج فيما بعد نائبا في المجلس النيابي اللبناني أكثر من مرة ووزيرا أيضا.

كما استطاع كنعان أن يشق الصف المسيحي مرة أخرى باستمالته وشرائه لسمير جعجع للوقوف بوجه العماد ميشال عون المدعوم من حزب البعث العراقي.

في عام 1990 ، وبعد هروب العماد ميشال عون إلى السفارة الفرنسية في بيروت ومن ثم إبعاده إلى فرنسا ، تمت السيطرة السورية الكاملة على لبنان ، وأصبح غازي كنعان صانع القرار السياسي في لبنان والآمر الناهي .

ووصل تدخله السافر في الشؤون اللبنانية إلى درجة أن انتخاب رئيس الجمهورية لا تتم إلا بموافقته الرسمية ، وهو الذي يرشح ويبارك .

في تشرين الأول 1995 ، قبل أسابيع فقط من انتهاء فترة حكم الرئيس اللبناني إلياس هراوي ، حضر كنعان اجتماعا وبوجود رئيس الوزراء السابق عمر كرامي وعدد من الوزراء والنواب ، أمر كنعان الحضور بتعديل المادة 49 من الدستور ، وتمديد فترة رئاسة الهراوي لثلاث سنوات أخرى .

لم يقتصر الأمر على هذا الحد ، بل اخذ يتصرف وكأنه ناظر مدرسة ابتدائية ، إذ رفع يده وقال للجميع وبلهجة الآمر:

التصويت سيكون هكذا … برفع الأيدي … ولن يكون سريا ، وهذا طبعا مخالف لأبسط القواعد الدستورية ، وصمت الجميع وكأن على رؤوسهم الطير ولم يتجرأ أحد من أولئك السياسيين الصناديد حتى أن ينظر إلى عين زميله ، وانفض هذا الاجتماع مبكرا عند هذا الحد.

الطامحون للرئاسة الأولى منهم من غادر إلى الخارج مع زوجته ومنهم من اعتزل في صومعته أو بيته يشكون من التعب أو المرض .

بعد أقل من شهر اجتمع التلاميذ المطيعون تحت قبة البرلمان ومددوا للرئيس الهراوي كما أشار إليهم أستاذهم الأكبر ، ولم يكتفي كنعان بهذا بل اخذ يهيئ الأجواء ويصيغ القوانين لانتخاب رئيس جديد ( دمية سورية ) بعد انتهاء فترة الهراوي ، وطبعا كان له ما أراد .

بفضل انتشار عناصر المخابرات السورية في أرجاء لبنان والولاء الأعمى للأحزاب الشيعية للنظام في دمشق على أساس انهم فرقة من فرق الشيعة ، وسيطرة سوريا على طائفة الأحباش السنية ودعمها للسيطرة على الشارع السني ، والوقوف بوجه الحركات الإسلامية المناوئة ، وشرائهم لبعض السياسيين المسيحيين مثل سفاح صبرا وشاتيلا ( ايلي حبيقة ) وايلي الفرزلي نائب رئيس المجلس النيابي ، واختراقهم للحزب السوري القومي الاجتماعي ، بالإضافة لعملائهم من قوات الجيش والأمن اللبناني وعلى رأسهم مدير الأمن العام الجنرال جميل السيد المسؤول عن التنصت على رئيس الوزراء والنواب وكبار السياسيين ، والذي يرسل تقاريره شبه اليومية لسيده ، وبهذا اصبح غازي كنعان سيد لبنان الأول ، يعرف كل صغيرة تجري ، حتى في غرف نوم السياسيين المعنيين ، وهو الرجل الأكثر رعبا في لبنان ، يصنع ما يحلو له ، فلا حساب ولا عقاب .

كان يصدر أوامره لإعتقال أي شخص لا يعجبه ، فالتهمة ليست مهمة ، فبإمكانه إلصاق التهمة التي يريد .

أصدر أمرا عام 93 بإعتقال مواطن لبناني سمع انه تحدث إلى لجنة حقوق الإنسان ، فأودع السجن وتذوق طعم الضيافة البعثية ، ولم يفرج عنه إلا بعد أن اجبر أن يصبح عميلا لهم .

المقربون من كنعان ينادونه بأبو يعرب وهو إسم إبنه الأكبر ، ولقد إستغل نفوذه لمصالحه الشخصية غير الشرعية ، فتعاطى كغيره من كبار الضباط العلويين إنتاج وتجارة المخدرات في سهل البقاع وتهريبها ، بالإضافة لرعايته لعصابة لتزييف بعض العملات وترويجها ، مما أكسبه أرباحا طائلة ، ومعظم ثروته سيولة نقدية في مصارف أمريكية وسويسرية ، ولهذا من الصعب تقدير حجمها .

ونظرا لقوة نفوذه وشراسته فلا يستطيع أحد في لبنان أن يقف في وجه طموحاته التجارية ، ولكن شاء القدر أن يرتكب أحد شركائه خطأ فادحا وهو النائب السابق يحي شماس ، إذ اشترى من ( أبو يعرب ) قطعة ارض في لبنان وبالسعر الذي أراده ، وبعد حوالي عام تضاعفت قيمة الأرض ، فطلب من شماس إعادة الأرض له وبالثمن الذي دفعه ، فرفض طلبه ، وما هي إلا أسابيع حتى القي القبض على الشريك السابق وأودع السجن عام 94 بتهمة تهريب مخدرات .

كما أن مغامراته النسائية ليست اقل سوءا من أعماله التجارية ، وخيانته لأصدقائه من السياسيين الموالين له ، وعلاقاته مع زوجاتهم حدث ولا حرج ، والمعروف عنه بطشه بشركائه وإبداعهم السجن إذا لم يكونوا خاضعين له تماما .

نجاح كنعان في إخضاع لبنان أكسبه أوسمة كبيرة في دمشق ، وكان هناك شائعات انه سيحل محل علي دوبا كرئيس جهاز المخابرات العسكرية قبل أن يعين حسن خليل.

لاشك أن دعمه المبكر لبشار الأسد، قوى نفوذه إلى حد كبير داخل النظام ، كما انه يتمتع بعلاقات جيدة أيضا مع عدة مسؤولون أمريكان ، وخاصة جماعة المخابرات (CIA) وقد زار واشنطن DC عدة مرات وكانت أول زيارة له في فبراير/ شباط 1992).

كان غازي كنعان من بين عدة مسؤولين امن سوريين استجوبهم محققون من الأمم المتحدة في إطار التحقيق في مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري يوم 14 فبراير/شباط. كانت لجنة التحقيق الدولية باغتيال الحريري قد حققت مع كنعان في أيلول 2005 في منتجع المونتي روزا قرب الحدود السورية اللبنانية.

جمدت وزارة الخزانة الأمريكية في مطلع 2005 أصول غازي كنعان والعميد رستم غزالة خليفته في لبنان في خطوة قالت عنها أنها “تهدف للعزل المادي للممثلين السيئين الذين يدعمون جهود سوريا للإخلال باستقرار جيرانها”.

قبيل حادثة انتحار غازي كنعان، صرح الرئيس السوري بشار الأسد بأن أي مسؤول سوري يثبت تورطه بإغتيال رفيق الحريري سيحاكم بتهمة الخيانة.

آخر مقابلة مع غازي كنعان كانت في إتصال هاتفي مع إذاعة صوت لبنان فيها أعرب عن حزنه من المسؤولين اللبنانيين وخيبة أمله منهم ونفى إتهامات بالرشوة تداولتها محطة نيو تي في، وختم المقابلة بقوله:” هذا آخر تصريح ممكن أن أعطيه” وطلب من مقدمة البرنامج ان تعطي تصريحه لثلاث محطات تلفزيونية لبنانية.

في صباح يوم الأربعاء 12 تشرين أول أكتوبر 2005 غادر اللواء كنعان مكتبه في وزارة الداخلية لمدة ثلث ساعة الي منزله ثم عاد ودخل مكتبه وبعد عدة دقائق سمع صوت طلق ناري وكانت الطلقة من مسدس في فمه . هذا وفق إفادة العميد وليد اباظة مدير مكتب غازي كنعان. سرعان ما أعلن المحامي العام الأول في دمشق محمد مروان اللوجي إن التحقيق الرسمي في ظروف وفاة كنعان إنتهى بإعتباره حادث إنتحار. حادثة إنتحار كنعان هي الثانية بعد إنتحار رئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي في مايو /أيار 2000م في منزله بضاحية دمر القريبة من دمشق, حيث كان يخضع للإقامة الجبرية بعد تهم بالفساد.

علق الجنرال اللبناني ميشيل عون علي إنتحار كنعان قائلا” لقد خدم النظام السوري حتي الإنتحار .”

مدير مكتب غازي كنعان في شهادته حول تفاصيل عملية الإنتحار

روى العميد عبد الفتاح الصباغ مدير مكتب وزير الداخلية غازي كنعان ما حدث قبل ساعة الإنتحار و بعدها قائلا بأنه صباح أمس الأربعاء حضر السيد وزير الداخلية الساعة التاسعة و الربع صباحا،

و عادة ما أستقبله لأن مكتبه بعيد عن مكتبي نحو 5 أمتار، و سلم علي بقوله صباح الخير.

و شرح عبد الفتاح في مؤتمر صحفي مشترك مع محمد اللوجي المحامي العام الأول بدمشق والدكتور عصام الخورى رئيس الطبابة الشرعية عقد في مبنى وزارة الإعلام بأنه عادة ما يكون لدية بريد، و قبل أن يأتي السيد الوزير يضع له هذا البريد على طاولته، و كان حينئذ من ضمن البريد نحو 100 طلب لأعضاء مجلس الشعب بخصوص موضوع الحج .

و تابع مدير مكتب كنعان قائلا : بالفعل وقّع الوزير البريد و أرسله لي بشكل عادي عن طريق المراسل مفيد الذي يعمل بيني و بينه ، و بعد ذلك و كالعادة أرسل البريد إلى ديون الوزارة و بعد فترة قصيرة من هذا الكلام غادر الوزير المكتب حوالي نصف ساعة ثم عاد و أعتقد أنه غادر نحو الساعة العاشرة ، و بعد عودته

بحوالي خمس دقائق ، يأتي المراسل و يقول لي كأنه سمع صوت مفرقعة نارية”، و كما تعرفون أن نافذتنا مطلة على الشارع العام .

و روى أيضا بأنه بعد دقيقة من هذا الكلام حاول أن يهاتف السيد الوزير في مكتبه و رن تلفونه 4 رنات و لم يرد، فترك العميد سماعة الهاتف و اتجه إلى مكتب الوزير كنعان و لحق به المراسل مفيد، و قد طرق الباب لم يرد عليه ففتحه ليجد قدمي الوزير و دم و كان كنعان خلف المكتب مباشرة .

و تابع الصباغ : صرخت بالمراسل مفيد أن ينادي لزملائه، و إتجهت مباشرة إلى مكتب اللواء صقر معاون وزير الداخلية، و كان يتحدث على الهاتف، و قلت له أن يترك الهاتف و يأتي معي،و إتجهت أنا و اللواء صقر و اللواء ابراهيم بإتجاه مكتب الوزير و كان الزملاء يحملونه و رأيت وجهه المدمى ووضع بسيارة و إنطلقت ، و بعد ربع ساعة كنت أريد أن أعرف أين أسعف فاتصلت هاتفيا بأحد سائقيه المدعو إبراهيم حورية الذي قال لي أنه بمشفى الشامي و بعد ساعة تلقيت نبأ وفاته.

و من جانبه أكد محمد مروان اللوجي المحامى العام الأول ان اللواء غازي كنعان وزير الداخلية فارق الحياة نتيجة إطلاقه النار على نفسه من مسدسه الشخصي قبل ظهر أمس في مكتبه بوزارة الداخلية.

وقال اللوجى ان اللواء كنعان كان على قيد الحياة عندما دخل إلى غرفة العناية المشددة في مشفى الشامي وتلقى الإسعافات لمدة نصف ساعة او أكثر قليلا وما لبث ان فارق الحياة بعدها بسبب إصابته .

وتابع اللوجي قائلا أنه تم الكشف على الجثة كاملة في المشفى من الرأس وحتى القدمين ولم يشاهد على سائر انحائها أي أثر لجبر أو شدة أو ما شابه ذلك وكان بكامل لباسه ونقل من وزارة الداخلية والطلق الناري الوحيد كان طلقا في الفم وخرج من الرأس من الجهة القفوية اليسرى .

وأوضح المحامي العام أن خبرات الإطلاق على الجثة أجريت للتحقق من أن العمل هو اإنتحار أو بفعل الغير وأثبتت الخبرات الفنية عن طريق الأدلة الجنائية ان الوفاة تمت نتيجة إنتحاره بمسدسه الخاص .

ولفت إلى أن اللجنة الثلاثية لخبراء الطب الشرعي قامت بإجراء الكشف على الجثة حيث ثبت أنها لم تتعرض لاي جبر أو شدة وان الطلق الناري الذي إخترق الرأس كان سبب الوفاة .

و بدوره قال الدكتور عصام الخوري رئيس الطبابة الشرعية بدمشق أنه بتكليف من المحامى العام تم تشكيل لجنة من ثلاثة أطباء إختصاصيين بالطب الشرعي وقمنا بفحص الجثة فحصاً دقيقاً وشاملاً وتبين أن هناك طلقا ناريا فوهة الدخول متوضعة في سقف الحنك في الزاوية الخلفية اليسرى والطلق نفذ من الناحية القفوية اليسرى وهناك أثار نزف غزير ومادة دماغية من الجرح وسبب الوفاة هو كسور متعددة في الجمجمة ,وسقف الحنك وجميعها بسبب الطلق الناري .

فيما نقلت وكالة سانا أن المحامى العام الأول ومدير مكتب وزير الداخلية ورئيس الطبابة الشرعية أجابوا على أسئلة الصحفيين حيث أوضح العميد الصباغ ان وضع اللواء كنعان كان طبيعيا عندما جاء إلى مكتبه صباح الحادث وأثناء توقيعه البريد ولكنه عندما عاد في المرة الثانية كان مسرعاً قليلاً .

وأشار اللوجي إلى أنه في الفترة التي غادر فيها اللواء كنعان مكتبه توجه إلى منزله في حي المالكي ومكث هناك حوالي خمس دقائق عاد بعدها إلى مكتبه في مبنى وزارة الداخلية .

وأوضح المحامي العام ردا على الأسئلة أن التحقيقات والخبرات الفنية أثبتت أن الحادث هو إنتحار مئة بالمئة حيث وضع اللواء كنعان فوهة المسدس في فمه وأطلق النار على نفسه من مسدسه الشخصي

لماذا نحر غازي كنعان

يروي المقرّبون من عائلة كنعان أنّه بعد وفاة الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 شهدت مصر تحرّكاً إستخباراتياً واسعاً، رُصد منه إجتماع سرّي مثير بين اللواء غازي كنعان ومسؤول أميركي رفيع المستوى في مصر آنذاك تحضيراً لإنقلاب في سوريا بالإتّفاق مع العماد حكمت الشهابي قائد الجيش السابق، وعبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السورية المقيمين حاليّاً في فرنسا.

لكنّ رجل الإستخبارات الأوّل في مصر اللواء عمر سليمان، وهو رئيس المخابرات المصرية سرّب الخبر عبر وثيقة خطّية سرّية سلّمت إلى المخابرات السورية آنذاك وإلى يد اللواء آصف شوكت تحديداً كاشفاً زمان اللقاء ومكانه الذي تمّ في مصر بين كنعان والمسؤول الأميركي، لكنّ عمر سليمان لم يتمكّن من كشف محضر الإجتماع، إنّما ألمح في وثيقته المسرّبة إلى أنّ الهدف من الإجتماع على حدّ ما توصّلت إليه أجهزة إستخباراته المتواطئة هو حساس وخطير.

وأضاف المقرّبون: إثر ذلك أبلغ اللواء آصف شوكت إلى الرئيس السوري بشار الأسد الأمر، أمّا مهمّة إبلاغ كنعان وتصفيته فقد أوكلت إلى آصف شوكت الذي توجّه إلى مكتب كنعان برفقة مسؤول كبير. وبعد “الحديث القصير” الذي لم يُعرف فحواه حتى الساعة طُلب منه الإتّصال بإذاعة لبنانية مشهورة ومعروفة للإعلان على الملأ وعبر الأثير عن قراره الشخصي، وقد سمعه العالم العربي بأجمعه.

أمّا المدققون فيلحظون من خلال حديث كنعان مع الإعلامية وردة زامل أنّه كان مختلفاً ويمكن للمستمع الإستشفاف ضمناً أنّه يُطلب منه ذلك أو يُملى عليه الإنتحار، وكأنّ خياره ليس شخصياً.

وبما أنّ اللواء غازي كنعان اعتُبر حاكم لبنان الأول فقد كان من الطبيعي أن تُثار الشكوك حول إرتباطه بإغتيال الحريري، لكن هناك أشياء كثيرة يجهلها الآخرون وتفوق إغتيال الرئيس الحريري أهمية من الممكن أن تكون السبب في وضع حدّ لإمتداد كنعان السياسي سوريّاً بعدما نجح ولمع نجمه عندما نفّذ مهمّة مماثلة لبنانيّاً.

عمليّة الإنتحار التي نفّذها كنعان تمّت بعد ساعتين فقط من المقابلة الإذاعية التي أجراها في عملية بدت وكأنّها تصفية سياسية بحتة.

وقد توالت أحداث عدّة بعد هذه التصفية، وفق المقربين أنفسهم، تؤكّد صحتها وتثير الشكوك، ومنها:

* حادثة وفاة شقيق اللواء كنعان التي قيل إنّ قطاراً دهسه! لكنّ الحقيقة أنه نُحر أيضاً بعدما طُلب منه إحضار ملفات سرية عُرف أنّ كنعان إحتفظ بها عنده غير أنّ الأخير نفى الأمر، فاستدعي إلى التحقيق في الوقت نفسه الذي داهمت فيه المخابرات السورية منزله واستولت على الملفّات التي قيل عنها إنّها “Top Secret” وإنّ كنعان إستودعها مع شقيقه “أمانة تاريخيّة”. لكنّ شقيق اللواء غازي كنعان، دخل غرفة التحقيق ولم يرجع. أمّا سبب الوفاة فقد أعلن كالآتي: “قطار دهسه”.

* ردّة فعل ابن كنعان البكر حين توجّه إلى مستشفى دمشق، فلدى رؤيته جثة والده ومن شدة إنفعاله ضرب الحائط بقبضة يده فكسر إبهامه قائلاً: “قتلوه”.

* طُلب من العائلة ومن زوجة كنعان تحديداً عدم الإدلاء بأيّ أحاديث صحافية تحت طائلة المسؤولية، خصوصاً من أحد أبنائه الذي كان يدرس ويقيم في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي المقابل، تعهّدت عائلة الأسد بعدم التعرّض لآل كنعان وأملاك العائلة وأموالها. فكانت المعادلة التزام الصمت مقابل عدم التعرّض للأموال. علماً بأنّ ابن اللواء كنعان البكر متأهّل من ابنة شقيق الرئيس الراحل حافظ جميل الأسد.

* قاد اللواء رفعت الأسد شقيق الرئيس الراحل حافظ الأسد وقائد سرايا الدفاع المنحلة المنفي إلى خارج البلاد تحرّكاً تصعيدياً في الشهرين الأخيرين من عام 2005 بعد تلقيه إشارات من الإدارة الأميركية توحي بتغيير وشيك للنظام في سوريا قرأ فيها رغبة أميركية في أن يكون التغيير من داخل المؤسسة لا من خارجها.

كما تجدر الإشارة إلى أنّه قد تمّ عقد قران نضال كنعان وهو أحد أبناء اللواء غازي كنعان على ابنة جهاد خدام، ابن نائب رئيس الجمهورية السابق المنشق عبد الحليم خدام في دبي.

ويبقى السؤال: كيف نُحر غازي كنعان؟ وهل قرأ نعوته من ورقة مكتوبة؟ ولماذا لم ينتحر في بيته عندما توجّه إليه لفترة وجيزة قبل العودة إلى مكتبه والإنتحار هناك؟

إذا كانت هناك أسرار أخرى عرفها البعض وغابت عن آخرين فإنّها حتماً ستتكشّف بعد سقوط النظام. لأنّه وعلى رغم أنّ قادة متواطئين في عملية التصفية قد لقوا حتفهم أخيراً، إلّا أنه ما زال هناك أناس رأوا وسمعوا ولم يتكلّموا…وللبحث صلة…

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.