أمضيتَ عمرك تصدق كتب الأدب التي قالت لك، إن قيس بن ذريح شاعر جميل وعاشق شهير. ولم يرد ذلك فقط في الدراسات الأدبية، بل جعل كرم ملحم كرم من حكاية قيس ولبنى رواية تاريخية على غرار «روميو وجولييت». ولم يصنف ابن ذريح بين شعراء الغزل العذري لأنه تزوج من لبنى، ولبنى لم تخصب ولم ترزق، فأرغمه والده على طلاقها، والبقية معروفة: حزن حتى الموت.
أنت تعتقد إذن أن ابن ذريح شاعر وعاشق وهو القائل:
وقلبك قط ما يلين لما يرى
فوا كبدي! قد طال هذا التضرع!
أمهلنا يا صاح، فأنت على خطأ. وكل ما عرفته كان خطأ، فابن ذريح هذا يا أخا العرب، وفقا للتحليل النفسي و«التحليل السريري» (لا أعرف معناها) كان مازوشيا، أي يجد متعة في تعذيب النفس. إذا لم تصدقني فاقرأ «الإبداع الأدبي والتحليل النفسي» للدكتور ديزيره سقال والدكتورة ديزيره القزي. مازوشي.
يشرح الدكتور والدكتورة المازوشية في قصيدة «لبنى» بالقول: «القامع هنا لا يلبث أن ينكشف أكثر منذ البيت الثاني: إنه الحبيبة، فالتواصل هنا بين طرف يعذب وطرف يتعذب، والذات تحاول أن تحقق مشروعها (وهو الاتصال بالحبيبة)، لكنها تواجه بالاستحالة فتخفق، لذلك، تنسحب وترتد لتكشف عن عقدة دونية وعن ضعف ظاهر والعجز عن ممارسة الرجولة».
إذن «الذات تحاول أن تحقق مشروعها». كأن تقول «السد العالي»، أو «سد النهضة» الإثيوبي، أو «سد شبروح» في لبنان. وإذ يعجز قيس عن تحقيق المشروع يروح يناجي لبنى. مازوشي. لكن الحمد لله فهو «بالتحليل السريري» ليس ساديا أيضا، ولا شيزوفرينيا يعاني من انفصام الشخصية. فقط مازوشي.
من هو المازوشي أيضا؟ بدر شاكر السياب، ابن جيكور، ذلك الحزين الذي وضع «سفر أيوب». السلسلة طويلة في التحليل السريري: المتنبي يعاني من البارانويا وعقدة الاضطهاد. صلاح عبد الصبور ليس رومانسيا، بل يعاني من عقدة الاكتئاب.
الطب النفسي حقيقة كالطب الصحي. والمازوشية خلاصة دراسات تعطي الظواهر النفسية أسماء معينة لكي تسهل معالجتها. لكن أن يكون قيس بن ذريح «مازوشيا» قبل قرن من سيغموند فرويد، أو يونغ (كارل غوستاف) الذي يستند إليه الدكتوران في إضفاء المازوشية، ففي الأمر شيء من العلم الضاحك.
يا عزيزيا (على وزن خليليا)، كل ما في الأمر أن قيس لبنى مثل قيس ليلى ومثل امرئ القيس، كان رجلا هائما. وصدف أنه يقرض، فقرضه حزن ولوعة. هذه عادة عربية قديمة كنا نسميها رومانسية قبل ظهور «التحليل السريري».
منقول عن الشرق الاوسط