كنيسة القيامة .. خربت ثم قامت

كنيسة القيامة - القدس القديمة

كنيسة القيامة – القدس القديمة

inside-Church-of-the-Holy-Sepulchreيطلق اسم القيامة على مجموع الكنائس التي شُيدت فوق القبر والجلجلة ( وهو مصطلح سرياني ويعني الجمجمة في العربية) ومغارة الصليب .

الكنيسة في العهد الروماني الوثني
يبدأ هذا العهد من حادثة صلب المسيح ودفنه سنة 33 م كما ورد في الأنجيل وينتهي بإعتناق قسطنطين الكبير المسيحية وهدم المعبد الوثني المشيّد على القبر واكتشاف القبر والجلجلة والصليب من قبل أمه الملكة هيلانة سنة 326 م . ومعظم المعلومات التي وصلتنا عن هذا العهد غامضة ومبهمة الا ما رواه الانجيل . ومدة هذا العهد 293 سنة.
ولما كان المساء ، يقول الانجيل ، ( جاء رجل غني من الرامة اسمه يوسف وأخذ جسد المسيح ولفّه بكتان نقي ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى . وفي فجر الأحد جاءت النسوة الى القبر فظهر لهنّ ملاك اخبرهنّ بقيامة الرب ، فانطلقنّ مسرعات يبشرنّ التلاميذ بما سمعن ) .
من هنا يبدأ تاريخ كنيسة القيامة . ولم يزد الانجيل ولا التاريخ إيضاحاً عن مصير القبر بعد قيامة المسيح وصعوده . ولا ذكر ان التلاميذ والمؤمنين أتّخذوا القبر محلاً للعبادة . إنما جاء في تاريخ ابيفانيس ان المسيحيين كانوا يقيمون الصلاة في مكان على جبل صهيون حيث أكل المسيح العشاء السري الأخير . وهذا المكان حسب التقليد وشهادة بعض المؤرخين هو الدير المعروف ببيت مريم أم يوحنا مرقس . ولا يفهم من هذا ان المؤمنين أهملوا القبر في صدر المسيحية ، كما زعم البعض ، بل حافظوا على مرقد سيدهم واعتبروه كل الاعتبار واستمروا على زيارته طيلة القرنين الثاني والثالث.
تأسّست أول كنيسة في العالم في اورشليم وبما يسمى يوم حلول روح القدس على التلاميذ .. وأول أسقف نصب على الكنيسة الاورشليمية كان يعقوب أخي الـرب الذي قتل سنة 62 م . وقد بقي المسيحيون مع إقامتهم الصلاة في بيت أم يوحنا مرقس وغيره من الكهوف يتردّدون الى الجلجلة والقبر للتبرّك بزيارته حتى شقّ اليهود عصا الطاعة على الحكومة الرومانية . ولما دوت في آذان المسيحيين جلبة جيوش الرومان التي جاءت لإخضاع اليهود وإخماد نيران الثورة علموا أن الوقت قد حان لإكتمال نبوّة المسيح عن خراب المدينة والهيكل فغادروا اورشليم هاربين الى مدينة ” بلا ” الواقعة في شرقي الاردن بالقرب من بيسان مع اسقفهم سمعان البار . فجاء تيطس وحاصر اورشليم حصاراً شديداً وأفتتحها عنوة سنة 70 م ودمّر المدينة تدميراً هائلاً . وقد سلم القبر والجلجلة من التدمير لأنهما لم يكونا في حالة تسترعي الانتباه .
لم يحل خراب المدينة دون عودة بعض المسيحيين الى اورشليم عندما خمدت نار الحرب . فرجعوا اليها ونزلوا في جبل صهيون حول العليّة إذ كانت الجهة الوحيدة التي نجت من الدمار العام فظل موقع قبر المسيح معروفاً عندهم بعد الخراب أيضاً كما كان معروفاً قبله . ولا شك أنهم أخذوا يفدون على زيارة الأماكن المقدسة كعادتهم.

بقيت المدينة خربة 62 سنة الى ان حنّ اليهود المشتتون في أنحاء فلسطين الى مدينتهم فثاروا مرة ثانية وانتزعوا المدينة من أيدي الرومان ورمّموا بعض مبانيها وأخذوا يحثون المسيحيين للاشتراك معهم في الثورة . فأرسل القيصر هدريان القائد يوليوس سفروس لإخضاع الثائرين فحاربهم هذا القائد سنة 136 م وهزمهم شرّ هزيمة وقتل منهم خلقاً كثيراً ثم حوّل هدريان اورشليم المدينة اليهودية الى مدينة رومانية جديدة دعاها ( ايليا كابيتولينا ) وطرد منها اليهود وحذّر عليهم دخولها الا مرّة واحدة في السنة ليبكوا عزّهم السابق . ولما بلغ المسيحيين الذين من الأمم القاطنين في (بلا) هذا الخبر جاؤوا الى اورشليم وتوطّنوا فيها وأخذوا ينتخبون لإدارة الكنيسة أساقفة منهم . وكانت الأمم التي استوطنت القدس من السريان والرومان والاغريق . واستمرت القدس على هذه الحال الى ان اعتنق قسطنطين الديانة المسيحية .

ولما كان هيكل سليمان مقر آمال اليهود وقبر المسيح مطمح أنظار المسيحيين على الدوام وسبب حنينهم الزائد الى اورشليم أراد هذا الامبراطور ان يمحي آثارهما ويقيم عليهما معابد وثنية لآلهة رومانية فشيّد على أنقاض هيكل سليمان المدمر هيكلاً للإله جوبيتر وعمد الى الجلجلة والقبر فطمرهما تحت تلّ صناعي أقام عليه هيكلاً لفينوس ” الزهرة ” . وبعمله هذا الذي أراد به طمس معالم الأماكن المقدسة وإبادة آثارها أحيا ذكرها الى الأبد . فقد تعلّق المسيحيين بالقبر وأخذوا يستدلون بهذا الهيكل على محله . ويؤخذ مما رواه اوريجانس واوسابيوس وايرونموس ان الزوار استمروا يفدون على اورشليم لزيارته من سائر الأنحاء طيلة القرنين الثاني والثالث .
بقي القبر المقدس راقداً تحت هيكل فينوس الذي أقامه هدريان ، والمسيحية تعاني أمرّ العذابات وأفظع الاضطهادات ، حتى اعتنق الامبراطور قسطنطين الكبير الديانة المسيحية وجعلها الديانة الرسمية للحكومة فاعتزت به المسيحية وأخذت تقيم شعائر دينها علانية . وبما ان انتصار هذا الامبراطور كان بفضل الصليب الذي اتخذه شارة لنفسه ولجنده قرر بعد التأم المجمع المسكوني في نيقية سنة 325 م ان يفتش على محل القبر والصليب ويشيد فوقهما كنيسة . وعلى هذا أوفد سنة 326 م . أمه الملكة هيلانة الى اورشليم فجاءت وهدمت بأمر ابنها الهيكل الوثني فظهر القبر المقدس ، وعثرت على الصليب في الكهف المعروف بمغارة الصليب واكتشفت الجلجلة . ان حادثة هذا الاكتشاف يرويها اوسابيوس بلا ارتياب ، ولم يكن على هيلانة عند مجيئها سوى إزالة التل الصناعي المشيد عليه . ويظهر ان اوسابيوس كان حاضراً عند اكتشاف القبر والجلجلة والصليب لأنه يسرد الحوادث كمن شهد الوقائع بنفسه.

الكنيسة في العهد الروماني المسيحي

لم يكد خبر اكتشاف القبر والجلجلة ومغارة الصليب يبلغ مسامع قسطنطين حتى كتب الى مكاريوس اسقف اورشليم يأمره بإنشاء ثلاث كنائس الواحدة فوق القبر والثانية فوق مغارة الصليب والثالثة فوق الجلجلة . ولما باشروا البناء اقتضى تمهيد الأرض حتى أصبح على موازاة القبر ولم يبق قائماً على ارتفاعه الا محل الصليب الذي تُرك على حدته فنصب حول القبر على دائرة واسعة عشرون عموداً من الرخام تعلوها الحنايا الشامخة ويحيط بها جدار مستدير ينعطف في جهاته الأربع الى محرابين عظيمين يمنة ويسرة ومحراب ثالث بينهما الى الوراء يقابله المدخل الكبير ويكلّل المجموع قبّة شامخة عظمى وهذا البناء دّعي القيامة . ثم شيدت كنيستان على الجلجلة وعلى مغارة الصليب وكان يحيط بالكنائس الثلاث أروقة جميلة قائمة على أعمدة من الرخام ولا شك في ان هذه الكنائس كانت على جانب عظيم من الجمال ودقّة الهندسة والبناء حتى أنها فاقت هياكل رومية في عظمتها وأصبحت تحفة التحف في العالم كله .
وقد وصف هذا البناء الفخم اوسابيوس المؤرخ الكنسي الشهير وصفاً مطابقاً لوصف الزائرين من بعده . وأيضاً وصفه زوار اخرون كالقديس كيرلس وثاودوريطس اسقف صور والقديس ايروفوس .

وهنالك آثار ترينا صور الكنائس التي شيدها قسطنطين كما كانت . منها قطعة فسيفساء موجودة اليوم في كنيسة سانتا بودنزيانا في رومية يظن انها نقشت في القرن الرابع أو الخامس تظهر فيها رسوم الكنيستين بوضوح . ويوجد قطعة أخرى من الفسيفساء في مأدبا بشرقي الاردن وهي عبارة عن مصور غير متقن لأورشليم ولأسوارها ولهاتين الكنيستين . وفي متحف ميلانو قطعة من العاج تمثل كنيسة القيامة في أول عهدها ويرجع تاريخ هذه القطعة الى الزمن الذي نقشت فيه قطعة الفسيفساء المحفوظة في كنيسة سانتا بودنزيانا الآنفة الذكر.
وقد استغرق بناؤها حوالي ست سنوات وأُكتملت سنة 335 م .

الكنيسة وغزو الفرس
بقيت الكنائس التي شيدها قسطنطين على الطراز البيزنطي زهاء ثلاثمائة سنة تناطح السحاب بجلالها . وكان اليوم الرابع من شهر أيار/مايو سنة 614 م آخر يوم حيّت في صباحه شمس القدس ذلك الصليب القائم على قبة القبر . ففيه هجم الفرس على القدس تحت قيادة ساريوس فاستولوا على المدينة واعملوا السيف في رقاب الأهلين فقتلوا من المسيحيين على ما قيل تسعين ألفاً وقد عاونهم اليهود في ذلك وذبحوا الذين التجأوا الى الكنائس ذبح الأغنام وأحرقوا الكنائس والأديرة في القدس كما أحرقوا سائر كنائس فلسطين ومن ثم مدوا أيديهم الى كنيسة القيامة فدمروها تدميراً وهكذا دكّت أركان ذلك البناء الشامخ ومدت مشاعل التخريب الى الأماكن المقدسة فنهبت كنوزها وسلبت نفائسها وسجدت تلك العواميد القائمة حول القبر لما رأت أرجل الفاتحين الغـزاة تلوث حجارة كانت تغسلها دموع المسيحيين ، وصارت القيامة قاعاً صفصافاً وقامت نوادب فوق الطلول ترثي وتبكي . وقد رثى صفرونيوس الحكيم مدينة اورشليم بمرثاة رقيقة تضارع مراثي ارميا . وكسر الغزاة حجر الملاك الموجود في مغارة القبر ظناً منهم ان فيه كنزاً وأخذوا جزءاً كبيراً من عود الصليب واقتادوا البطريرك زكريا وأعيان المسيحيين أسرى الى بابل وكانت هذه النكبة التي حلّت بالقيامة من أعظم النكبات .
وبعد جلاء الفرس قام مودستس رئيس دير القديس ثيودوسيس واستدر حسنات المسيحييين في سورية وفلسطين واستأنف اعمار القيامة وقد عاونه بطريرك الاسكندرية يوحنا الرحوم بالمال والرجال والذخائر . وإذ كان يستحيل عليه ارجاع البناء الى رونقه القديم اكتفى بتشييد الانستازيس ( الكنيسة فوق القير ) وبنى أيضاً معبد الجلجلة وكانت العمارة التي شادها مودستس بسيطة جداً بالنسبة لما كانت عليه قبلاً . وقد بذل جهده في الباس البناء حلة من مسحة الجمال وساعده على ذلك ما بقي من آثار البناء البيزنطي لأن معاول الفرس وفؤوسهم لم تقو على ابادة أثرها واستغرق البناء اثني عشرة سنة وانتهى على الأرجح سنة 629 م .

لم يطب لهرقل الامبراطور الصبر على هذه الكسرة الهائلة . ونظراً لفراغ خزينته من النقود سك أواني كنيسة القسطنطينية نقوداً برضى بطريركها وجدد الهمة فهاجم الفرس وغلبهم بقرب نينوى في 12 كانون الأول/ديسمبر سنة 627 م واسترجع خشبة الصليب وعاد بها الى اورشليم فدخلها حافياً متواضعاً فاستقبله الشعب بسرور ودموع الفرح تتساقط من عيونه وقد أقام المسيحيون تذكاراً لهذا العيد ولم يزالوا كل سنة في عيد الصليب يجددونه بمظاهر التقوى واشعال نيران الفرح .

الكنيسة في العهد الاسلامي
وفي سنة 637 م احتل جيش الخليفة الثاني عمر بن الخطاب القدس وقد أعطى بطريركها صفرونيوس صك العهد المعروف بالعهدة العمرية ثم طلب منه ان يريه مكاناً ليبني فيه جامعاً للمسلمين فدلًه البطريرك على مكان هيكل سليمان حيث الصخرة الكبيرة ، وبنى هناك الجامع المعروف بجامع الأقصى . بيد أن خلفاء الخليفة عمر بن الخطاب اخترقوا مراراً العهود وتعدّوا على القيامة وتجد تفاصيل هذه التعديات في تاريخ ابن يحيى الانطاكي وسعيد بن بطريق وغيرهما وقد قضت هذه التعديات بترميم بناء مودستس أكثر من مرة.
وبدخول المسلمبن للقدس تقلص ظل الحكم الروماني بعد ان خفقت أعلامه زهاء 600 سنة وزالت آثار حمايتهم للأماكن المقدسة.
صبر البناء الذي شاده مودستس على آفات الدهر أكثر من بناء قسطنطين بمائة سنة الى أيام الحاكم بأمر الله أحد الخلفاء الفاطميين بمصر الذي كان دأبه محو معالم الكنائس من على وجه الأرض وإبادة أثرها . فقد أمر هذا الخليفة بتدمير كنيسة القيامة فنفذ أمره سنة 1099 م ودكت جميع أبنيتها وأستقصي في إزالة آثار الأماكن المقدسة ونهبت ذخائرها وكنوزها . وقد اضطهد هذا الخليفة الغريب الأطوار المسيحيين عشر سنوات ثم كفّ عن اضطهادهم وسمح لهم ببناء كنائسهم واقامة الصلاة على أطلال القيامة . ولما خلف الحاكم ابنه الظاهر عقد معاهدة مع ملوك القسطنطينية وكان من شروطها ان يطلق الملك سراح الأسرى المسلمين وينال من الظاهر لقاء ذلك الرخصة في تجديد بناء كنيسة القيامة . وجددت أحكام هذه المعاهدة في أيام الخليفة المستنصر بالله وما زال ملوك القسطنطينية يتحينون الفرص لتحقيق رغائبهم حتى تمكن من مباشرة البناء الملك قسطنطين مونوماخوس وذلك بعد مرور 30 سنة على تخريبها.
ولم ينقطع الزوار الأفرنج في خلال المدة التي بقيت فيها القيامة خربة عن المجيء لزيارتها . وكانوا يحملون معهم الى بلادهم أخبار انتهاك الأماكن المقدسة وتدنيسها وتفاصيل ما يقاسيه المسيحيون من أنواع العذابات . وكانوا هم أنفسهم يرون من القساوة والغلظة ما ملأ قلوبهم حقداً.

الكنيسة والعهد الصليبي
كانت كنيسة القيامة حتى سنة 1009م حاوية لبعض آثار البناء البيزنطي رغم ما توالى عليها من النوائب والكوارث ، ولكن الخراب الذي الحقه بها الحاكم جردها من جميع آثارها القديمة وأصبحت في حالة يتعذر معها على المهندسين ارجاعها الى هندستها الأصلية وقد أرجع مونوماخوس مغارة القبر المقدس الى حالتها الاولى ثم شاد فوقها كنيسة جميلة قام حولها 12 عموداً وأفرز كنيسة الجلجلة عن القبر المقدس وشاد فوق صخرة الصليب معبداً نقشت جدرانه بالفسيفساء وأما مغارة الصليب فاكتفى بترميمها مستخدماً لذلك أعمدة قديمة وعلى هذه الحال وجد الصليبيون القيامة يوم استولوا عليها . والجزء الأكبر من هذا البناء باق حتى الآن.

استولى الصليبيون على القدس في 15 تموز/ يوليو سنة 1099م فدخلوا كنيسة القيامة حفاة ناشدين الأناشيد والتراتيل ورفض قائدهم ان يتوّج بتاج ذهبي حيث كلل باكليل من الشوك . وعقب استيلائهم على المدينة أسسوا دولة لاتينية دامت 88 سنة لقّب حماتها بحماة القبر المقدس . وبقيت القيامة طيلة هذه المدة تحت النفوذ اللاتيني . وأما الطوائف الشرقية فأُبقي لها قسم ضئيل من حقوقها في القيامة واستمرت تمارس طقوسها تحت سقفها . وقد رأى الصليبيون ان يحافظوا على ما كان من البنايات في كنيسة القيامة فانصرفوا الى زخرفتها وتجميلها وتوحيد اجزائها المتفرقة ضمن جدار كنيسة كبرى فعمدوا الى العمل . وبعد مضي تسع سنوات تمكنوا من توحيد جميع بنايات القيامة تحت سقف قبة شاهقة فرغوا من بنائها سنة 1149 م . فهيئة القيامة الحالية باقية اذن من عهد الصليبيين ان استثنينا بعض تغييرات طفيفة دعت الحاجة اليها.

وسنة 1187 أخذ صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين فأشار عليه بعض أتباعه على ما روى عماد الدين ان يدمر كنيسة القيامة لكيلا تبقى وسيلة للنصارى ليحجوا اليها فلم يفعل ، بل اكتفى بنزع الصليب القائم على واجهتها وبتحطيم الأجراس التي على برجها وأزال كل أثر صليبي في الصخرة والمسحد الاقصى فحطم التماثيل والصور التي كانت قد نقشت هناك .
وفي سنة 1229 م استعاد الصليبيون القدس ثانية تحت قيادة فردريك الثاني ملك المانيا وبقيت في أيديهم عشر سنوات فقط 1229 – 1239 م ثم انتزعت منهم وانقضى حكمهم نهائياً من القدس وبانقضاء حكمهم انتهت سيادة اللاتين المطلقة التي تمتّعوا بها في إدارة الأماكن المقدسة وأعيدت بعض الأملاك التي اغتصبت في الدور الصليبي الى أصحابها.

ومنذ القرن الثالث عشر الى أيامنا رمّمت الكنيسة التي خلفها الصليبيون مراراً لما طرأ عليها من حوادث الزلازل والحريق واجتياح الأمم.
ففي سنة 1244 م غزا التتر الخوارزميون القدس فهدموا القيامة ونهبوا كنوزها ولكنها بنيت ثانية في أواخر ذلك القرن . وفي سنة 1719 م تداعت قبة كنيسة القبر وكانت من عهد قسطنطين مونوماخوس فرمّمت وأصلح جانب كبير من أبنية القيامة ومعابدها . وفي سنة 1808 م حدث حريق في كنيسة الأرمن امتد لهيبه الى سائر جهات القيامة فالتهم الأبنية ولم يسلم الحريق الا قبة القبر وكنيسة اللاتين ومغارة الصليب فنال الروم فرماناً من السلطان محمود بتجديد البناء وشادوا سنة 1810م فوق القبر البناء الحالي ، ثم رفعوا جدراناً حول كنيسة نصف الدنيا وأقاموا فوق كنيسة القبر قبة لم يحكم المهندسون بناءها فتداعت قبل مرور خمسين سنة عليها ويستدل من الكتابة الموجودة على القبر ان المهندس الذي قام بتجديد هذه الأبنية كان يدعى كونينوس من جزيرة مدلي.

وفي سنة 1869 م اتفقت روسيا وفرنسا وتركيا على تجديد بناء القبة التي فوق كنيسة القبر فأوفدت كل منها مهندساً لهذه الغاية وشادوا القبة الشاهقة الحالية ورسموا عليها صوراً أنيقة بدأت يد الزمان تذهب ببعضها…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ارثر مكماهون ــ القبر المقدس ــ الموسوعة الكاثوليكية ــ نيويورك ــ 1913.
دينس برينغل ــ كنائس المملكة الصليبية في القدس ــ جامعة كامبريدج ــ 2007 .
ليف يعقوب ــ الدولة والمجتمع في مصر الفاطمية ــ نيويورك ــ 1991 .
فريدريك جاكسون ــ مقدمة لتاريخ المسيحية ــ لندن ــ ماكميلان ــ 1921 .
هاري ووكر ــ تاريخ الحروب الصليبية ــ جامعة ويسكونسن ــ 1977 .

About عضيد جواد الخميسي

كاتب عراقي
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.