بقدر ما يسعدني أن تحظى مقالاتي بالتعليقات.. التي أستمتع بقراءتها.. بقدر ما يحزنني كيف تخرج معظمها عن الموضوعية في الرد وتنحدر الردود إلى مستوى هابط من التلاسن.. مقالاتي لا تهدف إلى زيادة الفجوة بيننا كبشر.. بل تهدف إلى محاولة ردم هذه الفجوة التي إزدادت في السنوات الأخيرة.. وفتح حوار عقلاني.. لإيماني بأننا بشر وحان الوقت لإعلاء إنسانيتنا وهي التي ستجمعنا قبل أي شيء آخر.. لأن مستقبلنا مشترك..
بدأ الشهر الكريم.. وكل عام وأنتم بألف خير.. وأتمنى من كل معلقي المقالات فهم معنى كرم الصوم قبل البدء في التعليقات.
سأتطرق اليوم إلى معلومة طمست عليها معظم كتب الدين والتراث حين روّجت للجاهلية بانها عصر الظلام الحالك قبل مجىء الإسلام.. وأنه لم يكن هناك وجود فعلي ومحسوس لديانات اخرى في الجزيرة العربية فيما عدا اليهودية والمسيحية وأن النظام القبلي الجاهلي كان الوحيد السائد آنذاك…ولكنني ومن خلال قرائاتي المتعددة والمختلفة. وجدت الكثير مما يؤكد بأنه وفي وسط هذا الظلام كانت هناك إشعاعات نور نجحت في إرساء قواعد لتنظيم المجتمع وأرست قواعد صلبة وهامة لتكافله.. وضمان مستقبل أفضل لأجيال قادمة. إضافة إلى إعترافها ونجاحها في قبول حرية العقيدة وإحترام الآخر.. من أجل التعايش الإقتصادي والأمني….في صحراء شبه قاحلة.. كان النهب والسرقة والغزو أحد أهم مصادر رزق سكانها..
من أرقى هذه الشخصيات والذي تفوّقت إنسانيته على كل شيء برغم دهائه الذي إستعمله لصالح قبيلته قريش.. لؤي بن كلاب..كان من أهم شخصيات الجزيرة.. وهو الجد الرابع للنبي.. حصل على نفوذ واسع في مكه ويعتبر أشهر رئيس في قبيلة قريش عمل أولآ على الإنتصار لقريش على باقي قبائل كنانة و خزاعة وأخرج كل القبائل الأخرى من مكه.. وجعلها المسكن الخاص لقريش.. محتكرا لها السدانه والسقاية والرفادة..وهي اهم مصادر الرزق في ذلك الزمان كانت لدية رؤى متعددة..
أولها.. رؤية أنسانية ترقى إلى أجمل ما يحظى به العالم الغربي حاليا. نظام الضمان الإجتماعي حيث حرص على تطبيق نظام تكافل يحمي كل قبائل قريش من الموت جوعا.. حيث كانت هناك عادة قبلية ’تسمى بالإحتفاد.. تنضوي القبيلة التي لا مورد لها في مكان بعيد تموت فيه جوعا.. قام بوقف هذه العادة.. وأصر على أن يتكافل الجميع لإطعام هؤلاء المحتاجين..
ثانيا… رؤية أمنيه تضمن عدم الإعتداء على قبيلة قريش.. حيث حث عائلات قريش على السكن حول الكعبة , وبهذا يضمنوا أن لا تعتدي عليهم القبائل الأخرى..إحتراما لما ’مثلته الكعبة من ’قدسية في أذهانهم.
ثالثا… رؤية إجتماعية.. تستند إلى أن السكن بجوار الكعبة سيرفع المستوى الإجتماعي للقبيلة.. وبهذا تحظى بنسب أرقى من القبائل الأخرى.
رابعا.. رؤية إقتصادية تضمن لقريش تنمية إقتصادية مستمرة ومستدامة.. حين بيّن لهم أهمية الإحتفاء بضيوف الحج من القبائل الأخرى.. وتقديم كل أنواع الضيافة لهم لحثهم على العودة مرة أخرى..
تشجيع تلك القبائل بالعودة لمكه بالتحديد وذلك بالسماح لهم بوضع آلهتهم في الكعبة.. وهو ما يؤكد التسامح الديني والإعتراف بالديانات الأخرى.. إضافة إلى الترويج لكعبة مكة بالتحديد.. بدلآ عن الكعبات الأخرى والتي ’تقدّر ب 23 كعبه من اهمها كعبة نجران…
أما على مستوى التنظيم الداخلي.. فقد قام ببناء بيتا له.. فتحه على مصراعيه للتشاور وفصل الخصومات.. وعقد العقود.. والزواجات.. ’سميت بدار الندوة.. وهي اول دار ’بنيت بمكة.. ويقال أن بابها كان إلى المسجد الحرام…
أما دهاؤه.. فيكمن في إقراره للجميع بحرية العقيدة بحيث ضمن الإقتصاد والتعايش السلمي بدون غزو.. وإعلاء كعبة مكة.. من خلال الترويج بأنها هي الكعبة التي بناها إبراهيم دونا عن باقي الكعبات؟؟؟؟؟
هل كان يطمح للنبوة..؟؟؟ الحقيقية انه وفي ذلك الزمان عديديون هم من تيّقنوا بأن النبوة هي الطريق الوحيد الذي سيضمن لهم حماية قبائلهم.. وهو ما عمل علية ’قصي بن كلاب.. وهو الذي بدأ بأسطورة هبوط كائنات مجنحة شقّت صدرة وأخذت من قلبه قطعة السواد بما يعني تطهيره من الشر؟؟؟ وهي نفس الأسطورة التي روّج لها عبد المطلب (الجد الأول ) لاحقا.. وأمية بن أبي السلط ثم النبي محمد “عليه السلام “.
هل كان ’قصي حنيفيا كما وعبد المطلب.. يعتقد كثيرون بأنه أول مؤسس للحنيفية.. تبعه فيما بعد الجد الأول للنبي ” عبد المطلب ” والذي ’يقال بأنه زعيم الحنيفية..
ولكن وإلى جانب الحنيفية.. والتي كانت ترفّع عن الإيمان بإحدى الديانتين اليهودية والمسيحية.. وفي ذات الوقت يحمل شخصياتها أرقى الأخلاق النبيلة.. إلى جانب البحث عن دين جديد.. العامل المشترك بينها جميعا.. هو الحث على الصيام.. لكسب عطف الله..
ففي اليهودية مثلا فإن الصيام يبدأ مع الفجر وحتى الغروب.. ولكن لأيام خاصة ومعينة خلال السنة.. إضافة إلى صيام فردي تطوعي محصور في يومي الإثنين والخميس!! كلها ’يمارس فيها التقشف ولكن وأهم ما لفت نظري.. هو صيام القضاة يوم إصدار حكم الإعدام على شخص ما.. وهو ما لغته الدولة الإسرائيلية تماشيا مع الميثاق العالمي لحقوق الإنسان!!!!
الصيام في المسيحية.. وهو صيام عن أنواع معينة من الطعام.. أيضا يعكس التقشف الكبير لأنه يعني الإمتناع عن البروتينيات مثل اللحم والبيض والأجبان.. تعاطفا مع المحرومين..
أما الصيام الأكثر تشابها مع الديانة الإسلامية. فهو صيام معتنقي ديانة الصابئة.. وهم فئة عدلت عن الإيمان بالديانتين الإلهتين الموجودتين والمعترف بهما.. وهي المسيحية واليهودية.. وعبدت الملائكة كوسيط للوصول إلى الإله!!! ’يصلّون للشمس والكواكب خمس مرّات في اليوم.. في ركعات وسجدات.. ويتوضؤون قبل صلاتهم.. وحرموا لحم الخنزير والكلاب.. ولا يتزوجون إلا بشهود وأباحوا الطلاق بشرط وجود فاحشة.. وفريضة صيامهم.. المشابهه تماما لصيام المسلمون.. إمتناع كامل عن الطعام والشراب من الفجر وحتى الغروب لمدة ثلاثين يوما!
’ترى هل كل هذه المعلومات حقيقية؟؟ لا نستطيع التأكيد بنعم او لا.. وهو ما ينطبق على كل شيء آخر من تلك العصور.. عزيزي القارىء..
كلنا يعرف عن كل الأهداف النبيلة للصيام.. ولكن ما يجب ان نضعه نصب عيوننا.. و’نقّر به.. بأنه لن تتلاشى الأديان.. وطقوس الأديان.. ولكن علينا العمل لكي تجمعنا هذه الطقوس.. لقد سعدت جدا حين سماعي بإحدى المنظمات الإسلامية في لندن بانها فتحت أبوابها للإفطار لكل شخص بغض النظر عن دينه أو عرقة..كمبادرة لكسر الحواجز بيننا كبشر.. ولكي لا تكون الأديان عائقا لتطورنا…
ما نحتاجة للمنطقة العربية.. وفي هذا الشهر الكريم. وكل الأشهر بعده… أن لا نفتح معدنا للإسراف في الأكل. بل فتح قلوبنا والإسراف في المحبة. للآخر.. وللمختلف.. والذي هو إبن وطننا وأخونا في الإنسانية.. لنتشارك معا في بناء إنسانيتنا وهي العامل المشترك الأول الذي عملت له كل الأديان… الديمقراطية هو ما سيعمل على الإعتراف بالآخر. والمساواة… والعدل.. ولن تتم بدون فصل الدين عن الدولة؟؟؟؟؟
منظمة بصيرة للحقوق الإنسانية