يرى سياسي مخضرم أنه قد لا يكون في الامكان التوصّل الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية قبل معرفة مصير الوضع في سوريا حتى إذا عاد “حزب الله” من ساحة القتال فيها يعرف كيف سيتصرّف لبنان سواء عاد رابحاً أو خاسراً. فقد يكون تصرّفه وهو رابح شيء وتصرّفه وهو خاسر شيء آخر.
فإذا قام في سوريا حكم يرتاح إليه “حزب الله” فقد لا يحاول تكبير حصّته في لبنان لئلّا يثير خلافاً بين القوى السياسية الأساسيّة ويدفع لبنان نحو المجهول. أمّا إذا قام حكم في سوريا لا يرتاح إليه وعاد خاسراً من الحرب، فما الذي سيطلبه الحزب في لبنان وما هي الضمانات التي تجعله يتخلّى عن سلاحه أو يوافق على استراتيجيّة دفاعيّة تضبط استخدام هذا السلاح، لتقوم عندئذ الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل الأراضي اللبنانيّة وتطبيق القانون على الجميع بدون تمييز ولا استثناء.
لذلك يمكن القول أن صورة الوضع في سوريا هي التي تعكس صورة الوضع في لبنان وليس العكس، إلّا إذا اتّفق القادة على فصل ما يجري في سوريا عمّا ينبغي أن يكون عليه الوضع في لبنان، فيتم عندئذ انتخاب رئيس للجمهوريّة يلزم ما يكون قد اتّفق عليه هؤلاء القادة ليكون برنامج حكوماته.
لكن لا شيء يدل حتى الآن على أنّهم في الطريق إلى مثل هذا الاتفاق، فيبقى مصير لبنان عندئذ مرتبطاً بمصير سوريا وهو ما كان عليه الوضع في الماضي دون الدخول في مفاوضات مع اسرائيل لجعلها تنسحب من كامل الأراضي اللبنانية التي تحتلها تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 لأن سوريا عارضت تحرير هذه الأراضي إلّا بالتزامن مع تحرير أراضيها، فكانت النتيجة أن ظلّت تحت الاحتلال الاسرائيلي. فلو لم يربط لبنان مساره وحتى مصيره بسوريا لكان ينعم اليوم بأمن دائم وثابت على حدوده. فهل يقع اليوم في الخطأ ذاته إذا ظلّ يربط مصير الوضع فيه بمصير الوضع في سوريا فيقوم ربما حكم الغالب والمغلوب، ولبنان كما هو معروف لا يحكم إلّا بالتسويات والتوافقات نظراً لتركيبته السياسية والمذهبيّة الحسّاسة والدقيقة.
لذلك ليس سوى تحييد لبنان عن صراعات المحاور القريبة والبعيدة ما يضمن أمنه واستقراره ويخلق المناخ الملائم للاستثمار فيه ومحاربة البطالة تحقيقا للازدهار والعيش الكريم لجميع أبنائه ووقف الهجرة. فلو أن لبنان كان محايداً لما واجه ما يواجهه اليوم ولما كان “حزب الله” تدخّل عسكريّاً في الحرب السورية ولما انقسمت القوى السياسية فيه بين مؤيّد ومعارض وبين من هو مع هذا الخارج ومن هو مع ذاك. فهل يتعلّم القادة على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم من دروس الماضي وما قاساه لبنان من جرّاء الانقسام الداخلي والتدخّل الخارجي فيتّفقون على تحييد لبنان وينتخبون رئيساً يمارس هذه السياسة بدقّة فيرتاح اللبنانيّون ويربحون وإلّا ظل لبنان ساحة مفتوحة لصراعات الآخرين بل لحروبهم على أرضه. واللبنانيّون منقسمون بين هذا الخارج وذاك. وكل فريق منهم يستقوي به على الآخر ليصبح فيه غالب ومغلوب وظالم ومظلوم وهو ما لا يحقّق دوام العيش المشترك ولا الوحدة الداخليّة ولا السلم الأهلي؟
ان على القادة إذاً أن يقرّروا أي لبنان يريدون وأي جمهوريّة لينتخب الرئيس المناسب والصالح. هل يريدونه ساحة مفتوحة لصراعات المحاور الداخليّة والإقليميّة فيدفعون عندئذ كما كل مرّة الثمن غالياً عن سيادة لبنان واستقلاله وحريته واقتصاده، أم يريدونه واحة سلام ووئام ومركز حوار للثقافات والحضارات والأديان، كي يستطيعوا أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم من دون تدخّل أي خارج قريباً كان أو بعيداً؟ وما داموا غير متفقين على أي لبنان يريدون وأي جمهوريّة له، فإن أي خارج سيتفق عليهم ويحكمهم مباشرة بوصاية مباشرة أو بصورة غير مباشرة وبالتواطؤ مع داخل لا ولاء له للوطن بكل أسف…