كفر الفرنجه وأصل التسمية

jihadalawnaكفرنجه اليوم هي قرية كبيرة في محافظة عجلون شمال غرب المملكة الأردنية الهاشمية ويبلغ تعداد سكانها ما يقارب ال35 ألف نسمة , ولم يكن هنالك من يعرف سبب تسميتها بهذا الاسم وهنالك آراء معكوسة ومقلوبة تقف على رأسها وليس قدميها, فالتاريخ الأردني يقول بأن (كُفرنجه) سُميتْ بهذه التسمية نسبة إلى الفرنجة أيام فتح صلاح الدين الأيوبي لبيت المقدس (القُدس) فقد كان يرسل بالأسرى من الروم ليعملون بها في أعمال الفلاحة.

وهذا الكلام عاري تماما عن الصحة فالذين يقولون مثل هذا الكلام يقولونه من أجل أن يضيفوا هالة كبيرة على صلاح الدين الأيوبي حيث أنه أذل الفرنجة, وهذا الكلام كله مغلوط عن صلاح الدين الأيوبي وخطأنا نحن العرب أننا ندرس ونَدرس التاريخ من تحت أقلام كتّاب مسلمين لا يقرؤون للمستشرقين ووقعنا أو وقعوا هم وحدهم في أخطاء تاريخية من الصعب اليوم تصحيحها إلا إذا قرأنا التاريخ من أقلام كُتّابٍ مستشرقين, وقد وقع العربُ المسلمون في هذا الخطأ مرتين, مرة حينما قرءوا تاريخ خالد بن الوليد من تحت أقلام كُتّاب عرب مسلمين ولم يقرءوه جيدا من تحت أقلام الكُتّاب الفرس.
ولنعود إلى موضوعنا, وهو كفرنجه تلك القرية المرتفعة التي تربط بين عجلون والضفة الغربية, حيث نلاحظ حين ندخل هذه القرية أنها مشتهرة جدا بزراعة الزيتون (الرومي) وهذا النوع من الزيتون منتشر جدا في الأردن ولكنه في كفرنجه مشتهر أكثر, مما يدعونا للتأمل على حقيقة التسمية, ذلك أن مُناخ هذه القرية البارد في الصيف كان قد اختاره الروم أثناء احتلالهم لمنطقتنا برمتها, وكانت كفرنجه موقعا سكنيا لكبار رجالات الدولة الرومية وليس للأسرى الذين أسرهم صلاح الدين الأيوبي, والسبب واضح جدا لدعم هذه الحقيقة وهي أن الإنسان قديما لم يكن يُسمي القرى بأسماء العبيد والجواري والأقتان بل كان يسميها بأسماء العظماء والأغنياء إذ لم يكن للإنسان العادي أي قيمة تذكر, لقد كانت هذه المنطقة الجبلية عبارة عن تجمع سكاني لكبار رجالات الدولة البيزنطية الرومية, ولم يكن أحد من عامة الناس العرب المسلمين باستطاعته أن يقطن هذه المنطقة السكنية لأسباب منها اقتصادية وأخرى سياسية, فيبدو أن كلفة السكن في هذه القرية كانت باهظة الثمن ولم يكن باستطاعة الناس العاديين أن يسكنوها وثانيا أنها كانت محمية سياسيا لأنها مركزا للمحتل الأجنبي, وهؤلاء المحتلون ما كانوا ليثقوا بسكان المنطقة الأصليين لذلك استقروا بهذه المنطقة الجبلية بعيدا عن تجمعات السكان الأصليين للمنطقة لذلك كان الناس يطلقون عليها اسم (كفر الفرنجة) وقد كانت قديما مثلها مثل الأحياء السكنية المرتفعة الأسعار في العواصم والمدن الرأسمالية اليوم, بحيث لا يقدر الفقراء وأصحاب المستويات العلمية المتدنية من المكوث فيها, فمثلا اليوم هنالك مواقع راقية في عمان لا يستطيع الفقراء أن يسكنوها وإذا انخفضت فيها أسعار الأراضي فورا يتركها الأغنياء لينتقلوا إلى منطقة سكنية أخرى, الهدف من العزلة هذه هو بسبب اختلاف معايير الأخلاق لدى المجتمعات والعائلات الثرية جدا فأخلاق الأثرياء غالبا ما تختلف عن أخلاق أو معايير الأخلاق عند غيرهم من العائلات الفقيرة, فإذا مثلا انخفضت اليوم أسعار الشقق السكنية في عمان (عبدون) أقصد حي عبدون أو دير غبار في العاصمة عمان فإنه من الطبيعي أن يدخلها الفقراء بأخلاقهم وعاداتهم وسلوكياتهم التي تختلف عن عادات وسلوكيات الأثرياء.
وهكذا كانت كفرنجه أو كفر الفرنجة بأل التعريف, كانت منطقة باهظة الثمن وتعتبر مركزا للبرجوازيين الأثرياء القُدامى , فلم يكن أحد من السكان الأصليين من الفقراء عنده المقدرة على العيش في كفر الفرنجة بسبب غلاء المعيشة المتعمد والمقصود منه عزل الفقراء وأخلاقهم عن البرجوازيين وأخلاقهم , وهذا مثله اليوم مثل المدارس الخاصة المرتفعة في رسوم التسجيل, فهذه المدارس مخصصة لطبقة اجتماعية لها أخلاقها المختلفة عن أخلاق الطبقات الفقيرة ذات الدخولات المحدودة شهريا وسنويا وإن هبطت فيها رسوم وأسعار التدريس فإن الفقراء حتما سيدخلونها وبالتالي تختلط أخلاق الفقراء بالأثرياء ويؤثر الفقراء على سلوكيات وأخلاق الأثرياء مما يثير لغطا اجتماعيا وخللا واضحا في بناء الشخصية وتكوينها فيسحب لهذا السبب الأثرياء أبناءهم من تلك المدارس ليدخلونهم في مدارس ذات تكلفة عالية والتي من المستحيل على الفقراء أن يدخلوها بعاداتهم وتقاليدهم , وبالرغم من رفض الفقراء أخلاق الأغنياء البرجوازيين الأثرياء وعاداتهم غير أنهم يشعرون بالفخر من مخالطة أبناءهم لأبناء الأثرياء, ولكن الأثرياء يدركون خطورة المسألة أكثر من الفقراء لذلك فورا يسحبون أبناءهم من تلك المدارس ذات التكلفة الرخيصة في رسوم التدريس.
وهكذا كانت كفر الفر نجه كانت منطقة مغلقة لا يسكنها إلا أثرياء الرومان وعائلات قادة الجيش وجُباة الأموال وعائلات الإداريين لذلك سُميت بكفر الفرنجة.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.